تحريرات في الفقه: كتاب البيع المجلد 1

اشارة

سرشناسه : خميني، مصطفي، 1309-1356.

عنوان و نام پديدآور : تحريرات في الفقه: كتاب البيع/ تاليف مصطفي الخميني.

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1378 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره 964-335-158-0 : ؛ ج.1 964-335-117-3 : ؛ 35000 ريال (ج. 1، چاپ دوم) ؛ 13000ريال:ج.2 964-335-118-1 : ؛ 39000 ريال (ج. 2، چاپ دوم) ؛ 75000 ريال: ج.3 978-964-212-095-6 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ اول: 1418ق. = 1376

يادداشت : ج. 1 و 2(جاپ دوم: 1427 ق. = 1385).

يادداشت : ج.3 : 1389.

يادداشت : جلد سوم كتاب حاضر توسط موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني ، موسسه چاپ و نشر عروج منتشر گرديده است .

يادداشت : كتابنامه.

عنوان ديگر : كتاب البيع.

موضوع : خريد و فروش (فقه)

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني (س)

شناسه افزوده : موسسه چاپ و نشر عروج

رده بندي كنگره : BP190/1/خ 84ت 3 1378

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 78-10686

المقصد الأوّل في حقيقته و ماهيّته

اشارة

و فيه جهات

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 7

الجهة الاولى في تعريف ماهيّته

اشارة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 9

في أنّ ماهيّة البيع اعتباريّة حادثة بعد الاجتماع

و حيث لا حدّ لها تعرّف بآثارها، فإنّها من الاعتبارات المقصود فيها التمليك بالعوض، بخلاف الصلح، فإنّ المقصود ليس فيه ذلك و إن تحصّل منه هذه الفائدة.

هذا بناء على المشهور «1»، و أمّا على المختار فهو ليس عقدا مستقلّا، و التفصيل في محلّه.

و أخذ عنوان «التمليك» «2» أو عنوان «المبادلة» «3» في حدّها غير صحيح، لأنّه بالحمل الأوّلي ليس واحدا من تلك المفاهيم، و الاتحاد الخارجي في الحمل الشائع لا يجوّز التحديد اصطلاحا.

و ليس الأثر المذكور عامّا، لأنّ ذلك في غير البيع لا يبقى على إطلاقه، كما لا يخفى.

و حيث إنّ القبول ليس داخلا في ماهيّة المعاملات، فلا ينقض

______________________________

(1) السرائر 2: 64- 65، شرائع الإسلام 2: 99، مسالك الأفهام 1: 212- السطر 18، جواهر الكلام 26: 212.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 79- السطر 20.

(3) المصباح المنير: 87، منية الطالب 1: 34- السطر 21، و 35- السطر 17.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 10

بالهبة المعوّضة «1»، لأنّها تحتاج إلى الهبة الثانية، بخلاف البيع مثلا، فإنّه يحصل بعمل البائع بتمام هويّته و حقيقته.

نعم، يحتاج في الأثر إلى القبول، كما في الفضوليّ.

و ممّا يشهد على أنّ الملكيّة ليست داخلة بمفهومها في الماهيّة المشار إليها: صحّة بيع الشي ء قبل تملّكه مع القدرة على حيازته، و صحّة بيع الكلّي.

إيقاظ: حول تقسيم أسباب البيع إلى دخيل في الأثر و دخيل في صدق الاسم

حقيقة البيع من المعاني الاعتباريّة المتوسّل إليها بالأسباب المختلفة، كالألفاظ، و الإشارة، و الفعل المطلق، أو المخصوص. و القيود المعتبرة فيها إمّا من الأمور الدخيلة فيها عرفا، أو شرعا:

فما كان من الثاني، فهو ليس داخلا في ماهيّتها، كما لا يخفى.

و ما كان من الأوّل، فربّما يختلج بالبال دعوى تقوّمها به، لأنّها ترجع إلى صحّة سلبها عند فقد ذلك القيد

عرفا.

و لكنّه غير تامّ، لشهادة اللغة و الإطلاقات الدارجة على خلافه، فهي عندهم على نحوين:

منها: ما هو الدخيل في الأثر.

و منها: ما هو الدخيل في الذات.

و على هذا يصحّ التمسّك بإطلاقات الأدلّة الشرعيّة لرفع القيود

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 206.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 11

المحتملة دخالتها، إلّا إذا رجع إلى الشكّ في الاسم، فتوهّم عدم جواز التمسّك، لأنّ الاسم موضوع للصحيح، كما عن الشهيدين «1»، فاسد.

و لعلّ مرادهما من «الصحيح» هو المؤثّر العرفيّ، دون الشرعيّ، فليتأمّل، و سيأتي توضيح المسألة في الجهة الآتية إن شاء اللّه تعالى «2».

استئناف: حول حقيقة المعاوضة

المتعارف في العصور البدويّة هو التبادل بين الأعيان المسمّاة ب- «المعاوضة» و المشهور بين فقهائنا أنّها بيع، لصدق تعاريفه المختلفة عليها.

و قد يشكل ذلك، لعدم مساعدة الإطلاقات الخاصّة و الاستعمالات العامّة عليه. مع أنّ البيع اعتباره على النظر مستقلّا إلى المعوّض، و لا يؤخذ العوض في الإنشاءين- الإيجابيّ، و القبوليّ- مقدّما على المعوّض، بخلاف المعاوضة، فيقول صاحب العين: «عوّضت هذا بهذا» و يقول الآخر مثله، و هذا التعارف الخارجيّ يشهد على اختلاف الاعتبارين في النظر العرفيّ.

و صحّة إطلاق لفظ «البيع» عليها لا يشهد على أنّها بيع، لأنّه أعمّ من الحقيقة، و باب التوسّعات مفتوح على أرباب الاستعمالات.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 80- السطر 32، القواعد و الفوائد 1: 158، الفائدة الثانية من القاعدة 42، مسالك الأفهام 2: 159- السطر 37.

(2) يأتي في الصفحة 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 12

و هذا لا يورث تقوّم البيع بكون العوض كلّيا، ضرورة إمكان بيع الكتاب بالكتاب.

نعم، في المعاوضة يكون نظر المتعاملين كلّ بماله، و يكون كلّ واحد منهما معوّضا و عوضا باختلاف الاعتبار، و في

البيع أحدهما المبيع، و الآخر ثمنه، فلا تخلط.

ثمّ إنّه يلزم بناء عليه، بطلان التعاريف المذكورة للبيع، و لكن جعل الأثر الأخصّ أو الأعمّ عنوانا مشيرا إلى تلك الحقيقة، ممّا لا بأس به.

و إن شئت قلت: هو في الأثر مختلف:

فمنه: ما يورث الملكيّة دون السلطنة، كما في المعاملة بمال المحجور.

و منه: ما يورث السلطنة و الملكيّة، كما في المتعارف منه.

و منه: ما يورث السلطنة فقط، كما في بيع الحاكم العين الزكويّة من الحاكم الآخر، على بعض المباني.

و عليه كيف يمكن تعريفه؟! و «مبادلة المال بالمال» منقوض بالإجارة، و بجعل إسقاط الحقّ ثمنا، كما اخترناه في الأجرة فيها «1».

______________________________

(1) لعلّه في كتاب الإجارة من «تحريرات في الفقه» و هو مفقود.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 13

الجهة الثانية في الأسباب المتوسّل بها إلى تلك الماهيّة الاعتباريّة

اشارة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 15

عدم الإشكال في صحّة العقد اللفظي

لا شبهة بين فقهاء الإسلام في صحّة العقد اللفظيّ و البيع الموجود باللفظ و نفوذه، و أنّه هو الموضوع لاعتبار العقلاء للنقل و الانتقال، و إنّما الخلاف بينهم في صحّة السبب الفعليّ و المعاطاة الخارجيّة المتعارفة بين الناس قديما و حديثا، و قد بلغت أقوالهم إلى سبعة أو أكثر «1»، و منشأ الاختلاف ليس راجعا إلى الأدلّة اللفظيّة إلّا ما شذّ، بل هو لاختلاف أنظارهم في درك ما هو المتعارف خارجا.

فبالجملة: جعلوا محلّ النزاع و مصبّ النفي و الإثبات المعاطاة.

و الذي هو الحقّ عندي: أنّ الأمر على عكسه، فإنّ المعاطاة هي الأصل في العقود و الإيقاعات، و في صحّة العقود اللفظيّة إشكال، إلّا

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 154- 155، كتاب الإجارة، المحقّق الرشتي: 4- السطر 17- 18، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 68- السطر 15، مصباح الفقاهة 2: 87.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 16

ما دلّ عليه الدليل الشرعيّ المتضمّن لصحّته و نفوذه، و ذلك لأنّ المعاطاة هي المعاملة التي حدثت حينما تشكّلت معيشة الاجتماع بين الناس، فإنّهم بعد ما احتاجوا إلى التبادل بين لوازم حياتهم، توسّلوا إلى المبادلة بين الأموال و المعاوضة عليها، ثمّ بعد ذلك أشكل الأمر عليهم، لجهات خارجة عن بحثنا، فتوجّهوا إلى العروض و النقود، و جعلوها أثمانا فيها، و اعتبروا ماهيّة البيع بارتكازهم.

و هذا الاعتبار إمّا عين اعتبار المعاوضة، كما قد عرفت عن المشهور، أو غيره، إلّا أنّه قريب منه كما هو المختار. و الذي ترى في المجتمع البشريّ في جميع الأحيان و الأعصار، و في كافّة البلاد و الأمصار قديما و حديثا، ليس إلّا المعاطاة حتّى في المعاملات

الخطيرة، و أمّا ثبت المعاملة في الدفاتر و المكاتيب، فهو ليس إلّا سندا لها.

نعم، بين المتشرّعة دارجت المعاملات العقديّة، لما ذهب إليها فقهاؤهم من العصر الأوّل، فلا تغفل.

و لا ينبغي الخلط بين المقاولة و العقد اللفظيّ، و ما تجدون في البلاد الراقية فهو منها أيضا، و ليس بينهم تعارف العقود اللفظيّة.

و هكذا الخلط بين التعهّدات على المعاملة، كما بين الدول، و بين العقد اللفظيّ، و ما تسمع: «من أنّ المتعارف في التجارات الكلّية هي العقود اللفظيّة» «1» باطل، بل هو منها، فنقل السببيّة من المعاطاة و الأعمال الخارجيّة إلى الأقوال و الألفاظ بخصوصها، يحتاج إلى دليل.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 86- السطر 8- 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 17

و في كفاية الاتفاق و الإجماع «1» إشكال.

و توهّم السيرة غير المردوعة «2»، غير تامّ، لما أنّ السيرة- خصوصا في تلك الأعوام- على المعاطاة، و لو اتفق أحيانا العقد اللفظيّ، فهو ليس إلى حدّ يكون بمرأى و مسمع من الشرع، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال: العقد اللفظي عقد لغة و عرفا، و عمومات المسألة تشمله، فيعلم منها صحّته و نفوذه و لزومه.

أو يقال: بأنّ الأدلّة لو فرضنا قصورها عن إثبات حكم- كما سيأتي تفصيله في ذيل هذه الجهة- يمكن دعوى صحّة العقد اللفظيّ، للعلم بعدم الخصوصيّة، فلو كان عند العقلاء عقدا صحيحا و موضوعا لاعتبارهم، فعدم الردع المطلق و إن كان لا يكفي، إلّا أنّ وحدة الحكم تستكشف من الموضوع المسانخ، كما لا يخفى، فليتدبّر.

فتحصّل: أنّ الدليل الوحيد على صحّة العقد اللفظيّ، هي الأدلّة اللفظيّة و الروايات الخاصّة [1].

______________________________

[1] و هي المآثير التي استدلّ بها على اعتبار اللفظ في صحّة البيع (أ)، فإنّها و

إن لم تدلّ عليه، إلّا أنّها تدلّ على كفاية العقد اللفظيّ [منه قدّس سرّه].

(أ) القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أنّه نهى عن المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة.

المنابذة يقال: أنّها أن يقول لصاحبه: أنبذ إليّ الثوب أو غيره من المتاع أو أنبذه إليك، و قد وجب البيع بكذا، و يقال: إنّما هو أن يقول الرجل إذا نبذت الحصاة فقد وجب

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26، مفتاح الكرامة 4: 154.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 86- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 18

و لو فرضنا صحّة التمسّك بالعمومات في هذه المسائل على ما هو

______________________________

البيع و هو معنى قوله: إنّه نهى عن بيع الحصاة.

و الملامسة أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع بكذا، و يقال:

بل هو أن يلمس المتاع من وراء الثوب و لا ينظر إليه فيقع البيع على ذلك.

و هذه بيوع كان أهل الجاهليّة يتبايعونها، فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عنها لأنّها غرر كلّها.

معاني الأخبار: 278، وسائل الشيعة 17: 358، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 12، الحديث 13.

ابن أبي عمير، عن يحيى بن الحجّاج، عن خالد بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يجي ء فيقول: اشتر هذا الثوب، و أربحك كذا و كذا، قال:

أ ليس إن شاء ترك، و إن شاء أخذ؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به إنّما يحل الكلام، و يحرم الكلام.

تهذيب الأحكام 7: 50- 216، وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4.

علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال:

سألته عن رجل باع بيعا إلى أجل فجاء الأجل و البيع عند صاحبه، فأتاه البائع، فقال له: بعني الذي اشتريته منّي، و حطّ عنّي كذا و كذا، و أقاصّك بمالي عليك، أ يحلّ ذلك؟ قال: إذا تراضيا فلا بأس.

قرب الإسناد: 266، وسائل الشيعة 18: 71، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 16، الحديث 23.

الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجلين اشتركا في مال و ربحا فيه ربحا و كان المال دينا عليهما، فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال و الربح لك و ما توى فعليك، فقال: لا بأس به إذا اشترط عليه.

تهذيب الأحكام 7: 25- 107، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 19

المشهور، فلا بأس به هنا أيضا، ضرورة أنّ العقدة الحاصلة من الإيجاب و القبول، تعدّ عقدا و بيعا، لما أنّ في صدقها لا نحتاج إلى مئونة زائدة، بل المدار على ترتيب آثار العقد المعاطاتيّ عليها، و على أن يكون بناؤهم على تماميّة النقل و الانتقال بها.

______________________________

الخيار، الباب 6، الحديث 4.

عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: إنّ المصاحف لن تشترى، فإذا اشتريت فقل: إنّما أشتري منك الورق، و ما فيه من الأديم، و حليته، و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا.

الكافي 5: 121- 1، وسائل الشيعة 17: 158، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 31، الحديث 1.

بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ، فقال البائع: قد بعتك من هذا

القصب عشرة آلاف طنّ، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وكل المشتري من يقبضه فأصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف طنّ، فقال: العشرة آلاف طنّ التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع.

تهذيب الأحكام 7: 126- 549، وسائل الشيعة 17: 365، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 19، الحديث 1.

عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: لا، إلّا أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا، فيقول:

أشتري منك هذه الرطبة و هذا النخل بكذا و كذا.

الكافي 5: 176- 7، وسائل الشيعة 18: 219، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 3، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 21

بحث و تفصيل في المعاطاة

اشارة

اختلفت آراء فقهائنا في صحّة المعاطاة و فسادها، بعد البناء على صحّة العقد اللفظيّ، و في لزومها و جوازها. و ربّما ذلك بعد اتّفاقهم على إفادتها الملكيّة.

و في أنّها من المعاملات المتداولة، و تكون مندرجة فيها، و موضوعا لأحكامها، كما قد يقال في الصلح، أو أنّها معاملة مستقلّة بحيال ذاتها.

و في أنّها على فرض بطلانها و عدم إفادتها الملك، تكون لغوا، أو هي سبب للإباحة المطلقة، أو إباحة خاصّة.

و في أنّها على الإطلاق مثل العقد اللفظيّ، أو يفصّل بين الأمور الخطيرة، و غير الخطيرة.

و يمكن دعوى التفصيل بين ما يقبل التسليط الخارجيّ، و ما لا يقبل، و يمكن غير ذلك، كالتفصيل بين العقود و الإيقاعات.

و حيث إنّ المسألة لا يفيد فيها الاتفاق، فلا وجه لصرف الكلام في

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 22

تحرير موقف النزاع و مصبّ النفي و الإثبات، و لا داعي لنا في توجيه مختار الأصحاب، لما فيه من الخروج عمّا وضع عليه الكتاب.

و الذي لا شبهة فيه: أنّ البحث هنا في سبب الملك الحاصل بالقول و العقد اللفظيّ، و أنّه يختصّ به، أو يشاركه غيره في السببيّة، فلا بدّ من حفظ جميع القيود و الشروط الموجودة في الصيغة في المعاطاة إلّا الألفاظ. و أمّا لو اختلف العقد باختلاف السبب، فهو خارج عن البحث قطعا. و عدم وجود الجامع الصحيح بين الأقوال بشتاتها، لا يورث خللا في الباب، بل لا بدّ لنا من فرض النزاع على الوجه الصحيح.

ثمّ إنّه بعد الفراغ عن هذه المسألة، يتوجّه البحث حول أنّ الفعل الجامع للشرائط لو لم يقم مقام القول، يكون من اللغو، أم يفيد إباحة التصرّفات و إن لم تكن مقصودة، لعدم الحاجة إليه.

فعدّ الأقوال في المعاطاة ستّة «1»، أو سبعة «2»، من الغفلة عن حقيقة الحال. كما أنّ كونها معاملة مستقلّة «3»، ليس من الأقوال في المعاطاة، لجريان البحوث فيها أيضا.

إذا عرفت ذلك، فالكلام في المقام يتمّ في ضمن مباحث، و المهمّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 4.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 68- السطر 15، مصباح الفقاهة 2: 87.

(3) جواهر الكلام 22: 226- 228.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 23

منها ثلاثة، و أمّا البحث حول أنّها مستقلّة، أو أمر سار في العقود و الإيقاعات، فهو ساقط جدّا عنه، ضرورة أنّ المراجعة إلى ما هو المتعارف بين الناس، تقضي بأنّها سبب لحصول العلقة الحاصلة بالصيغة أيضا، فتوهّم ذلك ينافي التوصيف المتداول بينهم من قولهم:

«البيع المعاطاتي» و «الصلح المعاطاتي» و «الإجارة

المعاطاتيّة».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 25

المبحث الأوّل في إفادة المعاطاة للملكيّة
اشارة

هل المعاطاة تفيد الملكيّة إذا كانت الشرائط موجودة عرفا، و منها قصد المتعاملين التمليك بالعوض، و التسليط بالثمن، و هو المنسوب إلى المتأخّرين «1»، و اختاره جمع آخر «2».

أم لا و تكون باطلة، و لا توجب الملكيّة؟ و هو المحكيّ عن «نهاية» العلّامة «3». و لعلّ القائل بالإباحة يقول أيضا بالبطلان، فهو المشهور بين القدماء «4» و من تعرّض منهم للمسألة.

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 58، مجمع الفائدة و البرهان 8: 139.

(2) مفاتيح الشرائع 3: 48، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 15- 16، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 68- السطر 21، منية الطالب 1: 49- السطر 7.

(3) نهاية الإحكام 2: 449.

(4) المبسوط 2: 87، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26، السرائر 2: 250.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 26

و الحقّ هو الأوّل، لما عرفت منّا سابقا «1»، و لعدم تماميّة الجهات المذكورة إشكالا عليها، و هي كثيرة:

الاستدلال على بطلان المعاطاة بعدم تحقّق إنشاء المعاملة بالفعل

فمنها: أنّ الإنشاء من الاعتبارات، و لا يمكن التوسّل إليه و إيجاده إلّا بما هو قابل لذلك، و هو القول دون الفعل.

و إن شئت قلت: ليس الفعل موضوعا للإنشاء، حتّى يتوسّل به إليه، بخلاف هيئات الألفاظ، فإنّها كما تكون موضوعة للإخبار موضوعة للإنشاء أيضا.

و لك أن تقول باعتبار الوضع و السنخيّة بين الآلات و معلولاتها.

و فيه:- مضافا إلى السيرة العمليّة- أنّ باب الاعتبارات أوسع من ذلك، و لا خصوصيّة للألفاظ. نعم مجرّد الإمكان غير كاف.

و بذلك يدفع الإشكال الثاني: هو أنّ إمكان الإنشاء بالفعل، لا يلازم نفوذه و صحّته، و وجه الدفع واضح.

الاستدلال على البطلان بعدم شمول آية الوفاء و التجارة للمعاطاة

و منها: أنّها لغة و عرفا ليست عقدا، بل قيل: «إنّها ليست بيعا» «2»

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 16.

(2) تقدّم في الصفحة 25، الهامش 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 27

فلا تشملها الآيتان أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» و لو شكّ فلا يرجع إليهما.

و فيه:- مضافا إلى كفاية قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «3»- أنّها أولى بأن تكون عقدا، لأسبقيّتها في إيجاد العقدة بها من غيرها، و لم يعهد من أرباب اللغة ما يورث خروجها عنه، لأنّ العقد هو العهد المطلق، أو المشدّد، و حيث إنّ التشديد لا معنى له في الاعتبارات إلّا بأن يرجع إلى التشديد في الأسباب و لواحقها، يمكن اتصاف العقد اللفظيّ بالشدّة و الضعف، و يمكن اتصافها بهما.

و بعبارة أخرى: ليس العقد إلّا أمرا محصّلا و اعتبارا معنويّا، فلا نظر فيه إلى الأسباب المحصّلة له، فلا تغفل.

نعم، الظاهر أنّ هذه الآية أجنبيّة عن هذه المسائل، لأنّ العقود المعمول بها بين الأمم و الأقوام من

بدو حياتهم الاجتماعيّة، لا تحتاج إلى التشديد بمثل هذه الآية الكريمة، خصوصا بعد ما تكون في سورة المائدة، و لا سيّما بعد ملاحظة الصدر، و قوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «4».

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) البقرة (2): 275.

(3) النساء (4): 29.

(4) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 28

فإنّه بعد التأمّل يظهر: أنّها راجعة إلى العقود الخاصّة، و العقود الكلّية، لا العقود الماليّة و التجاريّة. و توهّم عدم صدق «البيع» مدفوع بالمراجعة إلى الإطلاقات العرفيّة و اللغة.

و لو شكّ في إطلاقها، فالقدر المتيقّن هي المعاطاة، دون العقود اللفظيّة، و هكذا لو شكّ في أنّها جملة إنشائيّة، فإنّه مع ذلك يعلم حلّية البيع إجمالا، كما لا يخفى.

إن قلت: آية التجارة غير كافية، لأنّ المقصود حصول الملكيّة بالمعاطاة التي هي البيع، لا التي هي المعاملة الحديثة.

قلت: كونها ممضاة و صحيحة يعرف منها، و كونها بيعا يعرف من اللغة و العرف، فلو فرضنا قصور الآيتين عن تصحيح المعاطاة- لأجل أنّها ليست عقدا، و لأجل أنّ الآية الكريمة الثالثة لا إطلاق لها، فلا تشمل المعاطاة- يكفي الآية الأولى.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ هذه الآية ناظرة إلى اشتراط الرضا، و النهي عن الأكل بالباطل، و هو الأكل بلا رضا، و لا تعرّض فيها لتصحيح التجارة و سببيّتها للحلّية. و يشهد لذلك النهي أوّلا عن الأكل، و الإتيان ثانيا بالرضا، و ثالثا بكلمة منكم فكأنّها تورث شرطيّة الرضا فقط، لخروج الأكل من الباطل إلى الحقّ، و لا خصوصيّة للتجارة، فكون المعاطاة سببا مملّكا أجنبيّ عنها.

إن قلت: لا يمكن الاستدلال لصحّة المعاطاة بآية الوفاء، لأنّ موضوعها العقد الصحيح، لا الأعمّ. و يشهد له أنّ التخصيص فيها، لا يورث الفساد

بوجود العقود الصحيحة غير اللازم الوفاء بها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 29

قلت: موضوعها العقد عرفا، إلّا أنّه يكشف الصحّة من لزوم الوفاء إلّا ما خرج عنها، فإنّه حينئذ لا كاشف عنها.

و بعبارة أخرى: مقتضى قاعدة الملازمة صحّة العقد اللازم و الوفاء به، و إذا كان من العقود ما ليس لازما الوفاء به، لا يمكن كشف الصحّة، لانتفاء اللازم، و حيث هو أخصّ لا يكشف من انتفائه انتفاء الملزوم، و هو فساد العقد، فتدبّر.

إن قلت: قضيّة حكم العقل- و هو أنّ العقد الباطل لا يجب الوفاء به- تخصيص الآية لبّا، فالتمسّك فيما نحن فيه غير جائز.

قلت: هذا هو مقتضى بعض المباني في تلك المسألة، و لكنّ التحقيق جوازه، لأنّ المخصّصات العقليّة، لا تورث تعنون العمومات اللفظيّة بها عرفا، و على هذا بعد الفحص عن دليل فساد المعاطاة، و عدم العثور عليه، يصحّ التمسّك بها بلا شبهة.

الاستدلال على البطلان بالإجماع و بالنبوي الناهي عن بيع المنابذة و الملامسة و «إنّما يحلّل.»

لا يقال: يكفي له الإجماع المدّعى في «الغنية» «1» و غيرها «2» على اعتبار الصيغة، و هو المؤيّد بالشهرة المحصّلة و المنقولة، و عدّة من الروايات، و منها النبويّ الناهي عن بيع المنابذة و الملامسة، و عن بيع

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26.

(2) جامع المقاصد 5: 309.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 30

الحصاة «1»، و ما ورد في الصحيح و غيره: «إنّما يحلّل الكلام، و يحرّم الكلام» «2».

لأنّا نقول: ليس معقد المحصّل منهما بطلانها، و كفاية المنقول ممنوعة، و لا دلالة للنبويّ- على فرض تماميّة سنده- على فسادها، لعدم معلوميّة وجه النهي و كيفيّته أوّلا.

و لاختصاصه بمواضعه ثانيا.

و لظهوره في أنّه لأجل كونه من الطرق غير المتعارفة ثالثا.

و لاحتمال كونه لأجل أنّهم

كانوا يعيّنون المبيع بتلك الأفعال، و هو يستلزم الغرر المنهيّ رابعا.

و أمّا غيره منها، فهو لا يرجع إلى محصّل، فراجع.

و أمّا قوله عليه السلام: «إنّما يحلّل الكلام، و يحرّم الكلام» ففيه وجوه و احتمالات، و كونه دليلا على اعتبار الصيغة، موقوف على حفظ مفهوم الحصر في مفاده، و هو حصر المحلّل و المحرّم به، و قد تقرّر منّا: أنّ مفهوم الحصر آب عن التخصيص «3». مع أنّ في المسألة يلزم التخصيص الكثير، كما قيل «4».

______________________________

(1) معاني الأخبار: 278، وسائل الشيعة 17: 358، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 12، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4، و 19: 41- 42، كتاب المزارعة و المساقاة، الباب 8، الحديث 4 و 6 و 10.

(3) تحريرات في الأصول 5: 185- 186.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 86- السطر 26.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 31

هذا، و المحلّليّة و المحرّمية ممّا لا يمكن الأخذ بمفهومهما، لما أنّ المال المنتقل بالكلام الفاسد، أو الكلام الواقع في غير مقامه، محرّم، و لا يعقل أن يحرّمه الكلام ثانيا.

فعلى هذا، يحتمل أن يراد منه أنّ الكلام المحلّل هو المحرّم، لأنّه يحلّل العوض على أحد المتعاملين، و يحرّم المعوّض على الآخر. و هذا الوجه بعيد من صدر بعض روايات المسألة، مثل ما رواه الكلينيّ، عن بعض الأصحاب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يجيئني و يقول: اشتر لي هذا الثوب و أربحك كذا و كذا.

فقال: «أ ليس إن شاء أخذ، و إن شاء ترك؟» قلت: بلى.

قال: «لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام، و يحرّم الكلام» «1».

و مقتضى ما ورد في باب المزارعة- مثل رواية

الشيخ، عن أبي الربيع الشاميّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: عن الرجل يزرع أرض رجل آخر، فيشترط عليه ثلثا للبذر، و ثلثا للبقر؟ فقال: «لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا. فإنّما يحرّم الكلام» «2»- هو أنّ المتّبع هو المنشأ، دون المقاصد، و الذي يتّصف بالصحّة و الفساد و يورث الحلّية و الحرمة، هو الأمر البارز، فإذا اختلّ الكلام فربّما يلزم حرمة المعاملة و آثارها.

______________________________

(1) الكافي 5: 201- 6.

(2) تهذيب الأحكام 7: 194- 857، وسائل الشيعة 19: 43، كتاب المزارعة و المساقاة، الباب 8، الحديث 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 32

فالمقصود من «الكلام» ليس خصوص اللفظ، بل المقصود عنوان المبرز و ما ينشأ به، سواء كان من الأقوال الخاصّة، أو المطلقة، أو كان من الأفعال و الإشارة، أو الكتابة، و على هذا لا وجه لطرح هذه الروايات، و لا لحملها على دلالتها على فساد المعاطاة، و لا يلزم التخصيص، فضلا عن المستهجن منه. و يظهر ممّا مرّ مواضع ضعف كلمات الأعلام- رضوان اللّه عليهم- فليراجع.

عدم شمول آية الوفاء للمعاطاة
اشارة

إن قلت: بلغت التخصيصات إلى حدّ الاستهجان، لخروج العقود الكثيرة عن لزوم الوفاء بها، فلا وجه للتمسّك بمثلها.

قلت: العموم إن كان أفراديّا فاللازم ممنوع، و إن كان أنواعيّا، فالعقود الجائزة و إن كانت كثيرة، إلّا أنّ الآية لا تختصّ بالعقود المعامليّة قطعا، و هذا بنفسه يشهد على أنّها العامّ الأفراديّ، فلا تغفل، و تأمّل جدّا.

لا يقال: لا يتصوّر الوفاء في المعاطاة، ضرورة أنّ الآية تأمر بالعمل بالعقود، فالعقد غير الوفاء به، فكأنّها وردت هكذا: «يا أيّها الذين آمنوا اعملوا بعقودكم» فهو مترتّب على العقد، و من لوازمه الشرعيّة أو العرفيّة المأمور بها شرعا، فعليه لا

بدّ من العقد قبل التسليم و التعاطي الخارجيّ، و هذا لا يمكن إلّا باللفظ الموضوع لإنشائه خصوصا أو عموما.

لأنّا نقول: الآية كما تقتضي التسليم، لأنّه مقتضى الوفاء به، كذلك

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 33

تقتضي المنع عن الاسترداد، لأنّه أيضا خلاف مقتضى الوفاء به، فعليه إن حصلت المعاطاة من الطرفين في زمان واحد، فمعنى الوفاء عدم الاسترداد.

و إن حصلت من جانب واحد، فمعناه- مضافا إليه- تسليم الآخر مورد المعاملة، للزوم الوفاء به.

و إن حصلت بالمقاولة- بناء على أنّ محلّ النزاع، أعمّ من الفعل و القول غير المخصوص- فيتّحد معناه مع القول المخصوص و الصيغة الخاصّة.

ثمّ إنّه قد يشكل الاستدلال بها لصحّة المعاطاة، نظرا إلى أنّ مقتضاها اللزوم المفقود في المقام بالإجماع «1»، فلا كاشف لصحّتها كما عرفت.

و فيه أوّلا: أنّه سيأتي أنّها لازمة.

و ثانيا: نفي اللزوم لا يلازم الجواز المقصود في العقود الجائزة، فيمكن دعوى: أنّها مثل العقود التي فيها الخيار، فإنّه يجب الوفاء بمقتضاها، مع جواز فسخها قبل التفرّق من مجلسه. و لو صحّ ما قيل، للزم عدم صحّة التمسّك بها للعقد اللفظيّ إلّا بعض منه، كما لا يخفى.

و لو قيل: الآية ناظرة إلى إيجاب العمل بالعقد مطلقا، إن لازما فلازم، و إن جائزا فجائز، و لا تخصيص فيها، و لا يصحّ التمسّك بها حينئذ، لأنّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 29، لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 9- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 34

اللزوم و الجواز يعلمان من الخارج، و لا دلالة لها على حكم العقد و إن أوجبت الوفاء بمقتضاه قبل الفسخ «1».

و بعبارة أخرى: لا يعقل أن يكون الحكم حافظ موضوعه، فلا وجه للتمسّك بها

للزوم عدم فسخ العقد، فإذن يجب الوفاء به ما دام موجودا، و له أن يعدم موضوعه- و هو العقد- بالفسخ و نحوه.

قلنا: ظاهر الآية الكريمة و إطلاقها أنّها توجب الوفاء، و فسخ العقد يعدّ خلافه عرفا، و ليس وجوب حفظ العقد إلّا حكم العقل بأنّه إذا وجب الوفاء على الإطلاق، فلا بدّ من إبقائه، و لذلك يجب إبقاء الدار في الإجارة للمستأجر.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ وجوب الوفاء بالعقد، غير حرمة نقض العهد و فسخ العقد، و لا يعقل استفادة الحكمين من الآية الكريمة، فهي تفيد الأوّل، أي إذا تحقّق العقد يجب الوفاء به و إن جاز إعدامه، فعليه يشكل التمسّك بها لصحّة المعاطاة، لأنّ لزوم العقد و جوازه لا يعلم من قبلها، و إيجاب الوفاء و إن استلزم أحدهما و هو المطلوب، إلّا أنّ الآية بعد ذلك تصير ناظرة إلى العقود المتنوّعة باللزوم و الجواز، و كون المعاطاة واحدة منها محلّ الكلام، و مورد النقض و الإبرام، فافهم.

لا يقال: إنّ المتبادر من وجوب الوفاء بالعقد هو القيام به، و عدم البناء على خلافه، دون الالتزام بالآثار، و لذا يستهجن استعمال «وجوب الوفاء» في سائر أسباب الملك، كالإرث و نحوه.

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 9- السطر 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 35

و السرّ فيه: أنّ العقد هو العهد، و الوفاء بالعهد مقابل لنكثه و الإعراض عن نفسه، لا عن آثاره، و لذا لا يعدّ سرقة البائع المبيع نكثا له، فهي بالدلالة على عدم جواز الرجوع، أولى من دلالتها على وجوب العمل بمقتضاه «1».

فإنّه يقال: كيف يحتمل ذاك، و الوجدان قاض بأنّ العهد الواجب الوفاء به، هو الذي يلزم ترتيب آثاره؟! و مثله النذر

و اليمين. بل لا معنى لإيجاب الوفاء بالعقد و العهد، إلّا باعتبار البعث إلى ترتيب مقتضياته و الإتيان بلوازمه، و أمّا نفس عدم البناء على خلافه فهو ليس نكثا و حنثا. و عدم كون السرقة نكثا، لأجل دخالة القصد في الوفاء بالعقد و نحوه، و هكذا في نقضه و نكثه.

إشكال صاحب الرياض على الاستدلال بالآية و جوابه

ثمّ إنّه استشكل في «الرياض» على صحّة الاستدلال: بأنّ المراد من «العقود» هي العقود المتعارفة في زمان صدور الآية، فلا بدّ من إحراز تعارف العقد أوّلا، ثمّ الاستدلال بها «2».

و فيه: أنّ الشبهة في العموم المذكور، بدعوى ظهور الآية- لما أنّها في سورة المائدة، و هي آخر سورة نزلت- في كون «اللام» للإشارة إلى

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 9- السطر 19 و ما بعده.

(2) رياض المسائل 1: 511- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 36

العقود الخاصّة، ربّما كانت قريبة، و قد اختارها جمع من المفسّرين «1»، و هذا يكفي لاستقرار الشكّ في العموم، فتأمّل جدّا، و لكنّ المعاطاة من العقود المتعارفة في عصرها، فيكشف صحّتها، و تكون الآية إمضاء لها.

دلالة آية الوفاء على التأسيس و الإمضاء بالنسبة للعقود

إن قلت: الهيئة في الآية إمّا إرشاد إلى لزوم ترتيب آثار العقد، لما أنّه يلزم التصرّف في مال الغير، أو إلى لزوم البناء على نفسه، و عدم جواز نكثه و نقضه، و على التقديرين لا تدلّ على صحّة المعاطاة، لأنّه على الثاني لا يكون حكم العقلاء، وحيدا بالنسبة إلى جميع العقود، بل العقود عندهم على صنفين: لازم، و جائز، و حيث تكون العقود الجائزة خارجة عنها، لا يعقل دلالتها على صحّتها، بل هي عندئذ تدلّ على صحّة العقود اللازمة.

و على الأوّل، تكون الآية إمضاء الطريقة العقلائيّة، فلا تكون سندا لصحّتها.

نعم، هي حينئذ دليل على إمضاء المعاطاة بعد معلوميّة وجودها في زمان صدورها.

قلت: كما تكون الآية إمضاء، هي تأسيس في مواقف الشكّ، بمعنى أنّها تأمر بالوفاء بالعقود، فإن كان من العقود ما هو المتعارف بينهم، فهي إمضاء، و إذا لم يكن متعارفا فهي تأسيس.

______________________________

(1) التبيان في تفسير القرآن 3: 414، مجمع البيان 3:

232.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 37

و هذا لا يورث الجمع بين التأسيس و الإمضاء- حتّى يقال بامتناعه، أو خروجه عن المتعارف في باب الاستعمالات- ضرورة أنّها ليست إلّا باعثة نحو الوفاء بالعقود فقط، و ينتزع عنوان «التأسيس» و «الإمضاء» من الإضافة الخارجة عن الاستعمال، كما لا يخفى.

فإذا كانت المعاطاة عقدا عرفا، لا بدّ من ترتيب آثار الوفاء، و هو يلازم الصحّة و النفوذ، فهي تورث الملكيّة بمقتضاها.

وجه عدم إمكان التمسّك بآية الوفاء بالعقود

و قد يتوهّم: أنّ صدرها المخصوص بالخطاب بالمؤمنين، في حكم القرينة على أنّ المقصود ما يخصّ بهم، فيكون من المسائل الاعتقاديّة، أو البعث إلى العمل بالوظائف الإلهيّة، و حلّية البهيمة من آثار الوفاء بتلك العقود. هذا و لا أقلّ من الاحتمال الكافي لصرف العموم، لصلاحية ذلك للقرينيّة.

أقول: التحقيق أنّ هذه النكتة و بعض الجهات المشار إليها، تورث سقوطها عن صحّة الاستدلال بها. هذا مع أنّ مراعاة مختار المفسّرين، و عدم معهوديّة الاستدلال بها في أمثال هذه المسائل بين قدماء الأصحاب إلّا نادرا أيضا، يؤدّي إلى ذلك. و خروج المعاهدات البدويّة المتعارفة بين الناس عن العموم بالسيرة، مع كثرتها المعتنى بها، يوجب وهنا فيها، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 38

عدم شمول آية حل البيع للمعاطاة
اشارة

ثمّ إنّه ربّما يشكل التمسّك بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» لأجل الجهل بالمراد من «الحلّية» فإنّه من المحتمل إرادة الحلّية التكليفيّة، أي أنّ البيع الناقل و السبب البيعيّ المملّك حلال، و لا يعاقب الناس عليه، و كون المعاطاة سببا مملّكا غير معلوم، فلا تشهد الآية على صحّتها.

و يمكن رفع الاستبعاد عنه بقوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «2» الظاهر في التكليفيّة. و كون الزيادة غير منتقلة إلى المشتري، لا يورث خلافه، ضرورة أنّ الربا محرّم تكليفا زائدا على حرمة التصرّف في مال الغير.

و هكذا لو فرضنا أنّ المحرّم البيع الربويّ، فإنّه مضافا إلى فساده محرّم تكليفا، فالحلّية التكليفيّة مصبّها الموضوع المفروضة صحّته عرفا و شرعا، و الحرمة موضوعها المفروضة صحّته و حلّيته عرفا، لا شرعا.

و يندفع أوّلا: الموضوع المفروض ليس إلّا المعاطاة، لأنّها هي المتعارفة بين الناس، فيشكل صحّة البيع العقديّ.

و ثانيا: لا وجه لحمل الآية على الإهمال، و الإطلاق

يقتضي صحّة البيع، للملازمة العرفية بين الحلّية و الصحّة. مع أنّ الحلّية ربّما

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) البقرة (2): 275.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 39

كانت بمعنى الإطلاق و الإرسال مقابل الحرمة، و هي بمعنى المنع، و لا يستعملان في مفاهيم الوضع و التكليف، و إن اعتبرا منه لأجل الخصوصيّات الخارجة عن الاستعمال، على ما تقرّر في الأصول.

فبالجملة: يتوقّف الاستدلال على ثبوت الإطلاق، و إلّا فالحلّية بجميع محتملاتها تجامع الصحّة إمّا شرعا، أو عرفا. و توهّم دلالة الآية بالمطابقة عليها «1»، ساقط جدّا، لأنّ المفهومين مختلفان.

و دعوى: أنّ الحلّية هنا بمعنى أنّه تعالى أحلّه محلّه و أقرّه مقرّه، و ليس معناها أنّه لم يصدّ عنه و جعله مرخيّ العنان في تأثيره، لأجل أنّ الحلّ- في قبال الشدّ- يتعدّى بنفسه «2»، مدفوعة، ضرورة أنّ من الأفعال ما يتّحد معناه في المجرّد و المزيد فيه، و لا ملزم لاستعمال المجرّد، كما لا يخفى.

إن قلت: المحتملات حولها كثيرة، فيحتمل أن تكون الآية إنشاء، و يحتمل أن تكون إخبارا، و يحتمل أن تكون ناظرة إلى نفي المماثلة في الحكم، و يحتمل أن تكون ناظرة إلى نفيها في حكم الزيادة الحاصلة بالبيع، و الحاصلة من البيع الربويّ، و يحتمل كونها جملة حاليّة، أو استقلاليّة، و يحتمل كونها موجبة، أو في حكم السالبة، لما أنّها سيقت

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 17، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 25- السطر 18.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 25- السطر 20.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 40

لرفع المنع «1».

و بالجملة: يحتمل فيها الإطلاق و الإهمال، و لا يمكن الخروج عن هذه المحتملات حتّى يمكن الاستدلال بها و لو ثبت

الإطلاق و إن تمّ الاستدلال إلّا على الاحتمال الثاني، إلّا أنّ الظاهر كونها جملة إخباريّة عن طبيعيّ الفرق، و لا يكون المخبر عنه منشأ بنحو الإطلاق و الكلّية.

أو الظاهر أنّها لا تبيّن حكم طبيعة البيع؛ لما هي معلومة، فهي مسوقة لبيان الفرق بين ربح المكسب الصحيح و البيع الربويّ.

و إن شئت قلت: المستفاد منها أنّ ما هو الحاصل من البيع- أي المؤثّر الخارجيّ- غير الحاصل من المكسب الباطل، فلا يعقل دلالتها على صحّة المعاطاة.

قلت: لا شبهة في أنّها بظاهرها جملة حاليّة إخباريّة مسوقة لبيان الفرق بين الموضوعين، ردّا على الذين قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا «2» و وجه الفرق حلّية البيع و حرمة الربا.

و الذي يستظهر منها: أنّ المراد- بعد ملاحظة القرائن حول الآية الكريمة الشريفة- نفي التسوية بين البيع غير الربويّ و الربويّ؛ لأنّ الربا المحرّم ليس عنواناً يقابل البيع، بل هو من الأوصاف المصنّفة للبيع و نحوه، و المقصود من نفيها بهذه الكيفيّة إرشاد القائلين بها إلى أنّهما كيف يتساويان، مع اختلاف ملاكهما و المصلحة و المفسدة فيهما؟! ضرورة

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 59- 62.

(2) البقرة (2): 275.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 41

أنّ اللّه حرّمه و أحلّ البيع، و ذلك لا يكون جزافا، فيعلم الفرق بينهما قطعا.

فإذن لا معنى لإطلاقها؛ لعدم كونها في مقام جعل الحكم، أو الإخبار عن الحكم المجعول بنحو الإطلاق، لأنّه خارج عمّا يعلم من مقصود المتكلّم. بل ربّما يلزم الكذب، لأنّ مقتضى كونها إخباريّة إخبارها عن أمر جدّي، لا صوريّ و قانونيّ، و ليس مطلق البيع حلالا جدّا، فتأمّل جيّدا.

و أمّا توهّم عدم إمكان التمسّك بها، على فرض إطلاقها في الفرض الثاني

«1»، فغير تامّ، لأنّ لازم حلّية الزيادة الحاصلة من البيع بنحو الإطلاق حلّيته أيضا، لأنّ البيع مفهوم عرفيّ، و لا معنى لحمله على المعنى المؤثّر الشرعيّ، فإذا كانت المعاطاة بيعا فالزيادة الحاصلة منها حلال، و مقتضاها صحّتها قهرا، فتأمّل.

و الحاصل: أنّ الاحتمالات لا تضرّ بالاستدلال لو أمكن إثبات الإطلاق، و لكنّه مشكل جدّا.

نعم، بناء على ما سلكناه في المسألة، لا تبقى المعاطاة بلا دليل، لأنّها القدر المتيقّن من شمولها.

توهّم عدم إمكان تحليل البيع لامتناع تحليل المعنى المسببي

لا يقال: لا يعقل تحليل البيع، لأنّه ليس نفس الألفاظ، و لا النقل و الانتقال، ضرورة أنّ حقيقته تحصل بها، و يحصل منها النقل، فهو أمر آخر ربّما يكون المعنى الجامع من الألفاظ و المعاني، و من الأسباب

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 60.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 42

و المسبّبات، فالسبب المتعقّب بالمسبّب هو البيع، على أن يكون القيد داخلا، و إذن لا يعقل جعل الحلّية للبيع، لعدم معقوليّة جعلها للمعنى المسبّبي.

فما اشتهر: «من أنّه التمليك بالعوض» «1» و ما يقاربه «2»، ناشئ عن الذهول عن حقيقته، فإنّه من لوازم تلك الحقيقة و آثارها.

فإنّه يقال أوّلا: لو سلّمنا ذلك فتكون الآية مورثة لحلّية الآثار، و مقتضى حلّيتها على الإطلاق، صحّة السبب و نفوذها و حصول الملكيّة عرفا، للملازمة نوعا. بل لا معنى لاعتبار حلّية جميع الآثار إلّا اعتبار الملكيّة، لعدم معقوليّة اعتبارها للآخر.

و ثانيا: ليس المسبّب جزء مفهوم البيع، و لا هو نفس ذات السبب، بل المسبّب قيد خارجا، فما هو موضوع الحلّية هو المؤثّر الخارجيّ عند العرف، دون الشرع، و حيث تكون المعاطاة مؤثّرة تشملها الآية الكريمة.

و توهّم: أنّ ذلك ينافي اتصافه بالفساد في نظر العرف، في محلّه، إلّا أنّ

منشأ الاتصاف ربّما يكون التسامح، أو بلحاظ فقد الشرائط الشرعيّة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 5، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

60- السطر 9.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 81- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 43

توهّم عدم إطلاق الآية و جوابه

ثمّ إنّه ربّما يخطر بالبال دعوى: أنّ قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» يكون ناظرا إلى البيع الخارجيّ، لتعرّضه لتحريم الرّبا، و هي الزيادة الخارجة عن طبيعة البيع، و اللاحقة بالفرد منه، و تكون من تبعاته في الخارج، فلا وجه لتوهّم الإطلاق له.

و إن شئت قلت: ليس مطلق الزيادة محرّمة في الآية، و لا يلتزم به، فالآية تختصّ بزيادة مخصوصة، و هي الزيادة في البيع على ما قد يستظهر منها في مقامه «2»، و إذن يكون المراد حلّية البيع الخارجيّ، و تكون وضعيّة محضا، و لا إطلاق حينئذ لها، لأنّها تكون حينئذ ناظرة إلى تحليل البيع الخالص من الربا و تحريم الربا.

اللهمّ إلّا أن يقال: بثبوت الإطلاق تعبّدا، لما ورد في «الفقيه» بسنده عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك، إنّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطرّ حرام، و هو من الربا.

قال عليه السلام: «و هل رأيت أحدا يشتري- غنيّا، أو فقيرا- إلّا من ضرورة؟! يا عمر، قد أحلّ اللّه البيع و حرّم الربا، فاربح و لا تربه».

قلت: و ما الربا؟

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) يأتي في الصفحة 89.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 44

قال عليه السلام: «دراهم بدراهم، مثلان بمثل» «1».

بناء على كونها ناظرة إلى الآية الشريفة.

و فيه: أنّه كذلك، إلّا أنّ ذلك لا يورث الإطلاق، لأنّ استدلال الأئمّة عليهم السلام بالكتاب أعمّ من الصحّة، كما لا يخفى.

توهّم وضع «البيع» للصحيح و عدم شموله للمعاطاة

ثمّ إنّه قد يشكل التمسّك بها، لما ادعي: أنّ المعاطاة غير ثابت كونها بيعا، لأنّه موضوع للصحيح «2»، و قد مرّ بعض الكلام فيه «3».

و ينحلّ الإشكال: بأنّه على القول بأنّه موضوع للأعمّ و الأخصّ على ما عرفت آنفا،

لاختلاف الشرع و العرف، بمعنى أنّ العرف إذا لاحظ في البيع القيود الشرعيّة، يقسّمه إلى الصحيح و الفاسد، و إذا لاحظ فيه القيود العرفيّة يكون أمره دائرا بين الوجود و العدم، و على التقديرين يتمّ الاستدلال.

و هكذا على القول: بأنّه موضوع للأعمّ مطلقا «4».

و دعوى كونه موضوعا للأخصّ على الإطلاق «5»- ترجع إلى القول

______________________________

(1) الفقيه 3: 176- 793.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 7- السطر 10- 11.

(3) تقدّم في الصفحة 21.

(4) درر الفوائد، المحقّق الحائري: 54.

(5) انظر القواعد و الفوائد 1: 158، الفائدة الثانية من القاعدة 42، مسالك الأفهام 2:

159- السطر 37.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 45

بالحقيقة الشرعيّة، و هي باطلة قطعا، خصوصا في ألفاظ المعاملات.

تلخيص الشبهات السابقة

هذا تمام الكلام في رفع الشبهة على صحّة المعاطاة، و قد عرفت:

أنّ الشبهات من طرق شتّى:

فتارة: من جهة عدم إمكان الإنشاء بالفعل.

و اخرى: من جهة أنّ مجرّد الإمكان غير كاف.

و ثالثة: لأجل دعوى خروجها موضوعا عن أدلّة الإمضاء.

و رابعة: لأجل دعوى قصور تلك الأدلّة عن شمولها، و إن كانت عقدا و بيعا.

و قد مضى رفعها من الثلاثة دون الأخيرة، إلّا على ما سلكناه.

و لا ينبغي الخلط بين الجهات المبحوث عنها فيها و أدلّتها، فإنّ البحث في المعاطاة تارة: يكون من ناحية أنّها تورث الملكيّة، أم لا.

و اخرى: من ناحية أنّها لو اقتضت الملكية تكون سببا ممضى شرعا و تشملها الأدلّة العامّة، أم لا.

و ثالثة: في لزومها و جوازها.

و ما قد يرى من بعض المحقّقين من الاستدلال بالأدلّة اللفظيّة لإفادة المعاطاة الملكيّة «1»، في غير محلّه، و كان ينبغي عقد البحث على

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 17، الإجارة، المحقّق الرشتي: 7- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 46

هذه الطريقة، و الأمر سهل.

تتميم: حول الاستدلال بآية التجارة على صحّة المعاطاة
اشارة

قصور الآيتين عن شمولها لا يلازم قصور آية التجارة «1» عنه، لأنّ ظاهرها هو أنّ الميزان لصحّة الأكل و جوازه، هي التجارة غير المنطبق عليها عنوان «الباطل» و تكون حقّا، و المعاطاة تجارة عرفيّة عقلائيّة، و ليست باطلا عند العقلاء.

بل الظاهر منها أنّ المدار على الحقّ و الباطل، و لا خصوصيّة لباب الأموال و المعاملات و العقود و الإيقاعات، فما هو الحقّ هو الممضى، و ما هو الباطل منهيّ بها، لأنّ وجه النهي عن الأكل و التصرّفات بإطلاقها هو البطلان عرفا، لا الأمر الآخر، و يصير عرفا وجه التجويز كونها حقّا، سواء كانت تجارة، أو نكاحا.

و ربّما يخطر بالبال قصورها، لما فيها من الاحتمالات الكثيرة الناشئة من اختلاف القراءة رفعا و نصبا في لفظة «التجارة» و من اختلاف الآراء في كون الاستثناء منقطعا، أو متّصلا.

و من أنّها على فرض كونها منصوبة، تكون خبرا، أو قائمة مقامه، أي يصير المعنى «إلّا أن تكون التجارة تجارة عن تراض» أو «أن تكون الأموال أموال تجارة».

______________________________

(1) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 47

و من اختلافهم في أنّ «الباء» للسببيّة أو لغيرها، و في أنّ «الأكل» كناية عن التصرّف، أو هو المقصود مع قصد التصرّفات، و بلا قصدها، أو يكون الغرض النهي عن التملّك بالباطل، كالقمار، و السرقة، و الخيانة «1».

هذا مع أنّ مقتضى قراءة الرفع، كون جملة المستثنى مستقلّة، لما أنّ الاستثناء منقطع.

و أمّا على أن يكون متّصلا، فيشكل تصحيح الآية إعرابا، إلّا على أن يقال: بأنّ المحذوف كلمة «الأموال» «2» و هي الاسم، و قد حذفت لعدم خصوصيّة لها، و لدعوى: أنّ التجارة هي الأموال،

أو لأجل انتقال المخاطب إلى أنّ تمام الموضوع هي التجارة، و إن وقعت على ما يقابل الأموال، كالحقوق مثلا، بناء على أنّ الظاهر من «الأموال» هي الأعيان، أو هي و المنافع.

فحينئذ كيف يمكن استفادة الحكم منها مع هذه الوجوه الكثيرة؟! و توهّم: أنّه يمكن الاستدلال لصحّة المعاطاة على جميع الوجوه الممكنة «3»، فاسد، ضرورة أنّ بناء العقلاء على عدم العمل بمثل هذه الظواهر غير المعلوم منها مراد المتكلّم، لا العمل بالقدر المتيقّن فيها،

______________________________

(1) لاحظ التبيان في تفسير القرآن 3: 178، مجمع البيان 3: 58- 59، زبدة البيان: 427.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 65.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 64.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 48

كما لا يخفى.

أقول: تكثير الوجوه لا يوجب سقوط الظواهر، إلّا إذا تردّد الأمر، و لم يتمكّن من تعيين ما هو الظاهر.

و لعمري، إنّ الآية ظاهرة في الاستثناء المنقطع، لأنّ الباطل بذاته ممنوع، و ليس قابلا للإمضاء، و جعل جملة بِالْبٰاطِلِ علّة للنهي، خروج عن الظاهر، فإنّها من متعلّقات الفعل الناقص، و يكون المقصود طريق الباطل و السبب الساقط، فيصير ظاهر الآية النهي عن أكل الأموال بالوجوه الباطلة، إلّا أن تكون الأموال من تجارة عن تراض، فالنّصب على حذف كلمة الجارّ، و إذا كانت المعاطاة من التجارة، و لم تكن باطلة، تصير صحيحة و نافذة.

شبهات على الاستدلال بآية التجارة لا يمكن دفعها

فمنها: ما مرّ منّا «1»، و هو أنّ الآية ناظرة إلى اعتبار الرضا و طيب النفس في المعاملة، و النهي عن أكل الأموال بغير رضا صاحبها، و لا تكون ناظرة إلى تجويز جميع الأسباب غير الباطلة، و إلّا لما كان وجه لذكر القيد في المستثنى مع عدم ذكر سائر القيود المعتبرة، فإنّه

يشهد على أنّ النظر إلى الرضا و التراضي، و أنّ الباطل و إن كان موضوعا للنهي، إلّا أنّ التجارة عن تراض ليست موضوعا للتجويز.

فبالجملة: هي تفيد اعتبار التراضي في صحّة الأكل و التصرّفات،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 49

و لا تكون في مقام بيان حكم آخر.

و منها: أنّ الاستثناء من النفي لا يورث الإثبات، و لو أثبت فلا يثبت به الإطلاق و لو كان الاستثناء منقطعا، لأنّ الانقطاع يؤكّد عموم المستثنى منه، لا عموم نفسه. بل الانقطاع يشهد على أنّ المتكلّم في مقام بيان حكم المستثنى منه، فلا تغفل.

و منها: أنّ كلمتي «الحقّ» و «الباطل» من الألفاظ التي يختلف الأقوام و الأديان و الأمم و أهل الذوق في تفسيرهما، و لا يمكن تفسيرهما على وجه ثابت كتفسير سائر المفاهيم العرفيّة و اللغات، فإنّه كما يصحّ أن يقال:

ألا كلّ شي ء ما خلا اللّه باطل

و يكون أصدق شعر قالته العرب «1»، يصحّ أن يقال «التجارة عن تراض ليست من الباطل» ففي الإسلام يكون أمور باطلة، و حقّة بالأنظار المختلفة.

و إن شئت قلت بالحقيقة الشرعيّة في هذه الألفاظ. بل لهما الحقائق الكثيرة في الشرائع و الأمم.

و لا يذهب عليك أنّا نقول باختلاف المفهوم، بل المقصود اختلافهم في تشخيص الصغريات، فكثير من الأباطيل العرفيّة حقّ في الشرائع و بالعكس، و عندئذ لا معنى للتمسّك بالآية لموارد الشكّ.

______________________________

(1) سنن البيهقي 10: 237، حلية الأولياء 7: 201، الأغاني 15: 375.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 50

و لعلّه ما توجّه إليه المحقّق الأردبيلي- قدّس اللّه نفسه- «1».

و يؤيّده المرويّ عن أبي جعفر عليه السلام حيث عدّ الرّبا من أكل المال بالباطل «2».

و توهّم:

أنّه من الباطل حكما «3»، في غير محلّه، لأنّها باطل واقعا و عقلا و إن لم يساعد عليه العرف، و عليه مدار معاش الأمم، و سيأتي حولها المباحث الأخر عند البحث عن لزوم المعاطاة «4».

و منها: أنّ صحّة المعاطاة مشروطة- مضافا إلى كونها تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ- بأن يصدق عليها «الحقّ» أو لا يصدق عليها «الباطل» و لو شكّ في ذلك فلا يصحّ التمسّك لها بالآية الشريفة، فلو فرضنا أنّ مفهومي «الحقّ» و «الباطل» من المفاهيم العرفيّة كغيرهما، و لكنّه يشكل دعوى ذلك هنا، ضرورة أنّ السيرة العقلائيّة عليها من سائر الأمم، لا تورث حقّيتها و أنّها ليست باطلة، لقيامها على الأباطيل.

و هي في الأمّة الإسلاميّة ناشئة من آراء الفقهاء، فلا استقلال لهم في هذا الأمر، و إذا شاهدنا فقهاءنا و قد أفتوا بأنّ المعاطاة لا تفيد الملك، و الناس بنو على خلافهم، يعلم أنّ السيرة حصلت من عدم مبالاتهم بالآراء الحقّة اللّازم عليهم اتباعها، فالتوسّل بالمعاطاة لجواز الأكل ممّا لا بأس

______________________________

(1) زبدة البيان: 427.

(2) مجمع البيان 3: 59، البرهان في تفسير القرآن 1: 363 و 364- 10 و 11.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 64.

(4) يأتي في الصفحة 82- 88.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 51

به، إلّا أنّها لا تندرج في المستثنى بالوجه المقصود، كما لا يخفى.

و توهّم عدم لزوم صدق «الحقّ» أو «عدم الباطل» على المستثنى، حتّى يلزم الإشكال في صحّة الاستدلال، في غير محلّه، لأنّ الظاهر من الاستثناء أنّ التجارة عن تراض ليست باطلا، و لأجله تكون نافذة، بل مقتضى لزوم كونها خارجة عن المستثنى منه، دخولها تحت أحد العنوانين.

و لو لم يكن الأمر كما ذكر يلزم التعارض

بين الجملتين- المستثنى منها، و المستثناة- في المعاملات الربويّة، فإنّها تجارة عن تراض و باطلة، فليتدبّر جيّدا.

تنبيه: في التمسّك بالمستثنى منه في آية التجارة على صحّة المعاطاة

ظاهر القوم أنّ المستثنى دليل على صحّة المعاطاة «1»، و لا يجوز التمسّك بالجملة الاولى لها، بخلاف لزومها.

و الذي يظهر لي، إمكان التمسّك بها للصحّة أيضا، فإنّه بناء على انقطاع الاستثناء يستفاد منها الكبريان: عدم جواز أكل الأموال بالباطل، و الرخصة فيه بالتجارة، فلو فرضنا عدم صدق «التجارة» على المعاطاة، و عدم صدق «الباطل» عليها، فإنّها خارجة عن عموم النهي.

و لا يلزم اندراجها في عموم الترخيص، لخروج العناوين الكثيرة منها، كالإباحات، و الأوقاف و نحوها. و توهّم وجود دليل المخرج لها دونها،

______________________________

(1) منية الطالب 1: 50- السطر 4، بلغة الفقيه 2: 102- 103.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 52

في غير محلّه، لأنّ السيرة القطعيّة تكفي له.

إشكال عدم إمضاء آية التجارة للمعاطاة العقلائيّة و جوابه

قد يشكل دلالتها على المدّعى: و هو أنّ المعاطاة ليست في نظر الشرع ممضاة على النحو المرتكز لدى العقلاء، فإنّ مفاد الاستثناء ترخيص التصرّفات و الأكل بالتجارة، و لا دلالة لها على أنّ ذلك لأجل إمضاء سببيّتها للملكيّة التي هي موضوع لها، بل لعلّ الشرع بعد وقوع التجارة رخّص مستقلّا.

و فيه: أنّه خلاف المتفاهم العرفيّ، مع أنّه يستلزم إسقاط السببيّة العرفيّة لها، كما لا يخفى.

خاتمة: في الروايات المستدلّ بها على صحّة المعاطاة
اشارة

إلى هنا تقرّر وجه الاستدلال بالآيات، و قد عرفت قصورها عن تصحيح المعاطاة و كونها دليلا إمضائيّا لها إلّا على ما سلكناه، من أنّها القدر المتيقّن، دون العقود اللفظيّة «1».

بقي الكلام حول بعض الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها عليها:

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 53

الاستدلال بحديث السلطنة
اشارة

فمنها: ما اشتهر بينهم، و هي قاعدة التسليط، و «إنّ الناس مسلّطون على أموالهم» على ما هو المرويّ في «البحار» «1».

و عن «السرائر»- على ما في عبارته المحكيّة في تنبيهات قاعدة «لا ضرر.» للشيخ رحمه اللّه «2»- يظهر تمسّكه بها.

و من المحتمل قويّا أنّ «السرائر» استند إلى قاعدة ثابتة عند العرف، من غير استناد إلى المعصوم عليه السلام «3» و لمّا كان دأب المتأخّرين على التقاط الأحاديث من الكتب الاستدلاليّة، توهّموا أنّه حديث، فنسبوه إلى رئيس الإسلام غفلة و ذهولا.

و يؤيّد ذلك ما عرف من مذهبه من عدم العمل بأخبار الآحاد «4»، فلا يمكن أن يوجد حديث عنده، و لا يوجد عند الآخرين، فراجع.

و غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال: هو أنّها قاعدة إمضائيّة لطريقة العقلاء، و مدلولها المطابقيّ ليس إلّا اعتبار السلطنة المطلقة على الأموال، سواء كانت من التصرّفات الخارجيّة المجامعة مع

______________________________

(1) بحار الأنوار 2: 272- 7.

(2) رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن المكاسب، الشيخ الأنصاري: 375- السطر 7.

(3) قال في السرائر: «لأنّ الناس مسلطون على أملاكهم»، بلا إسناد إلى معصوم عليه السلام.

السرائر 2: 382.

(4) السرائر 1: 51.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 54

وجودها، أو المفنية لها، ضرورة أنّ خروجها عن موضوعها، في الرتبة المتأخّرة عن السلطنة عليها الموجبة لانعدامها، فإذا كانت السلطنة عليها

أمرا عقلائيّا، و القدرة عليها معتبرا عرفيّا، فكلّ ما ينافيها يعدّ عندهم ساقطا، فلو منع سلطان عن سلطنة أحد على ماله يكون ذلك عندهم غصبا.

و من ذلك لو منعه عن تسليط الغير عليها مجّانا أو بعوض، فإنّه مزاحمة مع حقّه الثابت لديهم في أمواله.

و هذا في المعاطاة واضح و مناف للمدلول المطابقيّ، و في العقد اللفظيّ مناف للمدلول الالتزاميّ، لاستلزام المنع عن النقل الاعتباريّ منعه عن السلطنة على ماله بتسليط الغير عليه بعنوان الوفاء بالعقد، فإذا كان مسلّطا على تسليط الغير بعنوان التملّك، تصحّ المعاطاة، و بعنوان الوفاء بالعقد يصحّ العقد اللفظيّ بلازمه، فيصحّ التمسّك بها لرفع ما شكّ في اعتبار شي ء في العقد.

و توهّم: أنّها لا دلالة لها على صحّة الإعراض و نفوذه، لأنّه لا سلطنة لها على سلب السلطنة «1»، فاسد جدّا، ضرورة أنّ الإشكال يسري إلى النقل بعوض أوّلا.

و ثانيا: ليس هذا من السلطنة على سلبها، بل هي السلطنة على إخراجها من الإضافة الخاصّة، فإذا انتفت الإضافة ينتفي موضوع القاعدة، و ينتزع حينئذ السلطنة على سلب السلطنة، كما لا يخفى.

و ممّا ذكرنا يظهر وجه النظر في تقاريب القوم حول الاستدلال بها،

______________________________

(1) لاحظ مصباح الفقاهة 2: 102.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 55

و أنّها لا تتقوّم بكونها مثبتة للسلطنة بأنواعها، و المعاطاة منها «1»، أو هي الصنف الملحق بنوعها، لأنّ المراد منه ليس النوع المصطلح «2»، حتّى يتوجّه إليه: أنّ قاعدة التسليط لا دلالة لها على بيان المقرّرات العرفيّة و الشرعيّة في النقل و الانتقال، و لا يعقل نظارتها إلى الأسباب و العقود، لأنّها غير الأموال «3»، فافهم و تدبّر.

شبهات و تفصّيات متعلّقة بحديث السلطنة
الشبهة الأولى:

ما أشير إليه، و هو أنّ السلطنة على الأموال للناس، لا

تعقل مع فقد موضوعها، و هو الناس، و ما هو كالموضوع لها، و هي الأموال، فمفادها القدرة على الأموال و جواز تصرّفهم فيها بأنحاء التصرّفات التي يبقى معها الحكم، و لا يعقل اقتضاء الحكم إعدام موضوعها أو ما هو كالموضوع «4».

و فيه: نقض بأنّها ترد على قوله تعالى:

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 20، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 12، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 77- السطر 27، مصباح الفقاهة 2: 101- 102.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 69- السطر 32.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 80.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 77- السطر 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 56

إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ «1».

و حلّها: أنّ الأموال متعلّق السلطنة التي هي الحكم المجعول فيها، أو الممضيّ بها، و عموم السلطنة يقضي بأنّ الناس يجوز لهم التصرّف فيها على الإطلاق، و خروج المال عنه بالسلطنة عليه و إعدامه لا يورث السلطنة على المعدوم، و لا لزوم حفظه.

و لو فرضنا أنّ الشبهة غير منحلّة عقلا فهي منحلّة عرفا قطعا، و أنّه يعلم منها المراد، كما لا يخفى.

الشبهة الثانية:

أنّ ما لدى العرف في إنفاذ المعاملات، يتوقّف على أمرين:

أحدهما: سلطنة المالك على ماله، فمثل المجنون و الطفل غير المميّز لا سلطنة لديهم، فلا بدّ في إنفاذ المعاملة من السلطنة على المال.

ثانيهما: إيقاع المعاملة على طبق المقرّرات العقلائيّة، فبيع المجهول المطلق بمجهول مطلق، ليس نافذا لديهم، لا لقصور سلطنة المالك، بل لمخالفته للمقرّر العقلائيّ.

فإنفاذ السلطنة على الأموال، لا يلازم الإنفاذ الثاني، بل العرف له السلطان على الأموال، و عليه التبعيّة للمقرّرات العقلائيّة، و لا سلطنة له عليها، فأحد الحكمين أجنبيّ عن الآخر، فلا معنى للاستدلال

بها لصحّة

______________________________

(1) البقرة (2): 20 و 106 و 109.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 57

المعاطاة أو العقد المستحدث الآخر، و لا ينبغي الخلط بين البابين و المقامين «1».

و فيه: أنّ تسليط الغير على الأموال جائز بمقتضاها، فلو سلّطه عليها بعنوان التمليك بعوض، فهو أيضا صحيح، مع أنّ تسليط الغير خلاف مفادها، لأنّ الناس لا يسلّطون على أنفس الآخرين، و لكنّه كما يجوز له أن يجعل ماله مورد سلطنة الآخر بلا عوض، له أن يجعلها مع العوض، فمع قبول المسلّط عليه يجوز له التصرّف فيما انتقل إليه، و هذا هو النقل البيعيّ المستخرج منها.

فلزوم التبعيّة للمقرّرات العرفيّة يتصوّر على وجهين:

أحدهما: ما هو غير المنافي لعموم السلطنة عرفا، كما في المثال المذكور.

و ثانيهما: ما هو المنافي عرفا، و هو يمنع عن تسليط الغير بعوض على ماله، و المنع عن مبادلة ماله بمال الآخرين و لو في صورة.

فالمدار على فهم العرف فيما هو المنافي لعموم السلطنة و نفوذها، فالقاعدة و إن تعرّضت للسلطنة على الأموال، إلّا أنّ الملازمات المنافية لها تدفع بها.

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 80.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 58

الشبهة الثالثة:

ليس مقتضى قاعدة التسليط جواز التصرّفات على الإطلاق «1»، بحيث تكون مرجعا لو شكّ في حلّية شي ء و حرمته، أو نفوذ شي ء و فساده، و إلّا يلزم جواز التمسّك بها لو شكّ في حلّية لحم الأرنب مثلا، مع أنّه لم يعهد منهم التمسّك بها في أمثال المقام، فهي لم ترد في مقام التشريع.

و لا تدلّ على استقلال الملّاك في التصرّف في أموالهم من جميع الجهات، حتّى يلزم التخصيص بالنسبة إلى الممنوعات الشرعيّة في المآكل و المشارب و

الملابس و غيرها، فإنّها في أفق آخر لا ينافي ما ذكر:

و هو أنّ الملّاك مستقلّون في أموالهم في الجهات المشروعة، و لا وجه لمزاحمة الآخرين لهم، فهم غير محجورين عن التصرّف فيها في تلك الجهات، فعليه لا يمكن رفع الشبهات الحكميّة بها، تكليفيّة كانت، أو وضعيّة.

و فيه: أنّ الملازمة بين عدم كونها قاعدة رافعة للشكّ في بعض المقامات، و بين كون معناها ما ذكر، ممنوعة جدّا، فإنّها قاعدة يصحّ رفع الشكّ بها، إلّا أنّ الشكوك مختلفة، فتارة: يشكّ في أنّ زيدا له السلطنة على ماله أم لا، و اخرى: يشكّ في أنّ السلطنة الكذائيّة ثابتة له أم لا، فإنّها بعمومها تكون رافعة، فهي قاعدة مشرّعة من تلك الجهة، و بإطلاقها إن لم تكن مشرّعة و رافعة للشكّ و الشبهة، فهو لا يستلزم أن يكون معناها

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 2: 101- 102.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 59

ما ذكر، فإنّه تقييد بلا دليل، و لا ملزم لتفسيرها على الوجه المنطبق على القواعد.

فبالجملة: سيأتي منّا أنّها قاعدة عامّة مشرّعة بعمومها، و لا إطلاق لها حتّى يصحّ رفع الشبهة الثانية بها، بل لا يعقل الإطلاق لها «1»، و ما قيل فهو من القرائن على عدم الإطلاق لها، لا على أنّ معناها السلطنة على الجهات المشروعة حتّى يلزم إفادة الواضحات، فتدبّر.

هذا مع أنّ الالتزام بالإطلاق و التقييد، التزام بالأمر الرائج في القوانين العرفيّة و الشرعيّة، و عليه مدار المقرّرات كلّها، و عدم تمسّك الأصحاب لرفع الشبهات الحكميّة بها، كعدم تمسّكهم بها لتصحيح العقود المستحدثة، فإنّه لا يضرّ شيئا.

الشبهة الرابعة:

هذه القاعدة ليست منجّزة، لعدم معقوليّة جعل السلطنة على الأموال و إن زاحمت السلطان الحقيقيّ و الشرع الأقدس، فهي

قاعدة معلّقة، سواء كانت تأسيسيّة، أو إمضائيّة، لأنّ حكم العقلاء أيضا معلّق على عدم ورود الدليل من السلطان الحقيقيّ.

نعم، العرف غير المنتحل للديانة لا يكون كذلك. اللّهم إلّا أن يقال:

بأنّهم أيضا يعتقدون التعليق بالنسبة إلى الهرج و اختلال النظم.

فعليه لا دلالة لها على صحّة عقد من العقود، لاحتمال ورود الأمر

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 62.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 60

من الشرع على خلافها «1».

و فيه: أنّ مثل هذا التعليق سار و جار في جميع القوانين العرفيّة و الشرعيّة، و هذا لا يورث التعليق في الحكم المنجّز، بل الحكم المنجّز- في مقام المزاحمة- يترك إذا كان المزاحم أقوى.

هذا مع أنّ التعليق العقليّ، لا يورث سقوط التمسّك بالدليل اللفظيّ، لما تقرّر منّا في ذيل آية الوفاء بالعقود «2»، فإذا فحصنا عن حال المعاطاة، و لم نجد نهيا في الشريعة عنها، فهي صحيحة، تمسّكا بالعمومات و الإطلاقات في الشبهات المصداقيّة اللبّية العقليّة.

الشبهة الخامسة:

لا إطلاق لها، إمّا لأجل أنّها في مقام رفع الحجر عن الملّاك بإثبات السلطنة لهم على أموالهم.

و إمّا لأنّها قاعدة حيثيّة، بمعنى أنّها تكفّلت لإثبات صرف وجود السلطنة، من غير أن يكون النهي عن التصرّفات الخاصّة منافيا لها، كقوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «3» فإنّ هذه الحلّيّة حلّية من حيث الذات، و لا ينافيها الحرمة العرضيّة الجائية من قبل الوطء و غيره.

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 83.

(2) تقدّم في الصفحة 29.

(3) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 61

فعلى هذا، رفع الشكّ بها غير ممكن إلّا إذا شكّ في أصل السلطنة، دون الخصوصيّات الراجعة إلى الأسباب المملّكة، و عندئذ ينتفي توهّم التعارض بينها و بين سائر

الأدلّة المانعة عن بعض التصرّفات «1».

و فيه: أنّ التزامهم بعدم الإطلاق، لأجل الفرار من بعض الشبهات المتوجّهة إلى ظاهر الحديث، و هذا لا يقتضي ذاك، و لا ملزم لتفسيرها بالوجه المنطبقة عليه القواعد، حتّى يلزم ارتكاب خلافها، فإنّها- بلا شبهة- تكون ظاهرة في عموم السلطنة للناس، و إطلاقها لجميع الأموال في أنحاء التصرّفات، و هو يستلزم نفوذ الأسباب، لأنّ مقتضى نفي الملازمة ممنوعيّتهم عنها كما عرفت.

بل قضيّة كونها أمرا عقلائيّا، هي السلطنة على الإطلاق المورثة لجواز التصرّفات الاعتباريّة كالخارجيّة، لما نجد منهم الاستدلال بها في موقف منعهم عنها، فلو قيل: «لا تبع هذا» يجيب: «بأنّه مالي و ملكي نتصرّف فيه كيف نشاء».

و إن شئت قلت: لا خصوصيّة للقيود المأخوذة في هذه القاعدة، لأنّها بيان ارتكاز العرف و العقلاء، و مقتضى المناسبة بين كون شي ء مال أحد و في ملكه، إطلاق سلطنته بالنسبة إلى ما لا يعدّ عندهم مزاحما معه، فلا يجوز له أن يقتل أحدا بسيفه بدعوى إطلاق سلطنته.

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 82- 83.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 62

شبهة منع إطلاق حديث السلطنة و جوابها

و ممّا ذكرنا يظهر النظر في الشبهة على الإطلاق: بأنّها قاعدة تنادي بعدم الفرق بين العرب و العجم و الترك و الديلم في ثبوت السلطنة على أموالهم، و لا نظر لها إلى إطلاق السلطنة. و تأييده باقتضاء كلمة «الناس» ذلك، في غير محلّه، فليتدبّر.

و الذي يخطر بالبال أن يقال: هو أنّ القاعدة من العمومات اللفظيّة، و المحمول فيها جمع يفيد العموم، و شأن هذه العمومات غير شأن المطلقات، فإنّه فرق بين قولنا: «الناس لهم السلطنة على أموالهم» و قولنا: «الناس مسلّطون على أموالهم» فإنّ النظر في الاولى إلى جعل

الطبيعة محمولا، و حيث لم تكن مقيّدة يكشف أنّها تمام الموضوع.

و بعبارة أخرى: المتكلّم في هذه الصورة ناظر إلى نفس الطبيعة، و جعلها سارية و محمولا، بخلاف الصورة الثانية، فإنّ النظر فيها إلى تكثير الطبيعة إلى جميع الأفراد، و لا معنى لأن يكون ناظرا إلى أنّ الطبيعة وحدها هي المقصودة على الإطلاق، أو هي مع القيد الآخر، و هذا أمر يسري في جميع العمومات اللفظيّة.

نعم، إذا تعرّض في ذيل كلامه لما يدلّ على الإطلاق، كأن يقال: «حتّى السلطنة على الأكل» فهو، و إلّا فالمناسب للقواعد الأدبيّة التعرّض لعموم القضيّة و خصوصها، فيقول: «الناس مسلّطون على أموالهم، حتّى الكفّار» أو «إلّا كذا» فلاحظ و تدبّر جيّدا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 63

و يمكن دعوى: أنّ هذه القاعدة كما لا تدلّ على جواز ارتكاب الشبهات الحكميّة و الموضوعيّة، تدلّ على نفوذ المعاطاة و العقود المستحدثة، و ذلك لشهادة العرف على أجنبيّتها عن الاولى دون الثانية، و لعلّه لأجل أنّ ظاهرها الارتباط مع المسائل الوضعيّة، دون التكليفيّة.

اختصاص حديث السلطنة بالمعاملات العرفيّة الإمضائية

و لك أن تقول: لا مساس لهذه القاعدة بالمسائل الشرعيّة الناشئة عن المقتضيات و الأحكام التأسيسيّة الدائرة مدار المصالح و المفاسد، بخلاف المسائل العرفيّة التي لا يحتاج في إمضائها إلى وجود تلك الاقتضاءات، بل نفس عدم ترتّب الفساد كاف في إمضائها، و حيث إنّ أبواب المعاملات عرفيّة و إمضائيّة، تشملها القاعدة، لكونها كذلك.

و قد ذكرنا تفصيل هذه النكتة في مسائل قاعدة نفي الضرار، و ذكرنا أنّ قاعدة السلطنة لا تعارضها، و هكذا في مسائل الشروط، فليراجع.

ثمّ إنّ هنا شبهات أخر لا خير في نقلها و نقدها، و قد مرّ بعض منها في ذيل الآيات الكريمة، فليراجع.

ذنابة: حول سند حديث السلطنة

لم يثبت صدور القاعدة و لا انجبارها بعمل الأصحاب، لما لم يعهد منهم التمسّك بها في الكتب الواصلة منهم إلينا، و الشهرة بين

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 64

المتأخّرين لا تغني من الحقّ شيئا.

و توهّم: أنّ الشهرة القديمة مثلها، ساقط جدّا، ضرورة أنّ هؤلاء الإعلام- أمّا لاطلاعهم على وثاقة الرواة، أو القرائن- اتّكلوا عليها، و حيث هي غير معلومة لا يلزم طرحها.

و توهّم انتقاضها بالشهرة الفتوائيّة المستندة إلى الرواية الواصلة غير الدالّة عليها، فإنّهم لا يعتنون بهم فيها، فكيف بنوا على العمل بآرائهم في السند دون الدلالة؟! مع أنّ من المحتمل اتكالهم على بعض القرائن الواصلة إليهم.

و لو قيل: إنّها لو وصلت إلينا ربّما لا تدلّ على شي ء.

قلنا: الأمر كذلك في السند.

غير تامّ، لأنّ أمر السند دائر بين أمرين: وثاقة الرواة، و وجود القرائن، و أمر الدلالة يدور على الثاني فقط.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الدوران لا ينفع شيئا، فإنّ من المحتمل اتكالهم على القرائن غير الكافية، فلا يثبت اعتبار السند بالعمل.

أقول: في المسألة تفصيل خارج

عن وضع الكتاب، و من شاء الاطّلاع عليه فليراجع مباحثنا الأصوليّة «1».

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 6: 388- 394.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 65

حول التمسّك بحديث «المؤمنون.» لصحّة المعاطاة

و منها: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «المؤمنون عند شروطهم» «1».

و مثله ما ورد في عدّة روايات: «المسلمون عند شروطهم» مذيّلا بالاستثناء [2].

و تقريب الاستدلال به يعلم بعد تحرير المسألة: و هو أنّ «الشرط» كما يطلق على الالتزامات الضمنيّة، يطلق على المتعلّقات البدويّة، فلو قال المشتري: «لو أعطيتني ذلك أو ملّكتني فعليّ كذا» أو «نعطيك ذلك» فإنّه بعد التملّك يلزم عليه العمل بشرطه، و هذا النحو من المعلّقات كما

______________________________

[1] عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم، ممّا وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ.

الكافي 5: 169- 1، تهذيب الأحكام 7: 22- 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.

إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يقول:

من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطا حرّم حلالا و أحلّ حراما.

تهذيب الأحكام 7: 467- 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 371- 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 66

يجعل مستقلّا، يجعل في ضمن العقود أيضا.

و في إطلاق «الشرط» على المعاملات إشكال، فالمعروف بينهم عدمه «1»، و قيل بصحّة الإطلاق «2»،

مستدلّا ببعض الاستعمالات في الأدعية «3» و الروايات «4»، و يحمل كلام اللغويّ المفسّر له ينافيه على المثال، كما هو المتداول بينهم.

و يمكن دعوى خروج المعاملات المعلّقة عن موضوع النزاع أيضا، ضرورة أنّ الإنشاء في الجعالة و السبق و الرماية، ليس تمليكا منجّزا كالبيع و الصلح، فهي شروط لغة.

و أمّا المنجّزات من العقود، فهي في الإنشاء و إن كانت غير معلّقة، و لا يصدق عليها «الشرط» بدوا، و لو فرضنا صدقه عليها فدليله منصرف عنها، لظهور الشرط في المعنى المقابل لها، فلا خير في إطالة الكلام حول معناه اللغويّ، و لكنّها في اللبّ متضمّنات للتعليق عرفا.

و تفصيله: هو أنّ حقيقة البيع و الغرض الأصليّ منه، انتقال العوضين خارجا إلى المتعاقدين، لكي ينتفعوا بهما، و يصلوا إلى مرامهم

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 215- السطر الأخير، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 5- السطر 15.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 4- السطر 27.

(3) الصحيفة السجّاديّة: 154، الدعاء 80، «و أوجب لي محبّتك كما شرطت و لك يا ربّ شرطي أن لا أعود»، بحار الأنوار 99: 104، في ضمن دعاء الندبة.

(4) وسائل الشيعة 18: 37، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 2، الحديث 2 و 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 67

المطلوب بالذات، فالإنشاء و إن هو منجّز، إلّا أنّ تسليم كلّ واحد منهما معلّق على تسليم الآخر ضمنا، و لأجله قيل بخيار تخلّف الشرط إذا تخلّف أحدهما عن التسليم «1»، فإذا ملك البائع مثلا معاطاة فهو على مبنى الشرط، فعلى المشتري بمقتضى الرواية ردّ الثمن، و إذا وجب ذلك يعلم صحّتها على النحو المقرّر في ذيل آية الوفاء بالعقود.

نعم، لو احتاجت المعاطاة إلى تسليم الجانبين، فلا

يكون الحديث سندا لصحّتها.

اللّهم إلّا أن يقال: بإلغاء الخصوصيّة، فإنّ العرف إذا توجّه لوجوب العمل بالشرط، ينتقل منه إلى أنّ مفهوم «الشرط» لا خصوصيّة له، بل المدار على المعنى الحاصل منه، و هو المشترك بينه و بين سائر الالتزامات، و سيوافيك تمام البحث حوله في المبحث الآتي «2».

و قد يشكل الاستدلال به لصحّتها لما أنّ دعوى انصرافها عن مثل هذه النحو من الشروط مسموعة جدّا، خصوصا بعد مراعاة حال الاستثناء المنطبق في بعض المآثير على الشروط التابعة [3].

______________________________

[3] عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز.

تهذيب الأحكام 7: 22- 93، الفقيه 3: 127- 553، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 4: 267.

(2) يأتي في الصفحة 102- 104.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 68

هذا مع أنّ عمومها معرض عنه في الشروط البدويّة و العهود الابتدائيّة، لقيام السيرة القطعيّة على خلافها. و دعوى التخصيص بعيدة جدّا.

و توهّم صحّة التمسّك مع سقوط العموم عن الظهور في مثل المقام، غير تامّ، لأنّه يرجع إلى وجود القرينة على خلافه، و هي مجهولة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ ذلك لأجل أنّ السيرة العمليّة غير قابلة للردع بمثله، فيبقى العامّ قابلا للرجوع إليه، فافهم و تدبّر.

حول التمسّك بحديث حلّ المال مع الطيب و الرضا لتصحيح المعاطاة

و منها: موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه» [1].

______________________________

إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول:

من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإنّ

المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما.

تهذيب الأحكام 7: 467- 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

[1] سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: «من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 69

و تقريب الاستدلال بها: هو أنّ مقتضى الحصر أنّ السبب لحلّية المال هو الرضا و الإذن الكاشف عنه، كما في بعض المآثير [1]، و إذا تحقّقت المعاطاة فإمّا يحلّ، أو لا، فعلى الثاني يلزم عدم الحلّية مع الطيب، و على الأوّل تلزم صحّة المعاطاة، لأنّ الطيب المورث لحلّية المال، تعلّق بالعنوان الملازم لها، لا بنفسه.

و إن شئت قلت: تحليل العين بجميع منافعها على الإطلاق، موضوع لاعتبار الملكيّة لمن حلّت له، فإذا جاز المقدّم بمقتضى إطلاق الحديث، تحقّقت الملكيّة عرفا، و إذا حصلت هي فالسبب نافذ شرعا. و لعلّ مقصود المحقّق الرشتيّ رحمه اللّه «2» يرجع إليه.

و بعبارة أخرى: لو ورد جواز تحليل شي ء مطلقا، فكأنّه ورد جواز

______________________________

الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

[1] أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الدار عليه السلام.

إلى أن قال:- و أمّا ما سألت عنه من أمر الضياع الّتي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها، و أداء الخراج منها، و صرف ما يفضل من دخلها إلى

الناحية احتسابا للأجر و تقرّبا إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه فكيف يحلّ ذلك في ما لنا؟! كمال الدين: 520- 49، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.

______________________________

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 10- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 70

تمليكه عرفا، فإذا جاز التمليك فهو أعمّ من التمليك بالسبب اللفظيّ أو العمليّ، و على ما سلكناه يكون الثاني القدر المتيقّن منه.

و ما يتوجّه إلى الوجه الأوّل واضح، مع أنّ لنا اختيار الشقّ الآخر: و هو حلّية المال بدون الحاجة إلى الطيب، لأنّه بالمعاطاة خرج عن سلطانه و أمواله، و دخل في ملك المشتري، بناء على صحّة المعاطاة. و إذا كانت فاسدة فله مقام آخر، فلا يستكشف نفوذها منه.

و يتوجّه إلى الثاني: أنّ مقتضى إطلاق الحديث ممنوعيّة الغير عن التصرّف إلّا بالإذن و الطيب، و أمّا إذا أذن و حصل منه الطيب فيجوز على الإهمال، و لا يورث جواز التحليل على الإطلاق، كما لا يخفى، و سيأتي تفصيل البحث في ذيلها «1».

ثمّ إنّه قد ذكر الشيخ الأعظم قدّس سرّه «2» عموم أدلّة البيع و الهبة و نحوها، و لا أظنّ وجود العموم في هذه الأبواب.

فالمسألة على ما سلكناه واضحة، و هي صحّة المعاطاة بعد كونها عرفا صحيحة و مورثة للملكيّة.

نعم، قد يشكل في بعض المقامات تصويرها، كما في استئجار الحرّ، و جعل الدار مسجدا، و إلّا لو فرضناها فهي مشمولة للسيرة القطعيّة و البناء العقلائيّ.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 96- 99.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 71

إن قلت: لا خير فيها، لأنّها متشكّلة من الذين لا يعتنون

بالديانة «1»، فإنّ فتوى المشهور على خلافهم، مع أنّها على اللزوم المخالف معه، إلّا مثل المفيد «2» و جماعة من متأخّري المتأخّرين، كالأردبيليّ، و الكاشانيّ «3»، فهي سيرة مردوعة غير مرتدعة، فلا تكون حجّة و كاشفة عن رأي المعصوم عليه السلام.

قلت: المغروسات العقلائيّة، و ما ابتلي به الناس، و يكون من عاداتهم الموروثة، لا يمكن ردعها و ارتداعهم منها برواية و حديث، بل بآية و أحاديث، بل نحتاج- مضافا إلى الأدلّة اللفظيّة من الآيات و الأحاديث في جميع الأعصار من النواحي المقدّسة- إلى إعمال القوى الأخرى وراءها، كما ترى في مشابهاتها، فعليه لا معنى للشبهة فيها بعد عدم العثور على رواية تدلّ على خلافها.

و من هنا يعلم قرب مقالة المحقّق الثاني رحمه اللّه: من حمل فتوى المشهور على ما يوافقه العرف «4». و البحث عن لزومها غير منظور فيه عند الأكثر، فتدبّر.

هذا مع أنّ المعتنين بالديانة غير معتنين بها، و لا يبالون بما قيل فيها، كما في معاملات الصبيّ، و هذا أيضا دليل على ما ذكرناه.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 29، الإجارة، المحقّق الرشتي: 10- السطر 22.

(2) المقنعة: 591.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 8: 142- 143، مفاتيح الشرائع 3: 48- 49.

(4) جامع المقاصد 4: 58.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 72

خاتمة: حول الاستدلال بآيتي القنطار و الإفضاء على صحّة المعاطاة

قد حكي «1» عن بعض أجلّة العصر جواز التمسّك لها بقوله تعالى:

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً «2».

و قال الوالد المحقّق- مدّ ظلّه العالي- في تقريبه بالآية الاولى: «إنّ المراد من «إيتاء

القنطار» إيتاؤه مهرا، و عدم جواز الأخذ لأجل صحّته و لزومه، و لازمهما صحّة العقد المشتمل عليه، و بإلقاء الخصوصيّة يسري الحكم إلى سائر العقود».

و في تقريبه بالثانية: «إنّ قوله وَ قَدْ أَفْضىٰ علّة مستقلّة للتعجّب من أخذ المهر، و قوله أَخَذْنَ مِنْكُمْ علّة مستقلّة أخرى، فتدلّ على أنّ أخذ الميثاق الغليظ علّة الصحّة و اللزوم، فيسري الحكم إلى غيره» «3» انتهى.

و بعبارة أخرى: لا معنى للغلظة في المعنى المسبّبي، و في السبب كما يمكن في اللفظيّ منه، يمكن في غير اللفظيّ كما مرّ، لأنّ المراد منها تحكيم العقدة.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 77.

(2) النساء (4): 20- 21.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 77.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 73

و الظاهر أنّ المراد من قوله وَ قَدْ أَفْضىٰ هي المواصلات و المراودات المتعارفة قبل العقد، لاشتمال الآية على المعنى التبادليّ.

فحمله على الجماع و نحوه لأجل المآثير و الروايات [1]، و لأنّ ظاهر قوله وَ أَخَذْنَ أنّه من آثار الإفضاء، و لا وجه لتقديم أثر الميثاق الغليظ على المؤثّر، و هو الميثاق الغليظ، فعلى هذا ينحصر وجه التعجّب بالجملة الأخيرة.

و يتوجّه إلى الأولى: أنّها في مقام البحث عن النكاح بعد تحقّقه، و لا نظر فيها إلى تصحيح السبب المحقّق له، بخلاف الثانية، فإنّ ظاهرها أنّ الميثاق الغليظ موضوع لممنوعيّة الزوج عن الأخذ، و هو أمر عرفيّ، فلو تحقّق بغير الألفاظ المخصوصة، أو بغير اللفظ رأسا، فهو ممنوع، و لا حاجة في استكشاف العلّة إلى أداتها، بل المدار على العرف، فإذا صحّت المعاطاة في الجملة نقول بصحّتها على الإطلاق، لما يتراءى منها القول بعدم الفصل.

و توهّم خروج النكاح عن الآية «2»، في

غير محلّه، لأنّ النكاح الواقع في سائر الأمم ممضى عندنا، و هو ربّما لا يكون باللفظ، فالآية ناظرة

______________________________

[1] بريد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً فقال: الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح، و أمّا قوله غَلِيظاً فهو ماء الرجل يفضيه إليها.

الكافي 5: 560- 19، وسائل الشيعة 20: 262، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1، الحديث 4.

______________________________

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 79.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 74

إلى المعنى الكلّي، و إن كان في خصوص النكاح بين المسلمين، شرط اللفظ و اعتبار القول.

و بعبارة أخرى: المدار على الميثاق الغليظ حسب الآية الشريفة، فإن ورد في الأخبار في خصوص عقد اعتبار اللفظ، فيعلم منها أنّ الميثاق الغليظ فيه ذلك، و فيما وراءه تبقى الآية على إفادتها، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

أقول: لو سلّمنا دلالتها عليها، فهو مع قطع النظر عن الروايات الكثيرة المشتملة على المعتبرة، و آراء المفسّرين، و إلّا فهي على خلاف ما ذكرنا في معناها، و التفصيل في كتاب النكاح.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 75

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 75

المبحث الثاني في إفادة المعاطاة للزوم
اشارة

المشهور «1» بل المدّعى عليه الإجماع بقسميه بسيطا و مركّبا «2»، جواز المعاطاة، و عن «الغنية» نفي كونها بيعا «3»، و عن «جامع المقاصد» اعتبار اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع «4».

و قال المحقّق الرشتي: «و يعضد جميع ذلك السيرة الواضحة الجارية على الجواز، و السلطنة

على الترادّ قبل التلف، أو التصرّف في أحد العوضين» «5».

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 30.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 24.

(3) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 25.

(4) جامع المقاصد 5: 309.

(5) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 16 و 24.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 76

و ما نسب إلى المفيد «1» ليس موافقا لما حكي عن عبارته «2»، بل قيل:

«إنّه في موافقة المشهور أظهر» «3» و هو غير بعيد.

و يؤيّده ما عن «كاشف الرموز» من نسبة اشتراط الصيغة في البيع إليه و إلى الشيخ «4»، و قيل: «هذا من الرموز التي كشف عنها، فجزاه اللّه خيرا» «5».

و ما يستظهر من عبارات العلّامة في محكيّ «التذكرة» من نسبة اعتبار الصيغة إلى الأشهر «6»، و في محكيّ «المختلف» إلى الأكثر «7»، و في محكيّ «التحرير» إلى الأقوى «8»، لا يضرّ بالإجماع و الاتفاق، لاحتمال احتياطهم في التعبير لما كان في ذهنهم وجود الخلاف، فتأمّل.

مع أنّ الاستظهار، لا يعارض الدعاوي الصريحة المشار إليها.

فقول: الأردبيليّ و الكاشانيّ و ميل «المسالك» لا يعبأ به «9» بعد

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 58.

(2) المقنعة: 591.

(3) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 16.

(4) كشف الرموز 1: 446.

(5) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 18- 19.

(6) تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر 5.

(7) مختلف الشيعة: 348- السطر 1.

(8) تحرير الكلام 1: 164- السطر 6.

(9) مجمع الفائدة و البرهان 8: 142، مفاتيح الشرائع 3: 48- 49، مسالك الأفهام 1:

133- السطر 36.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 77

الاتفاق المشهود عنهم «1»، و لا سيّما السيرة المدّعاة على خلافهم «2»، ضرورة أنّ الأدلّة اللفظيّة لو اقتضت اللزوم، فهي غير قابلة للاحتجاج بها، لقيام السيرة

القطعيّة على خلافها، على ما ادّعاه رحمه اللّه «3» و لدعوى الإجماع صريحا عن بعض الأساطين في «شرح القواعد» «4» على عدم لزومها، من غير اعتناء بمخالفتهم.

أقول: لا يعتنى بالإجماعات المحكيّة التي أخذ اللاحق من السابق من غير الغور في تحصيلها، و ليس المحصّل منها موجودا. بل المحصّلات منها في أمثال هذه المسائل غير قابلة للاعتماد، لسوء الظنّ بها، ضرورة أنّ المسائل المبتلى بها الناس، هي التي بحيث يرد من الشرع فيها نصّ صريح، فإنّ ردع الناس لا يمكن إلّا بمثل ذلك، فلو قيل:

بصدوره و عدم وصوله، فيقال: بأنّه لا يصدر النصّ الواحد، لأنّه غير كاف لارتداعهم عمّا عليهم من الالتزام، و ما سمعت من السيرة فهو ممنوع، إلّا في المحقّرات غير المعتنى بشأنها.

فبالجملة: دعوى عدم لزوم البيع في المحقّرات و لو كان البيع لفظيّا للسيرة، لا تخلو من خيال رجحان، و مع التردّد في حاصلها يرجع إلى الأصل المحرّر الآتي على اللزوم.

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 22.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 16.

(3) نفس المصدر.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 29، شرح قواعد الأحكام: 49- السطر 3- 6 (مخطوط).

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 78

الأمور الدالّة على أصالة اللزوم
اشارة

و ما يمكن أن يكون سندا لهذا الأصل و القاعدة أمور:

الأمر الأوّل: السيرة العقلائيّة

لا شبهة في أنّ بناء العقلاء على اللّزوم في جملة من العقود، كالبيع في الجملة، و الإجارة، و الصلح.

و هل هذا أمر تعبّدي بينهم، فلا يعلم من قبلهم حال سائر العقود، أم أمر عقلائيّ مشترك فيه جميع العقود؟

الظاهر هو الثاني، و ذلك الأمر هو تقبيحهم المتخلّف عن الوعد و العهد، و إن من أخرج شيئا من ملكه- بعوض كان أو بغير عوض- يقبح له أن يدّعيه، لأنّه من قبيل ادعاء ما ليس له، فلا فرق عندهم بين العقود الإذنيّة التمليكيّة كالهبة، و العقود المعاوضيّة.

نعم، في العقود الإذنيّة غير التمليكيّة كالعارية، إن كانت موقّتة، فالعود إليها قبيح قبل انقضاء الوقت، و في غير هذه الصورة لا يكون العود قبيحا، إلّا إذا كان قبل الانتفاع رأسا.

و ما ترى من التقبيح على العود و ترتيب الأثر عليه، فهو لا يضرّ، لما ترى في العقود اللازمة من الأمرين أيضا، فإنّ المشتري إذا راجع البائع لردّ المبيع، فهو مع قبوله منه في كثير من المعاملات يعدّ فعله قبيحا،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 79

فلا تخلط.

أقول: الإنصاف أنّ العقود عندهم في اللزوم و الجواز مختلفة، و لو لم يكن وجه الاختلاف معلوما لا يلزم إنكاره، و لعلّ ذلك لأنّ العقود المحتاج إليها الأقوام و الأمم في إدارة معاشهم و تشكيل الحياة الاجتماعيّة لازمة، بخلاف غيرها، فلاحظ جيّدا.

و أمّا قبول البائع، فهو على مبنى الإقالة التي هي- في الجملة- أمر عقلائيّ، و إلّا يلزم تصرّفه في مال الغير. مع أنّه لا يرى نفسه متصرّفا في ملك المشتري بعد قبول ردّه، و إن كان بغير طيب منه، و يعدّه قبيحا.

و

ممّا يشهد على التفصيل: أنّ في هذه العقود، يكون للبائع حقّ عدم القبول عرفا، و ربّما يكون ذلك في المحقّرات، فضلا عن غيرها، بخلاف مثل الهبة و العارية و الشركة و غيرها، فتأمّل.

و إنّي كنت في سالف الزمان على الأصل المذكور، إلّا أنّ المراجعة إليهم تؤدّي خلافه، فهل على هذا تكون المعاطاة من اللوازم، أم لا، أو يفصّل بين المحقّرات و غيرها، أو يقال: بأنّها إن كانت عقدا مستقلّا حيال سائر العقود، فهي محلّ البحث، و أمّا لو كانت صنفا من العقود فهي تابعة لأصلها، فالمعاطاة في البيع لازمة، و في الشركة جائزة؟

أقول: الذي هو التحقيق الحقيق بالتصديق من غير فرق، هو اللزوم في المحقّرات و غيرها حسب نظر العرف و العقلاء، فإنّهم بعد ما يجدون البيع مملوكا له، لا يرون حقّا للغير فيه.

و بالجملة: مقتضى السيرة و بناء العقلاء لزومها في الجملة، و في مواقف الشبهة- مثل المعاطاة نسيّة، خصوصا في المحقّرات- ترجع إلى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 80

العمومات و مقتضى الأصول العمليّة، و قد مرّ منّا: أنّ الأصل في المعاملات هي المعاطاة صحّة و لزوما، و العقود اللفظيّة تحتاج إلى دليل الإمضاء و اللزوم، لما مضى أنّ سببيّتها لأجل التوسعة في الاعتبار الأوّلي «1»، فلا تغفل.

الأمر الثاني: حول مقتضى عمومات الكتاب و السنّة الدالّة على أصالة اللزوم
اشارة

و قد مضى البحث حولها في المسألة السابقة «2»، و ربّما يشكل التمسّك بها هنا، لأجل أنّها ليست قابلة لردع ما عليه بناء العقلاء من الجواز، كالوكالة، و العارية، و نحوهما، و لذلك لم يرتدعوا بها فيها، و ذلك لأنّ المغروسات العرفيّة أقوى منها، فلا ينصرفون عنها إلّا بما هو الأقوى منها، و على هذا لا تكون مرجعا في مواضع الشبهة، لأنّها تكون

إرشادا إلى ما عليه العرف، و إذا شكّ في لزوم عقد و جوازه- بحسب الفهم العرفيّ- فهو لا يزول بها.

و بعبارة أخرى: لا بدّ من إحراز اللزوم العقلائيّ حتّى يثبت شرعا، فتلك العمومات قاصرة عن المرجعيّة في الشبهات الحكميّة.

بل يمكن دعوى استحالة كونها مشرّعة، للزوم الجمع بين التأسيس

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 16.

(2) تقدّم في الصفحة 26 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 81

و الإمضاء و لو فرضنا إمكانه، كما مضى تقريبه «1»، و لكنّه خلاف المتفاهم العرفيّ.

و دعوى استكشاف اللزوم العقلائيّ بالعموم، و استكشاف حال الموضوع بالحكم، و إن كانت ممكنة، إلّا أنّها خروج عن المتعارف في أبواب الاستعمالات و المحاورات القانونيّة.

إن قلت: ما ذكرتم يرجع إلى إنكار صحّة التمسّك بالعمومات المخصّصة، و هو بديهيّ البطلان.

قلت: كلّا، فإنّ عدم العمل بالعمومات بعد التخصيص، غير ترك العمل بها لأجل قصورها عمّا هو الظاهر منها، فإنّه في الفرض الثاني لا يجوز التمسّك، خصوصا بعد مساعدة العرف، لكونها إرشادا محضا. و لو كان الخروج عن مقتضاها مرهونا بورود المخصّص، لكان يلزم القول بلزوم عقد الشركة، لعدم الدليل على جوازه إلّا الشهرة القاصرة.

إن قلت: العمومات مختلفة في إفادة المقصود، و هو لزوم العقود إلّا ما خرج بدليل، فإنّ مثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

«المؤمنون عند شروطهم» «3» يورث ذلك على المطابقة أو الملازمة، بخلاف قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «4» و قوله عليه السلام:

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 36- 37.

(2) المائدة (5): 1.

(3) تهذيب الأحكام 7: 371- 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(4) النساء (4):

29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 82

«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفس منه» «1». فإنّه لا يدلّ على اللزوم.

نعم، يفيد نتيجة اللزوم، و لذلك قلنا: بأنّ اللزوم المحصول من بعض أدلّته، ليس محكوما بأحكامه المخصوصة، مثلا اللزوم العقلائيّ الممضى، ليس ممّا يكون الشرط المخالف له خلاف الكتاب و السنّة، بخلاف اللزوم المحصول من الشرع تعبّدا.

قلت: نعم، و عليه لا بدّ من صرف عنان الكلام حول هذه الآيات و الروايات حتّى يتبيّن الحقّ، و لا بأس باستطراد البحث عن غيرها، لما فيه من النفع الكثير كما ترى.

الآيات المستدلّ بها على أصالة اللزوم
الآية الأولى: آية التجارة
اشارة

أي قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «2».

و قد مرّ شطر من الكلام حولها في المسألة السابقة «3»، و على ما

______________________________

(1) الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1 و 3، و 14: 572، كتاب الحجّ، أبواب المزار، الباب 90، ذيل الحديث 2.

(2) النساء (4): 29.

(3) تقدّم في الصفحة 46 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 83

تقرّر عندي إنّ الاستثناء منقطع، و على التقديرين يستفاد منها الحصر، لأنّ حكم المستثنى خلاف حكم المستثنى منه حتّى في المنقطع، إلّا إذا كان الاستثناء كناية عن تأكيد العموم في المستثنى منه، فيكون مجوّز أكل بعضهم من مال الآخر، منحصرا في تلك التجارة.

و خروج الإباحات و القرض و الهبة و تملّك مجهول المالك، لا يضرّ بصحّة الاستدلال فيما وراء مورد التخصيص، لأنّ مفهوم الحصر كالعموم اللفظيّ المخصّص الذي يستدلّ به فيما عدا مورد التخصيص، فكما لا يضرّ خروج التجارة الغرريّة بعموم الدليل في مورد الشكّ، كذلك فيما

نحن فيه.

و عدم صحّة الاستدلال بالمستثنى منه- لأنّ المراد من البَاطِلِ إمّا عرفيّ، أو شرعيّ، و على التقديرين يكون من التمسّك بالعموم في الشبهة الموضوعيّة- لا يورث قصورا في الاستدلال بمفهوم الحصر الظاهر من الآية الكريمة، فيكون الفسخ و التملّك محتمل البطلان بحسب النظر إلى المستثنى منه.

و أمّا إذا لاحظنا الجملة الثانية، فهو ليس من الأسباب المجوّزة للأكل و التصرّف، فيعلم حاله و هو بطلان التمليك من عموم الجملة الأولى أيضا.

و توهّم: أنّه بعد الفسخ يحتمل خروجه عن ملك المشتري، و لا يكون ماله، فلا يجوز التمسّك «1»، غير تامّ، لأنّ منشأ الشكّ احتمال

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 4- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 84

تأثير الفسخ، و هو مدفوع بعموم الحصر، فلا حاجة إلى الاستصحاب الموضوعيّ.

و به يندفع أيضا ما قد يقال: «من أنّ الموضوع لحلّية الأكل، المال الحاصل بالتجارة على نعت التقييد، بناء على إمكان تقييد المعلول بعلّته، أو يكون موضوعها المال الذي لا ينطبق إلّا على المال المذكور بنتيجة التقييد، و إذا وقع الفسخ يحتمل انتفاء التجارة، فالتمسّك غير جائز» «1».

هذا مضافا إلى اندفاعها بوجه آخر: و هو أنّ التجارة هي السبب، و لا وجود لها بعد تحقّقها في وعاء البقاء، بخلاف العهد و العقد، و لا تزول حقيقة التجارة بالفسخ، و هذا ما يجري في جميع ألفاظ المعاملات، فإنّها موضوعات للأسباب المتعقّبة بالمسبّبات عرفا، و لا يشترط بقاء المسبّب في الاسم، فلو زال بالفسخ فالزائل هو العقد، دون التجارة و البيع، فإنّهما لا يزولان بعد ترتّب الأثر عليهما، فتأمّل جيّدا.

توهّم عدم إمكان التمسّك بالآية عند الشكّ لصيرورة الشبهة موضوعيّة

و قد يشكل الاستدلال بها، لأجل أنّها ظاهرة في الجملة الاولى في إناطة الحرمة و المنع

بالباطل، سواء كان من الأباطيل في الأسباب، أو غيرها، فلا يكون الأكل بالإباحات و غيرها بالباطل، و على هذا تبطل الأسباب، و يحرم غيرها تكليفا بعموم النهي، و لاختلاف الأثر حسب

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 74- السطر 8- 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 85

اختلاف الموضوعات، و لأجل هذا الظهور تكون الجملة الثانية، ظاهرة في إناطة الحلّية و الأكل بالحقّ، و التجارة منه، فلا ينتقض بالقرض و الهبة و أمثالهما. و لا دخالة لعنوان «التجارة» فيشمل الآية بالتنويع جميع الأشياء، لأنّها إمّا حقّة، أو باطلة.

فعلى هذا لا يصحّ التمسّك، لأنّ الباطل عرفيّ، و الباطل العرفيّ معلّق على عدم تصرّف من الشارع الأقدس فيه، و إذا شكّ في نفوذ الفسخ فالشبهة موضوعيّة «1».

و يندفع: بأنّا لو سلّمنا جميع مقدّمات الشبهة فلا نصدّقها، لأنّ التعليق في الخطاب مضرّ، دون اللّب، فإنّ جميع الخطابات الإلهيّة مع تنجّزها، معلّقات بما لا يلزم منها الهرج و المرج و الظلم و القبح العقليّ، و هذا لا يورث قصور التمسّك بها بعد الفحص، و لا يقبل عند العرف عذر المعتذر الذي بالفسخ تصرّف في مال الغير، و اعتذر بذلك قطعا، فإذن لا يجوز التملّك بعد التجارة إلّا بالدليل المقدّم عليها.

و دعوى الفرق بين التعلّق في الأحكام و التعلّق في الموضوعات «2»، ممنوعة، ضرورة أنّ العرف يجد من الأشياء ما هي باطلة في نظره، و لو اطلع على حكم الشرع ينتقل إلى أنّ توهّمه غير تامّ، فإذا كان الرجوع و التملّك باطلا عرفا- لما أنّهم يقولون باللزوم على ما عرفت- فهو مشمول الآية، إلّا إذا وصل الدليل على خلافه.

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 4- السطر 16-

17.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 116.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 86

إن قيل: ليس البَاطِل في الآية عرفيّا، بل هو الباطل الواقعيّ، لأنّ الألفاظ موضوعة للمفاهيم الواقعيّة، فلا يتمّ الاستدلال، لأنّا نحتمل احتمالا عقلائيّا أن يكون الفسخ من الأسباب الصحيحة للأكل، لا من الأباطيل الواقعيّة، فالتمسّك بها في المقام من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة «1».

قلنا: لا واقعيّة للمعاني الاعتباريّة، و لو فرضناها فهل المدار على تشخيص العرف حال التزاحم، أو الشرع؟ لا شبهة في تعيّن الثاني، فليس هذا إلّا التعليق في الموضوع، أو ما أشرنا إليه.

و بالجملة: ليس المقام إلّا من التمسّك بالعامّ في الشكّ في التخصيص، لأنّ الخارج ليس عنوانا واحدا قابلا للانطباق على الفسخ، كما لا يخفى.

التمسّك بإطلاق المستثنى منه لإثبات العلّة التامّة المنحصرة

أقول: الظاهر أو من المحتمل قويّا أن تكون الآية، ناظرة إلى بيان الحكم في المستثنى منه، و لا إطلاق للجملة الثانية، و لذلك لا تجد من نفسك التهافت البدويّ بين قوله: «نهى النبيّ عن بيع الغرر» «2» و تلك الآية. و الإتيان ببعض القيود المعتبرة دون بعض، يفيد أنّه ليس في مقام

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 2: 141.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 45- 168، عوالي اللآلي 2: 248- 17، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 87

ذكر جميع القيود، فهو كالقرينة على عدم الإطلاق، فالتمسّك به لتجويز الأكل بعد الفسخ- و هو الكاشف عن عدم نفوذه- ساقط.

هذا، و قد تقرّر منّا: أنّ مفهوم الحصر لا يقبل التخصيص، فضلا عن التخصيصات المتعدّدة، لأنّه عرفا يضادّها، و لا يمكن الجمع العقلائيّ بينه و بينها، كما هو المتعارف بين

العمومات اللفظيّة و المخصّصات، ضرورة أنّه لو ورد: «ما جاءني أحد إلّا خمسة من العلماء» ثمّ ورد مجي ء العلماء كلّهم، فإنّه لا يجمع بينهما، فتكون النتيجة عدم مجي ء أحد إلّا العلماء. بل العرف لا يجد إلى الجمع بينهما سبيلا «1».

و إن شئت قلت: في خصوص المقام يستفاد المفهوم من استكشاف العلّة التامّة المنحصرة لجواز الأكل، و هي التجارة عن التراضي، فإنّ الباطل علّة المنع، و التجارة علّة الجواز، ضرورة أنّ الجملة المستثناة في حكم الوصف المعتمد، و عليه لا يمكن عندي تخصيصه، لأنّ المفهوم ناشئ من تلك العلّية، و لو ورد دليل على خلافه يعلم عدم الانحصار، فيسقط المفهوم، لأنّه من الآثار القهريّة، و يكون حجّيته- كحجيّة القطع- غير قابلة للتقييد و التخصيص. بل هو أسوأ حالا، و التفصيل في محالّه «2».

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 5: 186.

(2) لاحظ فوائد الأصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 505، تحريرات في الأصول 5: 186.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 88

توهّم عدم خروج الإباحات و القرض و نحوهما من مفهوم الحصر و جوابه

إن قلت: لم يخرج من عموم الحصر شي ء حتّى ينافيه، ضرورة أنّ المراد حصر مجوّز أكل المال في التجارة على أن يكون ملكا للآكل، لا لغيره، فلا ينتقض بالإباحات، و أنّ موردها المعاملات المعاوضيّة، بقرينة قوله تعالى أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ فغير المعاوضات- كالقرض و الهبة- غير داخلة، و من الأوّل تملّك مجهول المالك، و التملّك بالالتقاط.

قلت: أوّلا: جميع التجارات الفاسدة شرعا- لقيود اعتبرت فيها- خارجة عنها، لأنّ مفاد الحصر نفي التوسعة و التضييق، و لا معنى لدعوى الحصر مع إنكار الإطلاق، لأنّ حصر مجوّز الأكل بالتجارة، يلازم عرفا كونها تمام الموضوع من غير دخالة قيد آخر، و إذا كانت المعاملات الغرريّة و الغبنيّة خارجة، فهو ينافي الحصر

كما لا يخفى، فتأمّل.

و ثانيا: التقييد المذكور يورث أن يكون الموضوع لجواز التصرّف، الملك الحاصل من التجارة، مع أنّه ليس كذلك، بل الملك تمام الموضوع لجواز الأكل.

مع أنّ التقييد ممّا لا يقتضيه الكلام، كما لا يقتضي التقيد بالمعاوضات، فإنّ القرض و الهبة من الأسباب المملّكة الصحيحة الحقّة، و لا نظر في قوله تعالى أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ إلى التبادل بالضرورة. مع أنّ الهبة المعوّضة ليست من التجارة، فتدبّر جيّدا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 89

الآية الثانية: آية حلّ البيع.

أي قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1».

و غاية ما يمكن دعواه حولها: هو أنّها في مقام تحليل البيع بتحليل الحاصل منه، و هو الربح المقابل للزيادة الملحوظة في المعاملة الربويّة، فلا تدلّ على حلّية الطبيعة، و لا التصرّفات، لأنّ حلّية الطبيعة كانت معلومة، و ما كانت مورد ادعاء التسوية، و حلّية التصرّفات غير محتاج إليها، لأنّ الطبيعة المحلّلة تلازم جواز التصرّف عرفا.

فهي ناظرة إلى نفي التسوية المتخيّلة، و هي بين البيع الربويّ و غيره، فإنّ البيع غير الربويّ يورث النفع كالربويّ، فإذا حلّت الأرباح فإطلاقها يفيد اللزوم، لأنّه بعد الفسخ محلّل أيضا.

و لا وجه لتوهّم الشبهة الموضوعيّة هنا، فيقال: بعدم جواز التمسّك، ضرورة أنّ الحلّية متعلّقة بأمر خارج عن الطبيعة، و هي الزيادة و الربح، و بإلغاء الخصوصيّة يعلم لزوم سائر العقود.

و لو قيل: ليس مورد الحلّية الربح، بل المورد الربح الحاصل من البيع، فإذا تحقّق الفسخ يحتمل انتفاء البيع الذي هو قيد الموضوع «2».

قلنا: قد مضى آنفا أنّ اعتبار الفسخ حلّ العقد و العهد، دون عناوين المعاملات، فإنّها موضوعات للأسباب المتعقّبة بالمسبّبات في

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) لاحظ منية الطالب 1: 50- السطر 5.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 90

الجملة «1»، و سيأتي زيادة توضيح في ذيل الآية الآتية إن شاء اللّه تعالى.

أقول: كما يمكن صرف الآية الأولى بذيلها و صدرها، يمكن صرف ذيلها بها، فإنّ قوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبٰا ربّما يفسّر بأنّه يفيد حرمة البيع الربويّ، لا مطلق الرّبا، و لذلك اختلفت كلمات القوم في حرمتها في غيره، إلّا القرض فإنّها فيه محرّمة قطعا، فعلى هذا تكون الآية جملة إخباريّة عن الحلّية المتعلّقة بالطبيعة المخصوصة، و الحرمة المتعلّقة بها كذلك، و بذلك يرتفع غائلة التسوية.

و لعمري، إنّه أظهر المحتملات حولها، لأنّ مدّعي التسوية لا يسأل إلّا عن الفرق بين البيع الربويّ و غير الربويّ، و هي تنادي بذلك، و تكون ناظرة إلى دفع وهمهم، فلا إطلاق لها حتّى يتمّ الاستدلال بها حينئذ، و قد مضى بعض البحث فيها «2».

الآية الثالثة: آية الميثاق الغليظ

أي قوله تعالى وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً «3».

فإنّها لا تدلّ على الصحّة إلّا بلازمها، و هو لزوم الميثاق الغليظ، و النهي عن أخذ المهر بعده إرشاد إلى فساد الفسخ و الرجوع.

و ربّما تدلّ هذه الآية على الحرمة التكليفيّة زائدة على الإرشاد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 84.

(2) تقدّم في الصفحة 38 و ما بعدها.

(3) النساء (4): 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 91

إلى الفساد، و لا منع من الجمع بينهما، فإنّ المحرّم الشرعي- و هو الأخذ- لا يتلائم عرفا مع الصحّة و التنفيذ، فيكون المال المأخوذ منها محرّما عليه وضعا، لأنّه تصرّف في مال الغير، و نفس المراجعة إليها و الأخذ منها ممنوعا تكليفا، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

الآية الرابعة: آية الوفاء بالعقود

أي قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1».

و الذي تقرّر منّا عدم ارتباط هذه الكريمة بالمقام «2»، و عدم شمولها لجميع العهود و العقود و التكاليف الإلهيّة، فإنّ الوجوب فيها ليس تكليفا ثانويّا، حتّى يلزم تعدّد العقاب في التكاليف الشرعيّة، و تعدّد الوجوب، و لا إلزاماً عقليّا، أو إرشادا إلى لزوم عقلائيّ أو عقليّ، حتّى يلزم التخصيصات الكثيرة من خروج المستحبّات، بل و المكروهات، و العهود البدويّة غير المعاوضيّة، و العقود الجائزة و الفاسدة، و يلزم ما مرّ في ابتداء المسألة.

فهي تنبيه و توجيه للمؤمنين إلى المعاهدات بنحو الموعظة و التذكار، و إيقاظهم من نوم الغفلة و النسيان، و إلى حسن الوفاء بالعقود كلّها، و قبح تركه عقلا، من دون إفادتها الإلزام. و ليست هذه الآية تشمل نفسها، لتلك الجهة التي سمعت منّا.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) تقدّم في الصفحة 36.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 92

و العجب من أصحابنا المحقّقين، حيث جعلوا كلمة «الوجوب» موضوع

بحثهم، و استظهروا منها الحكم «1»!! مع أنّ الآية ليست إلّا باعثة نحو الوفاء بالعقود، و لا تكون مشتملة عليها.

و إذا كان حملها على الأصل الأوّلي في الهيئات ساقطا، لما سمعت، فحملها على الأصل الثانويّ فيها غير تامّ، لأنّ ظاهرها التكليف الشرعيّ المورث للعقاب على تركه، فما هي الظاهرة فيه غير قابل للعمل به، و ما هي القابلة للعمل به فيه خلاف ظاهرها، فتكون النتيجة ما أفاده البهبهانيّ «2» و «الرياض» «3» و غيرهما على ما نسب إليهم «4»، و ناظرة إلى عدّة من المعاهدات المعلومة عندهم.

و ممّا يورث مرامنا، هو أنّها تفيد الوجوب الشرعيّ حسب الأصل الأوّلي و مقتضى قول المفسّرين، و ذلك مشروط بالقدرة، و هي ثابتة بالنسبة إلى التكاليف الإلهيّة، و منتفية بالنسبة إلى العقود، و الالتزام بها فيها يوجب دلالتها على جواز العقود، و هو عكس المطلوب، و إخراج التكاليف الإلهيّة غير ممكن، لأنّها القدر المتيقّن منها، و القول بالتفكيك خروج عن العقل و العرف، و يكفي الثاني.

و دعوى: أنّ الوفاء بالعقود هو العمل على طبق مقتضاها، ففي

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 7، منية الطالب 1: 64- السطر 3، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 126.

(2) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 13.

(3) رياض المسائل 1: 511- السطر 11.

(4) الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 93

التكاليف هو الإتيان بها، و هكذا في مثل النذر و العهد في العقود ترتيب آثار العقد، من التسليم و غيره «1»، مسموعة، إلّا أنّ من الوفاء عدم نقضه أيضا، و ترك نكثه، فلو فسخ العقد قبل أن يأتي وقت التسليم، و أعلن أنّه نقض عهده، و لا

يكون بانيا على التسليم، فإنّه أيضا يعدّ من التخلّف عن الوفاء بالعقد، فلو كان هذا مشمول الآية الكريمة، يلزم إمّا جوازه، و هو ممنوع، أو كون الهيئة إرشادا إلى اللزوم، و هو مثله، فلا بدّ من اختصاصها بغيرها.

إن قلت: يدور الأمر بين حمل الهيئة على الإرشاد إلى ما يحكم به العقل و العقلاء في الموارد المختلفة و حفظ عموم الآية، و بين حملها على الوجوب، و إخراج ما نحن فيه منها، و الأوّل متعيّن، لمعهوديّته مع القرينة، فإنّ الوجوب التكليفيّ يستلزم تعدّد العقاب على ترك الواجبات الشرعيّة و لا قرينة على الثاني.

قلت: نفي كونها تكليفا مورثا للعقاب الثانويّ، لا يستلزم حملها على الإرشاد، فإنّ هنا شقّا آخر، و هو كونها تكليفا ناشئا من الإرادة المولويّة غير متعقّب بعقاب خاصّ، كالأوامر التأكيديّة، فإنّها أوامر مولويّة، إلّا أنّها ليست ذات إرادة مستقلّة، و ما هو الأصل الأوّلي هي المولويّة المستقلّة في الإرادة، و هي ساقطة، ثمّ المولويّة الناشئة من تلك الإرادة الأوّلية، و هي غير ساقطة، و ليس خلاف ظاهرها، كما لا يخفى.

و ربّما يشهد على عدم كونها إرشادا تصدّرها بقوله تعالى:

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 215- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 94

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «1» فإنّه المناسب لمسائل راجعة إليهم، دون قاطبة الناس، و تذيّلها بقوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ الظاهر في أنّها من آثاره الوفاء بتلك العقود، فتأمّل جيّدا.

صيرورة الشبهة في بقاء العقد موضوعيّة و لزوم التمسّك بالأصل العملي

ثمّ إنّ المقصود من التمسّك بالأدلّة اللفظيّة، بيان دلالتها على اللزوم من غير التوسّل بالأصول العمليّة، و هو غير ممكن، لأنّ بقاء العقد بعد الفسخ مشكوك.

و توهّم: أنّ الآية الكريمة تدلّ بالمطابقة على وجوب الوفاء بالعقود، و بالالتزام عرفا على حرمة

النقض، و الشكّ المذكور يرتفع بدلالتها الالتزاميّة، لأنّه مسبّب من تأثير الفسخ المنفيّ بها، لأنّ الحرمة إمّا تكليفيّة، فهي لا تجامع الصحّة عرفا، و إمّا إرشاديّة، فهي تورث فساد الفسخ «2»، فاسد، ضرورة أنّها ممنوعة على ما تقرّر في الأصول «3».

و دعوى اقتضاء إطلاق وجوب العمل بالعقد إبقاءه، و لو عمل عملا يوجب انتفاءه، فهو قد تخلّف و لم يف بعقده، لا تنفع شيئا في المسألة، بل تفيد جواز العقود وضعا، كما لا يخفى.

إن قلت: الابتلاء بالشبهة الموضوعيّة، من توابع حمل الهيئة على

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 215- السطر 14- 17.

(3) تحريرات في الأصول 4: 296.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 95

التكليف المولويّ، و لو كانت إرشادا إلى اللزوم، فهي تدفع تأثير الفسخ قهرا، و اختيار أنّ الآية تورث وجوب الوفاء تكليفا، يوجب جواز نقضها بعد الزمان الأوّل، لسقوط الأمر بأوّل مصداقه، و هو خلاف مقصود المتكلّم، فعليه يتعيّن حمل الهيئة على الإرشاد، خلافا لمقتضى الأصل الأوّلي، بل و الثانويّ كما عرفت.

قلت أوّلا: لا نلتزم بشمول الآية لتلك العقود، حتّى يلزم ما لزم، و يقال ما قيل.

و ثانيا: كما أنّ فهم العقلاء في جانب النواهي بقاء النهي بالتخلّف الأوّل، كذلك فهمهم في بعض الأوامر بقاؤه و إن أثم بأوّل مصداقه، أو أتى به.

مثلا: إذا قال المولى: «وقّروا كباركم» «1» ليس معناه سقوط الأمر بأوّل التوقير، بل يجب ذلك في جميع الأزمان، و مثله قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» فإنّه يلزم الوفاء ما دام العقد باقيا، و أمّا لزوم إبقاء الموضوع فلا يتكفّل له الأمر بالوفاء به.

و هذا من الشواهد العرفيّة على عدم شمول الآية هذه الموارد، و تكون إشارة إلى

العقود التي أمرها بيد الشرع الأقدس، ضرورة أنّ إيجاب الوفاء و تجويز الفسخ غير متلائمين عرفا، فيعلم منه خروجها رأسا، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) فضائل الأشهر الثلاثة: 77- 61، وسائل الشيعة 10: 313، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 18، الحديث 20.

(2) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 96

ثمّ إنّه من المحتمل إجمال الآية، لأنّ «العقد» لغة غير مستعمل في التكاليف، و اختصاص الآية بغيرها ممّا يجمع على بطلانه.

مع أنّ تعرّض الكتاب- خصوصا في سورة المائدة، و لا سيّما بهذا الخطاب- لمثل ما هو المعلوم عند الشيخ و الشابّ، في نهاية البعد عند ذوي الألباب، ضرورة أنّ العهد لا يتقوّم بالقول، بخلاف العقد، و لا قبول منّا عرفا لها كما لا يخفى.

و ممّا حصّلناه يظهر النظر في التقاريب الأخر حول الآية الكريمة، و لو تعرّضنا لها و لنقدها لخرجنا عمّا عليه وضع الكتاب من الاختصار.

الروايات المستدلّ بها على أصالة اللزوم
الرواية الأولى: رواية عدم حلّ المال بلا طيب

و هي موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه» «1».

فإنّها ظاهرة في ممنوعيّة الناس عن مطلق التقلّبات في مال الغير المسلم إلّا مع رضاه، و من تلك التحوّلات تملّكها.

______________________________

(1) الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 97

و توهّم: أنّ الحلّية ليست قابلة لأن يراد منها الوضع و التكليف «1»، كتوهّم أنّها هنا أريد منها التكليف، لإضافتها إلى العين «2»، فإنّهما غير تامّين، لما مرّ في

ذيل قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «3» و في كتاب التقيّة «4»، و لأنّ القضيّة الموجبة و السالبة مختلفتان في الظهور، فقوله تعالى وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ «5» ظاهر في التكليف، و قوله:

«لا يحلّ الكلب و الخنزير» ظاهر فيها، فلا تصحّ الصلاة في جلدهما، فلا تغفل.

هذا مع أنّ مطلق التصرّفات الحسّية إذا كان مشروطة بالرضا، فالتقلّبات الاعتباريّة تكون باطلة، لأنّ المقصود الأصليّ فيها التصرّفات و الانتفاع منها، فلا حاجة في تقريب الاستدلال بها لفساد الفسخ إلى ما أفاده الوالد النحرير المحقّق- مدّ ظلّه- و التزامه بشمولها للتصرّفات المعامليّة، بدعوى أنّ نفي الحلّية عن الأعيان الخارجيّة، يحتاج إلى الادعاء المصحّح له، و لو حلّ المال ببعض شؤونه البارزة الشائعة، لم تصحّ الدعوى المزبورة، أي عدم حلّية

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 80- السطر 39، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 110.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 34- السطر 17.

(3) تقدّم في الصفحة 38.

(4) رسالة التقيّة، للمؤلّف قدّس سرّه (مفقودة).

(5) الأعراف (7): 157.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 98

المال، و حيث تكون التصرّفات الاعتباريّة من أوضح الشؤون، فهي تشملها، و إلّا يلزم استهجان الدعوى «1».

فتحصّل: أنّ الرواية لا تكون ظاهرة إلّا في الحرمة و الحلّية التكليفيّتين، و لكنّ إطلاق الحرمة التكليفيّة، يورث فساد جميع التقلّبات الاعتباريّة، لأنّها تؤدّي إلى التصرّفات الحسّية الممنوعة بها المقصودة فيها، كما لا يخفى.

و بذلك يظهر الجواب عن شبهة أوردناها عليها: و هي أنّ الفسخ ليس تملّكا، فإنّه حلّ العقد و إعدامه «2»، و أثره دخول العوضين في ملك المتعاقدين، فهو خارج عن مفاد الحديث، بناء على شموله لمثل التملّك، فإذن تكون الشبهة موضوعيّة، و وجه الظهور معلوم.

و العجب من

أصحابنا، حيث فرضوا أنّ المحذوف هو «التصرّف» و استظهروا منه عدم إطلاقه على التملّك أو التقلّبات الاعتباريّة «3»، ظنّا أنّ التوقيع الشريف «4» قرينة عليه، و أنّ «التصرّف» معناه التحوّلات الخارجيّة!! و قد علمت: أنّه يتمّ الاستدلال بها حتّى على الفرض المذكور، من غير الحاجة إلى ما أفاده الوالد- مدّ ظلّه- في دفع الشبهة تمسّكا

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 111.

(2) تقدّم في الصفحة 89.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 80- السطر 38.

(4) تقدّم في الصفحة 69.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 99

بصدر الرواية الشريفة «1».

و توهّم: أنّه من التمسّك بالأصل، في غير محلّه، بل هو التمسّك بالدليل ببركة الأصل، فافهم.

إن قلت: لا يعتبر طيب نفس المالك عند العلم بطيب مالك الملوك، كما في مواقف الاضطرار و نحوه، فالحكم معلّق على عدم الإذن من قبل المالك الحقيقيّ، و في صورة الشكّ يشكل التمسّك.

قلت: قد مرّ نظير هذه الشبهة بجوابها.

نعم، تخصيص الحديث ينافي مفهوم الحصر، لما عرفت، بل الحديث آب عن التخصيص، فعليه يقال: بعدم شموله للتصرّفات الاعتباريّة، حتّى لا يخرج التملّكات بالخيارات المشروعة. و خروج التصرّف الحسّي حال الاضطرار، من باب الإخراج موضوعا، لأنّه بإذنه يخرج من ملكه، و لا يكون حينئذ المتصرّف ضامنا، فتأمّل.

و قد يشكل الحديث، لأجل أنّ الطيب ليس شرطا، فإنّ المدار على الإذن و إن كان ناشئا عن الكراهة القلبيّة، كما في مواضع كثيرة يتّفق للإنسان أن يأذن للتصرّف في أمواله، أو يقدم على المعاملة، لمصالح عالية مخالفة لميله النفسانيّ، فما ورد في التوقيع المبارك، قال:

«فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «2» يوافق القواعد.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 111- 112.

(2) تقدّم

في الصفحة 69.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 100

الرواية الثانية: حديث السلطنة

أي المرسلة المعروفة بالاشتهار: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1».

وجدتها في «البحار» «2» و لعلّها في الصحف الاولى.

و تقريبها: أنّ السلطنة هي التي تكون قاطعة لأيادي الآخرين، فيما كانت حقيقيّة، و إذا كانت اعتباريّة فهي كذلك، فإذا انتقل المال بالعقد المملّك، فليس لأحد التصرّف فيه بدون رعاية سلطانه، و لا تملّكه و نقله اعتبارا كذلك، لأنّه أيضا يعدّ منافيا لها، و حيث ثبت أنّه سلطان على الإطلاق عليها، لا تأثير لمثل الفسخ، كما لا أثر للبيع و نحوه.

و لو سلّمنا أنّه لا إطلاق لها بالنسبة إلى قطع يد الأجانب، أو أنّه لا ينافي إطلاقها نفوذ التصرّفات الاعتباريّة من الآخرين، فيكون الكلّ نافذة تقلّباتهم مثلا، فلنا أن نقول: بأنّ ذلك أيضا يؤدّي إلى بطلانها، لما عرفت، فإنّ السلطنة المطلقة على التصرّفات الخارجيّة، تؤدّي إلى ممنوعيّة الغير حتّى بعد الفسخ، و هو يلازم فساده و عدم تأثيره.

إن قلت: الاستدلال يتمّ ببركة الأصل، و الكلام حول الأدلّة الاجتهاديّة و دلالتها على اللزوم.

قلت: هذا هو الأصل الموضوعيّ، و هو لا يدلّ على اللزوم، بل دليله

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 489- السطر الأخير، عوالي اللآلي 1: 222- 99.

(2) بحار الأنوار 2: 272- 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 101

تلك الأدلّة.

و العجب أنّ الأصحاب توهّموا لزوم تماميّة الاستدلال بالوجه الذي لا تصل النوبة إلى مثله، و ابتلوا بخلاف الظواهر كثيرا كما ترى!! مع أنّ المطلوب- و هو لزوم العقود- يثبت بها ببركته.

فما قد يتوجّه إلى التقريب الأوّل: من دعوى انصراف «المال» إلى الأموال المتعارفة الثابتة المستقرّة المحتاجة في انتقالها إلى سبب جديد «1»، غير متوجّه إلى الثاني.

و لعمري، إنّها

غير بعيدة جدّا، و إلّا يلزم التخصيص كثيرا. مع أنّا نرى أنّ إعمال الخيار لا ينافيه، بل و لا يشمل المرسلة الفسخ الذي يتعلّق بالعقد، فإنّ القدرة على فسخ العقد لا ينافي إطلاق السلطنة. و الانتقال القهريّ الحاصل بالفسخ، ليس مزاحما لسلطانه، لأنّه من تبعات ما ليس داخلا في إطلاق سلطنته.

و من العجيب تفسيرهم «الفسخ» بالتملّك «2»!! مع أنّه خلاف ما بنوا عليه، و خلاف ما عليه ارتكاز العقلاء، لأنّه حلّ العقد و فتح العقدة.

لا يقال: لا يمكن استفادة فساد الفسخ من التقريب الثاني و لو ببركة الاستصحاب، لأنّه على فرض إثبات سلطنته على ماله بعد الفسخ، لا ينافي ثبوت السلطنة الأخرى في عرضها، لعدم المانع من اجتماع السلطنتين على أمر واحد، و يكون كلّ واحد منهما نافذا، كما في سلطنة

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 21.

(2) رياض المسائل 1: 522- السطر 30، جواهر الكلام 23: 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 102

الجدّ و الأب على مال الابن، فالمدلول المطابقيّ منه غير كاف، خلافا لما توهّمه القوم.

لأنّا نقول: لا شبهة في أنّ المستفاد من المرسلة، السلطنة على الأموال بأنحاء التصرّفات الحسّية، و قطع يد الآخرين خارجا، و هذا هو الموجب لفساد الفسخ و عدم تأثيره، لأنّه لا معنى لأن يمنع عن التصرّف الخارجيّ فيما عاد إليه بعد الفسخ مع كونه مؤثّرا.

و أمّا كونها دالّة على المعنى الالتزاميّ، و قطع يد الأجنبيّ عن التملكات الاعتباريّة، فهو محلّ منع و إشكال، و ممّا لا حاجة إليه كما عرفت، فتدبّر.

ثمّ إنّه يمكن دعوى قصورها عن إثبات لزوم عقد الإجارة و نحوها، إمّا لانصرافها عن ماليّة المنافع، أو لأنّها ليست مالا، و لكنّها غير مسموعة، لشهادة

العرف على خلافها.

الثالثة: عمومات الشروط

و هي على صنفين:

أحدهما: ما يمكن الخدشة فيه بدوا، مثل قولهم: «المسلمون عند شروطهم» «1» أو «المؤمنون.» «2» كذلك من غير التعقّب بالاستثناء، فإنّه

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 1، تهذيب الأحكام 7: 22- 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 7: 371- 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 103

من المحتمل كونه إرشاداً إلى مسألة أخلاقيّة، و إرشادا إلى المستحسنات العرفيّة و العقلائيّة، كقولهم: «المؤمن عند عدته» أو: «إذا وعد وفى» و أمثالهما.

ثانيهما: الجملة المذكورة المتعقّبة بقوله عليه السلام: «إلّا شرطا حرّم حلالا، أو أحلّ حراما» «1»، أو «شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ» «2».

فإنّه حينئذ يكون ظاهرا في القاعدة الشرعيّة الكلّية، و حيث إنّ ظاهر المستثنى بطلان الشرط المذكور، فهو دليل على أنّ المقصود في المستثنى منه إفادة صحّة الشروط بالمطابقة أو الالتزام.

و أمّا كونه مفيدا للوجوب التكليفيّ، حتّى يكون دليلا على جواز الشروط و عدم لزومها، فهو خلاف المتبادر منه قطعا.

نعم، لا بأس بالالتزام بإفادته الحكم التكليفيّ، زائدا على أنّ مخالفته لشرطه لا تؤثّر في شي ء وضعا، و لكنّه حينئذ بعيد جدّا، و لقد تقرّر منّا حولها في مباحث الشروط مسائل «3»، من شاء فليراجع. هذا كلّه حول دلالته.

و أمّا إطلاق كلمة «الشرط» على المعاملات، فقد مضى تفصيله في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 467- 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

(2) الفقيه 3: 127- 553، تهذيب الأحكام 7: 22- 93، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

(3)

تحريرات في الفقه، كتاب الخيارات، المقصد الثالث في الشروط.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 104

المبحث الأوّل «1».

و لعمري، إنّ أصحابنا قد خلطوا بين الجملتين، و غفلوا عن ظهور المستثنى، و أنّه هو الاستثناء من الصحّة لا الوجوب، من غير لزوم كون المستثنى منه ظاهرا في إفادتها الصحّة بالمطابقة، بل هي تفيدها في لازمها، كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك، فهذه المآثير تدلّ على لزوم كلّ شرط الملازم لصحّته، إلّا الشرط المذكور، و ذلك لأنّها ظاهرة في الوجوب الطريقيّ، أو إمضاء لطريقة العقلاء، و هي على اللزوم في المعاملات و توابعها المرتبطة بها، و على التقديرين يثبت المطلوب.

إن قلت: التمسّك بها بعد الفسخ غير جائز، لأنّ الشبهة موضوعيّة.

قلت:- مضافا إلى ما عرفت سابقا- إنّها لا ترد على القول بإرشادها إلى اللزوم. بل لا ترد مطلقا، لأنّ عدم حفظ الموضوع مناف لإطلاقها، كما لا يخفى.

الرابعة: إطلاقات خيار المجلس

و هي تدلّ على عموم المدّعى، لما فيها ما رواه المشايخ الثلاثة، بأسانيدهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إذا التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا و خانا لم يبارك لهما، و هما بالخيار ما لم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 65- 66.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 105

يفترقا.» «1».

فإنّ «التجارة» أعمّ من البيع، و لذلك احتملنا جريان خيار المجلس في غير البيع قويّا.

و بالجملة: هذه الرواية و مشابهاتها، ظاهرة في أنّها في مقام جعل الخيار في البيع، من غير النظر إلى اللزوم، إلّا أنّ العرف لا يساعد إلّا على جعله في العقود اللازمة بطبعها و ما هو الواجب عند العقلاء و الشرع مثلا، و إذا كان المتعاطي بائعا-

بل هو البيّع بالحمل الشائع- يعلم: أنّ المعاطاة لازمة بطبعها في الشريعة، و ما هو كذلك لا ينافي جعل الخيارات المختلفة فيه، لأغراض متشتّتة، و موجبات متفرّقة مساعد عليها العرف، أو غير مساعد.

فلا يستكشف اللزوم من إطلاق ذيل المآثير حتّى يقال: بلزوم التخصيص كثيرا، الكاشف عن أنّها تفيد الحكم الحيثيّ، و لا من بعض الجهات الأخر المذكورة في المفصّلات، حتّى نخرج عن الطريق المستقيم.

بل المطلوب يعلم من أنّ البيع و نحوه عند العقلاء لازم، و الروايات تكون بصدد جعل الخيار فيها الملازم لإمضاء اللزوم، فإنّ ما كان محكوما عندهم و عند الشرع بالجواز، لا معنى لأن تلحقه هذه الأحكام.

و لعمري، إنّ دلالتها على اللزوم أوضح من النار على المنار، بشرط

______________________________

(1) الكافي 5: 174- 2، الخصال: 45- 43، تهذيب الأحكام 7: 26- 110، وسائل الشيعة 18: 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 106

سلامة الأفكار.

إن قلت: الشبهة تارة: تكون في جواز عقد و لزومه، فهي ترتفع بهذه الرواية إذا كان داخلا في موضوعها.

و اخرى: في موجبيّة أمر للخيار و عدمها، فهي لا ترتفع إلّا بإطلاق الذيل، فلا بدّ من إثباته.

قلت: نعم، إلّا أنّ الكلام فيما نحن فيه حول الشبهة الاولى، و إثبات الإطلاق في غاية الإشكال، لما عرفت، و أنّ العرف يشهد على وجوب البيع من حيث حصول الفراق، دون العيب و الغبن، من غير الالتزام بالتخصيص، فافهم و تدبّر جيّدا.

هذا تمام الكلام حول الأدلّة اللفظيّة، و هي في الإفادة مختلفة، فمنها ما يفيد اللزوم من باب الملازمة العرفيّة، و بعضها يفيده بالمطابقة.

و بعبارة أخرى: يتمّ الاستدلال ببعض منها مع فرض اللزوم عند العقلاء، فيكون دليل

الإمضاء منسلكا في الأمر الأوّل، و ببعض منها من غير التوقّف على الفرض المذكور، كحديث حرمة مال المسلم «1» و نحوه [2]، و هكذا يتمّ المرام ببعضها من غير الحاجة إلى الأصل الموضوعيّ، و ببعضها الآخر معه كما لا يخفى.

______________________________

[2] الحسن بن عليّ بن شعبة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، أنّه قال في خطبة الوداع: أيّها الناس، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، و لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه.

تحف العقول: 34، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 3.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 96.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 107

الأمر الثالث: حول الأصول العمليّة الموضوعيّة و الحكميّة الوجوديّة و العدميّة
اشارة

من الاستصحاب و غيره،

و الكلام في المقام يتمّ في مراحل:
المرحلة الاولى: في جريان استصحاب الملكيّة الثابتة بالعقد
اشارة

لأنّ الكلام بعد الفراغ عن إفادتها الملكيّة، فالفسخ لا يؤثّر في شي ء.

و قد يشكل جريانه مطلقا و لو كان كلّيا، لأنّ الملكيّة ليست موضوعا لحكم شرعيّ، و كونها من الاعتبارات العقلائيّة و المعتبرات الشرعيّة إجمالا، غير واف بالمقصود «1»، و هو ممنوعيّة الفاسخ عن التصرّف شرعا بعد فسخه، و لأنّ التعبّد ببقائه مالكا أو بقائه على ملكه، لا يورث الحكم الشرعيّ، لما نجد التفكيك شرعا بين المالكيّة و جواز التصرّف، كما في المحجور، و ليس في العمومات كبرى كليّة على «أنّ من هو المالك له التصرّف في ملكه بما يشاء، و كيف يشاء» حتّى ينسلك ما نحن فيه فيها.

فدعوى: أنّ الضرورة قائمة على أنّ الأصل المذكور- كلّيا كان، أو

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 95.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 108

شخصيّا- مفيد، لأنّ البديهة حاكمة بأنّ المالك غير ممنوع عن التصرّف شرعا، فكأنّه وصلت كبرى كلّية عليه، ساقطة جدّا.

إن قلت: لا يجري الاستصحاب المذكور ذاتا، لأنّ المتيقّن هو الكلّي، ضرورة أنّ الملكيّة الحاصلة من السبب الجائز، غير الملكيّة الحاصلة من السبب اللازم، لأنّ خصوصيّة العلّة تورث في المعلول مثلها، و لأنّ الملكيّة من الاعتبارات، و تشتدّ و تضعف حسب اختلاف أحكامها في الشرع، و القسم الثاني من الكلّي غير جار، لأنّ متعلّق اليقين لا بدّ و أن يكون من القضايا التي ظرف صدقها الخارج، و هو هنا منتف بالضرورة.

قلت أوّلا: عدم جريان الكلّي منه ممنوع عرفا، و المناط في المسألة فهمه.

و ثانيا: لزوم السنخيّة بين المعلول و علّته ممنوع في القضايا الاعتباريّة، فالعقد اللّازم يورث الملك الجائز و بالعكس.

و السرّ كلّه: هو أنّ اعتبار الملكيّة متقوّم

بالقدرة إجمالا، و إذا حصلت علّة الاعتبار فتعتبر الملكيّة، و هي موضوع لأحكام شرعيّة و عقلائيّة، و انتفاء الأحكام يوجب انتفاء الملكيّة، و لكن انتفاء عدّة منها لا يورث قصورا فيها حتّى تشتدّ و تضعف، فإنّه واضح المنع لمن تدبّر المسألة.

و من العجب أنّ الأصحاب ظنّوا، أنّ المدار في جريان الأصل الشخصيّ، على أن يكون الجواز و اللزوم من أوصاف العقد!! و قد عرفت خلافه.

فاتضح أنّ الأصل الجاري فيما نحن فيه هو الشخصيّ، و القسم

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 109

الأوّل من الكلّي، إلّا أنّ فائدته منفية، لما سمعت منّا.

إشارة إلى بعض الاستصحابات الأخرى

ثمّ إنّ هنا استصحابات أخر:

منها: استصحاب بقاء عنوان «العقد، فتشمله الآية الكريمة.

و منها: استصحاب السلطنة للمالك الثاني، و في كفايته إشكال، لأنّ السلطنة و إن كانت من الأحكام العقلائيّة النافذة في الشريعة، إلّا أنّ التعبّد ببقائها، لا يكون ملازما شرعا لجواز التصرّفات الكلّية.

و منها: الاستصحابات التعليقيّة، فإنّ المالك قبل الفسخ كان إذا يتّجر تصحّ تجارته، و في جريانها إشكال في مباحثه «1».

و منها: الاستصحاب الحكميّ، فإنّه كان يجوز له التصرّف قبل الفسخ، و هكذا المالك الأصليّ كان محرّما عليه التصرّف، فتكون النتيجة لزوم العقد.

المرحلة الثانية: في تعارضه مع الاستصحاب الحاكم على جميع هذه الاستصحابات

لأنّه به يزول الشكّ في الرتبة السابقة تعبّدا و نتيجته نفوذ الفسخ، و ذلك لأنّ الأسباب الناقلة ليست حدود تأثيرها معلومة، حتّى

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأصول 8: 542 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 110

يعلم بانقطاع العلقة بين المملوك و مالكه مطلقا، أو انقطاع الملكيّة رأسا، فإذن يجوز الاستصحاب إذا شكّ في جواز رجوعه إلى ملكه بعد العقد المملّك. و التعبّد ببقاء العلقة بينه و بين ماله، لا يرجع إلّا إلى جواز استرجاعه العين، و نتيجته نفوذ فسخه.

و من المحتمل قويّا جريان القسم الأوّل من ثالث أقسام الكلّي، لأنّ الزائل بالعقد هي الملكيّة الشديدة و العلقة الثابتة، لا أصل الملكيّة.

و لك أن تقول باستصحاب بقاء علقة الاسترجاع بنحو الكلّي، فإنّه كان إذا يخرجه عن ملكه بغير العقود اللازمة، يستحقّ استرجاعه، و أن تستصحب جواز استرجاعه الثابت بخيار المجلس و غير ذلك.

هذا، و أنت خبير بما فيه من الأغلاط، و أنّه من التوهّمات التي لا أساس لها، و لا خير في تعرّضنا لمثلها، فلاحظ و تدبّر.

فتحصّل: أنّ الأصل الجاري ينحصر بالاستصحاب الحكميّ، و هو استصحاب جواز التصرّف

للمالك الثاني.

و يمكن دعوى التفصيل حينئذ بين التصرّفات، فإنّ التصرّفات الخارجيّة كانت جائزة و محلّلة شرعا، و لها الحكم المنجّز، و هو أنّه كان في حلّ منها، بخلاف التصرّفات الناقلة و الاعتباريّة، فإنّها غير جائزة، لعدم الدليل عليها إلّا الاستصحاب، و هو تعليقيّ عقليّ، لا شرعيّ، فعليه لا يجوز للمالك الثاني بعد الفسخ البيع و نحوه، و يجوز له أكله و إطعامه.

و هي قابلة للدفع بدعوى: أنّ المستصحب ليس معلّقا، فإنّ تجارته

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 111

كانت صحيحة، أو كانت نافذة و مشروعة و ممضاة، و لا داعي إلى إرجاعه إلى التعليق، حتّى يشكل جريان الأصل فيه.

المرحلة الثالثة: حول عدم استصحاب أصل الملكيّة لتغاير الجائزة مع اللازمة بالنوع

إذا شكّ في أنّ الملكيّة ذات نوعين، و ذات مراتب، و أنّ اللزوم و الجواز من منوّعاتها أو مفرّداتها، حتّى تكون الملكيّة من الجائز غيرها من العقد اللازم، أو شك في أنّ الجواز و اللزوم في العقد، هل يورثان اختلافا فيها، فيتردّد الأمر بين بقاء الشخص و عدمه، و أنّ الاستصحاب الجاري كلّي أو شخصيّ، فهل يسقط التمسّك؟

قيل: نعم، لدوران المستصحب بين كونه كلّيا غير جار فيه الأصل، و بين كونه فردا «1».

و قيل: لا «2».

و قد يقال بالتفصيل بين الشبهات الحكميّة فيجري، و هو الاستصحاب الشخصيّ- و سرّه: أنّه مع احتمال عدم اختلاف الملكيّة إلّا بحسب الشخص، يحتمل بقاء ذاك الشخص الذي كان فيستصحب- و الشبهات الموضوعيّة، كدوران الواقع في الخارج بين الهبة و البيع،

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 13- السطر 21، منية الطالب 1: 60- السطر 20.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 112

فإنّه لا تعيّن لشخص الملك «1».

و يفصّل ثانيا: بين الملتفت إلى اختلاف حقيقة

الملكيّة، و غير الملتفت، فإنّ الثاني تيقّن و شكّ، و لا واقع لهما إلّا أنفسهما، بخلاف الأوّل، فإنّه لا يقين له بالفرد بما هو، لاحتماله الخصوصيّة الدخيلة في فردية الفرد للطبيعة «2».

و ثالثا: بأنّ وجه عدم جريان الأصل الكلّي إن كان وجود الأصل الحاكم عليه، ففيما نحن فيه يجري الأصل، للشكّ في وجود الأصل الحاكم.

و إن كان لعدم شمول عمومات الاستصحاب له، لأجل لزوم اتحاد القضيّتين: المتيقّنة، و المشكوكة، و هو منتف كما ترى، فلا يجري، لاحتمال كون المسألة من قبيل ذلك، فالتمسّك غير جائز، لأنّه من التمسّك بالعامّ في الشبهة الموضوعيّة «3».

أقول: أمارات الشخصيّة في الملكيّة هي السبب، و المضاف إليه، و المالك، فإن كانت هي بعد ذلك غير متشخّصة، فذلك لأجل اللزوم و الجواز اللّذين هما من الخصوصيّات، و فيما لو شكّ في أنّهما من أماراتها فلا يعقل تعلّق اليقين بالشخص، فلا يجري الاستصحاب.

إن قلت: نعلم إجمالا بأنّ الملكيّة الحاصلة بالعقد المجهول

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 79- السطر الأخير.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 33- السطر 24- 27.

(3) مصباح الفقاهة 2: 131.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 113

لزومه و جوازه، أنّها إمّا هي الملكيّة الشخصيّة غير المتقيّدة بالجواز و اللزوم، لأنّهما من طوارئ العقد، و إمّا هي الملكيّة المخصوصة بالجواز أو باللّزوم، فكأنّه يعلم: بأنّ في الدار إمّا زيدا، أو عمرا، أو بكرا، فلو كان الأثر مترتّبا على كلّ من الشخصيّات، فالأصل يجري.

نعم، يتردّد الأمر و لا يترتّب الأثر، إذا قلنا بعدم جريان الاستصحاب مع الشكّ في المقتضي، و لكنّه ممنوع.

قلت: هذا ليس من الاستصحاب الشخصيّ، لأنّه لا يعلم بوجود زيد حتّى يشكّ في بقائه، و توهّم استصحاب الفرد

الواقعيّ فاسد، لأنّه ليس في عموم أدلّته، لما أنّ موضوعه اليقين و الشكّ، أو الواقع المتّصف بهما، فلا تغفل.

و ممّا ذكرناه يظهر مواقف الخلط في كلمات القائلين بالجريان «1».

و من العجب التفصيل الثاني! ضرورة أنّ اليقين و الشكّ و إن كانا موضوعا في الاستصحاب، إلّا أنّ اليقين طريق إلى الواقع المجعول في الشرع الأقدس.

و أعجب منه التفصيل الأخير!! فإنّه مضافا إلى خلطه في الجاري بين الكلّي و الشخصيّ، أنّ الأصل الحاكم لا يورث عدم جريان الأصل المحكوم ذاتا، و لذلك لو لم يترتّب الأثر الشرعيّ على الأصل السببيّ، تصل النوبة إليه، فعليه يلزم الخلف، لأنّ المفروض عدم جريان الأصل الكلّي رأسا.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 111.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 114

خاتمة: في حكم الشكّ في اشتراط الأسباب العرفيّة بشي ء

إذا شكّ في الأسباب العرفيّة في شرطيّة شي ء لها، كالعربيّة و الماضويّة، فمقتضى أصالة البراءة الشرعيّة عدم الشرطيّة، و حيث إنّ السببيّة معلومة عرفا مع قطع النظر عنهما، لا يكون الأصل مثبتا.

و قد اختار أستاذي الوالد المحقّق جريانها في الشرائط الشرعيّة، دون العرفيّة «1»، معلّلا بما أشير إليه، فعليه يصحّ التمسّك بها لصحّة المعاطاة لما يشكّ في شرطيّة اللفظ، و هو لو كان شرطا يكون شرعيّا.

إن قيل: في جريان البراءة في أمثال المقام يشترط بقاء المشروط، كما في نفي العربيّة و الماضويّة، و أمّا نفي اعتبار اللفظ فهو غير ممكن، لأنّه سبب حيال سببيّة الفعل، فلا يثبت بها صحّة المعاطاة.

نعم، إذا شكّ في شرطيّة التعاطي من الطرفين- بعد كون الطرف الواحد محقّقا لعنوان المعاملة عرفا- فالمرجع هي البراءة.

قلنا: لا يلزم في رفع الشرط عنوان المشروط، بل يكفي عنوان المقارنة، مثلا إذا شكّ عند إيجاد البيع بالفعل في شرطيّة اللفظ مقارنا معه، فإنّه

يصحّ التمسّك بها، و يلزم صحّة السبب.

و توهّم ممنوعيّة المعاملة بالسببين فاسد، بل الأحوط عند ما يتعاطى العقد باللفظ، و إذا عقد باللفظ فالأحوط أن يكون التسليم و التسلّم بعنوان المعاملة و التسليم و التسلّم، و هذا ممّا لا بأس به.

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 62- 63.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 115

و هكذا توهّم: أنّه من الأصل المثبت، ضرورة أنّ المقصود ليس إثبات عنوان «الصحّة» و عنوان «المؤثّر الشرعيّ» بل التأثير معلوم عرفا، و ما هو المشكوك شرطيّة شي ء في التأثير زائدا على ما عندهم، و إذا كانت هي منتفية فالمطلوب ثابت.

هذا، و لكنّ التحقيق عدم جريانه في هذه المواضع مطلقا، لأنّه مع الشكّ في شرطيّة شي ء يشكّ في كون السبب العرفيّ ممضى أم لا، و إثبات الإمضاء بالأدلّة اللفظيّة و السيرة المنضمّة بعدم الردع، خروج عن الفرض كما لا يخفى.

ثمّ إنّه كما يتمسّك بالبراءة لصحّة المعاطاة، يتمسّك بأصل العدم الأزليّ للزومها، لأنّ الشكّ في بقاء الملك مسبّب من الشكّ في تأثير الفسخ، و إذا صحّ أنّه لم يكن مؤثّرا بنحو السلب المحصّل المجامع مع عدم الموضوع، يجوز التمسّك بالاستصحاب.

و هذا هو الجاري في مباحث العدم الأزليّ، لأنّ المقصود ليس إثبات شي ء آخر حتّى يكون مثبتا، بل المطلوب يحصل بنفس التعبّد بالعدم المذكور، لأنّ المتعبّد به كلّي ينطبق على المورد. و هذا نظير ما لو ورد «إذا لم يكن الجاهل موجودا أكرم علماءكم» فإنّه لو شكّ في وجود الجاهل يستصحب العدم المحموليّ، و ينقّح موضوع القضيّة الشرطيّة، و لقد أوضحنا المسألة في مباحث الشروط «1»، و في كتب الأصول «2»، فراجع.

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب الخيارات، المقصد الثالث في الشروط، التنبيه الرابع.

(2) تحريرات

في الأصول 8: 487- 488.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 117

المبحث الثالث في فساد القول بالإباحة على القول ببطلان المعاطاة

الظاهر أنّ المعاطاة المتعارفة بين الناس إذا كانت باطلة، تكون لغوا، و لا أثر لها، و ما يتوهّم من الإباحة فهو لا أساس له «1»، لأنّها ليست مالكيّة، لما أنّ بناء العرف و العقلاء في تعاطيهم على التبديل المقصود في العقد اللفظيّ، و كونها شرعيّة و مترتّبة عليها قهرا على المتعاقدين و رغما لأنفهما، يحتاج إلى دليل صريح، و هو غير واصل.

نعم، يمكن دعوى الإباحة المالكيّة التقديريّة، و هي كافية لجواز التصرّف في العوضين، و لكنّها خارجة عن عنوان المعاطاة العرفيّة التي هي بيع عرفا، و سيأتي الكلام حول كفايتها في مسألة

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 216.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 118

المقبوض بالعقد الفاسد «1».

هذا ما هو الحقّ في المسألة، و إطالة الكلام حولها على المباني المختلفة، من اللغو المنهيّ جدّا.

و أمّا ما اشتهر من الإباحة المعوّضة، و أنّها و إن لم تكن بيعا و لكنّها عنوان آخر وراءها، و هي المعروفة بين العقلاء، و المعمولة في مثل الحمّام و نحوه، فهو عندي ممّا لا أصل له، فإنّ الإباحة بالعوض من العناوين الخارجة عن أفق المعاملات العرفيّة، و هي من تأسيسات أرباب الفضل، و لا أثر منها في الأسواق و البلاد، و لا تشملها العمومات و الإطلاقات على نحو تدرج في أبواب المعاملة، فتكون محكومة بأحكامها.

و ما ترى في بعض الأمور شبيها بها، فهو من الإجارة، إلّا أن الشرائط المعروفة في المتون غير معتبرة في مطلق الإجارات، على ما تقرّر منّا في محلّه «2»، فإنّ منها ما هو المبنيّ على التساهلات، و هي القائمة عليها السيرة القطعيّة، فافهم و

لا تغفل.

هذا مع أنّ الإباحة المطلقة بالعوض، إذا كانت مستلزمة لسلب اختيار المبيح عن الرجوع إلى ملكه، لا تتمّ، لأنّه لا يعتبر بقاء الملكيّة له حينئذ، بل هو ملك المبيح له عرفا، و تكون الإباحة كناية عن التمليك، فتأمّل.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 182.

(2) كتاب الإجارة من «تحريرات في الفقه» مفقود.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 119

و الاستدلال لصحّتها بقاعدة التسليط، و حديث حرمة التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه، أو بطيب نفسه، غير تامّ، لما مضى البحث حولها «1». مع أنّ إطلاق الحصر و المستثنى محلّ منع، و لو فرضناه فهو لا يفيد صحّة الإباحة بالعوض على أن تكون معاملة.

نعم، بناء على عموم قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم» «2» يثبت المطلوب، و قد عرفت ما فيه.

و العجب من المتأخّرين، حيث توهّموا أنّ المعاطاة تقع على أقسام، و جعلوا تلك الأقسام محلّ البحث و الكلام «3»!! و هذا غير تامّ، ضرورة أنّ مفهوم «المعاطاة» ليس موضوعا في دليل، و حقيقتها ليست إلّا حقيقة العقد الذي تأتي فيه، فهي بيع، و إجارة، و هكذا، و ما يتوهّم من إفادة المعاطاة الإباحة «4»، فهو فرض محض، و ليس اسمه «المعاطاة» و لو قصداها.

نعم، هو إباحة بالعوض، و لها أنحاء شتّى، و حيث هي في أصلها باطلة فلا وجه للغور في فروعها، فلاحظ و تدبّر فيها.

ثمّ إنّه لو فرضنا صحّتها، فلا تجري فيها القيود الثابتة بالأدلّة الخاصّة، إلّا بدعوى إلغاء الخصوصيّة عرفا، و أمّا ما ثبت بالعمومات

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 53 و 68- 71.

(2) تقدّم في الصفحة 65.

(3) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 30- السطر 20 و ما بعده.

(4) جواهر الكلام 22: 216، جامع المقاصد 4:

58.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 120

التي موضوعها الأعمّ عرفا، و القابل للصدق عليها، فهو يجري فيها، و هكذا في جانب الأحكام، و لا تنقلب الإباحة ملكا، و لا يجوز التصرّفات الناقلة المتوقّفة على الملكيّة إلّا في وجه.

و لو تصرّف المبيح في العوض، و لم يمض مدّة الإباحة في الإباحة المقيّدة، فله الرجوع إلى ماله مع ضمان العوض، و يجوز إباحة المبيح له ثانيا و لو مع العوض، مع إطلاق الإباحة أوّلا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 121

تنبيهات
التنبيه الأوّل: حول اعتبار شرائط العقد اللّفظي في المعاطاة المفيدة للملكيّة

هل يعتبر في المعاطاة المفيدة للملكيّة، ما يعتبر في العقود اللفظيّة، من الشروط الوجوديّة و العدميّة، و الأحكام السلبيّة و الإيجابيّة، أو لا يعتبر شي ء؟

أو يفصّل بين الثابتات بالأدلّة اللفظيّة، و اللبّيات.

أو يفصّل بين ما إذا كانت لازمة أو جائزة؟

لا سبيل إلى الثاني إلّا على القول: بأنّها معاملة مستقلّة، كما اختاره الشهيد «1»، فإنّها ليست مشمولة لتلك الأدلّة.

نعم، تشملها الأدلّة العامّة، لأنّها تجارة، و الأدلّة الخاصّة التي ليست الخصوصيّة لها الموضوعيّة، كقولهم: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع الغرر» «2».

و حيث إنّ عنوان «البيع» و الإجارة» و غيرهما، أصدق على

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 87- السطر 34.

(2) وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3، سنن البيهقي 5: 342.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 122

المعاطاة من العقد اللفظيّ، و هي عندنا لازمة عرفا و شرعا، فهي القدر المتيقّن، فلو كانت الأدلّة اللفظيّة مهملة، فثبوت حكمها للعقد اللفظيّ في غاية الإشكال، لما عرفت منّا تحقيقه «1»، فتجري فيها الأحكام و القيود كلّها إلّا ما يثبت بالإجماع و نحوه، فإنّ «البيع» المأخوذ

في كلامهم هو اللّفظيّ منه، لدعوى الإجماع منهم على أنّها ليست بيعا «2»، أو لانصراف معقد إجماعهم عنها بعد اختيارهم أنّها تفيد الإباحة، فإنّ ما كان مفادها الإباحة ليست عندهم بيعا بالحمل الشائع، حتّى تشمله كلماتهم و استعمالاتهم، فلا تغفل.

و دعوى عدم الحاجة إلى جعل الخيار في العقود الجائزة، لعدم الأثر له «3»، لا تورث الامتناع، لأنّ المجعول ليس مخصوصا بحال الجواز، بل ليس مختصّا بالعقود الجائزة، فالدليل المتكفّل يشمل العقود، و لغوية إطلاق الدليل ممّا لا بأس بها.

مع أنّ العقد الجائز على قسمين: منه ما لا ينقلب إلى اللازم، كالشركة، و منه ما ينقلب إلى اللازم، كالهبة و المعاطاة، و عليه لا منع من جريان الخيار في الثاني كما هو الواضح.

و دعوى: أنّها تورث انصراف أدلّته عنها، غير بعيدة، فتأمّل. و في المسألة تفاصيل أخر كلّها غير تامّة، إمّا لعدم تماميّة البناء أو المبنى،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 20.

(2) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26.

(3) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 88- السطر الأوّل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 123

فلا وجه لتعرّضنا لها بعد ما عرفت منّا.

التنبيه الثاني: في صور المعاطاة
اشارة

المعاطاة تتصوّر فيها الوجوه الكثيرة حسب العمل الخارجيّ و قصد المتعاطيين، و هي كثيرة، ربّما تزداد على الأكثر من خمسين صورة، ضرورة أنّها تارة: تكون بالإعطاءين و الآخذين.

و اخرى: بالإعطاءين فقط من غير الأخذ، و تكون النتيجة أخذهما، من غير دخالته في تحقّق المعاملة.

و ثالثة: بالإعطاء و الأخذ، و يكون الإعطاء الآخر وفاء بالمعاملة و العقد.

و رابعة: بالاستيفاء المقرون بالرضا و الإعطاء الحكميّ، كما في الحمّامات و نحوها.

و خامسة: بالأخذ و الإعطاء الحكميّين، كما في البلاد الراقية بالنسبة إلى الجرائد و أمثالها.

و سادسة: بالمقاولة التي تنشأ

بها المعاملة، بناء على أنّها داخلة في بحث المعاطاة إشكالا و جوابا، و إن لم تكن منها موضوعا.

و سابعة: بالإبقاءين، كما إذا كان مال كلّ منهما عند الآخر، فيتعاطيان من غير الاسترداد و الردّ.

و ثامنة: بالإبقاء و الإعطاء، كما إذا كان المالان عند أحدهما.

و على جميع التقادير تارة: يقصد المتعاطيين تبديل المالين، أو

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 124

تبديل الفعلين، أو تبديل المال و الفعل.

و على كلّ فرض تارة: يقصد تبديلهما في الملكيّة.

و اخرى: في الإباحة.

و ثالثة: بالاختلاف.

و هكذا في تبديل الفعلين.

و في صورة الاختلاف.

إذا عرفت ذلك

فالبحث يتمّ في مقامين:
المقام الأوّل: في المعاطاة التي يقصد بها التمليك

و الحقّ: أنّ جميع الصور صحيحة، لتحقّق الموضوع، و عموم الأدلّة اللفظيّة، و إلغاء الخصوصيّة عن مورد السيرة.

نعم، في الإعطاءين فقط تتحقّق المعاطاة المعاوضيّة، دون البيع، فإنّ مبادلة العين بالعين ليست عندنا بيعا، كما عرفت تفصيله «1».

و لو أعطى أحدهما، فإمّا تتحقّق المعاملة، فلا يكون الإعطاء الثاني إلّا جوابا، أو لا تتحقّق، فلا يفيد الثاني شيئا، لأنّه مثل الأوّل، فلا بدّ من وقوعه قبولا للإنشاء الأوّل حتّى توجد المعاملة و المبادلة، فالإعطاءان و القبولان بيعان، و يكون التبادل بين الفعلين، و في صحّته إشكال يأتي ذكره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11- 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 125

و ما عن «الدروس» و الكركيّ: من كفاية القبض من أحدهما «1»، في غير محلّه، لأنّ التعاطي من الطرفين على أن تكون المبادلة بين المالين، ليس بيعا، بل هي معاطاة معاوضيّة، و ما هي المعاطاة البيعيّة هي ما يكون البيع تامّا بالإعطاء الواحد، و يكون الإعطاء الآخر وفاء بالعقد، و لذلك ذكرنا: أنّ الثمن قيد في ماهيّة البيع بعنوانه، لا بوجوده «2».

و توهّم: أنّها صحيحة مع

مطلق المقاولة كما يظهر من الشيخ رحمه اللّه «3» في غير محلّه، و ما أوردناه على الإنشاء اللّفظيّ «4» يتوجّه إليها مع دفعه.

و دعوى: أنّ القدر المتيقّن من السببيّة في الألفاظ، هي الألفاظ الخاصّة، لعدم الدليل عليها، مدفوعة كما ترى.

و قد يشكل في الفرضين الأخيرين تصوير المعاطاة بالمعنى الأخصّ، لعدم الفعل المتسبّب به إلى العقود. و لا ينحلّ بدعوى: أنّ إبقاءه تحت يد الآخر و إمساكه تحت يده، فعلان اختياريّان «5»، ضرورة أنّهما غير كافيين لإبراز الرضا ما لم يحصل منهما ما يبرز رضاهما، من الكتابة و الإشارة، و عندئذ تحصل المعاطاة بالمعنى الأعمّ، كما لا يخفى.

و إن شئت قلت: تتحقّق المعاطاة بذلك، إلّا أنّه لا دليل منهما عليها إثباتا.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 238.

(2) تقدّم في الصفحة 11- 12.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 88- السطر 14- 15.

(4) تقدّم في الصفحة 11- 12.

(5) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 38- السطر 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 126

و يمكن دعوى وقوعها فضولا، و يستجيز بعد ما بدّل بينهما. و هذا ليس من الإنشاء حتّى يندرج تحت المعاطاة بالمعنى الأعمّ.

و لك أن تبدل ما عندك بما عنده، لما تعلم برضاه، و لو قصدت ذلك و أجريت أحكام مالك عليه فهو صحيح، و لا يكون من التصرّف في مال الغير، فليتأمّل جيّدا.

المقام الثاني: في المعاطاة المقصود بها الإباحة

و الحقّ في هذه الوجوه بطلان المعاملة إلّا ما هو المتعارف، و ذلك لأنّ المعاملات الواجدة للشرائط الشرعيّة، إذا لم تكن على النهج العقلائيّ، ليست صحيحة، لقصور الأدلّة عن إمضائها. و مجرّد إمكان التوصّل إلى البيع في مواضع الإجارة، لا يورث جواز بيع الدار من جهة خاصّة إلى مدّة معيّنة، كما ذهب إليه جماعة من

العامّة «1»، و بعض أصحابنا الإماميّة «2».

فيعلم منه: أنّ الخروج عن المتعارفات يضرّ بالصحّة، فجعل تمليك حذاء تمليك، أو عين، و هكذا جعل الإباحة مبيعا، و الإباحة عوضا، و أمثالهما ممّا يخرج عن تلك الطريقة المألوفة، ليس صحيحا. و ما ترى في مواقف الضرورة للتخلّص عن الإشكال، فهو ربّما يكون عقلائيّا و متعارفا حال الضرورة.

______________________________

(1) المجموع 15: 9- السطر 16.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 10: 10، مفتاح الكرامة 7: 74- السطر الأخير.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 127

و أمّا إذا كان عقلائيّا، لغرض في موقف من أحد من العقلاء فهو غير كاف، للزوم التبعيّة للبناءات الكليّة التي هي الممضاة، و لو صحّ ما سلكه الأصحاب هنا، لصحّ ما ذهب إليه أبناء العامّة في أنّ الإجارة نوع من البيع، أو البيع قسم من الإجارة، و قد تقرّر منّا في مواقف كثيرة- خصوصا في مسألة أخذ الأجرة على الواجبات «1»، و في كتاب الصلاة- تفصيل هذه المسألة «2» و النتائج الكثيرة المترتّبة عليها، فلاحظ و تدبّر فيها.

فتحصّل: بطلان الصور التي يجعل فيها التمليك و الإباحة مورد المعاملة، و أنّ بعضا منها من الإباحة بالعوض، و قد مرّ فسادها، و الصور الصحيحة مختلفة.

فمنها: ما هو المعاوضة المعاطاتيّة، كتبديل المالين.

و منها: ما هو البيع المعاطاتيّ، كالرائج بين الناس في زماننا.

ثمّ إنّ في كلماتهم شبهات كثيرة لا وجه للغور فيها، لما لا ثمرة عمليّة لها. مع أنّ الشيخ «3» و أصحابه «4» خرجوا عمّا هو محلّ البحث، و هو صور المعاطاة، و تعرّضوا لمسألة الإباحة بالعوض التي هي قسيم المعاطاة،

______________________________

(1) لاحظ مستند تحرير الوسيلة 1: 436 و ما بعدها.

(2) هذه المباحث من كتاب الصلاة من «تحريرات في الفقه»

مفقودة.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 88- السطر 5 و ما بعده.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 77- السطر 13 و ما بعده، منية الطالب 1: 68- السطر 18 و ما بعده، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 38- السطر 18 و ما بعده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 128

مع أنّ كون الإباحة غير الإباحة بالعوض، و ما هو المقصود في المقام هو الأوّل دون الثاني، كما لا يخفى.

التنبيه الثالث: في تميّز البائع من المشتري، و المؤجر من المستأجر

أي إذا كانت الأجرة منفعة الدار، فلا اختصاص للبحث بالبيع، و لا بالمعاطاة منه.

و التحقيق: أنّ المعاوضة خارجة عن البيع، فلا مشتري فيها و لا بائع.

و في المعاملات الرائجة فما كان قابلا للإنشاء المتقدّم فهو المشتري، إلّا إذا كان على خلاف المتعارف، كما لو باع الدرهم بالحنطة في البلدة التي يكون الدرهم نقدها، و كما لو اشترى المبيع، و أنشأ ذلك المشتري، و قبله البائع، فإنّه في هاتين الصورتين- لكون عنوان «البائع» محفوظا، لأنّه من العناوين الواقعيّة مثلا- لو اشترى داره بعمله القيميّ فإنّه لا يعدّ بائعا بالضرورة، و القابل هو البائع عند العرف قطعا.

و فيما إذا كان الثمن من الأعيان، أو الأجرة من المنافع، فالمدار في تميّز البائع و المؤجر من المشتري و المستأجر على العاقد، و على الذي يفي بالعقد، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لو أوقعا التمليك معا، فقد مرّ تفصيل البحث فيه و اختلاف

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 129

المباني حوله «1»، و المختار هنا هو أنّ التمليك الثاني إمّا يقع جوابا، فيتميز البائع من المشتري و إن كان يفيد الملك مع كونه جوابا، بناء على إمكانه كما لا يبعد، لأنّه بوجوده يقع الجواب، و بمفهومه يتحقّق التمليك.

و إمّا يقع مثل

ما وقع الأوّل، فإن كانت المعاملة تامّة به فلا حاجة إليه إلّا بعنوان الجواب، فيحصل الميز بينهما أيضا، و إن كانت المعاملة محتاجة في تحقّقها إليه فهي باطلة، و لا معاملة حتّى يكون فيه البائع و المشتري، فما وقع الأصحاب فيه في الحيض و البيص منشأه الغفلة عن حقيقة المسألة.

و ما ورد في الرواية في قول أحد الشريكين لصاحبه: «لك ما عندك، و لي ما عندي» [2] فهو إحدى صور المعاطاة التي مرّت، فراجع، و حملها على الصلح- في الفساد- كحملها على الهبة المعوّضة و المعاملة المستقلة، و التفصيل يطلب من مذهبنا في كتاب الصلح و الهبة «3».

______________________________

[2] محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك، و لي ما عندي، فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما.

الكافي 5: 258- 2، الفقيه 3: 21- 53، تهذيب الأحكام 6: 206- 470، وسائل الشيعة 18: 445، كتاب الصلح، الباب 5، الحديث 1.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 123.

(3) لم تصل إلينا هذه المباحث من «تحريرات في الفقه».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 130

التنبيه الرابع: حول صحّة التعاطي على الإباحة المطلقة
اشارة

كما تتحقّق المعاطاة بالفعل المراد به إنشاء التبديل البيعيّ- و هي المسمّاة ب- «المعاطاة» بالمعنى الأخصّ- فهل تقع بالفعل المراد به إنشاؤه بلازمه العرفيّ؟

مثلا: لو تعاطيا على الإباحة المطلقة، بحيث يكون المنشأ إباحة المالين، فهل هي صحيحة معاطاة، لأنّ إطلاقها يقتضي اعتبار الملكيّة للطرف المقابل، و انسلابها عن الطرف، لأنّ الملكيّة متقوّمة بالأثر، و إذا انتفى الأثر لا تبقى، كما في الأملاك الواقعة

في الشوارع، و هكذا المساجد و غيرها، فإنّه قد يقال بزوال عنوانها عند وقوعها في الجوادّ و الميادين، و لا يعتبرها العقلاء بعد ذلك، و يروها معدومة؟

و دعوى بقاء الأثر لإمكان سلب الإباحة، مدفوعة:

أولا: بأنّ القائل بصحّتها يقول باللّزوم.

و ثانيا: بناء على عدم العود كاف، لعدم اعتبار بقاء العين في ملكه.

و ثالثا: بقاء أثر ما مع انسلاب الآثار الظاهرة و الكثيرة، غير كاف للاعتبار، فتأمّل.

أم هي باطلة، لأنّ المقصود غير واقع، و كونها كناية عن المعاطاة يحتاج إلى القرينة، و القرائن العقليّة- و منها تصحيح إنشاء العاقد- لا تكفي، لاختصاص دلالة الاقتضاء بكلام الحكيم.

نعم، إذا كانت الأفعال و المقاولات المعانقة معها، مشتملة على ما

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 131

يورث تكنيتها عنها عرفا، فهو ممّا لا بأس به؟

ثمّ إنّه هل تجوز الإباحة المطلقة، فيكون للمباح له البيع و الهبة و غيرهما، أو لا؟ فيه وجهان، بل قولان:

من أنّ البيع متقوّم بالملكيّة السابقة، و هكذا سائر إخوانه، و منها نكاح الأمة، و المفروض عدمها، فلا يجوز بتلك الإباحة إلّا التصرّفات غير المتقوّمة بالملكيّة.

و ربما يشكل ذلك، لأنّ إباحة الكلّ يحتمل أن تكون على وجه التقييد، كما لا يخفى.

و من أنّ الملكيّة قابلة للتقدير، كما في شراء العمودين، و حيث إنّ الملكيّة الآنية تقتضي الجمع بين الأدلّة- دليل السلطنة «1» و دليل الاشتراط «2»- يتعيّن الوجه الثاني.

الجواب عن الملكيّة الآنية و التقديرية

أقول: التحقيق أنّ الملكيّة الفرضيّة و الآنيّة الوجود، ممّا لا أساس لها ثبوتا و إثباتا، و ذلك لأنّ المعتبرات العقلائية تابعة لمحيطهم، و لكيفيّة اعتبارهم، فلو كان من الاعتبارات سببيّة شي ء لشي ء، أو كون شي ء حاصلا من شي ء، أو معتبرا على شي ء- على اختلاف المباني في مسائل

الأسباب و المسبّبات غير الحقيقيّة- فإنّه لا يعقل اعتبار المسبّب بدون

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 65.

(2) تقدّم في الصفحة 53.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 132

السبب من عند أنفسنا، لأنّ المعتبر العقلائيّ و العرفيّ متقوّم بالاعتبار الصحيح، و هو من الأمور الحقيقيّة، لأنّه من الوجودات النفسانيّة، فلا ينبغي الخلط بين المعتبر و الاعتبار.

نعم، يتحقّق الاعتبار في المجتمع البشريّ عند حصول الغرض و الغاية به، و لا موجب عندهم لاعتبارهم هذه الملكيّة التخيّلية، أو الواقعيّة الدفعيّة.

و لو فرضنا ذلك فلا يحمل عليها إلّا النصّ الصريح، دون الإطلاق و العموم، فإنّه لا يعمل به إذا لزم منه خلاف الدليل المقدّم عليه، مثلا إطلاق الأدلّة العامّة يقتضي جواز شراء العمودين، و إطلاق دليل الشرط يورث شرطيّة العتق بالملك، و دليل «أنّ الإنسان لا يملك عموديه» [1] يوجب زوال الملكيّة، فإنّه في هذه الصورة يتصرّف في أحد الأدلّة، و الوجه المتعيّن- لو لا خصوصيّة في المورد- عدم جواز شرائهما.

نعم، يصحّ له بنحو الجعالة التوصل إلى عتق الأبوين.

هذا، و لزوم الملكيّة السابقة في البيع ممّا لا دليل معتمد عليها، و لا يقتضيها العقل، و العجب من الشيخ الأنصاري رحمه اللّه «2» حيث إنّه تبع

______________________________

[1] عن أبي جميلة، عن أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا ملك الرجل أبويه فهما حرّان».

تهذيب الأحكام 8: 244- 881، وسائل الشيعة 18: 249، كتاب التجارة، أبواب بيع الحيوان، الباب 4، الحديث 4.

______________________________

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 89- السطر 5، و 130- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 133

العلّامة «1» في المسألة، و ظنّ أنّ العقل يقتضي ذلك، بحيث لا يمكن تخصيصه!! و لو قال: هو قضيّة حكم العقلاء

بدوا، فهو ممّا لا بأس به، مع أنّه غير موافق للتحقيق، فلا يعتبر في المعاوضة إلّا أصل الملكيّة أحيانا، كما مرّ.

و دخول العوض مكان المعوّض ممّا يكذّبه سوق الناس.

و لنعم ما أفاد في المسألة الفقيه اليزديّ رحمه اللّه «2»، فراجع.

و لو ورد في الدليل «لا بيع إلّا عن ملك» «3» و هكذا في الهبة و العتق [4]، ففيه وجوه:

منها: كونه الملك بالضمّ.

و منها: أنّه في مقام نفي صحّة بيع غير المالك ملك المالك، و لا يورث شرطيّة عنوان «الملك» حتّى لا يجوز بيع الشي ء قبل حيازته، مع أنّه كثيرا ما يتفق ذلك.

و الحاصل: جواز الإباحة المطلقة، و عدم جواز المعاوضة عليها،

______________________________

[4] منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك».

الكافي 6: 179- 1، وسائل الشيعة 23: 15، كتاب العتق، الباب 5، الحديث 1.

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 151- السطر 5، و 166- السطر 10.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 78- السطر 25.

(3) قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا بيع إلّا فيما تملك.

عوالي اللآلي 2: 247- 16، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 1، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 134

حتّى تكون من المعاوضة الخاصّة المتعارفة بين الأعيان، أو تكون من البيع.

و الظاهر أنّ الإباحة المطلقة مع عدم البناء على الرجوع، لا تورث انسلاب الملكيّة، و مقتضى الأصل بقاؤها، فتأمّل.

هذه كلّه إذا كان يريد من الإباحة المطلقة مدلولها المطابقيّ.

و أمّا إذا أنشأ التمليك بها، و أقرّ به، فهو المتّبع، و لو أنكر بعدها عدم إرادته لازمها

العرفيّ فالقول قوله، و التفصيل في محلّه.

التنبيه الخامس: في جريان المعاطاة في جميع العقود و الإيقاعات إلّا في صنفين

قضيّة القاعدة جريان المعاطاة في جميع العقود و الإيقاعات إلّا صنفين منها، فها هنا ثلاث دعاو:

الاولى: عموم المستثنى منه، و ذلك لأنّ الألفاظ و الأفعال بأنحائهما من الأمور الممكنة الإنشاء بها، لما مضى من أنّ المدار على الطريقة العقلائيّة، و هي أعمّ، بل قد عرفت أصلحيّة الفعل من القول «1». و ما يتوهّم من قصور الأفعال عن إيجادها عناوين المعاملات «2»، في غير محلّه، لأنّ الوجدان على خلافه.

الثانية: من العقود و الإيقاعات بل و من أفراد البيع و الإجارة، ممّا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 16.

(2) جامع المقاصد 4: 58، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 82- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 135

لا يمكن التوصّل إليها بالفعل المحض، فتجري فيها المعاطاة بالمعنى الأعم، فهذه خارجة عن الأصل و القاعدة موضوعا، ضرورة أنّ البحث في صحّة المعاطاة و لزومها فرع إمكانها، ففي غير المنقولات- كالأراضي إذا كانت الثمن منها- فإنّه لا يمكن التوصّل بالفعل إلى الإجارة و البيع.

و من هذه الطائفة ما يتوصّل إليه بالفعل الخارج عن المتعارف، بمعنى أنّ البناءات العقلائيّة تكون على الأقوال و المعاطاة بالمعنى الأعمّ، دون الفعل المحض، لصعوبة التوصّل به إليها، فلو أراد وقف داره بعنوان المسجد مثلا، فإنّه و إن أمكن فتح بابها، و تخليتها من أثاثه بعنوان جعلها مسجدا، إلّا أنّه خلاف المتعارف في الفعل، بخلاف بناء المسجد بعنوانه، فإنّه فعل متعارف في التوصّل به إلى المقصود.

الثالثة: من العقود و الإيقاعات ما هي الجارية فيها المعاطاة حسب القواعد، كالنكاح و الطلاق و العتق، إلّا أنّ الشرع الأقدس تصرّف في السبب، و جعل الألفاظ الخاصّة موضوعة لاعتبارها، و إيقاع هذه العناوين لا

يمكن إلّا بها، و قد يتوهّم عدم إمكان المعاطاة فيها، و هو غير تامّ.

نعم دعوى: أنّ الفعل المتوصّل به إليها خارج عن المتعارف «1»، غير بعيدة، إلّا أنّ الحقّ خلافها، ضرورة أنّ مفاهيم الأمور الاعتباريّة، كلّها كانت من المفاهيم الأصليّة، و مصاديقها الحقائق الخارجيّة، ثمّ بعد مساس الحاجة إليها في المجتمع البشري، اتسعت تلك العناوين، و اعتبرت لها المصاديق الادعائيّة و الاعتباريّة، و ذلك في النكاح،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 181.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 136

و الطلاق، و العتق، و الملكيّة، و البيع، و غيرها، فإنّ الأمر في الابتداء كان على الأفعال المحقّقة لها، ثمّ انتقل إلى غيرها. و لا يقع عقدة النكاح بالمحرّم من الفعل، بل نفس تهيّؤ المرأة مع إعطاء المهر، موضوع لاعتباره، فتدبّر.

هذا مع أنّ الزوجيّة تحصل بالدخول على نعت حصول المعلول عقيب العلّة، فلا يكون الدخول- و هو الأمر الخارجيّ الواقع في الزمان- محرّما، لأنّ معه الزوجيّة حاصلة، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك في الحلّية. و توهّم بقاء عنوان «الأجنبيّة» حين النكاح، غير نافع، لأنّها تزول بحصول العنوان المقابل في خارج الزمان، كما لا يخفى.

هذا، و تفصيل البحث يطلب من سائر الكتب، فإنّه فيها بعض مطالب أخر و فروع كثيرة، و لا ينبغي التعرّض لها هنا.

التنبيه السادس: حول ملزمات المعاطاة بناء على جوازها
اشارة

قد تقرّر منّا لزوم المعاطاة «1»، فلا وجه للبحث عن ملزماتها.

ثمّ إنّه لو فرضنا جوازها، فهو ليس إلّا للإجماع المدّعى في المسألة «2»، و الشهرة القديمة من السابقين «3»، و القدر المتيّقن منهما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78.

(2) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

85- السطر 29.

(3) لاحظ مسالك الأفهام 1: 132- السطر 36،

رياض المسائل 1: 510- السطر 29، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 137

ما لم يحدث موجب الشكّ في الجواز، من تلف العوضين، أو تلف أحدهما، أو صفة فيهما، أو تصرّف، أو غير ذلك، فإنّه في غيره يرجع إلى الأصل المحرّر سابقا «1».

و دعوى: أنّها ليست بلازمة، و لا تقبل اللزوم، لإطلاق معقد الإجماع، لأنّ عنوانه «هذه المعاملة».

و توهّم انقلاب الجائز إلى اللازم بتلف العين أو العينين، فاسد، لأنّ الجواز و اللزوم من طوارئ العقد، و هو باق ببقاء المتعاملين، و لا يحتاج فيه إلى بقاء الأموال.

غير مسموعة، بداهة أنّ الإجماع المذكور غير معلوم المعقد، فضلا عن إطلاقه، و بقاء العقد مع فرض تلف العينين- لو سلّم إمكانه- مخدوش في محيط العقلاء، و ما اشتهر: «من أنّه باق، و قابل للفسخ» محمول على الوجه الآتي.

إن قلت: بناء عليه لا يمكن التمسّك بالوجوه السابقة التي استدلّ بها على اللزوم في صورة تلف العين، ضرورة أنّ:

منها: ما يكون «الأموال» موضوعا لها، و هي معدومة.

و منها: ما هو موضوعها «المال» في الجملة، كقاعدة التسليط، و هو كذلك.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 137

و منها: ما موضوعها «العقد» و «الشرط» و غير ذلك، و هي منتفية بانتفاء مقوّمها، فإنّ العقد و العهد واقع على التمليك بالعوض مثلا من قبل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 75 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 138

المتعاقدين، فهو فرع الملكيّة الزائلة بزوال العين، فكيف يبقى؟! بل

بقاؤه مع موت المتعاقدين جائز، لأنّهما السببان في وجوده، لا بقائه، و هما- أي العينان- مقوّمان له حدوثا و بقاء.

قلت: نعم، و السرّ فيه أنّ اعتبار اللزوم في قبال الجواز و نفوذ الفسخ، و هذا متقوّم بالأثر، و هو ردّ العين، و إذا كانت العين تالفة فلا أثر للجواز، و لا معنى لتوصيف العقد باللزوم، و لا نتيجة لبقاء اعتبار العقد.

نعم، إذا كانت للأعيان نماءات منفصلة، و أريد استردادها، فلاعتبار بقائه وجه، إلّا أنّه عند العقلاء غير مرضيّ، و يكون نظير اعتبار بقائه لأجل الأخذ بالمثل و القيمة، فإنّه إذا صحّ فسخ العقد بعد التلف، فعلى كلّ واحد منهما المثل و القيمة، لأنّه أتلف مال الغير، بناء على أن يكون أثر الفسخ حلّ العقد من الأوّل، فتأمّل.

و لقاعدة «على اليد.» على بعض تقاريبها، كما لا يخفى.

محصّل الكلام في صورة تلف العين

فتحصّل: أنّ مع تلف العين لا معنى للتمسّك بأصالة اللزوم، و لا باستصحاب حكم المخصّص، لأنّهما فرع بقاء الموضوع. هذا كلّه ما لو تلفت العينان.

و منه حكما ما لو كان الثمن كلّيا، فإنّه بتلف المثمن لا يعتبر بقاء العقد، لأنّه موضوعه عرفا، بل المقرّر عندي: أنّ الثمن دخيل في ماهيّة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 139

المعاملة بمفهومه، لا بوجوده، كما مرّت الإشارة إليه «1».

و ليس منه ما لو كان أحد العوضين، دينا في ذمّة أحد المتعاطيين، فإنّ المبيع إذا كان عينا خارجيّة، يبقى معه اعتبار العقد، فيجوز اتصافه بالجواز و اللزوم، و إن كان الثمن في الذمّة فقد سقطت، و لا حاجة إلى عودها، لأنّ ذلك كلّي قابل للصدق على الساقط و غيره، فما أفاده الشيخ قدّس سرّه في هذه المواقف «2» و تبعه أصحابه «3»،

غير راجع إلى محصّل.

و ربّما لا يعتبر بقاء العقد عرفا، إذا مضت عليه الدهور و الأعوام، و إن كانت الأعيان باقية، فيكون الفسخ في الحقيقة هنا عقدا جديدا.

و لعلّ اشتهار اللزوم بعد تلف العين، لأجل امتناع الجواز، لا الدليل الشرعيّ، و قد ادعي عليه الإجماع «4»، فراجع.

حكم تلف إحدى العينين بنحو يبقى اعتبار العقد

و أمّا لو تلفت إحدى العينين، بحيث يبقى اعتبار العقد و موضوع اللزوم و الجواز، فهل المرجع عموم أصالة اللزوم؟

أو استصحاب حكم المخصّص، و هو جواز عقد المعاطاة الثابت قبل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 125.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 91- السطر 14.

(3) منية الطالب 1: 88- السطر 10، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1:

87- السطر 25.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 91- السطر الأوّل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 140

تلفها؟، أو قبل تغيّر فيها؟

أو إطلاق أدلّة اللزوم، دون عمومها؟

فيه وجوه.

و المعروف بينهم التمسّك بالاستصحاب، إلّا إذا كان للعموم إطلاق زمانيّ، بحيث أخذ الزمان مفرّدا.

و اختار الأستاذ الوالد أنّ المرجع إطلاق الدليل مطلقا، سواء أخذ الزمان ظرفا، أو قيدا مفرّدا «1»، و ذلك لأنّ العلم الإجماليّ بالتخصيص أو التقييد ينحلّ بالثاني، ضرورة أنّ التخصيص إخراج الفرد من أفراد العامّ في جميع الأزمنة، و لو كان ذلك في زمان فهو تقييد للإطلاق الأزمانيّ، و إذا دار الأمر بين التخصيص و التقييد، فالثاني متيقّن، و أصالة العموم محكّمة.

و إن شئت قلت: يدور الأمر بين التخصيص الملازم لنتيجة التقييد- لأنّه بخروج الفرد لا يبقى موضوع للإطلاق الأزمانيّ- و بين التقييد، و هو المتعيّن، و تحقيق المسألة في محلّها.

و الذي يظهر لي: أنّ المرجع هنا العمومات على جميع المباني، لأنّ الوفاء بالعقد و الإتيان بالشرط و غيرهما، ذوات إطلاق أزمانيّ، و يكون الحكم عرفا

منحلّا حسب قطعات الأزمنة، و لا معنى لما ذكره الشيخ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 183- 186، الاستصحاب، الإمام الخميني قدّس سرّه:

190- 194.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 141

الأعظم: من كون الزمان مفرّدا «1»، لأنّه مجرّد فرض، و لا يكون في الأدلّة مورد يورث في مرحلة الإثبات ذلك، و لا نحتاج في التمسّك بالعمومات إلى فرضه.

بيان حال استصحاب الملكية مع استصحاب الجواز

ثمّ إنّه قد يشكل التمسّك في المقام باستصحاب الملكيّة المفيدة للزوم المعاطاة، لأنّه محكوم باستصحاب الجواز الثابت بالإجماع، فلو تقدّمت عليه العمومات اللفظيّة، فلا يتقدّم عليه الأصل العمليّ «2».

و قال أستاذي الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- بتعارض الاستصحابين «3»، لأنّ الشكّ في زوال الملكيّة مسبّب عن الشكّ في نفوذ الفسخ، و هو مسبّب عن جواز العقد، و لو ثبت في الشرع جواز عقد المعاطاة، فلازمه العقلائيّ نفوذ الفسخ، فلا يرفع الشكّ المسبّبي بهذا الشكّ السببيّ.

و اختار الشيخ الأعظم عدم جريان الاستصحاب السببيّ، لأنّ الجواز الثابت بالإجماع موضوعه العين، و هي تالفة «4».

و الحقّ جريان استصحاب الملكيّة من غير معارض و إن جرى الأصل السببيّ ذاتا، و ذلك لأنّ الجواز من تبعات العقد، و هو باق، و إلّا فلو

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 242- السطر ما قبل الأخير.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 49- السطر 5.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 185.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 91- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 142

كان ما ذكره الشيخ حقّا، لما كان الجواز هنا مخالفا لأصالة اللزوم و تخصيصا لها. مع أنّه لا معنى لما ذكره مطلقا.

فالاستصحاب جار، إلّا أنّه ليس معارضا، لأنّ جريانه لغو، و لا أثر له، ضرورة أنّ التعبّد بالجواز مع عدم تأثير

الفسخ و إعدام الملكيّة به، ممّا لا يعقل، و جعل زوال الملكيّة من آثاره، أو جعل نفوذ الفسخ من آثاره- لئلّا تلزم اللغويّة- غير لازم، لأنّ ذلك فيما كان دليل بنحو كلّي لغوا، فإنّه حينئذ لا بدّ من وجود الأثر، بخلاف ما لو كان إطلاق دليل لغوا.

فهذا الاستصحاب مثل الاستصحاب المسبّبي، فإنّه كما يكون جاريا بذاته، إلّا أنّه لمّا لا يكون له الأثر لا يجري، و كما لا معنى لدعوى: أنّه لا يجري بذاته، لأنّه لغو، كذلك لا معنى له هنا كما لا يخفى.

و ما أفاده الأستاذ- مدّ ظلّه-: من مثبتيّة الأصل السببيّ بالنسبة إلى زوال الملكيّة، لتوسط اللازم العقلائيّ، غير تامّ، لأنّ جواز المعاطاة تعبّدي، و هذا ليس من لوازمه العقلائيّة ذلك، بل لازمه العقلائيّ في محيط الشرع نفوذ الفسخ، فهو من لوازمه الشرعيّة.

نعم، استصحاب جواز العقد لا ينقّح دليلا شرعيّا حتّى يرفع به الشكّ في المسبّب، لأنّه لم يسمع كبرى كلّية شرعيّة على أنّ العقد إذا كان جائزا فالفسخ نافذ، نعم هي كبرى كلّية عقلائيّة ممضاة في الشرع، فتأمّل.

فبالجملة: جريان استصحاب الجواز، متقوّم بفرض عدم جريان استصحاب الملكيّة، و هذا ممّا لا يمكن لأن يكون جاريا، لأنّه بدون الفرض المذكور لغو. و هذا هو الذي يؤدّي إلى عدم جريان الاستصحابات الموضوعيّة طرّا، و التفصيل يطلب من «تحريراتنا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 143

الأصوليّة» «1» فتدبّر جدّا.

و ممّا ذكرنا يظهر النظر فيما قد يقال من حكومة الأصل الجاري في العقد على الأصل الجاري في الملكيّة «2»، فإنّ التعبّد بالجواز و إن استلزم نفوذ الفسخ، إلّا أنّ هذا في التعبّد في الأدلّة الاجتهاديّة، دون الفقاهتيّة، فإنّ استصحاب الجواز لا يلزم أن لا

يكون لغوا، حتّى نلتزم بنفوذ الفسخ الملازم لزوال الملكيّة، بل إطلاق أدلّة الاستصحاب كثيرا ما يكون محكوما بالأدلّة، و لو كان من شرائط الجريان عدم اللغويّة، لما كان وجه للحكومة، لأنّها فرعه.

فالأصل في العقد جار غير معارض و لا حاكم، و الأصل في الملكيّة جار، فتأمّل جيّدا.

و إن شئت قلت: هو في العقد غير جار، لا لما ذكره الشيخ رحمه اللّه بل لما أتينا به.

فتحصّل: أنّ قضيّة دليل لزوم العقود لزوم عقد المعاطاة، إلّا فيما قام الإجماع أو الدليل الآخر عليه، فلو كان مهملا فيرجع إلى الأصل المقرّر، و لا تصل النوبة إلى استصحاب الجواز، أو أصالة البراءة عن لزوم العقد، و لا إلى استصحاب سلطنة المالك على الاسترجاع، لما مضى سبيل فساده.

و من ذلك يعلم حكم الصور المذكورة في الكتب المفصّلة و لا

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 8: 436- 439.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 49- السطر 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 144

وجه لتعرّضنا لها بعد فساد المبنى. هذا كلّه على القول بتماميّة الأدلّة اللفظيّة في المسألة السابقة، و هي لزوم المعاطاة.

الإشكال في لزوم المعاطاة بناء على انحصار دليلها بالسيرة

و أمّا على القول بانحصار دليلها في السيرة العقلائيّة و البناء العرفيّ، ففي صورة الشكّ يشكل الرجوع إليها، لاستلزامه الشبهة في بنائهم في هذه الصورة، لأنّه بناء تقديريّ، و استكشاف الحكم القطعيّ من هذا التقدير لا يخلو من إشكال فتأمّل جدّا.

بل دعوى إلغاء الخصوصيّة عن مورد الإجماع التعبّدي فرضا، غير بعيدة إنصافا، فإنّ العرف إذا صدّق الشرع في جواز المعاطاة، فلا يحتمل لزومها بمجرّد التصرّف إلّا إذا رجع إلى إعدام الموضوع الخارج عن موضوع المسألة.

بل لنا أن نقول: بأنّه على فرض تماميّة الإجماع، يكشف منه عرفا اشتراط لزوم العقد

باللفظ، فلا فرق بين الصور.

و يمكن دعوى تخطئة فهم القائلين بلزومها متمسّكين بالبناء العرفيّ بمثل هذا الإجماع، و أنّ هي جائزة في جميع الفروض، فتأمّل جيّدا.

هذا تمام الكلام على القول بإفادتها الملك.

سقوط البحث عن لزوم المعاطاة و جوازها بناء على إفادتها الإباحة

و أمّا على القول بإفادتها الإباحة، فالبحث عن اللزوم و الجواز غير

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 145

تامّ، لانتفاء موضوعهما و هو العقد و المعاملة الصحيحة، فإنّها سواء كانت مالكيّة، أو شرعيّة، أو مالكيّة و شرعيّة، ليست من آثار المعاوضة، بداهة أنّ المعاطاة إذا كانت باطلة، فلا معنى لصحّة المعاوضة على الإباحة، لما يرجع وجه البطلان إلى اشتراط العقد اللفظيّ، فمع تلف العين و تغيّرها و انتقالها، تبقى العين الأخرى في ملك مالكها الأوّل.

بل لو نقل المباح له العين بالمعاطاة، فهي أيضا باقية في ملك المبيح، و لا معنى لضمان أحدهما بالنسبة إلى الآخر، للملازمة العرفيّة بين إباحة جميع المنافع و نفي الضمان.

و ما قيل من نفي الملازمة بين الحكمين: التكليفيّ، و الوضعيّ، في مسألة المضطرّ لو تمّ، فهو لأجل الإباحة المعيّنة و هي الأكل و رفع الضرورة. مع أنّ الحكم بالضمان هناك، أيضا محلّ إشكال جدّا، ضرورة أنّ ترخيص الشرع المقدّس، ليس من قبيل ترخيص الأجنبيّ التصرّف في مال الغير، بل هو من قبيل ترخيص المالك في ملكه، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال: بضمان الإتلاف، فإنّ تضييع المال ممّا لا يجوز له شرعا، و لا من قبل المالك، و عندئذ يرجع إليه بالبدل الحقيقيّ، و لا يكفي البدل الجعليّ التوهّمي إلّا بالتراضي.

التنبيه السابع: حول انقلاب العقد اللفظيّ إلى المعاطاة مع فقده لبعض شرائطه

قد تلونا عليك أنّ مطلق الفعل، غير كاف في تحقّق عنوان «العقد» بل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 146

المدار على ما يتسبّب به إليه عرفا و تداولا «1»، و مع الشكّ في ذلك يرجع إلى أصالة عدم النقل و الانتقال. و هكذا لا يتوسّل إليه بمطلق القول، كما سيأتي بعض الكلام فيه «2».

فلو أخلّ بشرائط

العقد اللفظيّ، شرعيّها، أو عرفيّها، أو أخلّ بشرائط لزومها هكذا فعقد، فهل هو من المعاطاة إذا تعقّبه القبض؟

أو هو منها مطلقا، لعدم اشتراط القبض الخارجيّ على ما مرّ فيها، لما مضى من أنّ المعاطاة بالمعنى الأعمّ ما تشمل ذلك؟

أو يكون فاسدا و لو مع القبض من الطرفين؟

وجوه.

استظهر الشيخ الأعظم قدّس سرّه من كلام غير واحد الثاني «3»، فعن الثانيين: «لو أوقع العقد بغير ما قلناه فهي المعاطاة» «4».

و قال الشهيد في «الروضة» بعد منع كفاية الإشارة مع القدرة على النطق «إنّها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح» «5» انتهى.

و ذهب المتأخّرون و من عاصرنا و عاصرناه إلى أنّه المقبوض بالعقد الفاسد «6». و ما يقال: «من أنّه مع العقد الإنشائيّ يحصل القبض»

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 19- 20 و 73.

(2) يأتي في الصفحة 155 و ما بعدها.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 92- السطر 19.

(4) رسائل المحقّق الكركي 1: 178.

(5) الروضة البهيّة 1: 313- السطر 17.

(6) مصباح الفقاهة 2: 223- 224.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 147

فهو خروج عن مصبّ البحث.

و الحقّ هو التفصيل بين القول بالملك، و القول بالإباحة، فيتمّ كلام الشهيد الثاني فقط، و ذلك لأنّه في مفروض الكلام و إن أنشأ التمليك، إلّا أنّه ليس ناقلا، و التبادل بعنوان العمل بالوظيفة، لا يتحقّق به الإنشاء المعامليّ، و اقتران الرضا الباطنيّ بالتعاطي الخارجيّ، لا يورث الملكيّة المقصودة، فهو المقبوض فاسدا، أو عليه يجري أحكامه. هذا على ما هو الحقّ في المسألة.

و أمّا على الإباحة فقد عرفت: أنّ الإباحة ليست شرعيّة، بل هي من أقبح القبائح في المعاملات العرفيّة، بل هي إباحة تقديريّة و رضا باطنيّ ارتكازيّ من المتعاملين بالنسبة إلى جميع التصرّفات من الطرفين،

لأنّ مقصود العقلاء بالذات ليس إلّا النتائج، و لا يعتنون بالعناوين، فلو كان غرض أحدهما في مال الآخر و بالعكس، فهما يتبعان غرضهما، سواء كان ذلك في البيع و عنوان «الملكيّة» أو فيما يقوم مقامه و ينتج نتاجه، فعندئذ تحصل الإباحة المالكيّة بالحمل الشائع، لا بعنوانها. و لا يشترط في حصولها الرضا التفصيليّ الفعليّ بل التقديريّ الارتكازيّ يكفي، إلّا مع القرينة على خلافه.

و من ذلك مثلا ما لو كان فساد المعاملة نافعا لأحدهما، كما في أجور الفواحش، فإنّه لا يكشف الرضا الباطنيّ لهنّ حتّى يصحّ لهنّ التصرّف فيها، لما أنّ في ذلك تمام النفع للمالك.

ففيما إذا كان فساد المعاملة موجبا لنفع أحد الطرفين، فاستكشاف الرضا مشكل، و أمّا إذا كان فيه خلاف غرضهم فهو بديهيّ، و حيث إنّ الأكثر

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 148

في المعاملات القسم الأخير يقال: «بأنّ المعاطاة تفيد الإباحة».

و ما قد يقال: «من أنّه على الإباحة أيضا لا يجوز التصرّف» فهو من قصور الباع، أو قلّة الاطلاع، فليراجع، و تدبّر جدّا.

هذا، و لو أخلّ بشرائط اللزوم، فإن كان خللا قابلا للتدارك حتّى يلزم فهو، و إلّا فلا معنى للتمسّك بأصالة اللزوم، إلّا مع إهمال دليل الاشتراط.

أو يقال: بأنّ دليل لزوم العقود ينحصر بالبناءات العرفيّة، و هي في مثل المقام- كما مرّ نظيره- قاصرة، كما لا يخفى.

التنبيه الثامن: في حكم منافع العين عند الرجوع في المعاطاة
اشارة

لا شبهة في أنّ المنافع للمباح له، و ليست هي مضمونة و لو كانت العين مضمونة. و في كونها له ملكا، أو إباحة أيضا- فلا تصحّ إجارتها دون إعارتها- كلام.

فإن قلنا: إنّ مدركها السيرة الكاشفة عن الإباحة الشرعيّة، فهي ملكه.

و إن قلنا: إنّها الإباحة المالكيّة فهي تستلزم الملكيّة، لما أنّ الإباحة المطلقة

تستلزم اعتبار الملكيّة. مع أنّ ما يكشف به الإباحة كما مرّ، يكشف به الملك، فتأمّل.

و من القويّ صحّة البيع و الإجارة و سائر المعاوضات و إن كانت الأعيان غير مملوكة، لعدم الدليل على اشتراط ما شرطوه.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 149

حكم النماءات المتصلة و المنفصلة

بقي الكلام في النماءات المنفصلة و المتصلة، فالمتصلة تابعة للعين، فإن كانت حين الرجوع إليها موجودة، فهي راجعة قهرا، سواء قيل بالملك، أو الإباحة، و سواء قلنا: بأنّ الجواز صفة العقد، أو العين، أو قلنا بالإباحة الشرعيّة، أو المالكيّة.

نعم، لو قلنا: بأنّ الإباحة المطلقة تورث انتفاء الملك، و توجب ثبوته للمباح له عرفا، فهي تمليك غير عقديّ خارج عن بحث اللزوم و الجواز، و مقتضاه عدم نفوذ رجوعه، لاستصحاب الملكيّة، و لاستصحاب العدم المحموليّ الأزليّ، بناء على جريانه.

و أمّا المنفصلة، فمقتضى ما ذكره الشيخ الكبير- استبعادا للقول بالإباحة «1»- أنّها ليست للمباح له، و لا يجوز له التصرّف فيها، لأنّ المقصود في المعاطاة- و هو التمليك- غير حاصل، و ما هو المأذون فيه هي العين، دون هذه المنافع المنفصلة، و لا أقلّ من الشكّ، فعليه إذا رجع إلى العين تكون هي مضمونة، و عليه ردّها، أو ردّ مثلها و قيمتها.

«و قد يقال:» إنّ الحديث النبويّ المشهور: «الخراج بالضمان» «2» يورث أنّ النماءات للمباح له أو المالك الثاني فلو رجع فهو مثل

______________________________

(1) شرح قواعد الأحكام، كاشف الغطاء: 50- السطر الأخير (مخطوط)، و لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 84- السطر 11.

(2) عوالي اللآلي 1: 219- 89، سنن النسائي 7: 245، مسند أحمد 6: 49.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 150

الرجوع في باب الخيار في أنّ النماء المتّصل يتبع العين، دون المنفصل

و المنافع المستوفاة قبل الرجوع، فإنّهما ممّن كانت العين بيده.

و توهّم ضعف الحديث «1»، ممنوع بعد ما يستفاد من كلام شيخ الطائفة «2» و جماعة «3»: من أنّه من النبويّات المتلقّاة بالقبول عند الفريقين، فهو نظير «على اليد.» بل مضمونه يؤيّد بالارتكاز العرفيّ.

و في استشهاد أبي حنيفة به، و ورود الرواية ردّا عليه، و سكوتها عن سند الحديث، و تعرّضها لفتواه، و ردّه بقوله: «في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها، و تمنع الأرض بركتها» «4» نوع شهادة على اعتبار الحديث [5].

و دعوى: أنّها في مقام نفي تضمين المنافع و النماءات في مثل الأعيان المضمونة قهرا، غير مسموعة، لأنّها هي التي أفتى بها أبو حنيفة، فمعناه أنّ التضمين المالكيّ- سواء كان بالتمليك، أو الإباحة، أو المعاوضات-

______________________________

[5] حيث إنّ أبا حنيفة استند بهذه الرواية في فتواه و كان مشهورا عنه ذلك.

لاحظ المبسوط، السرخسي 11: 77- 78، و بداية المجتهد 2: 231.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 26، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 34.

(2) الخلاف 3: 107، المسألة 174، المبسوط 2: 126.

(3) الوسيلة: 249 و 255، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 531- السطر 4- 5.

(4) الكافي 5: 290- 6، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 151

يورث كون الخراج و النماءات للمباح له و المالك الثاني «1».

و لكنّه غير تامّ، ضرورة أنّ قضيّة القواعد، هو أنّ النماءات المنفصلة جائز التصرّف فيها على نعت جواز التصرّف في العين، لأنّ معنى إباحة العين إباحة المنافع، و لكنّ المنافع الباقية حين الرجوع إلى العين، ترجع إلى المالك الأوّل، كما لو آجر المباح له داره في مدّة، ثمّ رجع المبيح في

أثناء تلك المدّة، فإنّ منفعة الإجارة للمالك، فيعود إليه مقدار من الأجرة لو أجاز، و إلّا يستكشف بطلان إجارته إلى حين الرجوع، أو من رأس، و لا يجوز تصرّفه فيها على حذو تصرّف الملّاك، للزوم الخلف، فلا تغفل.

و إنّ الحديث يحتمل معاني أخر، سيأتي بعض الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى في محلّه «2»، و إنّ مفاده على جميع معانيه، لا يشمل فرض سببيّة المعاطاة للملك، لأنّ المقصود نفي الضمان عن ضامن العين، و أنّ منافع المضمون للضامن، كما لا يخفى.

______________________________

(1) منية الطالب 1: 101- 102.

(2) يأتي في الصفحة 216- 217.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 153

الجهة الثالثة حول ما قيل أو يمكن أن يقال في صيغ العقود و الإيقاعات

اشارة

و قبل الخوض فيه لا بدّ من الإشارة إلى مقتضى الأصول عند الشكّ.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 155

مقتضى الأصل عند الشكّ في اشتراط شي ء بشي ء

المعروف بينهم أنّ قضيّة الأصل هو فساد المعاملة، للشكّ في النقل و الانتقال المحكوم بالعدم، حسب اقتضاء الاستصحاب «1».

و قد يقال بالتفصيل بين الشرائط العرفيّة و الشرعيّة، فما كان من الاولى، فمقتضى الأصل ما مرّ، و ما كان من الثانية فلا، لأنّ سببيّة العقد معلومة، و تصرّف الشرع مشكوك و محكوم بالعدم، فلا منع من جريان حديث الرفع [2]، لأنّه لا نحتاج إلى إثبات السببيّة.

و يتوجّه إليه: أنّ مطلق السبب ليس كافيا، بل لا بدّ من العيب الممضى في الشريعة المقدّسة، و استكشاف الإمضاء بالحديث غير

______________________________

[2] حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «رفع عن أمّتي تسعة: الخطأ و النسيان و ما اكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه و الحسد و الطيرة و التفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة».

الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

______________________________

(1) منية الطالب 1: 104- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 156

ممكن، و بالعمومات و غيرها خروج عن مفروض الكلام.

ثمّ إنّ الشبهة في المسألة تارة: تكون من قبيل الأقلّ و الأكثر، كما لو شكّ في اعتبار لزوم ذكر الثمن و المثمن بعد كلمة «بعت» و أنّه لا يجوز الاكتفاء بالمقاولة السابقة.

و اخرى: تكون من قبيل المتباينين، فيدور الأمر بين التعيين و التخيير، كما لو شكّ في أنّ كلمة: «شريت» تكفي لإنشاء البيع،

أو لا بدّ من لفظة: «بعت».

ففي الفرض الثاني يتعيّن الاحتياط.

و في الفرض الأوّل يمكن دعوى: أنّ المسألة تدور مدار أنّ «العقد» عنوان منتزع من الأمور الخارجيّة، أو هو نفس هذه الأجزاء:

فعلى الأوّل: يتعيّن القول بالفساد.

و على الثاني: فإن قلنا بالسببيّة لهذه الأجزاء الخارجيّة، فهي لا تثبت بالبراءة الشرعيّة.

و إن قلنا: بأنّ ترتّب النقل و الانتقال حكم على موضوع، كما هو مختار جماعة، و لا سببيّة و لا مسبّبية حتّى الاعتباريّة، فهما مثل الصلاة المترتّب عليها حكم سقوط الأمر، فإذا شكّ في النقل فهو مسبّب عن الشكّ في جزء دخيل مرفوع بالأصل، كما لو شكّ في سقوط الأمر، فافهم و تدبّر.

الكلام حول اعتبار الصراحة

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الأقوال في المسألة كثيرة، فعن «إيضاح»

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 157

الفخر «1»، و «مصابيح» بحر العلوم: أنّ العقود لا تنعقد إلّا بالصراحة، و لا تكفي الكنايات و المجازات بأنحائهما «2».

بل في كلام «المسالك» ما يورث أنّ دائرتها أضيق من ذلك، لما قال:

«و لمّا كانت الإجارة من العقود اللازمة، وجب انحصار إيقاعها في الألفاظ المنقولة شرعا، المعهودة لغة» «3» انتهى.

فبناء هؤلاء على الأخذ بالقدر المتيقّن، كما صرّح به السيّد رحمه اللّه «4».

و في قبالهم من جوّز بجميع الكنايات و المجازات، حتّى البعيدة، و حتّى المقرونة بالقرائن الحاليّة، معلّلا بأنّ كلّ ذلك سبب عرفا، و لا دليل من الشرع في كيفيّة السبب.

و إليه ذهب السيّد الفقيه اليزدي رحمه اللّه إلّا أنّه قال باعتبار الظهور العرفيّ «5»، و كأنّه يمنع عن الظهور عند المتبايعين، و يعتبر الظهور النوعيّ، لا الشخصيّ، فلا سعة في فتواه من تلك الجهة.

و لعلّه لو كان يتذكّره لأفتى به، لأنّ المدار على حصول العقد، و

تشخيص ذلك بيد المتعاملين الملتزمين، فلو استعملا لفظي «النكاح» و «الطلاق» في البيع و الشراء معتقدين جواز الوضع بالاستعمال، بعد

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 94- السطر 32، و لاحظ إيضاح الفوائد 3: 12- 13.

(2) جواهر الكلام 22: 249، مفتاح الكرامة 4: 149 و 160.

(3) مسالك الأفهام 1: 254- السطر 15.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 86- السطر 21- 34.

(5) نفس المصدر- السطر 26- 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 158

وجود القرينة عندهما، يتحقّق العقد، و هما يعدّان متعاقدين بالضرورة، فلا يعتبر الظهور النوعيّ، بل يكفي تجويز النوع بعد ما يتذكّر حدود ما فرضناه، و ربّما يرتكب عند إمساس الحاجة، فلا تغفل.

و ظاهر الشيخ الأعظم أيضا ذلك، إلّا أنّ قوله: «بكلّ لفظ له ظهور عرفيّ معتدّ به في المعنى المقصود» «1» ربّما يوهم أنّ مجرّد الظهور غير كاف، و هو في مكان المنع، فإنّ العقد يحصل به، و لزوم المرافعة في مقام الإثبات و الدعوى، لا يورث إشكالا في مسألتنا، كما لا يخفى.

و ذهب جماعة إلى إخراج المجازات، أو هي مع الكنايات «2».

و اخرى: إلى التفصيل بين القرائن الحاليّة و المقاليّة «3».

و ثالثة: إلى التفصيل بين المشهورات منهما و غيرها «4».

و قال المحقّق الرشتيّ قدّس سرّه: «الأقرب هو القول الأوّل، إذ لا مانع منه سوى العمومات و الإطلاقات، و فيها ضعف واضح بعد قيام الإجماع المحقّق على اعتبار بعض الخصوصيّات في العقد و لو في الهيئة، من الماضويّة، و الموالاة، و نحوهما ممّا هو ثابت عند الكلّ أو الجلّ.

و دعوى: أنّها خرجت بالإجماع، فما بال المختلف فيه من الخصوصيّات الراجعة إلى الموادّ؟! شطط من الكلام، و جمود على

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 94- السطر

3.

(2) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 149، جواهر الكلام 22: 249.

(3) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 35- السطر 14.

(4) منية الطالب 1: 106- السطر 14.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 159

الظاهر الذي لا أصل له.».

إلى أن قال: «فلا مناص من الأخذ بالقدر المتيقّن في مواضع الخلاف» «1» انتهى.

و في سند منعه مواضع من الإشكال، و قد مرّ البحث حول مقتضى الأصل الشرعيّ «2».

و أمّا استشكاله في العمومات، فهو لو تمّ لا يستلزم عدم صحّة دعوى إلغاء الخصوصيّة عن مورد السيرة العقلائيّة غير المردوعة، فإنّ الثابت عندهم أنّ ما هو العقد يجب الوفاء به، و تصرّف الشرع المقدّس في حدود السبب، ليس مردّدا بين أمور مجهولة حتّى يلزم الاحتياط، ضرورة أنّ الإجماع لو قام في المسألة، فهو من المركّب القائم على عدم صحّة العقد بالمجاز البعيد، و لا معقد له في شرطيّة الصراحة و الدلالة اللفظيّة، و إلّا يلزم عليه أيضا الالتزام بعدم نفوذ العقد، إذا كانت ألفاظه فارسيّة أو عربيّة غير معروفة، بل لا بدّ عليه من الاحتياط في مثل لفظة «ملّكت» بل و «شريت» و قد اتضح فساده في محلّه، و هو غير ملتزم به قطعا.

هذا مع أنّ الإجماع في المسألة منقول، بل الظاهر أنّ المسألة لم تكن معنونة في كتب القدماء بعنوان المسائل الشرعيّة.

فالأقوى أنّ العقد إذا تحقّق تشمله أدلّة نفوذه، و سائر أحكامه،

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 36- السطر 3.

(2) تقدّم في الصفحة 155.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 160

و لأسبابه العرض العريض.

نعم، تختلف المقامات و الظروف في سببيّة شي ء دون آخر، فمع التوسعة و عدم وجود الغرض في الألفاظ الغلط، يشكل كونه عقدا، و مع الضرورة و الاحتياج إلى كتمان

المقصود، يصحّ التوسّل و التسبّب بها، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ في بعض العقود- للإجماعات المحقّقة، و الشهرات المعلومة، و دلالة بعض النصوص- تعتبر الموادّ المخصوصة و الهيئة الخاصّة، كباب النكاح و الطلاق، و تفصيل المسألة يطلب من محالّه.

هذا تمام الكلام حول مادّة العقود.

الكلام حول اعتبار الماضويّة و العربيّة و نحوهما

و أمّا الهيئة الناقصة منها، فهي أيضا ممّا لا شاهد ثابت عليها من اعتبار الماضويّة و العربيّة.

و العجب أنّ مثل الثانيين من الشهيد و المحقّق، ذهبا إلى اعتبار العربيّة «1»، و عن العلّامة في «التذكرة» دعوى الإجماع على اعتبار الماضويّة «2»!! و لعلّ كلّ ذلك في مواضع خاصّة هي مخفيّة علينا، و إلّا فالأمر يصير مشكلا في سائر الإجماعات المدّعاة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الروضة البهيّة 1: 313- السطر 14، جامع المقاصد 4: 59.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 96- السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 161

الكلام حول اعتبار الموالاة و التنجيز و تقديم الإيجاب و نحوها

و أمّا الهيئة التامّة و هي هيئة الإيجاب و القبول، فهل يعتبر هنا أمر شرعا أو عرفا، من تقديم الإيجاب على القبول، أو لا يعتبر شي ء حتّى الموالاة و التنجيز؟

فيه وجوه و أقوال في طيّ مسائل.

و قبل الخوض فيها لا بدّ من بحث آخر: و هو أنّ العقود متقوّمة بالقبول ماهيّة، أو مشروط تأثيرها بالرضا و القبول؟

المشهور بل المتّفق عليه هو الأوّل.

و قد ذهب الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه- إلى الثاني، معلّلا «بأنّ تعريف البيع خال من ركنيّة القبول، و تمام حقيقته تحصل بعمل الموجب. و هذا ما يساعد عليه العرف فيما إذا كان الأجنبيّ مثلا وكيلا منهما، فإنّه لو قال:

«بادلت بينهما» أي المالين، تتحقّق تمام حقيقة البيع من غير لزوم أمر آخر «1».

و قد وقع ذلك في النكاح، فإنّ اللّه تعالى بعد ما عقد بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تلك المرأة، فقد تمّ الأمر، و لم يعهد قبول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعده» [2].

______________________________

[2] روى أبو الصلت الهروي عن الرضا عليه

السلام: «. و إنّ اللّه عزّ و جلّ ما تولّى تزويج أحد

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 219.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 162

و عليه لا تعتبر الموالاة أيضا عنده- مدّ ظلّه- «1».

كما لا منع من تقدّم القبول على الإيجاب، لأنّه ليس إلّا إظهار الموافقة، و الطيب بالمبادلة.

أقول: لو كان البيع مبادلة المالين، أو التمليك بالعوض، فالقبول ركن، لعدم تحقّقه إلّا به، و لو كان هو إيقاعهما و إنشاؤهما فهو حاصل بعمل الموجب، و يلزم منه كون جميع العقود إيقاعات، إلّا أنّ من الإيقاع ما لا يعتبر في تأثيره شي ء، و منه ما يعتبر، و لو كان الأمر كما ذكر، يلزم كون هذه المعاملة فضوليّة من طرف، و القبول بمنزلة الإجازة.

و الذي يظهر لي: هو أنّ البيع و لو كان إنشاء المبادلة، يحتاج إلى القبول، و هو متقوّم به، لأنّ البائع لا ينشئ إلّا معنى مفاده خروج ماله عن ملكه بعوض، و لا ينشئ دخول مال الغير المسمّى بالعوض في ملكه، حتّى يكون كلّ المبادلات فضوليّة.

و توهّم: أنّ إنشاء التمليك بالعوض يستلزم الإنشاء الآخر، فاسد بالضرورة.

و لشهادة العرف، و لأنّ القائلين بلزوم الصراحة في العقود و المعاملات، و عدم كفاية الكناية، لا يرون هنا الإنشاءين في مغروس

______________________________

من خلقه إلّا تزويج حوّا من آدم عليه السلام و زينب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بقوله فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا.».

عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 195، الباب 14، الحديث 1.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 227.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 163

أذهانهم، حتى يرد عليهم ذلك، أو يستثنون من عموم فتواهم مثله.

و إن شئت

قلت: البيع غير عقد البيع، فإنّه عنوان آخر حاصل من المعاقدة المتقوّمة بالطرفين.

فبالجملة: لا بدّ من الإنشاء الآخر المتضمّن للتمليك بالعوض، و إن لم يكن ذلك صريح القبول.

و ممّا يشهد على ذلك: جواز تحقّق البيع و عقده بالإنشاءين الصريحين المرتبطين، على إشكال آخر مضى سبيله.

هذا،

و تمام البحث في سائر الشرائط في ضمن مسائل:

المسألة الأولى: حول اعتبار تقدّم الإيجاب على القبول

المشهور لزوم تأخّر القبول عن الإيجاب، و حكي الإجماع عن «الخلاف» عليه «1»، و لا خير فيه.

و ذهب جماعة إلى التفصيل بين القبول الواقع بكلمات: «رضيت» و «قبلت» و الواقع ب- «اشتريت» و «ابتعت» و «ملكت» بالتخفيف، و هذا التفصيل ممّا يتراءى من صريح جماعة «2» و ظاهر آخرين «3»، و عن

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 96- السطر 15، الخلاف 3: 40.

(2) مسالك الأفهام 1: 133- السطر 41 و ما بعده.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 8: 145- 146، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

97- السطر 22 و ما بعده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 164

«التذكرة» الإجماع عليه «1».

و اختار جمع جواز التقديم مطلقا، و منهم الفقيه اليزديّ «2»، و الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه- «3».

و الذي يظهر لي: هو أنّ البحث حول سائر الكلمات غير صحيح، لأنّه من إيجاب المشتري، لا من تقديم القبول عليه كما لا يخفى، و كما ينشئ البائع التمليك بالعوض بالحمل الشائع لا بمفهومه، كذلك ينشئ المشتري، و يكون ناقلا العوض إلى ملك البائع بواقعة لا بمفهومه، فيما كان العنوانان معلومين بغير الإيجاب و القبول.

و أمّا البحث حول الكلمة الصريحة في القبول، فالحقّ فيه المنع، لعدم مساعدة العرف.

و كونها تحقّق الوقوع لا يفيد شيئا. كما لا يفيد حملها على الواجب المعلّق أو المشروط، لعدم مساعدة الاعتبار معه، مع أنّه من تأخير القبول.

و بالجملة: المنشأ في القبول بالمطابقة

هو الرضا بالمنشإ السابق، و بالالتزام إنشاء تمليك العوض بالعوض، و هذه الدلالة الالتزاميّة أو هذا اللازم العرفيّ، لا يحصل إلّا في صورة التأخير، فتحقّق

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 96- السطر 25، تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر 10.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 88- السطر 32.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 223- 226.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 165

العقد في المسألة مشكل، و إلّا فلا منع من التمسّك بأصالة الصحّة و اللزوم في العقود.

و ما قيل في بعض المقامات: «من أنّ موضوع الأدلّة العقود المتعارفة، بالطرق المتعارفة، على الأموال المتعارفة» يورث أيضا هنا الإشكال، كما يعطيه في البحث السابق.

هذا و الإنصاف: أنّ المراجعة إلى الوجدان فيما تقاولا على معاملة، ثمّ بعد تلك المقاولة إذا قال المشتري: «قبلت» فقال البائع:

«بعت» يتمّ العقد، و لا يرى فيه الخلل.

نعم، نفس مفهوم القبول بدونها لا يفيد شيئا، فتأمّل جيّدا.

المسألة الثانية: حول اعتبار الموالاة

المشهور اعتبار الموالاة بين الإيجاب و القبول عرفا، و لا يضرّ الفصل اليسير، و هكذا اعتباره في كلمات الإيجاب و القبول و حروفهما، و يضرّ الفصل المغتفر هناك، هنا و لا يضرّ اليسير بالكثير، و لعلّ الحكم قطعيّ في الفرضين الأخيرين.

و ظاهرهم أنّه حكم شرطيّ، لما يستلزم الإخلال به أنّ عنوان العقد مشكوك الانعقاد، و وجه الشكّ في ذلك، هو أنّه يجب أن يكون القبول مرتبطا بالإيجاب، و متوجّها إلى مفاده، و مع الفصل يشكل ذلك، فيشكّ في حصول موضوع الأدلّة و عمومات المسألة، فكونها واجبة تعبّدا بعيد جدّا. و عدم حصول العقد بتركها بعد حصول الرّبط المعتبر في العقد، ممنوع للوجدان.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 166

فمنشأ اعتبارها عندي اعتبار الشرط الآخر الآتي

في العقود: و هو التطابق بين الإيجاب و القبول في القيود و في أصل الإنشاء «1»، أي لا بدّ و أن يكون القبول قبول ذلك المنشأ، و هذا ربّما لا يحصل بعد الفصل الطويل، فتأمّل.

و يظهر من الشيخ أنّ عنوان «العقد» متقوّم بالموالاة، و استحسن رأي الشهيد في «القواعد» «2» إلّا أنّه قال: «هذا لو كان حكم الملك و اللزوم في المعاملة، منوطا بصدق العقد عرفا، كما هو مقتضى التمسّك بآية الوفاء بالعقود، و أمّا لو كان منوطا بصدق البيع أو التجارة عن تراض، فلا يضرّه عدم صدق العقد» «3» انتهى.

و قد عرفت ما فيه من صدقه و لو أخلّ بها، إذا كان في الكلام قرينة على حصول الربط، و كونه قبولا لمفاد الإيجاب.

بل قضيّة البحث و التفتيش، أنّ مقصوده لا يرجع إلى محصّل، ضرورة أنّ «العقد» و سائر ألفاظ المعاملات إن كانت موضوعة للمعنى المسبّبي، فهو لا يحصل بترك الموالاة، لاقتضاء الدليل الذي تمسّك به ذلك.

و إن كانت موضوعة للأسباب، فالعقد و البيع سيّان. و كون العقد موضوعا للمسبّب دون البيع ممنوع، لما مرّ أنّ تلك الألفاظ موضوعة للمسبّبات، أو الأسباب الملحقة بها آثارها.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 173.

(2) القواعد و الفوائد 1: 234، القاعدة 73.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 98- السطر 23- 33.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 167

و ممّا يشهد على صحّة ما ذكرناه: اتفاق الأصحاب على عدم اعتبار الموالاة في العقود الجائزة.

ثمّ إنّ الظاهر من الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه- هو أنّه يرى نفسه في مخلص من هذا الشرط، لأنّه لا يقول بركنيّة القبول «1»، و قد مضى شطر من مرامه «2»، فعليه تكون ماهيّة المعاملة حاصلة بتمامها بنفس الإيجاب، و القبول

شرط تأثيرها، كما في الفضوليّ.

و الإنصاف: أنّه للقول باعتبار الموالاة على مبناه- مدّ ظلّه- أيضا وجه، لما عرفت منّا في تحرير المسألة، فلاحظ و تدبّر.

ثمّ إنّه ربّما يتوهّم: أنّ قضيّة الاستصحاب جواز الاتكال على القبول اللّاحق مع الشكّ في حصول العنوان العقديّ به، لأنّ منشأ الشكّ في ذلك احتمال خروج الإيجاب عن قابليّة الالتحاق و عن الصحّة التأهّليّة، و هي محكومة بمقتضاه بالعدم.

و يؤيّد ذلك تسلّم الأصحاب في الطهارات الثلاث البناء على عدم الاعتناء بالشكّ في الحدث، مع أنّه يورث الشكّ المذكور. و دعوى كفاية استصحاب عدم الحدث محلّ إشكال. مع أنّ بناءهم ظاهرا على عدم الاعتناء بالشكّ في الإخلال بالموالاة المعتبرة فيها، و هكذا في الصلاة.

و الذي تحرّر منّا في محلّه: عدم جريان استصحاب الصحّة الفعليّة، فضلا عن التأهّلية، و التفصيل في مقامه.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 219.

(2) تقدّم في الصفحة 161- 162.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 168

المسألة الثالثة: حول اعتبار التنجيز
اشارة

المعروف بين جماعة اعتبار التنجيز في العقود و الإيقاعات «1»، و قد ادعي الإجماع عليه في بعض العقود- كالوكالة- العلّامة «2» و ابنه «3»، و منه يعلم أنّ المسألة إجماعيّة في غيرها، للأولويّة. و هذا هو المتسالم عليه في بعض الإيقاعات كالطلاق، بل و العتق.

و في تماميّة الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام أو الرواية الصريحة و الدالّة على المقصود إشكال، بل منع، لأنّ المسألة ذات وجوه اعتباريّة، و قد استدلّوا بها في جملة من كلماتهم. بل كونها معنونة في كتب القدماء- إلّا بعضا- منهم ممنوع، فلاحظ.

فعليه لا بدّ من المراجعة إلى عمومات المسألة و إطلاقاتها.

و مقتضى السيرة العمليّة و تعارفها بينهم جوازها، على إشكال يأتي.

أدلّة امتناع التعليق و ردّها

و قد يتوهّم: أنّ تعليق الإنشاء غير معقول، و ليس هو مورد البحث و النزاع، لأنّ الإنشاء كالإيجاد، فلا يعقل أن يتحقّق الوجود الاعتباريّ أو

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 99- السطر 8.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 114- السطر 25.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 7: 526، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 99- السطر 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 169

التكوينيّ، و مع ذلك يكون معلّقا، للزوم التناقض «1».

أو لأنّ التعليق يستلزم النظر الاسميّ إلى الهيئة المستعملة في المعنى الحرفيّ، فيلزم الجمع بين لحاظين: آليّ، و استقلاليّ.

أو لأنّ التعليق بمنزلة التقييد، و هو يستلزم التقسيم، و مفاد الهيئة ليس قابلا له، لأنّه جزئيّ، و الجزئيّ غير قابل للقسمة قطعا.

و يندفع: بأنّ الإنشاء الاعتباريّ غير الإيجاد التكوينيّ، و لا ينبغي الخلط بينهما، ضرورة أنّ مفاد الهيئة هو إنشاء الملكيّة المعلّقة على مجي ء زيد، و هذا الإنشاء التعليقيّ موجود بالفعل، إلّا أنّ الإنشاء الفعليّ يحصل بعد حصول المعلّق عليه. و ليس هذا من

تخلّف المعلول عن العلّة، لعدم العلّية في هذه المسائل، و لا من تعليق الإرادة التي هي تكوينيّة، لأنّها تعلّقت على نعت ما يتعلّق في الواجب المعلّق، فلا يكون في نفسها تعليق.

و دعوى رجوع التعليق في الهيئة إلى التعليق في المادّة، لأنّها تابع الإرادة «2»، غير مسموعة، لأنّ المناط هو الإنشاء الحاصل من المولى دون الإرادة، و التفصيل في الأصول «3».

و بأنّ المعنى الحرفيّ قابل لأن يلحظ بعد تحقّقه، فيكون مورد النظر ثانيا، فيقيّد أو يعلّق عليه أمر، فإذا علّق عليه الأمر يراعى أثره على

______________________________

(1) منية الطالب 1: 112- السطر 20.

(2) مطارح الأنظار: 45- 46.

(3) تحريرات في الأصول 3: 50.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 170

حصول المعلّق عليه الهيئة، بالنسبة إلى حصول الأثر من العلّة التامّة، كما في التكوين. بل هو عند الإطلاق يؤثّر، و عند التقييد و التعليق يبقى بلا أثر.

بل لو كان عند قوله: «بعت» مريدا للبيع المطلق المنجّز، فبدا له خلافه بعده فورا، فألحق بكلامه التعليق، فإنّه ممّا لا بأس به، لعدم جواز الخلط بين المسائل الاعتباريّة- و منها مسألة الوضع- و المسائل الخارجيّة و التكوينيّة.

و بأنّ الذي ظهر لي: هو أنّ تقييد المعنى الحرفيّ- بناء على كونه من المعاني الجزئيّة الخارجيّة- ممتنع. و ما ترى من تقييد الأعلام الشخصيّة فهو توصيف، و بينهما فرق بيّن.

و لو أريد منه التقييد فيرجع المقيّد إلى المسمّى ب- «زيد» قطعا، فيصير كلّيا كما لا يخفى. و أمّا التعليق فهو ليس من التقييد، لأنّه يورث كون الهيئة مراعى في تأثيرها شي ء، و هذا لا يستلزم التقسيم المشار إليه في الكلام.

فتحصّل: أنّ التعليق في الإنشاء، يورث سقوط الهيئة عن تأثيرها الفعليّ، و لا يوجب عدم

تحقّق الإنشاء التعليقيّ، فإنّه محال. و لعلّ الناظر إلى امتناع التعليق في الإنشاء، كان يجد أنّه مع التعليق يتحقّق هذا النحو منه، فتأمّل.

و قد يشكل ذلك، لأجل أنّ البيع الحاصل بعد تحقّق الشرط، هل هو يوجد بإيجاد فعليّ مقارن له، أو هو يوجد بالإيجاد السابق؟ فإن وجد بالإنشاء السابق فهو معناه التعليق في المنشأ، و إن تحقّق بالإنشاء الفعليّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 171

المقارن، فهو في الحقيقة يرجع إلى الوجود بلا إيجاد، و يكون موجودا بحصول الشرط قهرا، لعدم استناده إلى العاقد و الموجب في وجوده التنجيزيّ.

نعم، هو في وجوده الإنشائيّ المعلّق مستند إليه.

و إن شئت قلت: في العقد المنجّز يستند المنشأ المحقّق إلى الموجب، و يكون هو تمام علّة وجوده، بخلاف العقد المعلّق، فإنّه بإنشائه التعليقيّ اعتبر دخالة المعلّق عليه في وجود المعلّق، و هو جزء أخير لعلّته التامّة، فيستند إليه، فهو لا يوجد بإيجاده عند حصول الشرط، بل يوجد بوجود الشرط قهرا.

نعم، إذا كان الشرط في الإنشاء من أفعال الموجب الاختياريّة، فهو موجده و علّته كما لا يخفى.

و لك دفعه: بأنّ الحقّ كما ذكر، إلّا أنّ هذا لا يرجع إلى المعلول بدون العلّة قطعا، و أمّا رجوعه إلى وجود العقد بلا استناد إلى العاقد، بحيث يقال بعدم وجوب الوفاء عليه، فهو ممنوع عند العرف و الوجدان، و لا حاجة إلى أزيد منه في المسألة.

اعتراض الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- على صحّة تعليق المنشأ و دفعه

ثمّ إنّه قد استشكل الأستاذ الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- في صحّة التعليق في المنشأ «1»:

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 234.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 172

تارة: من جهة أنّ الجمل التصوّرية، ليست قابلة للتعليق، و لو كان التعليق مرتبطا بالمنشإ يلزم

منه ذلك، لأنّ الهيئة الإنشائيّة لا تتعلّق إلّا بالجمل التصوّرية بالضرورة.

و فيه: أنّ مفاد الهيئة مع قطع النظر عن المادّة تصوّري، و هكذا في عكسه، فالتعليق يرتبط بالمنشإ الذي هو في الجملة التصديقيّة، و لا يجوز فرض خلوّ المادّة من الهيئة التصديقيّة، و مقايستها إلى الجملة التعليقيّة.

و اخرى: من جهة أنّ الفرق بين رجوع الشرط إلى الإنشاء أو إلى المنشإ، كالفرق بين الواجب المشروط و الواجب المعلّق، فيكون الملك المنتقل في البيع مقيّدا مثلا بيوم الجمعة، أو من يوم الجمعة و ليس هذا مملوكا، لأنّ مالك العين ليس مالك الأعيان بحسب قطعات الزمان، و ليست تتكثّر ملكيّتها لها، كما تتكثّر في الإجارة بالضرورة.

فبالجملة: التعليق في المنشأ غير جائز، للزوم كون العين ملك نفرين، أحدهما: البائع إلى يوم الجمعة، و ثانيهما: المشتري من يوم الجمعة.

و فيه: أنّ المناط في صحّة هذه الأمور و بطلانها، ترتّب الثمرة العقلائيّة عليها و عدمه، فلا بأس بالالتزام بمثله، كما في الوقف الخاصّ على المشهور، و في الوقف المنقطع الآخر، فتدبّر.

و ليس مفاد البيع في جميع الأفراد التمليك، كما مرّ منه- دام ظلّه- فلو باع أحد الحاكمين مال الفقير بالآخر على هذه الكيفيّة، يلزم منه تقسيم السلطنة بحسب قطعات الزمان، و هي ممّا لا إشكال فيها، لما أشير

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 173

إليه آنفا.

بل لا يكون التمليك بالحمل الأوّلي في مفاده، حتّى يلزم التقييد في الملكيّة، فإنّ البائع ينشئ البيع المنجّز الفعليّ، و المملوك متأخّر، فالتعليق في المنشأ ليس من التعليق حقيقة.

فالحقّ إمكان الفرضين، إلّا أنّ المتعارف هو المنجّز، و لا يعهد من بنائهم التعليق في شي ء، إلّا في بعض العقود و الإيقاعات، كالوصيّة و النذر، و

ما يتوهّم كثيرا من أنّه تعليق في الإنشاء أو المنشأ، غير تامّ، بل هو من قبيل شرط التأخير في التسليم، أو إجارة الدار في السنوات الآتية، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه تختلف الآثار باختلاف القيود الراجعة إلى الإنشاء و المنشأ، فلو كان الإنشاء معلّقا فله ردّه قبل حصول المعلّق عليه، و لو كان المنشأ معلّقا فيحسب مدّة خيار الحيوان من حين العقد، لا من ظرف التنجيز و هكذا.

المسألة الرابعة: حول اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول
اشارة

من الشرائط المعتبرة التطابق بين الإيجاب و القبول، و هذا الشرط ممّا لا خلاف فيه، بل ليس في كثير من المتون منه أثر، لأنّه يرجع إلى القيد المقوّم لماهيّة العقود و المعاملات، و قد عرفت: أنّ معناه يرجع إلى كون القبول قبولا للإيجاب، لا قبولا مطلقا، و لا قبولا لبعض الإيجاب، لأنّه ليس قبول ما أوجبه و أنشأه، كما لا يخفى، فعليه لا معنى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 174

لجعله شرطا آخر غير الشرط المذكور، ضرورة أنّ المعاملة المتقوّمة بالإيجاب و القبول، ليس معناه مطلق القبول حتّى يحتاج إلى بيان هذا الشرط، و الأمر سهل.

هل يعتبر التطابق في مجرّد الذات، أو من جميع الجهات؟

بقي الكلام في أنّ صحّة العقد، متوقّفة على التطابق من جميع الجهات بينهما، أو يكفي التطابق في ذات المعقود عليه، دون قيوده و أوصافه و شرائطه، بل يكفي أحيانا التطابق في الذات في الجملة، لا في جملة الأجزاء المعقود عليها.

ظاهر الشيخ الأعظم رحمه اللّه هو الأوّل «1»، و صريح السيّد خلافه في بعض ما ذكر «2»، و هو خيار الوالد الأستاذ- مدّ ظلّه- قائلا: «إنّ المناط هو الانحلال عرفا، فإنّ كان البيع منحلّا حسب نظر العرف إلى البيوع المستقلّة- كما في العامّ الاستغراقيّ- فيكون الاختلاف في القبول و الإيجاب غير مضرّ بالتطابق، و إلّا فيبطل البيع. و ما أشير إليه هو بعينه جار في الشروط و القيود.

بل يمكن دعوى حصول التطابق مع الاختلاف بينهما، إذا كان المبيع الموصوف جزئيّا، لا كلّيّا، فإنّه لو باع الفرس العربيّ، و قبل الفرس غير العربيّ، يبطل البيع، بخلاف ما لو قال: «بعت هذا الفرس العربيّ» و قال

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر الأوّل.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 92- السطر

21 و 24- 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 175

«قبلت هذا الفرس غير العربيّ» فإنّه لا يبطل، و له الخيار، نظير ما لو وقع التطابق بينهما حتّى في القيد و الوصف «1».

أقول: لا يحصل التطابق إلّا في مورد إذا قبل المشتري جميع ما أنشأه البائع، و لم يسلّم البائع إلّا بعضا لا يثبت خيار تبعّض الصفقة، و أمّا إذا قبل الكلّ، و سلّم البعض، و كان يثبت في نظر العرف ذلك الخيار، فهو ليس من التطابق.

و السرّ فيه: هو أنّه قد يكون بنظر العرف البيوع المجتمعة في اللفظ- المعبّر عنها بالجمع في التعبير و الاختصار في اللفظ- متعدّدة، و قد لا يكون البيع إلّا منحلّا بنظر العرف، لأعمّية الغرض، و لكنّه في مقام الإنشاء و الإرادة لا يرى إلّا أمرا واحدا، فإنّه في الفرض الأوّل لو قبل المشتري جميع ما باعه المالك صحّ البيع، و لزم و إن لم يسلّم المجموع، كما في بيع أثاث البيت في (سوق الحراج) و أمّا في مثل بيع العبيد، فليس الأمر كذلك و إن كان الغرض أعمّ، و لذلك نجد له خيار تبعّض الصفقة إذا لم يسلّم إلّا عبدا أو عبدين، فلاحظ و تدبّر جدّا.

و أمّا في مسألة بيع الكلّي و الشخصيّ، فالإنصاف أنّه يكون التحقيق على خلافه، ضرورة أنّ المشتري القابل لبيع الفرس المتّصف بضدّ الوصف المذكور في كلام البائع، ليس راضيا بما أنشأه البائع.

نعم، قد يكون الوصف المذكور في كلام المشتري، موجبا لنزول قيمة المبيع، فإنّه حينئذ يصحّ البيع، لأنّه يرجع إلى أنّه تعلّق غرضه

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 236- 237.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 176

بذات الفرس و

إن كان عجميّا.

هذا و ما ذكره الأصحاب في عدم ثبوت خيار تخلّف الوصف إذا كان المبيع كلّيا «1»، محلّ إشكال، بل قد منعناه في بعض «تحريراتنا» «2» لأنّ القيود و إن أوجبت التباين بين العناوين، و لكنّه أمر عقليّ، و ليس بعرفيّ، و لذلك لو رضي بما سلّمه البائع يصحّ البيع و يلزم، و لو كان الأمر كما ذكره المحقّقون- من أنّه في هذه الصورة لم يسلّم المبيع رأسا- كان ذلك باطلا إلّا برجوعه إلى البيع الجديد، و هو كما ترى.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 249- السطر 12.

(2) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب المؤلّف قدّس سرّه.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 177

فروع

الفرع الأوّل: حول كفاية إشارة الأخرس

لا شبهة في أنّ عناوين العقود و الإيقاعات، قابلة لأن تتحقّق بإشارة الأخرس، و فيها بعض النصوص [1]، و لا وجه للاقتصار عليها بعد اقتضاء القواعد ذلك.

و يظهر من متونهم أنّها قائمة مقام اللفظ «2»، و هذا يوجب اتصاف عقده باللزوم و الجواز، و سائر الأحكام المخصوصة بالعقد اللفظيّ، و يورث عدم كفاية إشارة غير الأخرس، و عليه يشكل الحكم في كتابته، و في إشارة الأخرس في برهة من الزمان، لإشكال في أعصاب عضلته و لسانه، و في إشارة ناذر السكوت مثلا.

______________________________

[1] أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، أنّه سأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة، يصمت و لا يتكلّم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، و يعلم منه بغض لامرأته و كراهة لها، أ يجوز أن يطلّق عنه وليّه؟ قال: لا، و لكن يكتب و يشهد على ذلك، قلت: أصلحك اللّه، فإنّه لا يكتب، و لا يسمع، كيف يطلّقها؟ قال: بالذي يعرف به من أفعاله

مثل ما ذكرت من كراهته و بغضه لها.

الكافي 6: 128- 1، الفقيه 3: 333- 1613، وسائل الشيعة 22: 47، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 19، الحديث 1.

______________________________

(2) شرائع الإسلام 2: 7، جواهر الكلام 22: 251، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

93- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 178

و الذي هو الظاهر، صحّة الاتكاء على جميع هذه المبرزات عند إمساس الحاجة إليها.

نعم، مع فقد الغرض الباعث إليها، يعدّ عرفا من الهزل و المزاح، و يشكل انعقاد العقدة و المعاوضة بها.

و في كونها لازمة إشكال مضى سبيله، لما عرفت: من أنّ بناء العقلاء قاصر بل قائم على خلافه في هذه الأمور، فتدبّر جيّدا.

الفرع الثاني: حول اعتبار وقوع العقد و الإيقاع بلغة المتعاملين

هل يجب على كلّ قوم العقد و الإيقاع بلسانهم، أو يجوز الاكتفاء بلسان آخر؟ فيه وجهان:

من أنّه أعلم بخصوصيّات لسانه، فيشعر بما يقوله.

و من أنّ الأعرفيّة ليست شرطا. نعم لا بدّ من أن يعلم ما يقوله.

و الإنصاف: أنّ الاحتياط في الأوّل، بل دعوى انصراف الأدلّة إلى المعاملات المتعارفة بين الأقوام و الملل، غير بعيدة، فتأمّل، فاعتبار العربيّة «1» خلاف الاحتياط قطعا.

الفرع الثالث: حول كفاية الاستيجاب و الإيجاب

في كفاية الاستيجاب و الإيجاب و عدمها وجهان، بل قولان: ظاهر

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 95- السطر 32- 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 179

جماعة هو الثاني «1»، و مقتضى بعض النصوص [2] و طائفة هو الأوّل «3»، و حمل تلك النصوص على تعقّب القبول بالإيجاب بلا دليل، و لزوم الفوريّة بين الاستيجاب و الإيجاب ممنوع، فلا طعن في النصوص من تلك الجهة أيضا.

و توهّم الشهرة في المسألة «4»، بل دعوى أنّها كإرسال المسلّمات «5»، لا ينفع شيئا، لفساد الصغرى أوّلا، و الكبرى ثانيا، ضرورة أنّ هذه المسائل ليست ممّا ورد فيها النصّ، و لا من المسائل المتلقّاة عن

______________________________

[2] محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاءت امرأة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقالت:

زوّجني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول اللّه، زوّجنيها، فقال: ما تعطيها؟ فقال: ما لي شي ء، قال: لا، فأعادت فأعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم الكلام، فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعادت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في المرّة الثالثة: أ تحسن من القرآن شيئا؟ قال: نعم، قال: قد

زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إيّاه.

الكافي 5: 380- 5، تهذيب الأحكام 7: 354- 1444، وسائل الشيعة 21:

242، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 2، الحديث 1.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 7، جواهر الكلام 22: 252، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

97- السطر 1 و 6.

(3) المبسوط 4: 194، المهذّب 1: 350.

(4) مسالك الأفهام 1: 133- السطر 41، لاحظ مفتاح الكرامة 4: 161- السطر 11، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 97- السطر 9.

(5) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 161- السطر 11- 12، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

97- السطر 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 180

الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

الفرع الرابع: في حكم تقارن الإيجاب و القبول زمانا

لو أوقعا الإيجاب و القبول في زمان واحد، فظاهر الأصحاب القائلين بلزوم الموالاة فساد التجارة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ كلماتهم ناظرة إلى نفي الفصل الطويل، و هو غير بعيد.

و لكن قضيّة بعض أدلّة المسألة عدم صحّة المقارنة أيضا، لأنّ القبول في الماهيّة متقوّم بالإنشاء السابق، فكما لا يجوز تقدّمه لا يجوز تقارنه. و يأتي التفصيل المعروف بين كلمات القبول «1» هنا أيضا، كما لا يخفى.

و التحقيق: أنّ المقارنة جائزة و لو كان التقديم غير جائز، ضرورة أنّ الحاصل من الإيجاب ليس إلّا مورد القبول، فكما أنّ زمان الكسر و الانكسار واحد، و التأخّر رتبيّ، كذلك زمانهما واحد، و لكن فعل المشتري مرتبط بعمل البائع و في حكم قبوله، فتأمّل.

هذا، و على القول بكفاية مطلق الرضا تكون المسألة واضحة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 163- 165.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 181

الفرع الخامس: حول الفرق بين أمر الوكيل بالبيع يوم الجمعة و بين نهيه عن البيع إلّا يوم الجمعة

المحكيّ عن العلّامة دعوى الإجماع على صحّة أن يقول الموكّل:

«أنت وكيلي في أن تبيع عبدي يوم الجمعة» و على عدم صحّة قوله: «أنت وكيلي، و لا تبع عبدي إلّا في يوم الجمعة» [1].

و الوجه في ذلك توهّم رجوع الثاني إلى التعليق، فيعلم منه بطلان العقود المعلّقة و سائر الإيقاعات بطريق أولى. بل الإجماعات على بطلان الوكالة المعلّقة كثيرة، مع أنّها ليست من العقود الأصليّة المحتاجة إلى القبول زائدا على الرضا المظهر.

و أنت خبير بما في تلك الإجماعات، و بطلان الوكالة في الفرض الثاني، مستند إلى أنّ النهي عن مورد الوكالة المطلقة، في حكم رجوع الموكّل عن توكيله، و إلّا فلا موجب لقبول الوكيل و إطاعته بالنسبة إلى نواهي الموكّل.

مثلا: إذا قال الموكّل: «أنت وكيلي في كذا» و قبله الوكيل، ثمّ قال:

«لا تفعل الأمر الكذائيّ

يوم الجمعة» فإنّه لا يؤثّر في شي ء إلّا برجوعه

______________________________

[1] تذكرة الفقهاء 2: 114- السطر 25- 28، و العبارة منقولة بالمعنى، كما صرّح بذلك المحقّق المامقاني في غاية الآمال: 225.

و لاحظ كتاب المكاسب 3: 163- 164 (المطبوع ضمن تراث الشيخ الأعظم)، الهامش 5- 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 182

إلى رفض وكالته عند تخلّفه، و مع عدم التخلّف ليس هو من حدود توكيله، حتّى يلزم تقييده و تعليقه، فتأمّل جدّا.

الفرع السادس: في حكم المقبوض بالعقد الفاسد مع كشف رضا أحدهما أو كليهما

إذا تبيّن بعد العقد اللفظيّ أو الفعليّ فساده، فإن كان قبل القبض من الطرفين في الفرض الأوّل، أو من طرف واحد فيهما، فلا يجب القبض وفاء، لفساد المعاهدة، و أمّا بعد القبض فلا يجوز التصرّف فيه، و يجب الردّ، لأنّه ليس ماله، لعدم انتقاله إليه.

نعم، قد تقرّر منّا: أنّ بناء العرف و العقلاء في التجارات على وصولهم إلى الأغراض و المقاصد التي عليها رحى الاعتبارات، و لا يلتزمون بخصوصيّة العناوين ك- «البيع» و «الصلح» و غيرهما «1»، فلو باع أحدهما ما يحتاج إليه الآخر، و المشتري منه ما يحتاج إليه في معاشه و معاده، ثمّ تبيّن فساد المعاملة، فهما- بالقطع- راضيان بتصرّف كلّ منهما في مال الآخر على التقييد و الاشتراط.

فما اشتهر من حرمة التصرّف في المقبوض بالعقد الفاسد، يختصّ ببعض الصور، مثل أجور الفواحش و أمثالها، ممّا يمكن أن لا يكون للزاني رضا بتصرّف الزانية فيها، لأنّه أخذ منها ما احتاج إليه، و لا داعي إلى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 147.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 183

رضاه به بعد عدم وجوب شي ء عليه مطلقا.

و منها ما إذا كان الاختلاف بين قيمة المثل و المسمّى فاحشا، فإنّه لو تصرّف المشتري فيما

ابتاعه، ثمّ تبيّن فساد العقد، و كان المسمّى أكثر من قيمة المثل، فإنّه لا يرضى به، و يكون حينئذ البائع ضامنا، على تفصيل يأتي «1».

فالمقصود من هذه الصور، بيان أنّ الرضا المعامليّ المتعلّق بعناوين العقود، و إن لم يمكن أن يورث جواز التصرّف في العوضين، و لكنّ الرضا التقديريّ اللفظيّ كاف قطعا، و لا دليل على لزوم الأزيد من ذلك، و قد مضى بعض الكلام فيه «2»، فراجع.

و الإجماعات المحكيّة على حرمة التصرّف «3»، منصرفة إلى غير تلك الصور، و هكذا الروايات و المآثير الخاصّة الدالّة على ضمان المتعاملين [4]، و قد مضى في مباحث المعاطاة: أنّ مبنى المشهور- و هو

______________________________

[4] كالنبويّ المشهور: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه».

عوالي اللآلي 1: 224- 106، مستدرك الوسائل 17: 88، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 4.

و كرواية جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية، قال: يأخذ الجارية المستحقّ و يدفع إليه

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 211.

(2) تقدّم في الصفحة 147.

(3) مفتاح الكرامة 4: 167- السطر 26- 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 184

القول بإفادتها الإباحة- على هذا الرضا التقديريّ المعلوم من حال المتعاملين «1»، فلا حرمة تكليفيّة و لا ضمان إلّا في بعض الصور المشكوك رضاهما، أو المعلوم عدمه.

الفرع السابع: في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد مع عدم كشف الرضا
اشارة

لو تبيّن فساد العقد بعد القبض، و لم يمكن كشف رضاهما أو رضا أحدهما، فالعين مضمونة، و عليه دعوى الإجماع «2»، و في «الجواهر»:

«بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه» «3» و لا يجوز التصرّف فيه، لعدم الموجب له.

و المراد من «الضمان» عند المشهور، هو أنّ تلفه عليه كما في الغصب، ففي «السرائر»:

«إنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان» «4» و حكي عنه نسبته إلى أصحابنا «5».

______________________________

المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه.

وسائل الشيعة 21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 5.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 147.

(2) الخلاف 3: 228.

(3) جواهر الكلام 22: 257.

(4) السرائر 2: 285.

(5) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 185

و يشهد له ذهابهم إجماعا إلى وجوب الردّ فورا «1»، كما يأتي «2»، و التزامهم بأنّ خسارة الردّ عليه «3» أيضا دليل على أنّه كالمغصوب.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 11.

(2) يأتي في الصفحة 211.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 495- السطر 31، جامع المقاصد 4: 435، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 186

أدلّة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد
اشارة

و استدلّ لهم بأمور:

الأمر الأوّل: حديث «على اليد.»
اشارة

النبويّ المشهور: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» «1».

و الكلام فيه هنا يتمّ في مقامين:

المقام الأوّل: في سنده

فقد رواه سمرة بن جندب الذي هو أكذب البريّة و أشقاهم. و انجبار السند باستناد أرباب الكتب و الفتوى، غير ثابت، لأنّهم يذكرونه تأييدا لرأيهم، و لا يعرف من قدماء الأصحاب استنادهم إليه. و لا يكفي استناد ابن إدريس «2» و من تأخّر عنه للانجبار، مع أنّه ذكر الحديث في موضع من «السرائر» على وجه يورث فيه الوهن، فكأنّه استناده إلى ما وراءه

______________________________

(1) عوالي اللآلي 1: 224- 106، مستدرك الوسائل 17: 88، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 4.

(2) السرائر 2: 481.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 187

ثبوتا، و إليه إثباتا. بل في مواضع من كتب السيّد «1» و الشيخ «2» ذكره لإلزام الخصم.

و الاشتهار بين أبناء العامّة «3»، مع أنّ مثله في سنده، ربّما يوجب الوثوق، إلّا أنّ تلك الشهرة أيضا غير واضحة، فكونه أكذب البريّة يستلزم الوثوق بحديثه- لمكان شهرته و شهرة راويه- غير راجع إلى محصّل. و هكذا توهّم نيل المتأخّرين القرائن الخاصّة.

فالحديث بعد اضطراب المتن- لما روى السيّد في «الانتصار»: «على اليد ما جنت حتّى تؤدّيه» أو «تؤدّي» «4» و روى ابن زهرة في «الغنية»: «على اليد ما قبضت» «5»- في نهاية الإشكال، فلا وجه للاعتماد عليه بعد هذا، فتدبّر.

المقام الثاني: في دلالته على أنّ تلفه عليه

و ذلك لأنّ هذه الجملة ظاهرة في الحكم الوضعيّ، و هو الضمان، و معنى «الضمان» عرفا هو أنّ الخسارة على الضامن عند التلف، فعليه

______________________________

(1) الانتصار: 226.

(2) الخلاف 3: 408.

(3) مسند أحمد 5: 8، سنن ابن ماجة 2: 802، المجموع 14: 178، المغني، ابن قدامة 5: 355.

(4) لم نعثر عليه في الطبعة الحديثة من الانتصار، لاحظ الانتصار، ضمن الجوامع الفقهيّة: 192- السطر 15.

(5) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 537- السطر

23.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 188

بعد التلف أداء المثل و القيمة، لأنّه أداؤه، فرجوع الضمير إلى الموصول التالف، لأجل أنّ المؤدّى هو التالف في الادّعاء، أو في الحكم. و لو كان الضمير محذوفا فلا دليل على أنّ المحذوف هو الضمير وحده، بل ربّما كان عنوان «البدل» أو «الخسارة» و غيرهما ممّا أضيف إلى الضمير العائد، و لعلّه جي ء به محذوفا لإفادة ذلك، فلا تغفل.

فالضمان و إن كانت حقيقته التعليق، إلّا أنّه بعد الاستيلاء ثابت منجّزا، و تكون النتيجة أنّ المستولي على المأخوذ ضامن حتّى يجبر الخسارة بالمثل أو القيمة.

أقول: لو سلّمنا جميع هذه الأمور المشار إليها لإثبات مبنى المشهور، لا يثبت ذلك، ضرورة أنّ مفهوم «الضمان» ليس من مداليل الحديث حتّى يؤخذ بالخصوصيّات الملحوظة فيه، من التعليق و غيره، و بداهة أنّ ظهوره البدويّ هو ردّ شخص المأخوذ خصوصا، بعد إتيانه بالضمير في كثير من النسخ القديمة، فصاحب اليد عليه تدارك خسارات المأخوذ مع بقائه، فلو تلفت صفة فيه، أو جزء منه، بحيث لا يضرّ بالاسم، أو نزلت قيمته السوقيّة- بحيث لا يعدّ بعد النزول هو الذي أخذت، كما قد يتّفق، فتأمّل- فعليه تلك الخسارات و جبرانها.

فبالجملة: لا ملازمة بين نفي الحكم التكليفيّ و إثبات الضمان على المشهور، بل لنا نفي ذاك و إثبات الأمر الآخر، فتدبّر.

و قد يقال: بأنّ مفاد الحديث جعل المأخوذ على عهدة الآخذ «1»، فما

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 99- السطر 25- 28، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 252.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 189

دام هو باق فيردّه، و إذا تلف فعليه المثل أو القيمة بحكم العقل، لأنّ ما هو في عهدته

أيضا هو المأخوذ.

و إن شئت قلت: للشي ء وجود خارجيّ و اعتباريّ، فإذا كان موجودا خارجا فهو متّحد مع وجوده الاعتباريّ، و إذا تلف فوجوده الاعتباريّ باق.

و لك أن تقول: ما هو في العهدة هو الشخص الخارجيّ، و لنا اعتبار بقائه لترتيب الآثار المرغوبة فيه، من ردّ المثل و القيمة. بل لو تمكّن من خلقه بقدرة نفسانيّة، فلا بأس به.

و بذلك البيان يجمع بين رأي المشهور و ظاهر الحديث، من غير حاجة إلى تقدير «الضمان» و من غير شبهة في رجوع الضمير إلى غير المأخوذ. و نتيجته لزوم قيمة يوم الأداء، كما يأتي تفصيله «1».

أقول: لو سلّمنا جميع هذه المقدّمات، فلا نسلّم الدليل على هذا الاعتبار، فإنّ مجرّد إمكان اعتبار البقاء للشخص التالف لا يكفي، و كون ظهور «على اليد.» شاهدا عليه أوّل الكلام، بل ظاهره لزوم تدارك الخسارات الواردة على المأخوذ مع بقائه، و لو تلف فهو خارج عن مفاده.

و توهّم: أنّه من أوّل الأمر تعلّقت اليد بالأمر الاعتباريّ، أو بالماهيّة مع قطع النظر عن وجوداتها الخارجيّة و الاعتباريّة و الذهنيّة، أو مع

______________________________

(1) لاحظ ما يأتي في الصفحة 246.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 190

لحاظ إحداها مجملا، فاسد جدّا، لعدم تماميّة بعضها عقلا، و بعضها عرفا، و بعضها استظهارا، فتأمّل جيّدا.

و لا أظنّ أحدا يتوهّم خلاف ما ذكرناه، و لكنّهم لمكان كونهم في موقف ذكر السند للمشهور، وقعوا في حيص و بيص.

الأمر الثاني: النصوص الواردة في الأمة المسروقة المستولدة

فإنّها ربّما تكون ظاهرة في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، لأنّ قضيّتها ضمان المشتري للولد، و لزوم دفع قيمته، مع أنّه لم يتلفه، فيعلم ضمان الأصل لو تلفت في يده.

و توهّم: أنّ موردها من صغريات استيفاء المنفعة، لأنّ الولد في الحيوانات

يتبع الأمّهات، و يعدّ من ثمراتها «1»، لا يفيد شيئا، ضرورة أنّ ذلك فيما انعقدت النطفة غير حرّ، و هنا ليس كذلك، فيخرج عن التبعيّة، فليس عمله استيفاء منفعتها، بل هو مانع تحقّقها، فلا تغفل.

و قد يقال: إنّ موردها من قبيل الإتلاف، لأنّ النطفة و إن كانت من الرجل، إلّا أنّها تكمّل بدم الامّ، و يكون تكوّنها بالقوى المودعة في الرحم، بل من المحتمل قويّا كونه من نطفة الأمّ، و كان اللقاح من الأب «2».

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر 29، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 93- السطر 14، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 257.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 75- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 191

و فيه:- مضافا إلى أنّ ذلك غير موافق للتحقيق، و للمسألة مقام آخر- أنّ إتلاف العلل المعدّة، لا يورث ضمان الصور المترقّبة منها، فلو أتلف الحنطة المزروعة فهو ضامنها، لا الحاصل منها، فعليه أداء قيمتها، لا قيمة الولد كما لا يخفى.

ثمّ إنّ في المسألة روايات خاصّة [1] تحتاج إلى التدبّر، لما فيها من الاختلاف. و لو سلّمنا دلالتها على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، فهي أخصّ، و لا يمكن إلغاء الخصوصيّة حتّى يعلم حكم المسألة على نعت كلّي، مع أنّ من المحتمل كون ضمان قيمة الولد، لأجل ضمان الخدمة و الحمل و اللبن و الدم و غيرها، و قد قدّره الشرع بها فرارا من وقوعهما في التشاحّ، فتدبّر.

______________________________

[1] محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثمّ قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير

إذني، فقال: خذ وليدتك و ابنها، فناشده المشتري، فقال: خذ ابنه- يعني الذي باع الوليدة- حتّى ينفذ لك ما باعك، فلمّا أخذ البيّع الابن قال أبوه: أرسل ابني فقال: لا أرسل ابنك حتّى ترسل ابني، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه.

جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية، قال: يأخذ الجارية المستحقّ و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه.

وسائل الشيعة 21: 203 و 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 1 و 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 192

و قال الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه-: «نعم، إطلاق حسنة جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية. قال: «يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع إلى من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «1» يقتضي الرجوع إلى الثمن و لو بعد تلفه بالتلف السماويّ، لأنّ الرجوع إليه ليس عرفا مختصّا بوجوده كما لا يخفى، فدلّت هي على المطلوب في الجملة» «2» انتهى.

و أنت خبير: بأنّ الثمن إذا كان من النقود، لا يعدّ نقله إلى الغير من التلف، لأنّ تمام النظر إلى الماليّة، فما أفاده من التعليل دليل على أنّ الدليل عليل.

هذا، و من الممكن دعوى: أنّ هذه المسألة من صغريات «على اليد.» و تكون دليلا على اعتبار هذه القاعدة، فتأمّل.

و لك دعوى: أنّ مورد هذه المآثير من صغريات قاعدة نفي الضرر، لأنّ المنع من الاستيفاء- بعد كون

العلّة المعدّة قريبة من الثمرة- يعدّ ضررا عرفا.

و فيها بعد تسلّم الكبرى: كون صغراها ممنوعة، لأنّها ليست من العلل القريبة، بل هي كالحنطة المزروعة، فلا ينبغي الخلط.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 82- 353، وسائل الشيعة 21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 5.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 259.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 193

الأمر الثالث: قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»
اشارة

و هي قاعدة معروفة بين المتأخّرين غير نقيّة السند، و لا خير في إطالة البحث حولها، لعدم صحّة المراجعة إليها عند الشكّ. و تماميّة مدركها في الجملة، لا توجب تماميّتها على نحو القانون الكلّي، و وجود بعض التعابير في كتب الشيخ «1» و بعض مقاربي عصره «2»، لا ينفع شيئا.

و لكنّه مع ذلك كلّه تشحيذا للأذهان، نشير إلى مفادها مع رعاية الاختصار، و إلى ما يمكن أن يكون مدركا لها، و هي قولهم: «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و بالعكس» «3»، و قولهم: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و بالعكس» «4» و قولهم: «كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و بالعكس» «5».

______________________________

(1) المبسوط 2: 150 و 204.

(2) السرائر 2: 285 و 326.

(3) رسائل المحقّق الكركي 1: 189، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر 30.

(4) إيضاح الفوائد 4: 347.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 9: 62 و 169، القواعد الفقهيّة، المحقّق البجنوردي 2: 84.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 194

بحث عن دلالة القاعدة و مفادها
اشارة

أمّا مفادها، فهو أنّ كلّ فرد من أفراد العقود الماليّة و ما يشبهها من الإيقاعات الماليّة- لعدم الخصوصيّة لعنوان «العقد» حتّى يخرج مثل الخلع و المبارأة و الجعالة، بناء على عدم كونها عقدا- إذا وقع صحيحا، و كان فيه ضمان المتعاملين للمعقود عليه بردّه إلى طرفه بنفسه، أو بمثله و قيمته، بحكم العرف، أو الشرع، لو وقع باطلا، و كان المعقود عليه في قبضة مالكه التوهّمي، فهو ضامنه بردّه، أو ردّ مثله و قيمته، فالمال قبل القبض في الصحيح، مثله بعد القبض في الفاسد، و عليه لا يلزم التفكيك، و لا توهّم كونه عموما أنواعيّا أو أصنافيّا «1».

و دعوى: أنّ مفهوم «الضمان» ليس في الشرع

أمرا تعليقيّا، غير مسموعة، و سيأتي حوله تفصيل البحث في ضمن الفروع الآتية.

و توهّم: أنّ المتعاقدين غير ضامنين بالنسبة إلى المعقود عليه في العقد الصحيح، خصوصا في البيع، فإنّ المبيع إذا تلف فهو من مال بائعه، فيلزم التفكيك في معنى «الضمان» في الجملتين، و تكون الجملة الأولى توطئة لبيان الضمان في الثانية، غير تامّ، لأنّ مقتضى سببيّة العقد، انتقال المعقود عليه إلى الطرف، و تسليم البائع و المشتري ليس إلّا من باب الوفاء بالعقد، و ردّ ملك الغير إلى صاحبه، فهو بعد العقد في يد غير

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 93- السطر 20، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 266.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 195

المالك، و بحكم العقلاء يكون ضامنا بردّه، و عليه خسارته عند تلفه.

و لا حاجة إلى التوسّل بقاعدة اليد، فيقال بانقلاب اليد المالكيّة إلى اليد غير الأمانيّة، بعد ما صحّ العقد الناقل.

و يتوجّه إليه: أنّ الضمان هنا حينئذ يستند حقيقة إلى اليد، دون العقد، و ظاهر القاعدة سببيّة العقد الصحيح للضمان، و كون المبيع من مال البائع بعد التلف، لا يضرّ بها، لأنّه حكم تخصيصيّ، أو القاعدة تفيد الحكم الذاتيّ غير المنافي لما هو المشهور في البيع، من انحلال العقد بالتلف. مع أنّه يمكن دعوى انحلال العقد قبل التلف، فيخرج عنها تخصّصا.

فبالجملة: الجملة الأولى موكول حكمها إلى نظر العرف و العقلاء، و الجملة الثانية مترتّبة عليها شرعا أو عرفا أيضا.

إن قلت: و إن لم يلزم التفكيك من جهة الضمان، و لكنّه يلزم من جهة ظهور «الباء» في السببيّة فيهما، و الالتزام بها في الجملة الثانية غير ممكن، فلا بدّ من حملها على السببيّة الناقصة، فيكون العقد- بضميمة

قاعدة اليد في الصدر و الذيل- موجبا للضمان «1».

قلت: سببيّة العقد الصحيح للضمان عقلائيّة، و سببية العقد الفاسد تعبّدية، حسبما يظهر من القاعدة، ضرورة أنّها أسّست لبيان الحكم في الذيل، من غير النظر تشريعا إلى الصدر. و لو كان سبب الضمان قاعدة اليد هنا أيضا، فهي سبب تامّ، لأنّ نسبته إلى العقد في

______________________________

(1) منية الطالب 1: 120- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 196

غاية الضعف، خصوصا إلى العقد الفاسد، بل العقد الصحيح موجب لتحقّق موضوع القاعدة التي هي المورثة للضمان، كما لا يخفى.

فما هو التحقيق: أنّ العقد يوجب الضمان، لأنّ اليد النقليّة ليست موجبة للضمان، لأنّها ليست كاليد الغاصبة، ضرورة أنّ العرف يحكم بأنّه يجوز له الامتناع عند الامتناع، و بأنّه يجب عليه الوفاء بالعقد بالتسليم و هكذا، فصرف كونه مال الغير بالعقد الصحيح، يورث الضمان و إن لم يكن تحت استيلاء البائع مثلا، و في الفاسد كذلك بتعبّد من الشرع، فلاحظ و تدبّر جدّا.

توهّم إرادة العموم الأنواعيّ أو الإضافيّ دون الأفراديّ و دفعه

إن قلت: لا بدّ من أن يكون العموم فيها أنواعيّا، أو إضافيّا، أو يكون عنوان المدخول قابلا للصدق على أكثر من واحد، لأنّ المفروض في الخارج صحيحا لا يعقل فساده، فلا بدّ من الفردين، و عليه لا بأس بالالتزام بالأنواعيّة و الإضافيّة و هكذا، دون الإفراديّة «1».

قلت: كما لا يعقل ذلك لا يعقل أن يكون غير أفراديّ، لأنّ الصحّة و الفساد من لوازم الوجود الخارجيّ، دون العناوين، و قد تقرّر ذلك في محلّه، فعليه لا بدّ من حلّ المعضلة: بأنّ هذه القضيّة شرطيّة متّصلة، و ليس الحكم فيها إلّا فرضيّا، و نتيجة ذلك هو أنّ كلّ ما فرض أنّه عقد موجب للضمان لأجل صحّته، ففي فاسده

الضمان.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 93- السطر 20- 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 197

و بعبارة أخرى: هي قاعدة إخباريّة، أو إنشائيّة، و على التقديرين ناظرة إلى جهة الملازمة، من غير النظر إلى ذات المقدّم و التالي، حسب الوجود و نقيضه، فالمقدّم في هذه القضايا فرضي، و القضيّة الفرضيّة قابلة للانعقاد من كلّ شي ء، فلا تغفل.

فعلى هذا، يثبت الضمان في البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا أجرة، لأنّه لو كانا واقعين صحيحين، و كان فيهما الضمان، كان في فاسدهما الضمان، و لكنّهما فاسدان، ففيهما الضمان، لأنّهما صحيحين كان فيهما الضمان أيضا.

ثمّ إنّه مع ذلك كلّه، لا يكون الحكم في المقدّم ثابتا عند العرف على نعت الكلّية، ضرورة أنّهم لا يلتزمون بضمان البائع و المشتري فيما لو تلف المبيع و الثمن بآفة سماويّة، فكون العقد الصحيح علّة الضمان ممنوع.

اللهمّ إلّا أن يقال بالتهاتر القهريّ، كما لا يبعد، فتدبّر.

بحث في أدلّة قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»
اشارة

ما يمكن أن يكون سندا لها بتمامها، أو مدركا لبعض مفادها، و مجموعا يصحّ الاستناد إليه، حتّى تكون القاعدة معتبرة، و لأجل الاختصار و تسهيل الأمر جي ء بها وجوه:

الوجه الأوّل: قاعدة الإقدام

و مدركها بناء العقلاء، و عدم ردع الشرع المقدّس، و مفادها هو أنّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 198

كلّ واحد من المتعاملين، دخل و أقدم على العقد المعامليّ على أن يكون مالهما مضمونا، من غير النظر إلى ما بعد القبض، أو ما قبله، بل نظرهم فيها إلى عدم وقوع الأمر المجّاني، فلو تمكّن من تسليم المسمّى أو المثل و القيمة لو تلف فهو، و لو لم يتمكّن من ذلك، فعليه ردّ العين و لو كان في يد الآخرين، أو عليه ردّها لو كان في يده، إذا لا يكون متمكّنا من ردّ المسمّى، أو مثله و قيمته، أو عليه صرف النظر عنها لو كان قبل القبض، إذا لم يتمكّن من تسليم المسمّى و العوض الواقعيّ، و هكذا.

و كونها أعمّ من المطلوب لا يضرّ بالمقصود، فما يظهر من الشيخ «1» لا يخلو من غرابة.

و ما يظهر من السيّد إشكالا على سندها «2»، مدفوع بأنّ هذه المسائل العقلائيّة- بعد عدم الردع عنها، و كانت بمرأى و مسمع من الشريعة المقدّسة- تكون معتبرة.

و ما يظهر من القوم في بيان مفادها من المحتملات و الوجوه، منشاه القصور، و قد فصّلناها في تعاليقنا على «حاشية السيّد رحمه اللّه» «3» فراجع.

فما أفاده شيخ الطائفة في «المبسوط» «4» و تبعه بعض آخر «5»، في محلّه.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 102- السطر 34.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 94- السطر 10.

(3) ممّا يؤسف له أنّ هذه التعليقات مفقودة.

(4) المبسوط 3: 58 و 65

و 68.

(5) لاحظ مسالك الأفهام 1: 185- السطر 39.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 199

نعم، في المسألة شبهتان:

أولاهما: قصور القاعدة عن شمول تلف العينين، و توهّم قصورها عن شمول تلف العين الواحدة، ممنوع، لأنّ بناء المعاوضات على أن لا تكون مجّانية مطلقا.

و تندفع الشبهة بما سمعت منّا في أصل القاعدة.

ثانيتهما: قصور دليل حجّيتها لأنّ من شرائطها كون الأمر الممضى بمرأى و منظر ظاهر من الشرع، مثل العمل بالظواهر، و الخبر الواحد، فلو كان أمرا فرضيّا أو غير رائج، فلا يكفي لكشف الرضا و الإمضاء، فليتدبّر جيّدا.

الوجه الثاني: قاعدة «على اليد.»

و قد عرفت قصورها عن شمول حال التلف و الإتلاف «1»، بل و قصور سندها «2».

و أمّا الخدشة في دلالتها تارة: بامتناع شمولها الأعمال و المنافع «3».

و اخرى: بانصرافها.

و ثالثة: بعدم صحّة إطلاق «الأخذ» لغة و عرفا عليها.

فهي غير مسموعة، لأنّه لو سلّمنا ذلك كلّه فلك إلغاء الخصوصيّة،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 186- 187.

(2) تقدّم في الصفحة 187- 190.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 103- السطر 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 200

و دعوى أنّ الموضوع أعمّ، فافهم.

الوجه الثالث: قاعدة الاحترام

و سندها بعض الروايات المذكورة في كتاب القصاص و الحجّ، و قد مضت الإشارة إليها. و قصور سند بعضها- مثل ما في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لأبي ذر: «يا أبا ذر، سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه من معاصي اللّه، و حرمة ماله كحرمة دمه.» «1»- لا ينافي اعتبارها، لما ورد في صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم وقف بمنى حتّى قضى مناسكها في حجّة الوداع.».

إلى أن قال: «أيّ يوم أعظم حرمة؟

فقالوا: هذا اليوم.

فقال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 200

فقالوا: هذا الشهر.

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أيّ بلد أعظم حرمة؟

فقالوا: هذا البلد.

قال: فإنّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟

______________________________

(1) الأمالي، الطوسي: 537، وسائل الشيعة

29: 20، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 3، الحديث 3، و 12: 280 و 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 9، و الباب 158، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 201

قالوا: نعم.

قال: اللهمّ اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه، و لا تظلموا أنفسكم.» «1».

فإنّ ظاهر الفقرات الاولى حرمة الأموال وضعا و تكليفا، و لا يجوز هتكها، و ليس ما أتلفه هدرا، لأنّ المقصود من «الحرام» هي الحرمة.

نعم، ظاهر قوله: «لا يحلّ» في الذيل تكليف محض. و دعوى أنّ الصدر قرينة على أعمّية الذيل، غير بعيدة، بخلاف عكسه، فإنّه بعيد جدّا.

نعم، ربّما يشكل استفادة الوضع، لأجل أنّ الحرمة في الشهر و البلد و اليوم، ناظرة إلى التكليف.

و إن شئت قلت: إجمال المشبّه به، و عدم إمكان الالتزام بإطلاقه، يورث اختصاص الحكم في المشبّه في القدر الثابت فيه، فعليه يتّضح ضعف سند القاعدة.

مع أنّه لو فرضنا ذلك، و التزمنا بحرمة أموالهم وضعا، لا يكون نفي ضمان القابض فيما تلف المقبوض في يده من غير إفراط و تعدّ، خلاف الاحترام. بل قضيّة الاحترام عدم الضمان، لأنّ أخذ المثل و القيمة في الصورة المذكورة خلاف الاحترام، كما لا يخفى.

بل مقتضى ذيلها حرمة الظلم، و هذا يعدّ منه عرفا، بخلاف ما لو

______________________________

(1) الكافي 7: 273- 12، الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 202

أتلف و أضرّ و تعدّى و فرّط، فلو فرضنا صحّة ما أفاده المشهور

في معنى قاعدة «على اليد.» فهي تعارض هذه القاعدة، و لكنّها مقدّمة عليها كما هو الواضح، و ليست مقدّمة على قاعدة حرمة الظلم، فتأمّل.

و لك دعوى ورود قاعدة «على اليد.» عليهما، لأنّ المالك الحقيقيّ إذا اعتبر ضمان القابض، ينتفي موضوعهما واقعا و حقيقة، فتدبّر.

الوجه الرابع: قاعدة نفي الضرر و الضرار

و المختار فيها أنّ المنفيّ هو الضرر، و المنهيّ هو الضرار، و نتيجته عموم الحكم و لزوم التدارك فيما لو أوقع الضرر. بل مقتضى الإطلاق لزوم تدارك الضرر في حومة الإسلام من بيت المال، و أمّا وجوب تدارك المقبوض التالف من مال القابض، فهو ممنوع بهذه القاعدة. و هي مقدّمة على قاعدة «على اليد.» لنفي الجعل الضرريّ بها.

و دعوى: أنّ جعل الضمان ليس ضرريّا، و بعده لا ضرر، لأنّه يأخذ مال نفسه من القابض، غير مسموعة، بداهة أنّ الحكم التكليفيّ تبع الحكم الوضعيّ رتبة. و كون قاعدة نفي الضرر في رتبة الموضوع، لا يستلزم كونها مقدّمة على الحكم، لأنّ ما مع المتقدّم ليس بمتقدّم بالضرورة. هذا مع عدم مساعدة العرف على مثل هذا التحكيم.

و توهّم: أنّ النسبة بين القاعدتين عموم مطلق، فلا حكومة لقاعدة نفي الضرر، و إلّا تلزم لغويّة قاعدة «على اليد.» «1» في غير محلّه، كما

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 285.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 203

يظهر بأدنى تأمّل.

و لنا في مسألة تقدّم قاعدة نفي الضرر على القواعد العقلائيّة الممضاة، مطلب آخر يطلب من رسالتنا الموضوعة فيها [1].

بحث: حول اختصاص بحث المقبوض بالعقد الفاسد بصورة جهل المتعاملين حال العقد

لا يبعد أن يكون المقصود من عنوان البحث، المقبوض بالعقد الفاسد الذي تبيّن فساده بعد العقد، و لو كانا عالمين أو كان أحدهما عالما بالفساد، فلا يعقل ترشّح الجدّ حتّى يوجد العقد الفاسد، و لا تعدّ نفس الصورة المتكلّم بها من العقد عقدا.

نعم، غير المبالين بالديانة ينشئون عناوين العقود، و لا يرون تصرّفهم في المأخوذ بها من التصرّف في مال الغير، و لكنّه لغفلتهم عن ذلك، و عدم ارتباطهم بالمسائل الدينيّة، و لذلك عند السؤال عنهم لا يجيبون إلّا بأنّ

المأخوذ ملك الآخر، فعليه ربّما تكون هذه الصور خارجة من الجهة المبحوث عنها.

نعم، لا فرق بين الجاهل و العالم غير المعتني المؤدّي ذلك إلى تغافله عن القيود و الشرائط، فإنّه في هذه الصور يثبت الضمان أيضا.

و حكم الصور الخارجة من عنوان البحث، يأتي من ذي قبل إن شاء اللّه

______________________________

[1] رسالة في قاعدة نفي الضرر التي كتبها قدّس سرّه في بورسا مفقودة، لاحظ تحريرات في الأصول 8: 286 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 204

تعالى.

و التمسّك بقاعدة الغرور لإثبات ضمان العالم للجاهل «1»، في غير محلّه، لأنّ مقتضاها رجوع المغرور إلى الغارّ، و صدق «الغرور» ممنوع إلّا في بعض الفروض، و إذا تحقّق الغرور فلك دعوى سقوط حرمة ماله الذي أخذه المغرور، فإنّه سلّطه عليه لأن يغرّه، فلا يكون الجاهل ضامنا، فتأمّل.

و من الممكن دعوى: أنّ عنوان البحث أعمّ، ضرورة أنّ العقد كما يستند بطلانه إلى فقد الشرط و الجزء، كذلك يستند إلى فقد الجدّ، فإنّ الإرادة من شرائطه المقوّمة في محيط العقلاء، و لو كان فقدها موجبا لعدم اتصافه بالفساد، يلزم اشتراك سائر الشرائط العقلائيّة معها، لأنّها عندهم من المقوّمات، و ليس عندهم شرط يسمّى ب- «شرط الصحّة» و عندئذ لا فرق في هذه الشروط بين حالتي العلم و الجهل، فينحصر البحث بالعقد الفاقد لشرط الصحّة، و هو الشرط الشرعيّ، فيعلم من ذلك: أنّ المقصود هو المقبوض بعد العقد الفاسد بعنوانه، و إن كانا يعلمان بلغويّته، فليتدبّر.

و إن شئت قلت: إنّ دليل قاعدة «ما يضمن بصحيحه.» هو الإقدام على أن لا يكون المال مجّانيا، و هو ملازم للتضمين عند العقلاء، و قضيّة ضمان المتعاملين كون المال المقبوض غير المجّاني مضمونا،

سواء كان منشاه

______________________________

(1) جواهر الكلام 37: 179- 180، مسالك الأفهام 2: 213- السطر 20، الروضة البهيّة 1: 316- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 205

العقد الفاسد، أو أمرا آخر، إلّا إذا كان بعنوان الأمانة، و تفصيل البحث حول المستثنى يطلب من محال أخر.

التحقيق في قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»
اشارة

ثمّ إنّه يعلم ممّا ذكرناه في أصل القاعدة، ما هو الحقّ في عكسها، فما لا يضمن بصحيحه، و يكون التلف من صاحب المال، و لا غرامة على من تلف عنده، لا يضمن بفاسده.

و لكنّ المهمّ البحث في سنده، و الذي يظهر من شيخ الطائفة هي الأولويّة «1»، فإنّ الصحيح إذا لم يكن مؤثّرا في الضمان، و لم تكن يدهما مضمونة، فكيف بفاسده؟! و فيه ما لا يخفى.

و توهّم: أنّ قاعدة الإقدام دليل الأصل، و إذا لم يكن إقدام على التضمين، فلا وجه للضمان بعد كون التسليط عن الرضا، في غير محلّه، لأنّ مقتضى هذه القاعدة، الضمان في صحيح الإجارة و الرهن و ما شابههما، لأنّ مناط نفي الضمان ليس مجرّد التسليط المقرون بالرضا، بل لا بدّ من قيد المجّانية، كالهبة و نحوها، و القول بعدم الضمان في الصحيح- للدليل الخاصّ- لا يستلزم نفيه في الفاسد، فعليه يشكل سند هذه السالبة الكلّية.

بل قضيّة «على اليد.» الضمان في هذه العقود، و ما يمكن أن يكون

______________________________

(1) المبسوط 2: 204.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 206

دليلا على خروجها من عمومه، عموم ما دلّ على أنّ من لم يضمّنه المالك فهو غير ضامن، و أنت خبير بأنّ بناء العقلاء على أنّ ملاك نفي الضمان، ليس نفي التضمين، لضرورة أنّه في كثير من المواضع، يثبت الضمان من غير تضمين.

نعم، يمكن دعوى:

أنّ الروايات الواردة في الإجارة [1] و العارية [2] و المضاربة [3]، تدلّ على العموم المذكور، لأنّ قوله عليه السلام في رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام اتي بصاحب حمّام

______________________________

[1] أبو البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام أنّه كان لا يضمن صاحب الحمّام، و قال: إنّما يأخذ الأجر على الدخول إلى الحمّام.

إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليا عليه السلام كان يقول: لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب، لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام، و لم يأخذ على الثياب.

وسائل الشيعة 19: 139، كتاب الإجارة، الباب 28، الحديث 2 و 3.

[2] جميل، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: العارية مضمونة؟

فقال: جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه إلّا الذهب و الفضّة، فإنّهما يلزمان، إلّا أن تشترط عليه أنّه متى توى لم يلزمك تواه.

إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه أو أبي إبراهيم عليهما السلام قال: العارية ليس على مستعيرها ضمان إلّا ما كان من ذهب و فضّة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا.

وسائل الشيعة 19: 96- 97، كتاب العارية، الباب 4، الحديث 2 و 4.

[3] محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا.

وسائل الشيعة 19: 21، كتاب المضاربة، الباب 3، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 207

وضعت عنده الثياب فضاعت، فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين» «1» و غيره في غيرها [2]، في حكم التعليل المعمّم.

و تقريب الاستدلال به، حتّى

يعلم منه عدم الضمان في جميع مفاد هذه السالبة الكلّية: هو أنّ المقصود هو أنّه إنّما هو أمينك، و أنت استأمنته، لا أنّه أمين في الواقع و نفس الأمر، فمن كان عندك أمينا فهو غير ضامن، و هذا أمر يحصل في صحيحه و فاسده، لأنّ كونه أمينك ليس من آثار العقد، بل إيقاع العقد كاشف عن اتخاذك إيّاه مأمونا.

و توهّم: أنّ العين المرهونة و المستأجرة لا تعدّ أمانة «3»، في محلّه، إلّا أنّ نفي الضمان من آثار الإقدام على العقد، المستلزم لتسليم العين، و هذا لا يكون إلّا بعد الاستئمان و اتخاذه أمينا.

و دعوى: أنّ هذه الروايات ناظرة إلى مفاد الروايات المتضمّنة لنفي الضمان في صورة كون من تلف عنده عدلا و ثقة «4»، حتّى تندرج في باب المرافعات، و تكون أجنبيّة عن هذه المسألة «5»، غير بعيدة، إلّا أنّ إمكان الالتزام بالأمرين- بعد اقتضاء الظهور ذلك- يمنع عن الحمل

______________________________

[2] قال الكليني في حديث آخر: إذا كان مسلما عدلا فليس عليه ضمان.

الكافي 5: 238- 1، وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4، الحديث 3.

______________________________

(1) الكافي 5: 242- 8، وسائل الشيعة 19: 139، كتاب الإجارة، الباب 28، الحديث 1.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 292.

(4) مثل ما ورد في وسائل الشيعة 19: 91، كتاب العارية، الباب 1، الحديث 2.

(5) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 294.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 208

المزبور، فلا منع من الالتزام بأنّ الطائفة الثانية ناظرة إلى مقام الإثبات، بخلاف الطائفة الأولى، فإنّها نافية للضمان في صورة الإقدام على تلك المعاملات الكاشفة عرفا عن استئمان طرفه.

منع دلالة الروايات السابقة على صحّة العكس

هذا، و لكنّ الإنصاف قصور هذه المآثير عن ذلك، لأنّها- مضافا

إلى ظهورها في أنّه أمين واقعا. و لا ينافيه قوله عليه السلام في رواية بكر بن حبيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أعطيت جبّة إلى القصّار، فذهبت بزعمه.

قال: «إن اتهمته فاستحلفه، و إن لم تتّهمه فليس عليه شي ء» «1» فإنّه اتهام بعد ما كان أمينا.

و بعبارة أخرى: الأمين من تثبت أمانته بالأمارات العقلائيّة، و بعد ذلك فتارة: يحدث بعض القرائن على خلافها، و اخرى لا، و هذه الرواية ناظرة إلى الجهة الثانية، كما لا يخفى- إنّ رواية أبي بصير الراوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام إ في أنّه أمين واقعيّ، أي الثابت عند العقلاء، لا الذي استأمنه صاحب المال و إن كان خائنا عند العقلاء، أو غير ثابتة أمانته:

قال: في رجل استأجر حمّالا، فيكسر الذي يحمل، أو يهريقه.

فقال: «على نحو من العامل إن كان مأمونا فليس عليه شي ء، و إن كان

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 221- 966، وسائل الشيعة 19: 146، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 16.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 209

غير مأمون فهو ضامن» «1».

فلو كان المراد من «الأمين» أمينك لما كان وجه للتفصيل بالضرورة، فافهم و تدبّر جيّدا.

هذا تمام الكلام حول سند العكس، و حيث إنّه غير تامّ فالأولى العدول عن التعرّض لما أوردوا نقضا عليه «2»، و عن بيان حاله و حدوده، و حكم المسألة يعلم في المواضع الأخر، فراجع.

تنبيه: حول اختصاص عكس القاعدة بالعقود المعاوضيّة أو ما لا يقتضي الضمان بذاته

يحتمل أن يكون مصبّ القاعدة العقود المعاوضيّة في العكس أيضا، كي لا يلزم التفكيك، فلا تشمل مثل العارية، و الهبة غير المعوّضة، و هكذا، بخلاف الإجارة و الرهن، فإنّ المقصود من «المعاوضة» في الأصل و العكس أعمّ.

و يحتمل أن يختصّ موردها بما إذا كان عدم الضمان

من مقتضيات العقد، و لو لم يكن في صحيح عقد ضمان- لعدم المقتضي- فهو خارج منها، و عليه لا يلزم النقوض الموردة عليها، لأنّ الضمان فيها من تبعات المقتضيات في الفاسد، فتأمّل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 218- 951، وسائل الشيعة 19: 144، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 11.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 103- السطر 25 و ما بعده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 210

ثمّ إنّ بناء الأصحاب على دفع النقوض في غير محلّه، نظير تعبيرهم عن المخصّصات ب- «النقض» «1» ضرورة أنّ هذه القاعدة الكلّية أصلا و عكسا- لو تمّت- فسندها القواعد المشار إليها، فلا بأس بالالتزام بالتخصيص فيها.

نعم، إذا كان المستند الإجماع فقد يشكل ذلك، للزوم الخلف. مع أنّه لا منع من كشف العموم القانونيّ بالإجماع و الشهرة، القابل لذهاب المجمعين في مواضع معيّنة إلى خلافه، كما لا يخفى.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 103- السطر 31، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 94 و 95.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 211

تنبيهات
الأوّل: حول وجوب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد
اشارة

[1] يجب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد فيما إذا كان مضمونا إلى صاحبه، لما سمعت: «أنّه يجري مجرى الغصب عند المحصّلين» «1» و عليه دعوى الاتفاق «2».

و يستدلّ له بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه» «3».

و قوله عليه السلام: «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلّا بإذنه» «4».

و توهّم: أنّ الإمساك ليس من التصرّف «5» لو تمّ، فإلغاء الخصوصيّة و شهادة المناسبة بين الحكم و الموضوع على الأعمّية يكفي. مع أنّ نفي الحلّية الملازم عرفا للممنوعيّة الأعمّ من التكليف، يشمل مسألتنا.

______________________________

[1] لم يتعرّض المصنّف قدّس سرّه لسائر التنبيهات

بعنوان التنبيه، بل سردها تحت الفروع الآتية، فتنبّه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 184.

(2) السرائر 2: 285، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 11.

(3) الكافي 7: 273- 12، وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.

(4) كمال الدين: 520- 49، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.

(5) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 212

و لو قيل: بأنّ حرمة الإمساك لا تستلزم وجوب الردّ، لما تقرّر في بحث الضدّ، بل الردّ ضدّ ثالث، لأنّ التخلية من أضداد الإمساك «1».

قلنا: نعم، إلّا أنّ هذه المسألة ليست مرتبطة بذاك، لأنّ المطلوب يتمّ بفهم العرف و العقلاء من وجوب الردّ و عليه حرمة الإمساك، و لأجله استدلّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ذيل صحيحة زيد الشحّام- بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

«ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها»- بقوله: «فإنّه لا يحلّ.» و لو كان مبنى المسألة ما أشير إليه تعود الشبهة إلى الرواية، كما لا يخفى.

أقول: لا شبهة في حكم المسألة إذا كانت ماهيّة الردّ أعمّ من التخلية و الإيصال، و لو كانت أخصّ فوجوبه ممنوع، لأنّ اقتضاء المناسبة بين الحكم و الموضوع ذلك، غير تامّ عرفا، لأجنبيّة التصرّف عن ذلك، خصوصا بعد عدم مساعدة فهم العقلاء على إلزام الشرع القابض بالردّ، و لا سيّما في صورة الجهل، و خصوصا مع علم الدافع.

و صحيحة زيد الشحّام لا تدلّ على وجوب الردّ، لأنّ الأمر بالتأدية فيها ليس على إطلاقه، لأنّه يجب التأدية إذا طلبه المؤتمن، و أمّا قبله فلا، فعليه يعلم: أنّ الرواية في

مقام الزجر عن الخيانة بالأمانة، و أمّا أنّه إذا طلبه فيجب عليه ردّه، فلا ينافي عدم وجوب الردّ قبله المقصود في المقام، فتأمّل تأمّلا تامّا.

و إن شئت قلت: إنّ ها هنا مسألتين:

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 33.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 213

إحداهما: مسألة وجوب الردّ فورا إلى المالك.

ثانيتهما: مسألة وجوبه إذا طلبه.

و الحكم في المسألة الاولى عدم الوجوب، لأنّ نفي الحلّية لا يورث هذا الوجوب عرفا، و لا عقلا. و كون المال ممنوعا، يستلزم ممنوعيّة جميع ما يضاف إليه، دون ما هو أجنبيّ عنه. و لو كان الإمساك محرّما بهذه الرواية، يلزم ما لا يلتزم به أحد، و هو وجوب ردّ المال المطروح في الدار إذا عرف صاحبه، و هكذا.

نعم، يجب الاطلاع لئلّا يلزم ضياع المقبوض، و كي لا يقع في الخسارة، بناء على حرمة الإضرار في المقام، و ضمان القابض للمنافع غير المستوفاة.

و أمّا حكم المسألة الثانية فيطلب من محالّه، إلّا أنّ هذه الرواية قاصرة عن إثبات الوجوب فيما عدا الوديعة، كما هو الظاهر.

حول التفصيل في الوجوب بين العقود المعاوضيّة و الإذنيّة

ثمّ إنّه قد يتوهّم التفصيل بين العقود المعاوضيّة- و منها الهبة- و الإذنيّة، فإنّ الرضا و الإذن في الاولى لا يتعلّق إلّا بعناوين المعاملة، و لا يسري إلى موردها، بل لا يعقل ذلك، و في الثانية يكون الإذن في التصرّف من لوازم تلك العناوين، و إذا كانت هي باطلة فهو باق، لأنّه أمر تكوينيّ حاصل، و لا يطرؤه البطلان، و لا يتّصف به «1».

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 312.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 214

و أنت قد عرفت منّا تفصيل المسألة في العقود المعاوضيّة، و أنّ كثيرا منها لا ضمان فيه و

لا حرمة «1».

نعم، في مواقف الضمان و الحرمة لا يفرّق بين الطائفتين، لأنّه لا يتعلّق الإذن إلّا بعنوان «الوكالة» و لا تنشأ إلّا ماهيّة العارية و لو بالكناية، و من الكنايات الأمر بالتصرّف فيه بيعا، و الإذن في إجارة الأموال، فإنّه عند العقلاء كناية عن الوكالة، فإذا كانت باطلة فلا إذن منه.

فما أوضحناه هناك يجري في العقود الإذنيّة، لأنّ بناء العقلاء و أغراضهم على إدارة معاشهم و الوصول إلى غايات أفعالهم، فإذا أذن في البيع فهو لا يريد إلّا مصلحة، فلو كان نفس الإذن الضمنيّ التقديريّ كافيا فلا بأس.

و ممّا يشهد على كفايته: الاستثناء الوارد في كلام المبدأ و المنتهى من المعصومين- صلوات اللّه تعالى عليهم أجمعين- فإنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إلّا بطيبة نفسه» «2» و قوله- عجّل اللّه تعالى فرجه-: «إلّا بإذنه» «3» شاهد على أنّ المدار على الإذن، من غير لزوم اتصافه بأحد العناوين المتعارفة، صحيحة كانت، أو فاسدة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78- 79.

(2) تقدّم في الصفحة 68.

(3) تقدّم في الصفحة 69.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 215

و بناء على ما قوّيناه من قصور الأدلّة عن إيجاب الردّ «1»- و هو الظاهر من بناء العقلاء- يسقط البحث عن مسألة المئونة، فإنّها على الدافع قطعا.

نعم، ربّما يجب الردّ في بعض الصور، كما إذا أراد العالم بالفساد تغرير الطرف، فإنّه في نظر العرف غاصب، و عليه حينئذ المئونة و لو كانت السلعة في البلد الآخر، فافهم و تدبّر.

الفرع الثامن: في ضمان المنافع المستوفاة بالعقد الفاسد

إذا استوفى المتعاملان منافع المقبوض فاسدا قبل التخلية و الردّ، فظاهر ما تقدّم من «السرائر» «2» ضمانها، لكونها مغصوبة، و لا خلاف فيه إلّا عن ابن حمزة في «الوسيلة» «3».

و

يدلّ عليه- مضافا إلى حكم العقلاء، و قاعدة الإتلاف، بل و «على اليد.» على بعض التقاريب، و مثله قوله: «لا يحلّ.»-

بعض النصوص الخاصّة الواردة فيمن اشترى جارية ببيع فاسد فوطأها، فإنّه مضافا إلى أنّه يجب عليه الردّ، يجب عليه عشر قيمتها إذا كانت بكرا، و نصف عشر قيمتها إن كانت ثيبا [4]، و الواردة فيمن طلّق قبل

______________________________

[4] قال الكليني في رواية اخرى: «إن كانت بكرا فعشر ثمنها، و إن لم تكن بكرا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 212.

(2) تقدّم في الصفحة 184.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 19، الوسيلة: 249 و 255.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 216

الدخول «1»، بناء على شمول عنوان المسألة لمثل ذلك، و الواردة في الأمة المسروقة التي مضى البحث حولها «2».

و توهّم: أنّ هذه الروايات لا تدلّ على فتوى المشهور، غير تامّ، لأنّ الجهة المبحوث عنها أعمّ من كون الفساد من قبل فقد مالكيّة المتعاملين، أو غيرها.

كما أنّ كلام ابن حمزة ناظر إلى نفي الضمان مطلقا، سواء كان جعل خراج المقبوض للطرف بإزاء ضمانه بالثمن للجاعل، أو لغيره كما لا يخفى، و لذلك قال رحمه اللّه: بنفي الضمان على الإطلاق، محتجّا بأنّ «الخراج بالضمان» «3» أي غلّة المبيع مثلا للمشتري، لأجل أنّه في ضمانه، و منافع المقبوض و المضمون للضامن، فإنّ «من عليه الغرم فله الغنم» من غير

______________________________

فنصف عشر ثمنها».

الكافي 5: 214- 3، وسائل الشيعة 18: 106، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 4.

______________________________

(1) عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها، قال عليه السلام:

«عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها

شيئا فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء».

الكافي 6: 106- 3، وسائل الشيعة 21: 307، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 48، الحديث 7 و 8 و: 313- 314، الباب 51، الحديث 1 و 2 و 3.

(2) تقدّم في الصفحة 191- 192.

(3) عوالي اللآلي 1: 219- 89، سنن النسائي 7: 256، مسند أحمد 6: 49، سنن ابن ماجة 2: 754- 2243.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 217

فرق بين العقود الصحيحة الجائزة أو ذات الخيار، أو الفاسدة المضمونة، و قضيّة الجمع بين الأدلّة ضمان غلّة المقبوض فاسدا، لأخصيّة النصوص من المرسلة المعروفة قديما و حديثا.

هذا مع أنّ انجبار المرسلة غير معلوم، و مفادها غير واضح، و لعلّها ظاهرة في أنّ الخراج ليس مضمونا إلّا بالتضمين، فتكون الغلّات غير مضمونة طبعا، لعدم مساعدة العرف على ضمان العين و أثرها، نعم لا منع من شرط الضمان.

و بالجملة: فقضيّة دليل الإتلاف ضمان تلك المنافع، أو لزوم تدارك ما استوفى من العين و انتفع بها، من غير اعتبار للمنافع ذاتا، و لا ضمانا، فلا يمكن الخروج من بناء العقلاء بإطلاق رواية، و لا سيّما إذا كانت مثلها، كما لا يخفى.

بل قضيّة ما أفدناه في معنى المرسلة «1»- من عدم اختصاصها بالمقبوض فاسدا، بل هي في مقام جعل الخراج لضامن العين في كلّ مقام ثبت ضمانه بدليل عامّ أو خاصّ- كون قاعدة نفي الضرر حاكمة عليها. إلّا أن يقال: بأنّها مبنيّة على الضرر، فتأمّل.

الفرع التاسع: في ضمان المنافع غير المستوفاة

المشهور في المنافع غير المستوفاة الضمان «2»، و قيل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 153.

(2) السرائر 2: 285، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 31.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 218

بعدمه «1»، و اختار

جماعة التفصيل بين علم الدافع و جهله «2».

و الأستاذ الوالد قال بعدم ضمان العالم، إذا كان طرفه الجاهل المبالي بالديانة الذي لو يتوجّه لا يقدم على العقد الفاسد «3»، و قد استفاد العالم من جهله، فالتفصيل الأوّل بلا وجه، لاستواء حاله في صورتي العلم و الجهل بالنسبة إلى الإقدام على العقد.

و قيل بالضمان إلّا في عمل الحرّ، فلو استأجره و استوفى منافعه، فهو ضامنها إذا تبيّن فساد العقد، بخلاف ما لم يستوف «4»، لأنّه لا يعدّ ما فوّته عليه مالا، و لا نفسه مأخوذة.

و دعوى: أنّ الفرض الأخير خارج من عنوان البحث، مسموعة لأنّ ملاكه أعمّ، ضرورة شمول الجهة المبحوث عنها لما لو امتنع المشتري من القبض، ثمّ بعد مضيّ مدّة تبيّن فساد العقد، فإنّ قاعدة الإتلاف- بملاك واحد- تجري قبل القبض و بعده.

و الذي يظهر ما هو الأشهر، لما تقرّر عندي من أنّ قاعدة اليد لا تفيد إلّا ضمان الخسارة المتوجّهة إلى العين، دون نفسها، فإنّ موضوع الأخذ هي العين، و اعتبار الضمان بلحاظ ما يتوجّه إليها من الإخلال بوصفها، أو كونها دارّة على ذي اليد بالاستيفاء، أو كانت ممنوعة عن الدرّ على

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 2: 167، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 105- السطر 9.

(2) لاحظ مسالك الأفهام 1: 134- السطر 6، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 9.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 323.

(4) الغصب، المحقّق الرشتي: 19- السطر 23 و: 112- السطر 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 219

صاحبها، فإنّه في جميع الصور هو ضامن، و عليه التدارك، فتأمّل.

و هذا هو حكم العقلاء، و لا رادع عنه، و توهّم أنّ مرسلة «العوالي» المشهورة في كتب العامّة و صحاحهم: «الخراج بالضمان» «1»

تكفي للردع، للأولويّة القطعيّة فيما نحن فيه، فاسد، بل اشتهاره عندهم، و عدم نقلها في مجامعنا، يشهد على فسادها، فافهم.

و قضيّة حكم العقلاء أعمّ من العين، و الحرّ قبل القبض و بعده، و لعلّ منشأ حكمهم أنّهم يرون فوات ماله، و عمله، و تضرّره، و عدم البلوغ إلى مقصوده، و غير ذلك من ذي اليد و المستأجر، من غير النظر إلى صحّة العقد و فساده.

و أمّا قاعدة الإتلاف، و الاحترام، و نفي الضرر، و بعض الروايات، فهي لا تفي- على فرض تماميّتها- بتمام المقصود، كما لا يخفى.

بل قاعدة اليد أيضا غير وافية بما قبل القبض، بل و بعمل الحرّ إلّا في بعض الأحيان. مع ضعف سندها على ما عرفت تفصيله «2».

فبالجملة: قصور هذه القواعد عن التضمين في هذه الصورة، لا ينافي الضمان، لأنّه حكم العقلاء غير المردوع.

بل يمكن دعوى: أنّ نفس التسليط غير المجّاني، من موجبات الضمان، و هذا هو مفاد قاعدة الإقدام التي عرفت تماميّتها عندنا للضمان

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 149.

(2) تقدّم في الصفحة 186- 187.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 220

في المقبوض فاسدا مطلقا «1».

ثمّ إنّ المقصود من «منافع العين و ما يمكن استيفاؤه» ما كانت العين معدّة له و متعارفا فيها و لا يجوز أن يرجع صاحب العين إلى ذي اليد بتقدير المنافع، أو اتفاق استئجارها بأجرة غير متعارفة، و لذلك لا يبعد القول بعدم ضمان منافع الدابّة المغصوبة المقدّرة فيما لم تكن إلّا للاستعمال في الحرب و الدفاع، فتأمّل جيّدا.

الفرع العاشر: في ضمان المثليّ و القيميّ
اشارة

إذا استقرّ الضمان، فهل يجب على الضامن إفراغ ذمّته بوجه مخصوص، فيلزم المماثلة بين الفائت و المدفوع، أو دفع القيمة فيما كان من القيميّات؟

أو يتعيّن عليه المثل مطلقا،

إلّا إذا قام الدليل على خلافه من إجماع أو غيره من القواعد، أو العكس؟

أو لا يجب عليه خصوصيّة زائدة على أصل الإفراغ؟

أو يكون المالك بالخيار فيتّبع رأيه؟

أو المسألة تختلف حسب الأمصار و الأعصار، و باختلاف المتعارف، أو حسب الأفراد و الأشخاص، و باختلاف الأغراض، فلو تلف المثليّ من التاجر يتعيّن القيمة، و القيميّ من الراغب إلى العين يتعيّن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 204.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 221

المثل، أو غير ذلك؟

وجوه و أقوال.

و الذي هو التحقيق بعد ما كان المراد من «القيمة» هي النقد الرائج، لا الماليّة السارية: تخيير الضامن، و لا أساس لما اشتهر من تعيين المثل في أجناس، و القيمة في أخرى، و لا لما قيل من اعتبار المثل أو العكس، و هكذا سائر المحتملات، لأنّ مبنى الضمانات على المرتكزات العرفيّة بعد إمضاء الشرع إيّاها، من غير بيان طريق خاصّ فيها، و مقتضاها ما اخترناه بلا ريب، ضرورة أنّ الأنظار الشخصيّة و الأغراض الخاصّة، ليست معتبرة.

نعم، لو اتفق تلف العين المرغوب فيها في قرية و هي ليست فيها، فإنّه ربّما يتعيّن عند العقلاء ردّ المثل حتّى في القيميّات، و لكنّه غير تامّ.

نعم، لا بدّ من تدارك الخسارة من جهة الحمل إليها أيضا، لأنّها تزداد قيمتها السوقيّة، أو تحتاج إلى مئونة زائدة على أصل القيمة، و هي على الضامن، و سيأتي بعض الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنّ المآثير المتشتّتة في الأبواب المتفرّقة [1]، تشهد على أنّ

______________________________

[1] محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها

عن ملكه؟ فوقّع عليه السلام: هو ضامن لها إن شاء اللّه.

وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 5، الحديث 1.

عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 222

المتلف و المتعدّي و ذا اليد، ضامن من غير زيادة، و في طائفة منها ما يتضمّن القيمة زائدا على أصل الضمان «1»، و لكنّها لا تدلّ على حصر الإفراغ بها، و مقتضى الجمع بين النقل و العقل خيار الضامن، و ما ذهب إليه المشهور ضعيف جدّا، لعدم مساعدة العقلاء عليه، و لعدم العثور على نصّ في المسألة. و توهّم وجود النصّ غير الواصل في خصوص المسألة، بعيد غايته.

نعم، ربّما يخطر بالبال دعوى أصالة المثليّة، لأنّ مدار الوحدة

______________________________

اشترط فيها ضمان، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضمانا.

وسائل الشيعة 19: 96، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 1.

إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه أو أبي إبراهيم عليهما السلام قال: العارية ليس على مستعيرها ضمان، إلّا ما كان من ذهب أو فضّة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا.

وسائل الشيعة 19: 97، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 4.

علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت، ما عليه؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسمّ فليس عليه شي ء.

وسائل الشيعة 19: 118، كتاب الإجارة، الباب 16، الحديث 1، عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام أنّه اتي بحمّال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمنّها إياه، و كان يقول: كل

عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن، فسألته ما المشترك؟

فقال: الذي يعمل لي و لك و لذا.

وسائل الشيعة 19: 152، كتاب الإجارة، الباب 30، الحديث 13.

______________________________

(1) كصحيحة أبي ولّاد، الآتية في الصفحة 249.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 223

و التعدّد في الأشياء في هذه المراحل على العرف، و هو تابع الرغبات و الخواصّ و الآثار المطلوبة فيها، فلو اتفق مماثلة شي ء لشي ء في تلك الأمور التي هي منشأ ماليّتها، فهو عين التالف، لأنّ الغيريّة جاءت من قبل ما لا نظر لهم فيه.

و نظير ذلك الماليّة في الأعراض و النقود، فإنّ مبنى الوحدة و التعدّد فيها على ما أشرنا إليه، دون التعدّد الشخصيّ كما لا يخفى، فعليه يتعيّن المثل، إلّا إذا قام الدليل على التخيير أو تعيّن القيمة.

فرع: في حكم الشكّ في أنّ التالف قيميّ أو مثليّ

إذا شكّ في أنّ التالف قيميّ أو مثليّ، فعلى المختار فالمسألة واضحة، و على الاحتمال الأخير و غيره فالمرجع عندي هي البراءة، لأنّه يعلم إجمالا إمّا بكون العين في ذمّته، فيكون وجوب المثل و القيمة عقليّا، أو المثل أو القيمة فيكون وجوبهما شرعيّا.

و كلّ واحد منهما، كما يحتمل كونه واجبا تخييريّا، يحتمل كونه واجبا تعيينيّا، و حيث إنّ المقرّر عندنا جريان الأصول في جميع الأطراف و سقوطها، إلّا إذا لم يلزم منه المخالفة العمليّة مع العلم، فلو أدّى المثل مثلا إلى المالك بالتمليك، فأثر العلم و إن كان باقيا، إلّا أنّه بالاقتضاء، لا العليّة، فتجري أصالة البراءة في الطرف الآخر، لعدم استلزامها المخالفة مع العلم.

و لعلّ وجه مختار المشهور في الأموال- من عدم لزوم الاحتياط،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 224

و عدم تنجيز العلم الإجماليّ- ذلك «1». و في المسألة (إن قلت قلتات) تطلب من

محالّها «2».

لا يقال: هذه المسألة من صغريات دوران الأمر بين التعيين و التخيير من جانبين «3»، فيمكن إجراء البراءة من تلك الجهة أيضا، بناء على ما هو مختار جمع فيها «4».

لأنّا نقول: إدراجها في تلك المسألة، مبنيّ على القول بوجوب المحصّلات العقليّة شرعا، و إلّا فلا علم بوجوب أحدهما على تقدير تعلّق العين في الذمّة إلّا عقلا، و حيث إنّ المبنى باطل فلا يتمّ البناء، فتدبّر.

إن قلت: يمكن الاحتياط في مقام الأداء حتّى على القول بعليّة العلم الإجماليّ للتنجيز من غير لزوم المحذور «5»، لأنّه إذا سلّم المثل و القيمة من غير تمليك إلّا لما هو حقّ المالك، فيلزم تزاحم الحقوق، لما عنده ملك الضامن، و لكنّه مجهول، فيرجع إلى القرعة، و هي في هذه المواقف معمول بها، و لا نحتاج إلى عمل الأصحاب.

قلت: يلزم المحذور فيما كان التالف مردّدا بين المثليّ و القيميّ، و كان المالك مردّدا بين جماعة، فإنّه في هذه الصورة يلزم الضرر، فلا يمكن الاحتياط من الجانبين.

______________________________

(1) لاحظ العروة الوثقى 2: 381، كتاب الخمس، المسألة 30، الهامش.

(2) ثلاث رسائل، دروس الأعلام و نقدها: 67- 71 و 83- 85.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 89- السطر 7.

(4) لاحظ تحريرات في الأصول 8: 245 و ما بعدها.

(5) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 97- السطر 19- 20.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 225

تنبيه: في حكم ما لو استلزم أداء المثل ضررا

بناء على كون الضامن مخيّرا، يسقط كثير من المباحث الآتية، إلّا إذا فرضنا تعذّر المثل و القيمة، و لكنّه مجرّد فرض في عصرنا. و بعد قوّة احتمال أصالة المثليّة، فلا بأس بالإشارة إلى بعض المسائل:

فممّا وقع فيه كلام الأعلام- قدّست أسرارهم-: أنّه في صورة استلزام الأداء بالمثل

ضررا، هل يجب ذلك، أو لا يجب، أو يفصّل؟

و الذي هو الظاهر من الشيخ الأعظم هو الأوّل «1»، و اختار جماعة التفصيل بين ما كان الضرر لأجل الزيادة السوقيّة فيجب، و ما كان لأجل ابتلائه بالممتنع عن البيع فلا يجب، لقاعدة نفي الضرر «2».

و من المحتمل قويّا عدم الوجوب مطلقا، لأنّ الأداء ليس من طبعه الضرر حتّى لا يشمله عموم القاعدة، و لو كان من طبعه ذلك فهي في الاختلافات اليسيرة غير جارية، و لكنّها تنفي الضرر إذا يوجد المثل بالأضعاف الكثيرة و لو كانت متعارفة في عصر الأداء.

فبالجملة: يجب تحصيل المثل فيما يتعيّن أداؤه، إذا لم يستلزم الضرر و لا الحرج، من غير فرق بين الفرضين.

إن قلت: إذا كان إمكان حصول المثل للضامن عقلائيّا في الزمن

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 12.

(2) لاحظ منية الطالب 1: 139- السطر 23- 24.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 226

القريب، فهو في حكم المعسر، فيمهل مثلا، و إلّا فمن نفي الضرر يلزم ضرر المالك، إلّا إذا قيل بتعيّن قيمة يوم التلف و الضمان.

قلت: تنفى الزيادة السوقيّة بالقاعدة، و يتعيّن عليه أداء قيمة يوم الأداء، فلا يلزم الضرر، و لا يتعيّن اختيار القول المزبور، فلو وجد المثل مع اختلاف يسير- يتحمّل عادة، و لا يعدّ ضررا- يجب تحصيله.

نعم، لو استلزم تحصيله وقوعه في الحرج، بأن يتنازل لمن عنده و إن لم يكن فيه الضرر الماليّ أصلا، ففي وجوبه بل جوازه إشكال، بل منع، و تفصيله يطلب من محالّه «1».

و ربّما يمكن التفصيل بين العالم المحلق بالغاصب و الجاهل، بدعوى انصراف دليل نفي الحرج عنه «2»، كما قيل في قاعدة نفي الضرر.

هذا بناء على ما هو المعروف

في القاعدتين.

و أمّا على ما قوّيناه من عدم حكومتهما على الأحكام العقلائيّة الإمضائيّة، فيتعيّن الردّ مطلقا، كما اختاره الشيخ الأعظم «3».

بحث: حول ضمان شخص التالف

ظاهر المشهور ضمان المثل أو القيمة.

و قيل: «مقتضى الأدلّة في الضمانات عهدة العين و ضمان شخص

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأصول 8: 298- 302.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 98- السطر 28- 29.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 227

التالف، و الانتقال إلى المثل و القيمة في المثليّ و القيميّ، أو تخيير الضامن مطلقا، بحكم العقل، و هذا هو الظاهر من قواعد الضمان و النصوص الخاصّة» «1».

أقول: و توهّم تنافيه مع ما ورد في الأدلّة في كتاب الديات [2] و الإجارة «3» و العارية «4» و اللقطة [5]- من ظهوره في تضمين القيمة-

______________________________

[2] الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن بختي اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلا فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف؟ فقال: «صاحب البختي ضامن للدية و يقتصّ ثمن بختيه».

الكافي 7: 351- 3، وسائل الشيعة 29: 250، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 1.

علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن بختي مغتلم قتل رجلا فقام أخو المقتول فعقر البختي و قتله، ما حاله؟ قال: على صاحب البختي دية المقتول و لصاحب البختي ثمنه على الذي عقر بختيه.

وسائل الشيعة 29: 251، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 4.

[5] محمّد بن علي بن الحسين، قال: و قال الصادق عليه السلام: أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها، و لا يتعرّض لها، فلو أنّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء

صاحبه فأخذه، و إن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها، فإن وجدت

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 96- السطر 25.

(3) وسائل الشيعة 19: 118، كتاب الإجارة، الباب 16، الحديث 1، و: 119، الباب 17، الحديث 1، و 152، الباب 30، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 19: 96- 97، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 1 و 2 و 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 228

غير تامّ، لأنّها ناظرة إلى مقام الأداء، دون الجعل و الضمان، و قد عرفت إمكان تصوير ذلك في مباحث قاعدة اليد «1»، و لكنّ الأدلّة غير ظاهرة في هذا الاعتبار، و غير وافية به.

نعم، دعوى: أنّه مساعد ببناء العقلاء على كفاية ردّ العين بإيجادها و إعادتها، على تقدير إمكانها بعد ما تلفت، قريبة، فإنّ المالك لا يرى إلّا ماله الشخصيّ التالف، و لا يقول و لا يدّعي إلّا إيّاه، و ينادي بأعلى صوته: «إنّي أريد فرسي، لا غير» و عندئذ يلزم أصالة المثليّة، إلّا فيما قام الإجماع أو النصّ الخاصّ على كفاية القيمة.

و بعبارة أخرى: مقتضى هذا المبنى المؤيّد ببناء العقلاء، هو الذي أشرنا إليه تحريرا لأصالة المثليّة: بأنّ المثل المساوي من جميع

______________________________

في الحرم دينارا مطلّسا فهو لك، لا تعرّفه، و إن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة، فإن وجدت لقطة في دار، و كانت عامرة فهي لأهلها، و إن كانت خرابا فهي لمن وجدها.

السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريقة مطروحة، كثير لحمها، و خبزها، و جبنها، و بيضها، و فيها سكّين، فقال أمير المؤمنين عليه

السلام: يقوّم ما فيها، ثمّ يؤكل، لأنّه يفسد، و ليس له بقائه، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، فقيل: يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم، أو سفرة مجوسيّ، فقال:

هم في سعة حتّى يعلموا.

وسائل الشيعة 25: 443، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث 9، و: 468، الباب 23، الحديث 1.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 188- 189.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 229

الجهات المرغوب فيها، هي العين التالفة المعادة، لانطباق جميع الأغراض و الخواصّ و الآثار عليها، و القائل لا يلتزم بهذا.

و لي شبهة في تماميّة بناء العقلاء على اعتبار ضمان شخص التالف، و لو تمّت هذه فلا منع من الالتزام بذاك، و عندئذ يكون الأقوى أصالة المثليّة، ثمّ أصالة التخيير بين ما هو الأقرب و القيمة.

الفرع الحادي عشر: في حكم تعذّر المثل في الجملة

لو تعذّر المثل في الجملة، يجب ردّ القيمة على المختار عند المطالبة، و لا يجوز الامتناع من قبولها إذا أدّاها الضامن، و الوجه واضح.

و على القول بأصالة المثليّة فهل يجب ردّها، أم لا عند المطالبة؟ فيه وجهان بل قولان:

لا يبعد الثاني، لأنّ الحقّ و الضمان لا يتجاوز من موضوعه- و هو المثل- إلى الأمر الآخر إلّا بدليل، و هو في حال التعذّر غير ناهض، خصوصا إذا علم بوجدان المثل بعد برهة من الزمان.

و توهّم: أنّ التعذّر حال المطالبة في حكم التعسّر فاسد.

و ما قد يقال: من أنّ المالك يتمكّن من إسقاط خصوصيّة المثليّة، دون الماليّة «1»، لا يرجع إلى محصّل، لأنّه في حكم الهبة فيحتاج إلى

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 141- السطر 8- 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 230

القبول، و لو كان إبراء فهو غير معتبر، لعدم مساعدة العرف على إبراء ما لا ماليّة له.

بل لا يعتبر ضمان الخصوصيّة إلّا مع الماليّة، فسقوطها يستلزم سقوطها. مع أنّه حينئذ يستلزم جواز الإبراء حال التيسّر أيضا.

بل مقتضى القول بكون العين في الذمّة حال وجودها، تمكّن المالك من الانتقال إلى القيمة، و هو كما ترى.

نعم، يمكن دعوى بناء العقلاء على التوسّع في باب الضمانات، خصوصا مع قدرة الضامن على أداء القيمة، و لا سيّما و أنّ الصبر إلى الظفر بالمثل و اشترائه، أو البدار بردّ القيمة إلى المالك، مستويان في نظر الضامن، فتأمّل.

ثمّ إنّه لو بادر إلى ردّها، فهل للمالك الامتناع؟

نعم، لأنّ القيمة في مفروض البحث أجنبيّة عن المضمون. و هذا لا شبهة فيه إذا لم يستلزم الضرر، بأن تزداد قيمة المثل.

و أمّا لو كان أداء المثل حال التيسّر، مستلزما لاشترائه بأضعاف القيمة حال التعذّر، فهل يمنع من الامتناع، لأنّ تجويزه ضرريّ في هذه الصورة، أو لا، لأنّه لا ضرر فعلا، و لا حكومة للقاعدة على رفع الضرر في مثل المقام؟ وجهان.

و الذي تقرّر عندنا قويّا عدم حكومة قاعدة الحرج على الأحكام العقلائيّة الممضاة، و التفصيل يطلب من رسالتنا الموضوعة فيها «1».

______________________________

(1) رسالة المؤلّف قدّس سرّه في قاعدتي نفي الضرر و الحرج التي كتبها في بورسا مفقودة.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 231

الفرع الثاني عشر: حول تعيّن القيمة عند تعذّر المثل في المثليّ

لو تعذّر المثل بحيث لا يرجى عوده، فظاهر جماعة تعيّن القيمة «1»، لما نعلم من الشريعة أنّها لا ترضى بسقوط دينه، لاستلزامه الظلم و الضرر. و البحث عن بقاء الدين في ذمّته، و عدم سقوطه عند التعذّر عن أدائه، لا يرفع هذه الغائلة في مفروض المسألة، كما لا يخفى.

و فيه: أنّ مجرّد الاستبعاد لا يفي، بعد كون الذمّة مشغولة بالمثل القابل للأداء، و التعذّر و التعسّر لا

يورثان الانقلاب، و لا يوجبان الأداء بوجه آخر. و هذا نظير المستثنيات في باب الدّين، فمجرّد إمكان الأداء و لو بالأجنبيّ غير كاف. و لو تمّ الانقلاب لكان يجب ردّ القيمة و لو اتفق المثل.

و توهّم: أنّه من صور انكشاف عدم التعذّر، فاسد، ضرورة أنّ الدائن بعد أخذ القيمة يسقط دينه، و لا يجوز له ردّها بدعوى المثل الموجود، فيعلم أنّه أمر واقعيّ.

و دعوى بناء العقلاء على أداء القيمة، مسموعة إن راجعت إلى ما اخترناه من أصالة التخيير بدوا «2»، و إلّا فلو كان بناؤهم في المثليّات على المثل، فهو معناه أنّه مع فقد المثل يكون الضامن كخالي الكفّ، فينظر إلى ميسرة. و حديث إبراء المديون الدائن عن المثليّة دون الماليّة،

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 16.

(2) تقدّم في الصفحة 221- 222.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 232

قد مضى فساده «1».

هذا كلّه على مذهب المشهور.

و أمّا على القول بأصالة تخيير الضامن، فعليه القيمة، لأنّها إحدى فردي الواجب التخييريّ.

و على القول بأصالة المثليّة فيشكل، من أنّ المضمون هو المثل، فلا وجه لإيجاب القيمة، و من أنّ أداء المثل هو أداء العين، لما تقرّر أنّ الوحدة في باب الضمانات، تدور مدار الاختلاف فيما يعتبر مضمونا، لا الأمور الواقعيّة التي لا ماليّة لها «2»، فإذا وجد المثل فكأنّه هو عين المال، و لا سيّما فيما كانت متّحدة في جميع الجهات، كالمصنوعات بالمكائن العصريّة.

و ممّا يشهد عليه: أنّه لا يبالي العقلاء بعينهم الشخصيّة مع وجودها، و من ادّعاها لا يعدّونه منهم، لعدم الأثر لها، فعليه يقال بأصالة القيمة، لأنّها هي التي بحذائها، فيتعيّن عليه ردّها، لأنّه هو معنى الضمان عند التلف، فكأنّه مع بقاء الأمثال ليست

العين تالفة.

نعم، إذا لم يكن المثل مماثلا في جميع الجهات المرغوب فيها، يلزم تعذّره عن ردّ العين بردّ مثلها، فحينئذ يجب ردّ المماثل القاصر عن القيمة المتدارك بها قصوره، أو تجب القيمة، أو لا يجب شي ء، أو يجب من غير لزوم التدارك؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 229- 230.

(2) تقدّم في الصفحة 222- 223.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 233

قضيّة ما سلكناه هو الوجه الثالث، و حكم العقلاء بلزوم التفريغ ليس إلّا لما اخترناه من أصالة التخيير «1»، و إذا لم يوجد المماثل المتّحد مع العين فيما يرغب فيه، تتعيّن القيمة، كما أشير إليه آنفا.

الفرع الثالث عشر: في تحديد قيمة المثليّ المتعذّر و أنّها قيمة يوم الغصب أم لا؟
اشارة

إذا لم يتمكّن من ردّ المثل، و قلنا بلزوم القيمة، فهل تجب قيمة يوم القبض و الغصب، أو قيمة يوم التلف، أم قيمة يوم التعذّر، أو يوم المطالبة، أم يوم الدفع، أو أعلى القيم من اليوم الأوّل إلى الآخر، أو الثاني إليه، أو إلى ما قبله، أو غير ذلك؟

وجوه و أقوال:

فمقتضى أنّ المثل في العهدة من غير انقلاب، لزوم قيمة يوم الدفع.

هذا فيما هو المفروض في هذه المسألة، و هو عدم طروّ موجبات اختلاف القيمة على العين قبل تلفها، فإنّه يأتي البحث عنه في محلّه من ذي قبل إن شاء اللّه تعالى «2»، فما يرى من لحاظ حال العين في كلماتهم، لا يخلو من إشكال.

كما أنّ لحاظ اختلاف القيم في المثل الذي هو الكلّي «3»، ممّا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 221- 222.

(2) يأتي في الصفحة 246- 247.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 100- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 234

لا محصّل له عندي، فإنّ ما يستفاد من الأدلّة في باب الضمانات، أنّ اختلاف القيم و الأخذ بأعلاها

مع وجود العين، ممّا هو متعيّن، و لكن فرض العين خارجا أو المثل كذا لا يوجب الضمان، فالإعواز و عدمه لا يورثان شيئا في الضمان هنا، فليتدبّر.

و ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «من أنّ مقتضى الآية [1] و المتبادر من إطلاقات الضمانات، هو وجوب الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف بعد تعذّر المثل، و عليه يتوجّه القول بصيرورة التالف قيميّا بمجرّد تعذّر المثل، إذ لا فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه ابتداء، كما في القيميّات، و بين طروّه بعد التمكّن، كما فيما نحن فيه» «2» انتهى، غير قابل للتصديق، لأنّ قيمة الشي ء ليست إلّا مباينة له، و لا يعدّ ردّها وفاء به عند أحد من العقلاء، و مجرّد الاستيفاء و الاتحاد في الأثر البعيد، لا يكفي لكون الشي ء المباين قريبا.

هذا مع أنّ الآية على ما تقرّر، أجنبيّة عن هذه المسائل «3»، و إطلاقات الضمانات عقلائيّة، و قد فرغنا عن مقتضاها، و هو تخيير الضامن من أوّل الأمر، و لا يمكن الالتزام بعدم الفرق بين التعذّرين، فإنّه لو وجد مثل الفرس، فإنّه لا يتعيّن، و لو وجد فرضا مثل الحنطة التالفة يتعيّن، فكيف يسلب الفرق بينهما؟! فلاحظ و تدبّر.

______________________________

[1] فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ البقرة (2): 194.

______________________________

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 28.

(3) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 325- 327.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 235

بقي أمور:
أحدها: في أنّ المراد هو التعذّر العقلي أو العرفي أو ما لا يوجب الضرر و الحرج

هل المدار في التعذّر الموجب لتعيّن القيمة على التعذّر العقليّ، أو العرفيّ، أو لا هذا و لا ذاك، بل المدار على ما لا يورث الضرر و الحرج و إن كان غير متعذّر عقلا، و متعذّرا عرفا؟

و حيث لم يرد نصّ في

المسألة في خصوص مفهوم «التعذّر» و لا ما يقرب منه ك- «عدم القدرة» و نحوه، فلا بدّ من المراجعة إلى الإطلاقات و العمومات، و قد تقرّر منّا: أنّ ثبوت السلطنة للمالك إلى حدّ الإفراط ممنوع، و لا دليل عليه شرعا، و لا عرفا، و لا سند لقاعدة السلطنة الدارجة في ألسن المتأخّرين، فلو كان المثل في البلاد النائية، و يتمكّن الضامن من استيراده بصرف المال الكثير فيه، لا يجب عليه و إن لم يكن ضرر شخصيّ في حقّه، و ذلك لاعتبار الأمر النوعيّ في الضرر. بل لقصور الدليل عن إثبات السلطنة المطلقة، و هكذا في ناحية الحرج.

ثمّ إنّه لو فرضنا لزوم الردّ شرعا و عقلا، فإن كان في الاستيراد حرج، فكونه منفيّا محلّ إشكال عندي، لأنّ الأحكام العقلائيّة الممضاة، ليست من المجعولات الإلهيّة حتّى تكون القاعدة حاكمة عليها.

و إن كان فيه ضرر، فمقتضى ما تحرّر منّا تقدّم قاعدته على مطلق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 236

الأحكام، و كما هي قاعدة نافية تكون ناهية «1»، فتبصّر.

ثانيها: حول ضمان الصفات غير المتمولّة أو الانتزاعيّة

قد عرفت وجوب ردّ المقبوض إلى مالكه، و أنّه ضامن الخسارة المتوجّهة إليه من نقصان صفة تكون من الأمور المتموّلة، و أمّا ما لا تتموّل، أو لا تكون من صفات المقبوض إلّا بالانتزاع أو الاعتبار، فهل هي أيضا مضمونة، بمعنى أنّ المالك يجوز له الامتناع عن قبول عين ماله بدعوى المماثل له من جميع الجهات، أم لا؟

الظاهر أنّ الأوصاف المغفول عنها التي لا تختلف الأعيان بها في الرغبات، ليست مضمونة، و لا سلطنة للمالك عليها حتّى تصحّ دعواها.

و أمّا الأوصاف الانتزاعيّة، مثل كونها في الشتاء، أو الصيف، أو في بلد كذا و كذا، فهي- بعد ما تكون

معتبرة في الأملاك، و موجبة لاختلاف القيميّات- مضمونة، فله دعوى الصفة، و ليس الضامن بالخيار بين ردّ الموصوف، و ردّ العين و قيمة الصفة، لأنّه عين ماله موجود عنده، فإذا طلبها فعليه التخلية، و تدارك الخسارة. و هكذا يجوز له إجبار القابض على تحويل العين إلى البلد المذكور. هذا إذا أدّى العين ناقصة.

و أمّا لو أدّاها متّصفة بالأوصاف حين أخذها، فهل الأوصاف الموجبة لرقاء القيمة تكون مضمونة، أم لا؟ وجهان:

من أنّه ردّ عين ماله بجميع أوصافها المقبوضة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 202.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 237

و من أنّ كلّ ما يرد عليها مضمون بتبع العين، فعليه تداركه. مع قصور بناء العقلاء عن تعيين الضمان في هذه الصورة، و هكذا الأدلّة الاجتهاديّة.

و يمكن التفصيل بين الأوصاف القهريّة الحاصلة للعين، و ما اتّصفت به بتدبير القابض، ثمّ زالتا حين ردّ العين، فيقال بالضمان في الأوّل، و عليه تفاوت القيمة، دون الثاني، لأنّه من عمله، فيرجع إليه.

و الذي يظهر لي بعد ما عرفت من قصور دليل ضمان اليد سندا «1»، عدم الضمان، و إلّا يتعيّن الضمان، إلّا أن يدّعى انصرافه عن التضمين في بعض الفروض المشار إليها.

و أمّا الأوصاف الاعتباريّة، مثل عزّة الوجود و قلّته، و كثرة الوجود و شياعه، الموجب لاختلاف القيمة لتفاوت الرغبات، فإنّ المعروض في الأسواق إذا كان أكثر ممّا يحتاج إليه الناس، و يقتضيه طلبهم، تتنازل القيم، و في عكسه تتراقى، فالظاهر عدم الضمان في التفاوت اليسير.

نعم، إذا بلغت قيمته إلى حدّ صدق «التلف» فإن كان ساقطا من القيمة فلا يعتبر الملكيّة و المال، فلا يحقّ إلّا المثل أو القيمة، و الكلام فيه ما مضى و يأتي. و بقاء حقّ الاختصاص

أو حدوثه على المشربين في محلّه، لا يورث وجها في مسألتنا هذه.

و توهّم: أنّ مفاد قاعدة «على اليد.» ردّ المقبوض و المأخوذ «2»،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 186- 187.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 99- السطر 25، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 97- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 238

فاسد، لأنّها في مقام اعتبار ضمان ما يوجبه، و هو المقبوض المعدود من الأموال، أو ما تعلّق به الحقوق، لا الذات العارية عن هذه الجهة.

و إن لم يكن ساقطا إلّا في الجملة، ففي كفاية ردّ العين، أو لزوم ردّ ما به التفاوت، وجهان:

من إطلاق القاعدة.

و من أنّها في مقام تضمين الأوصاف إلى أن تردّ العين، و تلك الأوصاف أعمّ من الحقيقيّة و الاعتباريّة، بعد ما كانت معتبرة في الأسواق، و ملحوظة في المبادلات.

ثالثها: في تعيين زمان المماثلة بين المدفوع و المقبوض

فيما يجب المثل تعيينا أو تخييرا، فهل يجب المماثلة بين المدفوع و المقبوض حال التلف، أو حال القبض، أو الحال التي اتصفت بها العين، و صارت أغلى و أقوم، أم لا، بل الضامن بالخيار؟

و على الثاني، فهل يجب تدارك ما به الاختلاف في القيمة بالنقد، أم يجوز له الاكتفاء بردّ مطلق المثل؟

مثلا: إذا قبض بالفاسد صغير الشاة، و قلنا: بأنّها مثليّة، لأصالتها، أو للتخيير، كما مضى «1»، ثمّ بعد ما كبرت تلفت، فهل عليه ردّ شاة شابّة، أو يجوز له الاقتصار على ردّ الصغيرة أو الكبيرة؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 221- 223.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 239

أمّا الكلام على الفرض الثاني، فقد مضى تفصيله آنفا.

و أمّا في الفرض الأوّل، فمقتضى إطلاق الآية «1» كفاية مطلق المماثلة.

و مقتضى انصراف المماثلة في باب الغرامات إلى المشاركة في جميع ما تختلف

به العين في القيمة، و أنّ ما ينمو في العين يكون للمالك، و يصير مضمونا، لزوم التماثل بين المدفوع و المضمون بجميع شؤونه.

لا شبهة في الثاني بحسب نظر العرف المتّبع في المقام.

نعم، إذا رجعت العين إلى الحالة الاولى، و هي حال القبض، ثمّ تلفت، فكونه مماثلا للحال المتوسّطة التي تصاعدت القيمة، محلّ إشكال، لقصور بنائهم، و لعدم الدليل على الضمان إلّا قاعدة اليد التي قد عرفت حالها «2».

رابعها: في مقتضى الأصول العمليّة بالنسبة للمسائل السابقة

أي قضيّة الأصول العمليّة إذا كانت الأدلّة في المسائل السابقة قاصرة عن إفادة الحكم و إبانة الوظيفة:

فلو شكّ في المضمون بعد القبض، هل هو نفس العين، أو المثل، أو القيمة، أو المثل في المثليّ، و القيمة في القيميّ، أو الماليّة

______________________________

(1) البقرة (2): 194.

(2) تقدّم في الصفحة 186- 188.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 240

السارية؟ فالقدر المتيقّن هي الأخيرة، لأنّها المتّحدة مع الكلّ، و الخصوصيّة الزائدة منفيّة بالبراءة.

و إذا علمنا: بأنّ الماليّة السارية ليست مضمونة قطعا، و الأمر يدور مدار غيرها من المحتملات، فقد يقال بالاحتياط «1»، و قد عرفت البحث حوله سابقا و حول المختار «2»، فلا نعيده.

و إذا شكّ في أنّ في حال التعذّر ينقلب الذمّة، أو يجب إفراغها بما هو الأقرب إليه، و هي القيمة، و عند عدمها الماليّة السارية، فمقتضى الاستصحاب اشتغال الذمّة و عدم الانقلاب.

و إذا شكّ في سقوطه بالقيمة حال التعذّر، فلا يجب إذا وجد المثل مثلا، أم لا فيجب، فالثاني متعيّن، عملا بالأصل.

و دعوى: أنّ المثل ليس موضوعا في الأدلّة حتّى يفيد الاستصحاب، بل هو العنوان المشير إلى المضمون «3»، في محلّها، إلّا أنّ النتيجة واحدة، ضرورة أنّ ما في الذمّة باق تعبّدا حتّى يقوم المديون بجميع ما

يحتمل كونه دخيلا في إسقاطه.

و لو شكّ في بقاء اشتغال ذمّته بالعين أو المثل، لأنّه حين التلف كان صغيرا، و يحتمل سقوط ذمّته عند عدم التكليف، فقيل بوجوب المثل أو القيمة، لأنّ قضيّة الاستصحاب لزوم الإفراغ، و العقل حاكم بوجوب كلّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 97- السطر 17.

(2) تقدّم في الصفحة 220- 223.

(3) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 393.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 241

ما هو دخيل في براءة ذمّته.

و قد يشكل: بأنّ التعبّد ببقاء العين و المثل، لا يورث الاشتغال بالمؤدّى الأجنبيّ إلّا بالأصل المثبت «1»، و حكم العقلاء بوجوب المثل عند تلف العين، و القيمة عند تعذّر المثل، ليس من الآثار المترتّبة على الموضوع المتعبّد به، لأنّه مردّد بين كونه بنحو القضيّة الشرطيّة، أو بنحو جعل السببيّة، فعلى الأوّل يتمّ المطلوب، دون الثاني، ضرورة أنّه لو وصل من الشرع «إذا تلفت العين يجب المثل، أو تعذّر المثل تجب القيمة» فالأصل الجاري يورث وجوب ردّ العين لو رجعت فرضا خرقا للعادة، و هكذا وجوب ردّ المثل.

و إذا كان الواصل و لو بنحو الإمضاء «أنّ تلف العين سبب لعهدة المثل» و هكذا، فإنّ التعبّد المذكور لا يورث ترتّب المسبّب شرعا، بل هو من الآثار العقليّة، لأنّه إذا وجدت العلّة يوجد المعلول قطعا، فليتدبّر.

و توهّم: أنّه مثل وجوب الإطاعة من الآثار العقليّة و اللوازم المترتّبة، و إلّا يلزم لغويّة جعل الحكم الظاهريّ طبق الأصول العمليّة، فاسد، بداهة أنّ وجوب الإطاعة ليس مباينا للمتعبّد به، بخلاف وجوب المثل، فإنّه غير ما تعبّد به بمقتضى الاستصحاب.

نعم، إذا اقتضى الأصل وجوب ردّ العين، فعليه ردّها عقلا، و أمّا ردّ مثلها و قيمتها فهو

يحتاج إلى الدليل الاجتهاديّ.

و بالجملة: فاستصحاب بقاء العين و المثل، لا ينتج شيئا إلّا وجوب ردّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 97- السطر 30- 31.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 242

العين و المثل، فإذا تمكّن فهو، و إلّا فلا شي ء عليه.

و لو شكّ في أنّ المدار على أيّ يوم من الأيّام في الضمان إذا تعذّر؟

فعلى القول بانقلاب التالف إلى القيمة و هكذا المتعذّر، فالأقلّ متعيّن، لأنّه القدر المتيقّن.

و أمّا على القول ببقاء العين في الصورة الاولى، و المثل في الثانية في الذمّة، فعليه ردّهما. و إذا لم يكن متمكّنا، فإن كان ردّ القيمة أداء قهريّا، فبالأكثر تفرغ الذمّة، و عليه يتعيّن الاحتياط.

و أمّا لو كان ردّها ليس من الأداء عرفا، فلا بدّ من المراضاة، و عليه يمكن للمالك بيع ما في ذمّة المديون بأكثر من القيم المحتملة، حسب الأيّام المختلفة المذكورة سابقا، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

فرع: في حكم عود العين التالفة بعد أداء المثل

إذا أدّى المثل، ثمّ عادت العين خرقا للعادة، فالمعروف رجوعها في ملك صاحبها، و له دعواها، و للضامن استرداد المثل بردّها.

و قد يشكل: بأنّ المفروض أداء جميع ما هو المشترك مع العين في الرغبات.

و بعبارة أخرى: هو قد أدّى العين، لما مضى أنّ وحدة العين في باب الضمانات، ليست وحدة شخصيّة، بل هي سنخيّة، مع أنّ مالكيّة الهويّة الشخصيّة غير معتبرة عند العقلاء «1»، نعم هي بضميمة الموجبات

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 222- 223.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 243

للرغبات تعتبر تبعا، و عندئذ لا وجه لما اختاره الأكثر، فأداء المثل أداء العين في هذه المواقف، بحكم الوجدان.

نعم، إذا بقي اعتبار إضافة، كحقّ الاختصاص، أو الملكيّة، كما في الشاة المذكّاة، فإنّه حينئذ يعتبر عودها

في ملكه، و يترتّب عليه آثاره المزبورة.

و إذا أدّى القيمة عند تعذّر المثل، ثمّ وجد المثل، بناء على أن يراد من التعذّر ما لا يكشف خلافه بوجدان المثل، فهل يعود الساقط، أو لا يسقط و يكون مراعى، أو لا يعود؟

فيه وجوه:

فإن قلنا بالانقلاب، أو قلنا: بأنّ أداء القيمة وفاء بالمثل بكماله و تمامه فلا وجه للعود، لعدم المقتضي، و لا لعدم السقوط، لتماميّة الاقتضاء من ناحية الأداء.

و إن قلنا: بأنّه وفاء ناقص، و حكم إرفاقيّ، أو قلنا: بأنّه ليس من الوفاء رأسا، فإن كان أداؤها مع رضا المديون الموجب لإبراء ذمّته بها قهرا، فلا يعود، و يسقط قطعا.

و إذا لم يكن منه أثر الإسقاط بارزا و ظاهرا، فأداء القيمة غير موجب لسقوط المباين، و الناقص لا يورث البراءة من الكامل عند أحد من العقلاء، و عند ذلك ربّما يشكل في وجوب أدائها، إلّا على القول ببدل الحيلولة في أداء القيمة أيضا كما لا يخفى، فلا يعتبر المراضاة إلّا في بعض الفروض و المباني.

و الذي هو الحقّ: أنّ أداء القيمة أجنبيّ عن المضمون، فإن حصل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 244

التراضي، فهو و إلّا فقد مرّ: من أنّ الظاهر عدم وجوب ردّها عند التعذّر «1»، و لا يأتي هنا حديث بدل الحيلولة «2»، لما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى «3».

هذا، و ما هو الأحقّ: إنّ الطريقة العقلائيّة على التخيير بين ردّ المثل و القيمة، لما مرّ «4» و سيأتي زيادة توضيح حوله «5»، و نتيجته سقوط هذه المباحث رأسا، كما أشرنا إليه سابقا.

الفرع الرابع عشر: في بيان ما يضمن به في المثليات و القيميات و أنّه قيمة يوم الخطاب
اشارة

قضيّة ما مرّ منّا في باب ضمان المثليّ و القيميّ أمران:

الأوّل: كان دأب الأقوام السابقة و ديدنهم على

ردّ المثل، و إذا تعذّر فيردّ الأقرب إلى التالف في الجهات المرغوب فيها، بل قضيّة ما سلف هو أنّ مع وجود المماثل في جميع الجهات، لا تعدّ العين تالفة في باب الضمانات، لأنّ الوحدة الشخصيّة محفوظة بحفظ جميع تلك الجهات، و هذا هو المقصود من «أصالة المثليّة».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 231.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 109- السطر 12- 13.

(3) يأتي في الصفحة 264.

(4) تقدّم في الصفحة 221- 222.

(5) يأتي في الصفحة 246.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 245

الثاني: بعد ما تعارفت النقود و الأثمان و بلغت منتهاها، صار بناء العقلاء على تدارك الخسارات بها، و يكون الثمن كالمثل، و هذا هو المقصود من «أصالة تخيير الضامن».

نعم، إذا وجد المثل الوافي بجميع ما في العين التالفة- بحيث يعدّ أنّه هي- فيتعيّن ذلك، و أمّا في غير هذه الصورة فلا دليل على تعيّن المثل أو القيمة، كما مضى.

ثمّ إنّ مقتضى المآثير في المقام أيضا ذلك، فإنّ الروايات مختلفة، فمن طائفة منها يظهر التضمين بالقيمة في المثليّات، كما في مآثير تضمين الدار و ما أحرق فيها من متاعها بالقيمة [1]، مع أنّ فيها من المثليّات قطعا، و من طائفة أخرى يظهر عكسها [2]، و قضيّة الجمع هو أنّ المقصود ليس إلّا تدارك المضمون و الخسارة، و لا يحتمل زائدا عليه، فتدبّر.

______________________________

[1] السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام، أنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم، فاحترقت، و احترق متاعهم، قال: «يغرم قيمة الدار و ما فيها، ثمّ يقتل».

تهذيب الأحكام 10: 231- 912، وسائل الشيعة 29: 279، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 41، الحديث 1.

[2] صفوان الجمّال، أنّه سمع أبا عبد اللّه

عليه السلام يقول: «من وجد ضالّة فلم يعرّفها، ثمّ وجدت عنده، فإنّها لربّها، أو مثلها من مال الذي كتمها».

الكافي 5: 141- 17، وسائل الشيعة 25: 460، كتاب اللقطة، الباب 14، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 246

و ما قد يقال: من أنّ قضيّة الإطلاقات ضمان القيمة و لو كان التالف مثليّا، و إذا قام الإجماع على المثل في المثليّ، يتعيّن ما ذهب إليه المشهور.

نعم، إذا وجد المثل اتفاقا في القيميّ، فبناء العقلاء على تعيّنه، إذا طلبه المالك، أو أدّاه الضامن، و لا دليل على خلافه، لأنّ القدر المتيقّن من الإجماعات المنقولة غير هذه الصورة.

غير قابل للتصديق، ضرورة أنّ المطلقات منصرفة إلى فرض القيميّات في مورد السؤال و الجواب، بعد دعوى بناء العقلاء على القيمة فيها، و الإجماعات المحكية مستندة إلى ظواهر غير تامّة، أو إلى البناءات العقلائية في عصور كانت الأثمان و النقود غير رائجة، بل كانت في غاية عزّة الوجود و ندرته، و لكنّها بعد ما صارت الآمال دائرة عليها، و لم يكن للشرع الأقدس طريق خاصّ في إفراغ الذمم بعد الضمان، فهي أقوى ما يتدارك به الخسارة مع كونها مباينة للتالف، فلاحظ و تدبّر جدّا.

تعيّن قيمة يوم الخطاب

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- اختلفوا في تعيين القيمة، فنسب إلى الأكثر أنّ المدار على يوم القبض «1».

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 6: 244- السطر 4، تحرير الأحكام 2: 139- السطر 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 247

و إلى الأشهر أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف «1».

و إلى الأكثر يوم التلف «2».

و نسب إلى جماعة من القدماء كالمفيد «3» و القاضي «4» و الحلبي «5» يوم البيع

«6».

و إلى جمع من المتأخّرين يوم الدفع «7».

و من المحتمل أعلى القيم إلى يوم الدفع، و منه أيضا يوم فعليّة التكليف بالتفريغ و الأداء.

و الذي هو التحقيق هو الأخير، ضرورة أنّ قيمة الشي ء ليست من الأوصاف الثابتة له، بل هي بحسب الأزمنة و الأمكنة مختلفة، فلا بدّ من إحدى الموجبات لتعيّنها، و هي هنا الأمر المتعلّق بردّ القيمة من غير تقييد، فإنّه ظاهر في قيمته يوم الخطاب.

و بعبارة أخرى: المدار على يوم تنجّز الأمر و تحتّم الخطاب، فلو كان

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 455- السطر 20.

(2) الدروس الشرعيّة 3: 113، الروضة البهيّة 2: 229- السطر 22.

(3) المقنعة: 593.

(4) لم نعثر عليه في «جواهر الفقه» و «المهذّب»، لاحظ مختلف الشيعة: 283- السطر 27.

(5) لم نعثر عليه في «الكافي»، لاحظ مختلف الشيعة: 283- السطر 27.

(6) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 111- السطر 24.

(7) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 41، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

104- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 248

العذر حال التلف موجبا لعدم تعلّقه، ثمّ بعد ما ارتفع تنجّز الحكم، فإنّه تجب قيمة ذلك الزمان و اليوم بالضرورة، لأنّها قيمة الشي ء على الإطلاق، و ما أفاده القوم في توجيه مرامهم، غير تامّ لا ينبغي الخوض فيه.

و يمكن أن يقال: إنّ قضيّة عهدة العين حال التلف، ضمان أعلى القيم إلى يوم الأداء، لبقاء شخص العين في الذمة.

و لو قيل: لا معنى لعروض الأوصاف عليها، بخلافها إذا كانت في الخارج.

قلنا: نعم، إلّا أنّ من الأوصاف المضمونة عزّة الوجود المورثة لتزايد القيمة السوقيّة، و هي متصوّرة في العين المعتبرة في الذمّة.

إن قلت: هي في الذمّة مستولية، و قاعدة «على اليد.» توجب ضمان المستولي عليه.

قلت: لا حاجة إلى الاستيلاء بقاء

في ضمان الأوصاف، فلو استولى عليها، ثمّ غصبها الغاصب، و صارت في يده ذات أوصاف قيميّة، فإنّها تكون بها مضمونة، فلو ردّها الغاصب فاقدة لها فعليه ما به التفاوت، للاستيلاء السابق، فما ذهب إليه العلمان من قيمة يوم الأداء «1»، غير تامّ.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 41، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

104- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 249

استعراض لرواية أبي ولّاد الحنّاط

هذا هو قضيّة القواعد، و يقتضيه بعض المآثير، و يساعده الاعتبار و العرف، و لمّا كان في المسألة معتبر أبي ولّاد الحنّاط المشتملة على فقرات ربّما تومئ إلى خلافها، فلا بدّ من ذكرها مع طولها حتّى يتبيّن مفادها:

ففي «الكافي» عنه قال: اكتريت بغلا إلى قصر ابن هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا، و خرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة، خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل، فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد، فاتبعته و ظفرت به، و فرغت ممّا بيني و بينه، و رجعنا إلى الكوفة، و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب البغل بعذري، و أردت أن أتحلّل منه لما صنعت و أرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصّة و أخبره الرجل.

فقال لي: ما صنعت بالبغل؟

فقلت: قد دفعته إليه سليما.

قال: نعم، بعد خمسة عشر يوما.

قال: فما تريد من الرجل؟

فقال: أريد كراء بغلي، فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوما.

فقال: ما أرى لك حقّا، لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة، فخالف و ركبه إلى النيل، و إلى بغداد، فضمن قيمة البغل، و سقط الكراء، فلمّا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 250

ردّ

البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء.

قال: فخرجنا من عنده، و جعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة، فأعطيته شيئا و تحلّلت منه، و حججت تلك السنة، فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة.

فقال عليه السلام: «في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها، و تمنع الأرض بركتها».

قال: فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فما ترى أنت؟

فقال: «أرى له عليك مثل كراء بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل، و مثل كراء بغل راكبا من النيل إلى بغداد، و مثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إيّاه».

قال فقلت: جعلت فداك، قد علفته بدراهم، فلي عليه علفه؟

فقال: «لا، لأنّك غاصب».

قال فقلت له: أ رأيت لو عطب البغل أو نفق، أ ليس كان يلزمني؟

قال: «نعم قيمة بغل يوم خالفته».

قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز؟

فقال: «عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه».

فقلت: من يعرف ذلك؟

قال: «أنت و هو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك».

فقلت: إنّي كنت أعطيته دراهم، و رضي بها و حلّلني.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 251

فقال: «إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته، فلا شي ء عليك بعد ذلك».

قال أبو ولّاد: فلمّا انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري، فأخبرته بما أفتى به أبو عبد اللّه عليه السلام و قلت له: قل ما شئت حتّى أعطيكه.

فقال:

قد حبّبت إليّ جعفر بن محمّد عليه السلام و وقع له في قلبي التفضيل، و أنت في حلّ، و إن أحببت أن أردّ عليك الذي أخذت منك فعلت «1». انتهى [1].

الفقرات التي يمكن الاستدلال بها و محتملاتها
اشارة

أقول: قد يشكل سندها، لاشتمالها على سوء حال أبي ولّاد، و لكنّه

______________________________

[1] في كتاب الحدود في حدّ الزنا باب 22 ما يفيدك للمسألة فراجع حديث 4 (أ).

أ- عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا بعضهم و جعلوا الجارية عنده فوطئها، قال: يجلد الحدّ، و يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها، و تقوّم الجارية و يغرم ثمنها للشركاء، فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أقلّ ممّا اشتريت به فإنّه يلزمه أكثر الثمن، لأنّه أفسدها على شركائه، و إن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أكثر ممّا اشتريت به يلزمه الأكثر لاستفسادها.

وسائل الشيعة 28: 119، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 22، الحديث 4.

______________________________

(1) الكافي 5: 290- 6، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 252

لا ينافي وثاقته المصرّح بها» [1].

و يتمّ البحث فيها حول بعض فقراتها:

الفقرة الأولى: قوله: «أ ليس كان يلزمني.» إلى آخره.

فتارة: يحتمل أن يراد منه أنّ البغل كان في عهدته إذا تلف، فأجيب بذكر قيمته، لأنّها هي التي يمكن أن تؤدّى، و يكون الظرف وقت الضمان.

و اخرى: أن يراد منه أنّ صاحب البغل يلزمه قيمته بحذف المفعول الثاني، فأجيب بما مرّ.

و ثالثة: أن يراد منه الحكم التكليفيّ، أي «أ ليس كان يجب عليّ أداء قيمته أو بغله» فأجيب بما مرّ، و يكون الظرف زمان تعلّق التكليف المنتزع منه الضمان قهرا.

و رابعة: أن يراد من قوله عليه السلام: «نعم» تصديق اللزوم.

و حينئذ تارة: يكون الظرف متعلّقا بالجملة التصديقيّة.

و اخرى: يتعلّق بالجملة التصوّرية، و هي كلمة «بغل» أو «البغل» على أن يكون مضافا إليه، أو صفة

و حالا.

فعلى الأوّل: لا يلزم قيمة يوم الضمان و المخالفة، و لا اليوم

______________________________

[1] قال شيخ الطائفة في حقّه: حفص بن سالم يكنّى أبا ولّاد الحنّاط ثقة، كوفي مولى جعفي.

الفهرست، الشيخ الطوسي: 62- 235.

قال النجاشي: أبو ولّاد الحنّاط (و قال ابن فضّال: حفص بن يونس) مخزوميّ روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ثقة، لا بأس به.

رجال النجاشي: 135- 347.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 253

الآخر من التلف و الدفع.

و على الثاني: يلزم قيمة يوم الضمان.

و قيل: «على جميع التقادير المفروضة يلزم قيمة يوم المخالفة» «1»:

أمّا على الثاني فواضح.

و أمّا على الأوّل، فلفهم العرف ذلك، فإنّه إذا قال: «يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل» فهو و إن كان ظاهره بحسب الصناعة كون الظرف متعلّقا باللزوم، إلّا أنّه بعد تماميّة الظهور يستفاد منه عرفا قيمته في ذلك اليوم، لأنّ إطلاقها ينصرف إليه.

و خامسة: أن يراد منه تصديق جميع ما في السؤال، أي: «نعم، يلزمك إذا تلف قيمة بغل يوم خالفته» فلو كان «اليوم» من قيود الفعل يلزم التهافت بين ما يفيده مفهوم «التلف» و ما تفيده الجملة بعد التقيّد ب- «اليوم» فإنّه على الأوّل يكون ظاهرا في يوم التلف، لفهم العرف ذلك و على الثاني ينعكس، و يكون ظاهرا في يوم الضمان.

و إذا كان من قيود «البغل» و يكون من قبيل إضافة «الثلج» إلى «الصيف» و «الشتاء» يرتفع التهافت، و يلزم قيمة يوم التلف.

و هكذا إذا قلنا: بأنّه من قيود الفعل، و لكنّه ظرف جعل الضمان، و يوم التلف ظرف إيجاب الأداء، و لكنّه مستبعد جدّا.

و لعلّ أقرب المحتملات هو الأخير، و ذلك لأنّ كلمة «نعم» تصديق

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 153- 16.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 254

لجميع ما في السؤال، بعد معلوميّة أصل الضمان للسائل، على ما يستفاد من تعبيره، و لا معنى لإيجاب القيمة مع وجود العين، فلا بدّ من فرض تلفها بعد ذلك، فيكون هكذا: «يلزمك قيمة بغل يوم خالفته إذا تلف» و عندئذ يتعيّن كونه من قيود البغل و حالاته.

و سادسة: أن يراد من كلمة «نعم» تصديق الضمان، و من الكلمة الثانية دفع توهّم: أنّ المضمون هي العين، و أنّ المدار على يوم التلف، بل المضمون هي القيمة، و المدار على يوم المخالفة، و هذا الاحتمال أيضا غير بعيد.

ثمّ إنّ استقرار الظهور في غاية الإشكال، لاختلاف النسخ في المقام، مع تفاوت الظهورات، ضرورة أنّه على الاحتمال الأوّل يلزم قيمة يوم الأداء، و هكذا على الاحتمال الثالث، و على الاحتمال الثاني تكون الصحيحة ساكتة عن قيمة أيّ يوم، و على سائر الاحتمالات قد مرّ لوازمها، فلا نعيدها.

و حيث قد عرفت: أنّ قضيّة القواعد لزوم قيمة يوم تعلّق التكليف بالقيمة، لا يوم الضمان، و لا سائر الأيّام، و هذه الفقرة مجملة من حيث الحكم، فلا ظهور مصادم لها، فليتدبّر.

الفقرة الثانية: قوله «فإن أصاب البغل كسر.» إلى آخره.

و فيه من الاحتمالات ما يبلغ أكثر من عشرة و عشرين، و الذي هو الأظهر كونها في مقام جعل الحكم التكليفيّ، لا إفراغ الذمّة المشغولة، و لا جعل الحكم الوضعيّ، و لا الأعمّ بإيجاب ردّ القيمة الثابتة بين المعيب و الصحيح، من غير التعرّض ليوم من الأيّام.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 255

إلّا أنّ قضيّة ما سلف منّا «1»، أنّ تعيّن القيمة المبهمة تنجّز التكليف، فإنّه يورث تعيّن قيمة يوم فعليّة الحكم و تنجّزه، فعليه تكون جملة «يوم تردّه» متعلّقة بقوله: «عليك» من

غير لزوم الإشكال العقلي، ضرورة أنّ الضمير يرجع إلى «البغل» و كان المفروض تحقّق يوم ردّ البغل، فليس يوم ردّه قيدا للتكليف المذكور، حتّى يلزم عدم وجوبه إذا عصى و لم يردّ البغل.

و الذي يوجب استقرار ظهورها فيما مرّ، كون الجملة الأخيرة فعليّة، فإنّها تقتضي كون الجملة الابتدائيّة أيضا فعليّة بلا شبهة، فافهم و تدبّر جيّدا.

و لو قيل: على هذا تكون الجملة ظاهرة في يوم التلف، لقوله: «فإن أصاب البغل.» فإنّه إذا أجيب بما مرّ يتعيّن يوم التلف عند الإطلاق.

قلنا: نعم، و لكنّه لا لأجل كونه يوم التلف، بل لأجل فعليّة الخطاب، فلو أتلفه الصغير فإنّه ضامن، و لكنّ القيمة ليست منصرفة إلى القيمة المعيّنة ما دام لم يلتحق به التكليف، لأنّ حال جعل الضمان و اعتبار كون القيمة في العهدة، حال إهمال القيمة من جهة الأيّام الممكنة، بخلاف حال الخطاب و تنجّز الحكم، فإنّه لا بدّ من لحاظ يوم، و هو عند الإطلاق يكون يوم فعليّة الحكم التكليفيّ و تنجّزه، فليتدبّر.

ثمّ إنّ رجوع «اليوم» إلى كلّ واحد من القيود السابقة عليه، يستلزم تضيّق الحكمين: الوضعيّ، و التكليفيّ، و اشتراطه بيوم الردّ، و هو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 247- 248.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 256

ممنوع قطعا. بل يستلزم كون الردّ الموجب لإفراغ الذمّة مورثا لاشتغالها، و هو محال.

و توهّم: أنّه يوم كشف استقرار الضمان، غير تامّ، لأنّه مجرّد فرض لا يساعده الدليل، فعليه يتعيّن كونه ظرف القضيّة السابقة على نعت الحينيّة، لا الشرطيّة و التقييديّة. و يساعده ما عن «الجواهر» من انحذاف كلمة «يوم» في بعض النسخ الموجودة عنده «1».

الفقرة الثالثة: قوله «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا، فيلزمك».

و هو ظاهر في أنّ أخذ العين يورث الضمان، إذا انقلبت اليد

الأمانيّة إلى الخيانيّة، فالتعقّب المذكور شرط كونها موجبة للضمان من الأوّل، و تكون العين يوم الاكتراء بقيمتها في العهدة. فما أفاده القوم:

«من ظهوره في يوم الضمان و المخالفة» غير قابل للتصديق، فيلزم التهافت بين مفاد الجمل.

هذا، و لكنّ الإنصاف شاهد على أنّ ذكر يوم الاكتراء، ليس إلّا لأجل إمكان الاطلاع فيه على القيمة، و لا يختلف قيمة البغل في العصور السابقة في هذه المدّة القليلة، و هي خمسة عشر يوما، فهذه الجملة لا تدلّ على شي ء في المسألة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 37: 102.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 257

سكوت الروايات الأخرى عن تعيين قيمة أيّ يوم من الأيّام

ثمّ إنّ في المقام روايات أخر متفرّقة في الأبواب المختلفة [1]، و لا دلالة لها على خلاف ما أردناه، و قضيّة القواعد ليست إلّا ضمان المثل و القيمة، مع إهمالها من جهة قيمة أيّ يوم من الأيّام، ضرورة أنّ جعل الضمان لا يستلزم لحاظ الحكم التكليفيّ، و لا كون المتكلّم في مقام البيان من تلك الجهة، فقوله مثلا: «من أتلف مال الغير فهو ضامن» لا يدلّ إلّا على أصل الاشتغال و هكذا الغاية في قاعدة «على اليد.» ليست في مقام إفادة وجوب التأدية، فالأدلّة اللفظيّة ساكتة عن قيمة اليوم الخاصّ، أو مجملة، فافهم و تأمّل جيّدا.

______________________________

[1] أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقّه على الراهن فأخذه، و إن استهلكه ترادّا الفضل بينهما.

محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدّى الفضل إلى صاحب الرهن، و إن كان الرهن أقلّ من ماله فهلك الرهن

أدّى إلى صاحبه فضل ماله، و إن كان الرهن يسوّى ما رهنه فليس عليه شي ء.

سدير، عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يأتي البهيمة، قال: يجلد دون الحدّ و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه، و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلد دون الحدّ.

وسائل الشيعة 18: 386، كتاب الرهن، الباب 5، الحديث 2، و 392، الباب 7، الحديث 4، و 28: 358، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 258

تنبيهات

الأوّل: حول جعل معتبرة أبي ولّاد اليمين على المدّعي

ظاهر معتبرة أبي ولّاد، أنّ اليمين على المدّعي، ضرورة أنّ قضيّة اختلاف المالك و الغاصب في القيمة، اتفاقهما في بعضها، و اختلافهما في الزيادة، فيكون المالك مدّعيا إيّاها، و عليه البيّنة، لا الحلف، حسب النصّ و الفتوى.

و يمكن قلب الدعوى، بأن كانا متّفقين في القيمة إلى يوم التلف، و مختلفين في تنزّلها يوم التلف، فيصير المالك منكرا للنزول، و عندئذ يشكل الأمر الآخر: و هو كون البيّنة عليه، كما هو ظاهرها أيضا، و هو خلاف القواعد أيضا، فيلزم ارتكاب أحد الخلافين.

و حمل القضيّة الثانية على الصورة الأخرى، خلاف الظاهر جدّا، و هي ما لو اتفقا على عدم تفاوت قيمته السابقة إلى يوم التلف، و اختلفا فيها من حيث الزيادة و النقصان، فيكون المالك مدّعيا إيّاها، و الغاصب منكرا.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 258

أقول: الظاهر أنّ قوله: «قلت: فإن أصاب البغل.» إلى

آخره، أجنبيّ عن المسائل السابقة، و لا ربط له بها جدّا، و إرجاع بعض الضمائر في ذيلها إلى تلك الواقعة ممنوع، لأنّ البحث هناك حول التلف، و خسارة المنافع المستوفاة، و هنا حول النقصان و العيب الوارد، من غير

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 259

النظر إلى مسألة قيمة يوم المخالفة و التلف، حتّى يقال: بأنّ ذيلها يورث ظهور الصدر في أنّ المدار على يوم التلف، كما أشير إليه و عرفت.

فما اشتهر من إرجاع قوله: «فمن يعرف ذلك؟» إلى قيمة البغل، أو إرجاعها إلى قيمة ما بين الصحيح و الفاسد، كما عن المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- «1» غير تامّ، لأنّ المشار إليه بتلك اللفظة بعيد و مذكّر، لا قريب و مؤنّث، و لا بعيد و مؤنث، و هو الكراء الذي هو مورد النظر في الواقعة، دون تلف العين و عيبها، من الكسر و غيره. و المساهلة في مرجع الضمائر صحيحة، إلّا أنّ القرينة المشار إليها ناهضة على ما ذكرناه.

و المراد من «القيمة» في ذيلها قيمة المنفعة.

و ما اختاره الوالد- مدّ ظلّه- و إن استلزم كون المالك منكرا، إلّا أنّ ظهور الذيل في اتحاد القضيّتين غير محفوظ، و هو الكراء.

و أمّا بناء على ما احتملناه فعلى المالك الحلف، لاتفاقهما و اطلاعهما على القيمة و الكراء إلى قصر أبي هبيرة، و إذا كانت هي معلومة إلى هناك، فيعلم ادعاء الغاصب خلاف ما هو المعلوم بالنسبة، و في هذا الوجه يحفظ الظهورات، و يطرح ظهور القضيّة في الوحدة، أو يؤخذ به، و يحمل على التخصيص في عمومات ما ورد: من أنّ «البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر» [1].

______________________________

[2] عن أبي عبد اللّه عليه السلام-

في حديث فدك- إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: أ تحكم

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 417.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 260

و من الممكن دعوى: أنّ هذه القضيّة ليست في مقام المراجعة إلى الحاكم، و لذلك وقعت هكذا. و يشهد له قوله عليه السلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود.» مع أنّه لا معنى له، لكفاية الشاهدين فالمقصود هو الأمور المتعارفة بين الناس، من الحلف، و المراجعة إلى الموثوقين في هذه الأمور، فتأمّل.

الثاني: في نقصان إحدى صفات المضمون الحقيقيّة أو الانتزاعيّة أو الاعتباريّة

لو نقص المقبوض فاسدا في إحدى صفاته الوجوديّة الحقيقيّة، أو الانتزاعيّة، أو الاعتباريّة، فهل يجب تداركها مطلقا «1»؟

______________________________

فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شي ء يملكونه، ادّعيت أنا فيه، من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شي ء فادّعى فيه المسلمون، تسألني البيّنة على ما في يدي؟ و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بعده، و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوه عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم- إلى أن قال-:

و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: البيّنة على من ادّعى، و اليمين على من أنكر.

تفسير القمّي 2: 156، وسائل الشيعة 27: 293، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الباب 25، الحديث 3.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 110- السطر 25، تذكرة الفقهاء 2: 387- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 261

أو لا يجب، إذا عادت تلك الصفة حين ردّ العين «1»؟

أو يقال بالتفصيل بين الوصف القابل للزيادة، كالسمن، و ما

لم يكن كذلك، كوصف الصحّة، فلو زال السمن و رجع ضمن، بخلاف ما إذا عادت الصحّة «2»؟

و قيل بالتفصيل بين ما يعدّ عند العرف من إعادة المعدوم، و بين ما هو الوصف الحادث «3».

فيه وجوه و أقوال:

فعن «التذكرة» ضمانه مطلقا، و هو الأوفق بالقواعد، لأنّه إذا تلف الوصف و ما يبذل بإزائه المال عند العقلاء، يكون مضمونا. و هذا هو مقتضى «على اليد.» الدالّة على ضمان الأوصاف مع بقاء العين إلى الردّ، كما هو المختار في مفادها. و لو كان التلف غير سماويّ يشمله دليل الإتلاف و القواعد العرفيّة أيضا بلا شبهة. هذا بحسب الكبرى الشرعيّة.

نعم، ربّما تقع الشبهة في بعض الصغريات في المسألة، كعود وصف الصحّة، فإنّه عند العرف يعدّ من عود التالف، لا حدوث الوصف الآخر حتّى يكون مضمونا.

و من هذا القبيل عود كلّ وصف مشابه للزائل في الماهيّة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 102- السطر 27.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 103- السطر 18.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 416.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 262

و القيمة، لأنّها هي في الاعتبار عند العرف و العقلاء، و قد عرفت تفصيل ذلك مرارا في الكتاب حتّى في العين التالفة، فإنّه ما دام يوجد لها الماثل الكلّي ليست تالفة عند العرف.

و إن شئت قلت: لا مالكيّة للمالك بالنسبة إلى الأوصاف المماثلة في الرغبات، و المتّحدة في الماهيّات، حتّى يكون بياض العين مضمونا بالتلف فإذا صارت بيضاء فردّها إليه، يكون عليه ضمانه زائدا على ما وقع تحت يده.

و بالجملة: فضمانه قبل عوده بلا شبهة، و بعد العود أيضا كذلك، إلّا في بعض المواقف المشار إليها.

و لكنّه مع ذلك كلّه يتقوّى الضمان، ضرورة

أنّه لو عاد الوصف بعد الردّ إلى المالك، يكون ضمانه باقيا و لو كانت الصفة من الأوصاف المذكورة، و قصور مالكيّة المالك لو كان تامّا، يلزم ذلك في الأوصاف المتضادّة أيضا غير المجتمعة في الوجود، فإنّه لا يصحّ أن يقال بعدم ضمان وصف البياض، إذا زال و طرأ وصف السواد المتّفقين في القيمة، مع أنّ المالك لا يعقل مالكيّته لهما معا، فعليه يتعيّن- على حسب ما يتراءى- ضمان جميع ما حدث في العين، سواء عاد، أم لم يعد.

ثمّ إنّ هذا مقتضى قواعد الشكّ، لأنّ الشكّ في سقوط الضمان بعد ثبوته.

نعم، إذا حدث العيب، فزاد ثمّ عاد، فلا يجب إلّا قيمة يوم الحدوث، لا يوم الزيادة، لأصالة البراءة عن الزائد.

و توهّم: أنّ المضمون عنوان «القيمة» و هو لا يسقط إلّا بالأكثر،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 263

مدفوع لما بينهما من السببيّة، كما لا يخفى.

الثالث: في ضمان القيمة السوقيّة

الأوصاف كلّها مضمونة إذا كانت مقوّمة عند العرف، سواء كانت حقيقيّة، أو انتزاعيّة، أو اعتباريّة، كعزّة الوجود و كثرته. و الاختلافات السوقيّة إن رجعت إلى الصفة الاعتباريّة في العين، تكون مضمونة، و إذا كانت لتفاوت نفس السوق- بأن يكون بناء أهل سوق على الإجحاف في القيمة، و بناء الآخرين على الإنصاف فيها، مع اتّحاد الأعيان من جميع الجهات- فإنّه حينئذ ليس الزائد مضمونا.

بل قد يتّفق في بلد واحد ذلك الاختلاف المذكور، فكما أنّ الأزمنة دخيلة في اختلاف القيم، كذلك الأمكنة.

و لكنّ المدار على مكان تعيّن القيمة، فلو تلفت العين في مكان، و كانت القيمة مضمونة، فإن أوجب الشرع ردّها بعد الضمان، تعيّن قيمة محلّ التلف، و إلّا فيتعيّن قيمة محلّ تعيّن التكليف و قد عرفت وجهه في الزمان.

و لو اتّفق

مكان التكليف و التلف، و اختلفت أسواقه في تعيين القيمة- مثلا اشترى المالك ماله من السوق الذي فيه قيمته خمسون، لأنّ الاشتراء منه له العنوان الخاصّ الراغبة فيه ضعاف العقول، و هو في السوق الآخر عشرون- فإنّه لا يبعد ضمان ذلك الوصف أيضا، و للضامن إعطاء المثل مع رعاية الوصف المذكور.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 264

هذا، و لكنّ المسألة بعد لا تخلو من نوع غموض.

الرابع: في بدل الحيلولة
اشارة

إذا لم يتيسّر ردّ العين إلى مالكها، إمّا لوجودها في يد قاهرة، أو لأمر آخر، فمقتضى الاتفاق عدم وجوب المثل و القيمة، لظهور أدلّتهما في التلف، و يلحق به التلف العرفيّ.

و أمّا إذا كانت العين موجودة مرجوّة العود إلى الضامن، فهي- حسب تلك الأدلّة- ليست مضمونة بالمثل و القيمة، فيصبر صاحبها إلى أن يتيسّر له ردّها، و ذلك لفهم العرف من المآثير الآمرة به في الدين [1]، فإنّ النظرة إلى ميسرة لا تختصّ بموردها.

فما قد يقال: من لزوم بدل الحيلولة، ظنّا أنّ الأدلّة العامّة، و إطلاق الفتاوى في مسألة اللوح المغصوب في السفينة، و مناسبات الحكم و الموضوع، تقضي بذلك «2»، غير قابل للتصديق، ضرورة أنّ قاعدة السلطنة

______________________________

[1] كما في رواية حنان بن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يبعث يوم القيامة قوم تحت ظلّ العرش وجوههم من نور و رياشهم من نور جلوس على كراسي من نور- إلى أن قال-:

فينادي مناد هؤلاء قوم كانوا ييسّرون على المؤمنين، و ينظرون المعسر حتّى ييسر.

و رواية معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من أراد أن يظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا

ظلّ إلّا ظلّه فلينظر معسرا أو ليدع له من حقّه.

راجع وسائل الشيعة 18: 366- 368، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 25، الحديث 1- 9.

______________________________

(2) المبسوط 3: 86، الخلاف 3: 409، ذيل المسألة 22، تذكرة الفقهاء 2: 396- السطر 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 265

أجنبيّة عن إيجاب التدارك و إثبات الضمان، و للضامن التمسّك بها لمنع تسليط المالك على البدل.

و أمّا قاعدة اليد، فهي- على ما تقرّر عندنا «1»- ظاهرة في لزوم تدارك الخسارة المتوجّهة إلى المأخوذ، و لزوم رفع الموانع عن وصولها إلى صاحبها، و لزوم إرجاعها إليه لو انتقلت إلى البلاد النائية، و تكون الخسارة على المستولي، و أمّا إعطاء شي ء عوضا و بدلا جبرانا للخسارة، فهو غير مستفاد منها، كما لا يخفى.

و إن شئت قلت: يجب تدارك الخسارة المتوجّهة إلى المالك من قبل العين بحصول نقصان فيها وصفا، لا الخسارة المتوجّهة إليه بعدم كونها في يده، و عدم تسلّطه عليها، و بالحيلولة بينه و بينها.

و أمّا قاعدة الإتلاف، فهي لا تدلّ إلّا بالوجه الآتي في بيان اقتضاء المناسبات ضمان البدل.

و أمّا قاعدة «لا ضرر.» فهي عندنا عامّة نافية و ناهية مشرّعة، توجب جبران الخسارة، و تثبت الضمان «2»، فهي لا تنفع في المقام، لأنّه لا ضرر من قبل الضامن.

نعم، يثبت بها وجوب الخسارة في الغاصب.

و تقريب الاستدلال: بأنّ الصبر إلى حين الوصول ضرر على

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 186 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 202 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 266

المالك «1»، مزاحم بأنّ إلزام البدل ضرر على القابض، فما هو المنفيّ ليس الضرر غير المستند إلى أحد، حتّى يجب تداركه من

أموال الآخرين، أو من بيت المال، فما أفاده السيّد رحمه اللّه غير وجيه جدّا.

و أمّا اقتضاء المناسبات ضمان البدل، بدعوى أنّ ضمان اليد و التلف، لا خصوصيّة لهما إلّا لأجل حصول الحيلولة بين المال و ربّه، و في الحقيقة ما هو السبب الوحيد للضمان هي الحيلولة، و هذا بلا فرق بين المطلقة و الموقّتة، و بين المعلومة و المشكوكة و المظنونة، فنفسها توجب الضمان، فلا بدّ من التدارك، إلّا إذا كانت مدّتها قصيرة جدّا «2».

فهو أيضا غير كاف، ضرورة أنّ ضمان اليد ليس عقلائيّا في مورده، فضلا عن الفروض الآخر، فالتعدّي غير جائز، و لا تكون الحيلولة المطلقة سببا للضمان، للزوم خروج الكثير من تحتها، كما لا يخفى.

و تماميّة المدّعى في الغصب، بفهم بناء العقلاء على إعطاء البدل في الجملة، لا تفي بما هو المقصود بالأصالة في المقام، فلا تغفل، و تدبّر تدبّرا تامّا.

بل التزام العرف بتسليم البدل ممنوع، و غاية ما يلتزمون به تدارك الخسارة بردّ الأرش، أي قيمة ما بين العين الموجودة في يد المالك، و ما ليست كذلك، أو بردّ الأجرة، أو بردّ ما كان ينتفع المالك به في أيّام

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 106- السطر 31.

(2) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 437.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 267

الحيلولة بانجبار خسارته الشخصيّة. و لو سلّمنا تسليم البدل، فهو أحد أفراد الواجب التخييريّ، و لا وجه لتعيّنه.

و توهّم: أنّ قضيّة الجمع بين الحقّين تعيّن البدل «1»، غير تامّ، لاستلزامه أوّلا: وقوع الغاصب أحيانا في الخسارة الزائدة، و لا دليل على جوازها، و ما اشتهر: «أنّه يؤخذ بأشقّ الحال» «2» لا دليل عليه [1]، كما صرّح به الشيخ

قدّس سرّه «3».

و ثانيا: إذا كان ملتزما بتدارك جميع ما يدّعيه المالك، فلا حقّ له حتّى يلزم جمعه.

ثمّ إنّ تفصيل هذه المسألة- لاختصاصها بالغصب- في كتابه. فما اشتهر من التزام جماعة ببدل الحيلولة في المقبوض بالعقد الفاسد، غير تامّ.

لزوم بدل الحيلولة بناء على ضمان العين

نعم، بناء على كون العين مضمونة في العقد الفاسد، و لزوم تدارك

______________________________

[1] و يحتمل كونه مصطادا من معتبرة أبي ولّاد، فإنّه عليه السلام قال في مقام التشديد: «لأنّك غاصب» (أ) فتدبّر [منه قدّس سرّه].

أ- تقدّم في الصفحة 249- 251.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 2: 207- السطر 41، جواهر الكلام 37: 77، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 111- السطر الأخير، و 112- السطر 1.

(2) انظر جامع المقاصد 6: 256، جواهر الكلام 37: 104.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 268

خسارتها بالمثل و القيمة، فهو واجب أيضا فيما كان الضامن عاجزا عن ردّها عقلا و عرفا، بل و شرعا، بأن كان ردّه ضررا عليه، أو حرجا، أو مستلزما لارتكاب المحرّم الأهمّ، و ذلك لعدم تقوّم لزوم التدارك بالتلف بعنوانه، لعدم أخذه بمفهومه في مفاد قاعدة اليد التي هي الدليل الوحيد في المقام، فمن أخذ و استولى على مال الغير، عليه ذلك بشخصه، أو بمثله و قيمته عند ما لا يتمكّن من أدائه و لو شرعا. و حكم العقلاء في هذه المواقف، جبران الخسارة بردّ المثل أو القيمة بالوجه الذي مضى تفصيله «1».

و لو أشكل في مفاد القاعدة بوجه تقرّر، فقضيّة قاعدة الإقدام- على ما عرفت تقريبها «2»- لزوم ردّ القيمة أو المثل إذا لم يتمكّن من أداء المضمون، فلا خصوصيّة للتلف، بل المدار على أمر آخر أوسع منه قطعا.

حول خروج العين التالفة عرفا عن ملك صاحبها و تملّكه الغرامة

ثمّ إنّه لا إشكال في خروج العين المقبوضة عن ملكه بالتلف الحقيقيّ، فهل هي خارجة عنه في التلف العرفيّ؟ بعد عدم الإشكال في عدم خروجها في الصورة الثالثة: و هي ما لم يتمكّن الضامن من الردّ لعذر شرعيّ.

فيه وجهان: من أنّها كالتالفة، و من

أنّه لا دليل على أنّها مثلها في

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 220 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 197- 198.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 269

جميع الجهات، فلا وجه لخروجها عنه. و قضيّة الاستصحاب بقاؤها.

و توهّم: أنّ ثبوت حقّ مطالبته المثل و القيمة، موقوف على خروجه و إعراضه، غير مبرهن، بل العرف مساعد على الأمرين. و لو سلّمنا عدم مساعدته على الأوّل فمقتضى الأصل بقاؤها.

فعلى هذا، فهل يتملّك الغرامة مع مالكيّته للعين؟

أو يستباح له التصرّف في الغرامة بجميع التصرّفات، حتّى الموقوفة على الملك؟

أو تكون ملكيّتها موقّتة منجّزة؟

أو معلّقة أو متزلزلة، و يكفي في صحّة التصرّفات الناقلة الملكيّة المعلّقة و المتزلزلة، كما تكفي الإباحة المطلقة، على ما مضى منّا تحقيقه «1»، بل هو المشهور كما في المعاطاة؟

أو هو بالخيار بين الإعراض عن ماله، و تملّكه الغرامة المثل و القيمة؟

أو نفس تملّكها يستلزم خروج العين عن ماله قهرا، قضاء لحقّ امتناع الجمع بين العوض و المعوّض؟

أو يفصّل بين ما إذا أدّى المثل، و بين ما أدّى القيمة، فإنّه في الثاني ما يؤدّيه قيمته، فلا بدّ أن تخرج العين عن ملكه، و تدخل في ملك الضامن، بخلافه في الأوّل، فإنّ أداء المثل لا يستلزم ذلك؟

و بعبارة أخرى: يمكن استيفاء المنافع من المثل، فأداؤه لا يستلزم

______________________________

(1) لاحظ ما تقدّم في الصفحة 117 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 270

زوال الملكيّة من الطرفين، بخلاف القيمة، فإنّها غير قابلة للاستيفاء إلّا بالتصرّف الناقل نوعا، فهي ملازمة للزوال من الجانبين؟

أو يقال بالتفصيل بين الصورة الثانية و الثالثة، ففي التلف الحقيقيّ فهي خارجة، و يتملّك المالك الغرامة، دون الثالثة، فإنّ العين في ملك صاحبها قطعا، و

على الضامن أداء القيمة و المثل على نعت التمليك، أو ما يقوم مقامه، حتّى يتمكن المالك من أيّ تصرّف شاء في ذلك؟

فيه وجوه.

و الذي يظهر لنا: أنّه إذا أدّى المثل و القيمة حسب نظر العرف، أو قاعدة اليد و الإقدام على ما عرفت، فهي خارجة عن ملكه، لأنّ لازمه العرفيّ ذلك بلا إشكال و شبهة.

و من هنا يظهر الفرق بين قول الأعلام ببدل الحيلولة، و بين قولنا بالقيمة و المثل إذا كانت العين موجودة ممنوعة الردّ بالشرع أو العرف و العقل. مع أنّه لا دليل لهم على ما يدّعون، و قضيّة العمومات ثبوت المثل و القيمة في الصور الثلاث.

و دعوى: أنّ بدل الحيلولة ليس إلّا المثل و القيمة، ممنوعة، لأنّ من الممكن إيجاب المثليّ في القيميّات بعنوان البدل، و القيميّ في المثليّات، فإنّه لو غصب مثلا حمارا، و كان المغصوب عند الأسد، و لا يتمكّن الغاصب من ردّه، أو يتمكّن، و لكنّه ممنوع شرعا، لاحتمال الخطر، فإنّه يجب بعنوان بدل الحيلولة تسليم الحمار أو البغل في أيّام العذر، و هذا غير المثل و القيمة المقصودين في الصورة الاولى و الثانية

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 271

بالضرورة.

فبالجملة: جواز تعدّي المضمون له بقبول المثل و القيمة، موقوف على انصرافه عن حقّه المتعلّق بالعين المضمونة.

حكم صبر صاحب العين إلى أن يرتفع العذر

نعم، إذا كان يصبر إلى أن يرتفع العذر، فهل له على الضامن شي ء، أم لا؟ فيه وجهان، و قد قرّرنا في مسألة المنافع غير المستوفاة تقريب قاعدة اليد «1»، إلّا أنّ الأقوى عدم ثبوت شي ء له عليه، و الخسارة مستندة إلى اختياره، كما في خيار العيب، و لا دليل في هذا المقام على جبران مثلها، كما هو الظاهر.

ثمّ إنّ قضيّة

ما سلكناه في هذا المضمار، سقوط الفروع المتفرّعة على مذهب القوم من القول ببدل الحيلولة، مع أنّها كلّها في كتاب الغصب، و ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من اشتراك المسألتين في الضمان «2»، و أنّ الجهة المبحوث عنها هناك العين بما هي مضمونة، لا مغصوبة، و هي مشتركة، غير واف، لاختلاف نظر الشرع- فضلا عن العرف- بين الغاصب و الضامن. و يشهد له قوله عليه السلام في الصحيحة السابقة: «لأنّك غاصب» «3» فلا تغفل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 218.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 4.

(3) تقدّم في الصفحة 249- 251.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 273

المقصد الثاني في شروط المتعاقدين

اشارة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 275

الشرط الأوّل: البلوغ

اشارة

على المشهور، بل المحكيّ عليه الإجماعات الكثيرة «1»، و في «الجواهر»: «بل ربّما كان كالضروريّ» «2» انتهى.

و الخلاف في حدّ البلوغ، لا يعدّ من المخالفة في هذه المسألة، و تفصيله في كتاب الحجر، فلا يكون ابن الجنيد رحمه اللّه من المنكرين لاشتراط البلوغ «3».

نعم، من عباراتهم يظهر وجود المخالف في المقام، و ربّما نسب إلى الأردبيليّ قدّس سرّه «4» و حيث تكون المسألة ذات رواية، فلا تنفع هذه الاتفاقات، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 523- السطر 33، تذكرة الفقهاء 2: 73- السطر 25.

(2) جواهر الكلام 22: 261.

(3) لاحظ مختلف الشيعة: 423- السطر 14، جواهر الكلام 26: 16.

(4) جواهر الكلام 22: 261، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 28، مجمع الفائدة و البرهان 8: 151- 153.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 276

حول دلالة آية ابتلاء اليتامى على شرطيّة البلوغ

ثمّ إنّ قضية العمومات، عدم شرطيّة شي ء غير ما هو الدخيل في وجود الموضوع، و البلوغ ليس منه قطعا.

و ما هو الدليل على التقييد و التخصيص- مضافا إلى ما مضى- الآية الشريفة في سورة النساء وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ «1».

فإنّها ظاهرة في شرطيّة البلوغ و زيادة، و هو الرشد، سواء قلنا: بأنّ كلمة حَتَّى ابتدائيّة، أو للغاية.

و التحقيق: أنّها أجنبيّة عن المسألة، لأنّ البحث هنا حول عقد الصبيّ، سواء كان يتيما، أو لم يكن، و الآية ناظرة إلى حفظ أموال اليتامى عن الضياع، و حفظ اليتامى عن الوقوع في المهالك، لأنّهم إذا كانوا غير رشيدين، و لا بالغين حدّ الرجال، تكون أموالهم مطمع أنظار السارقين و الخائنين، فلا بدّ من بلوغهم إلى حدّ يمكنهم الدفاع عن أنفسهم و أموالهم، كسائر الناس،

فلا يجوز تسليم مالهم إليهم و تسليطهم عليه، و ليست ناظرة إلى تصرّفاته و عقوده و إيقاعاته.

و لعلّ المقصود من «بلوغ النكاح» ليس ما فهمه الجمهور، بل المقصود هو بلوغ الزواج، و هو في السنّ الأكثر من البلوغ الشرعيّ.

و يشهد له قوله تعالى في ذيلها:

______________________________

(1) النساء (4): 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 277

وَ لٰا تَأْكُلُوهٰا إِسْرٰافاً وَ بِدٰاراً أَنْ يَكْبَرُوا «1».

فإنّه لا يطلق «الكبير» على البالغ تسعا و خمسة عشر. و يؤيّده أنّه إذا تزوّجت أو تزوّج، فكأنّه يخرج من اليتم، و يتقوّى بالمصاهرة، فلا تخونه يد الخونة.

هذا مع أنّ من المحتمل قويّا، كون الغاية داخلة في المغيّا، و بذلك يدفع توهّم جواز دفع المال إلى البالغ غير الرشيد «2»، و توهّم كون البلوغ قيدا و جزء «3»، فإنّ العقلاء لا يرون الدخيل إلّا الرشد، فهذا سبب لظهور الآية فيما ذكرناه، فلا ينبغي الغفلة عن مناسبات الحكم و الموضوع في المقام جدّا.

و الذي يؤيّد ذلك: أنّ جواب الأمر قوله تعالى فَإِنْ آنَسْتُمْ فتكون جملة حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا من تتمّة الجملة الاولى.

و لو سلّمنا ظهور الغاية في خروجها عن المغيّا كما لا يبعد، فلا نسلّم كونه دليلا على أنّه جزء الموضوع، بل الظاهر- لأجل ما ذكرناه- كونه أحد الموضوعين، أو كونه ملازما للرشد نوعا، فيكون الرشد تمام الموضوع أيضا، إلّا أنّه قبل البلوغ لا بدّ من الاختبار، و بعده لا حاجة إليه، لقيام الأمارة النوعيّة عليه، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

و ممّا يشهد على أنّ الآية أجنبيّة عن بحث معاملة الصبيّ و اليتيم،

______________________________

(1) النساء (4): 6.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 5.

(3) لاحظ منية الطالب 1: 169- السطر 23- 24، البيع، الإمام الخميني

قدّس سرّه 2: 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 278

أنّ الظاهر منها كون إيناس الرشد تمام الموضوع لجواز الدفع، مع أنّ ما هو الشرط في صحّة المعاملة نفس الرشد، و الالتزام بأنّه جزء الموضوع، يستلزم ضمان من عنده مال اليتيم، مع أنّه محسن، و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1».

و لعمري، إنّ الأمر بالابتلاء ليس إلّا لاستئناس الرشد، لا البلوغ، و لا هما معا، و المقصود من «الإيناس» ليس إلّا أن يكون اليتيم غير مضيّع أمواله مع أصدقائه في مصارف غير صحيحة، فهي أجنبيّة عن المسألة، خصوصا بعد ملاحظة أنّ أموال اليتامى، ليست موضوعة للتجارة إلّا ندرة، و دعوى أن المفروض في الآية ذلك، غير مسموعة.

التمسّك ببعض الروايات الدالّة على إرادة الرشد من الآية السابقة

ثمّ إنّ في الروايات ما يورث تعيّن احتمال السابق، و هي صحيحة العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها.

قال: «إذا علمت أنّها لا تفسد و لا تضيع».

فسألته: إن كانت قد زوّجت؟

فقال: «إذا زوّجت فقد انقطع ملك الوصيّ عنها» «2».

______________________________

(1) التوبة (9): 91.

(2) الفقيه 4: 164- 572، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 279

فإنّها ظاهرة في أنّ «بلوغ النكاح» هو الزواج، لا الاحتلام.

و فيها ما يشهد على أنّ المقصود، تسليم أمواله إليه بعد استئناس الرشد، و التحفّظ على ماله من الضياع، و هي الرواية المشار إليها أيضا، و ما رواه هشام عنه عليه السلام قال: «انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، و هو أشده، و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده، و كان سفيها أو ضعيفا، فليمسك عنه وليّه ماله» «1».

فإنّها إ فيما سلكناه حول الآية الكريمة.

فبالجملة: لو

كانت الآية مرتبطة بهذه المسألة، فهي تدلّ على أنّ الرشد تمام الموضوع، و لو كانت دلالتها خفيّة على بعض، فهي صارت جليّة بعد مراعاة ما ورد حولها، فتكون موافقة للعمومات و الأصول.

إن قلت: قضيّة الرواية الأخيرة أنّ الاحتلام جزء الموضوع «2».

قلت: و قضيّة الجمع بينها و بين قوله عليه السلام: «إذا علمت أنّها لا تفسد و لا تضيع» حمله على المفروض فيها عدم رشده قبل الاحتلام، كما هو كذلك نوعا.

هذا، و الذي هو المقصود من الإطالة، نفي دلالتها على مذهب المشهور، أو إثبات إجمالها و أجنبيّتها عن أصل المسألة، و أمّا رأيهم فلعلّه يدلّ عليه المآثير الأخر الآتية إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) الكافي 7: 68- 2، وسائل الشيعة 18: 409، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 1.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 20.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 280

المآثير التي يمكن الاستدلال بها على اشتراط البلوغ

و ممّا يمكن أن يستدلّ به على التقييد و التخصيص، روايات متفرّقة في الكتب المختلفة، و هي على طوائف:

بعضها ظاهر في أنّ الرشد تمام الموضوع.

و بعضها ظاهر في أنّه أحد الموضوعين.

و بعضها ظاهر و هو الأكثر، في أنّه جزء الموضوع، و البلوغ جزؤه الآخر.

و استفادة كون البلوغ مجوّز دفع المال عند الشكّ، أيضا ممكنة من بعضها، و لكنّ المنصف المتدبّر فيها لا يجد منها إلّا أنّ كفاية الرشد ممنوعة، بل لا بدّ من حصول قوّتين: قوّة في بدنه، فيصير من الرجال، و قوّة في نفسه، بأن يكون رشيدا، فلا بدّ من بلوغه أشدّه، و بلوغه رشده.

و ممّا يشهد على أنّ الجمع بين هذه الطوائف متعيّن، بحمل المطلق منها على المقيّد، و لا يمكن حمل المقيّد على صورة عدم الرشد قبل البلوغ، فيكون الرشد قبل

البلوغ مجوّز الدفع و مصحّح المعاوضات: ما رواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير، عن مثنّى بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن يتيم قد قرأ القرآن، و ليس بعقله بأس، و له مال على يد رجل فأراد الذي عنده المال أن يعمل به مضاربة، فأذن له الغلام.

فقال: «لا يصلح له أن يعمل به حتّى يحتلم، و يدفع إليه ماله».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 281

قال: «و إن احتلم و لم يكن له عقل، لم يدفع إليه شي ء أبدا» «1».

نعم، التجاوز عن هذه المآثير إلى مطلق الصبيّ ممنوع، لخصوصيّة في اليتامى، كما لا يخفى، فهي تقصر عمّا هو المقصود.

و أمّا المآثير الواردة في الجارية و الغلام، فهي تمنع عن جواز بيعهم و شرائهم و صدقتهم و غيرها [2]، بإلغاء الخصوصيّة، إلّا أنّها منصرفة

______________________________

[2] منها ما رواه الصدوق قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها و جاز أمرها في مالها و أقيمت الحدود التامّة لها و عليها».

الفقيه 4: 164- 574، وسائل الشيعة 19: 367، كتاب الوصايا، الباب 45، الحديث 4.

و منها رواية حمران، عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و أقيمت عليها الحدود التامّة و أخذت لها و بها»، قال: «و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل

ذلك».

الكافي 7: 197- 1، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 1.

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا يدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين».

الكافي 7: 68- 5، وسائل الشيعة 18: 411، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 2.

و رواية أصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قضى أن يحجر على الغلام

______________________________

(1) الفقيه 4: 164- 570، وسائل الشيعة 19: 367، كتاب الوصايا، الباب 45، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 282

عن الرشيد، لأنّ المتعارف عدم رشدهم قبل ذلك، بل ظاهر اللغة أنّ الانس بالرشد يورث انقطاع اليتم، فيكون الصبيّ و الجارية خارجين موضوعا عن الأدلّة إذا كانوا رشيدين، فكأنّ هذه الصورة ليست في المآثير و الأخبار، و قضيّة الكتاب و السنّة نفوذ تجارتهم فيها.

هذا كلّه لو لا الضرورة المدّعاة في المسألة «1»، و الإجماعات المحكيّة عليها «2».

إذا عرفت ذلك، فالبحث يتمّ هنا في ضمن فروع:

فروع

الفرع الأوّل: حول معاملات الصبيّ بإذن وليّه

بناء على ممنوعيّة الصغير عن الاستقلال في أموره الماليّة، فهل هو ممنوع في ماله و لو بإذن الوليّ، أم لا؟

أو فيه تفصيل بين من كان مستقلّا فيها بإذنه، و من كان آلة فيها، و هو المتصدّي لأمر التجارة و حدودها؟

الظاهر هو هذا، لأنّه إذا كان آلة فهو كالحيوان المعلّم في القبض

______________________________

المفسد حتّى يعقل.

الفقيه 3: 19- 43، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 4.

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 261.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 8: 151، جواهر الكلام 22: 260.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 283

و الإعطاء، و لا يعدّ ذلك بيعه و شراءه حتّى يكون ممنوعا بالضرورة، فالأدلّة قاصرة عن شمول هذه المواضيع قطعا.

و

إذا كان مستقلّا في جميع تصرّفاته، إلّا أنّ ذلك بإذن الوليّ، فهو كالمستقلّ، لأنّ الذي يفهم من الكتاب و السنّة في هذه التحديدات العقلائيّة و الشرعيّة، هو حفظ أموال الصغار و اليتامى، و بذلك لا يختلف الأمر.

اللهمّ إلّا أن يقال: هذا هو الأمر المحتوم في مال اليتيم، لأنّ «الرشد» فسّر في الرواية بحفظ المال [1]، و لكنّه ممنوع في الصغير، لأنّه من المحتمل شرطيّة إذن الأب احتراما، كما في الباكر، بل قولهم:

«أنت و مالك لأبيك» [2] شاهد على أنّه ممنوع لأجل ذلك، فمع إذنه يتمّ شرائط نفوذها.

فعليه يلزم التفصيل في المسألة تارة: بين اليتامى و الصغار، بممنوعيّة الأوّلين مطلقا، بخلاف الآخرين، لانصراف أدلّتها عمّن كان رشيدا

______________________________

[1] قد روي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ، قال: «إيناس الرشد حفظ المال».

الفقيه 4: 164- 575، وسائل الشيعة 18: 411، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 4.

[2] محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لرجل: أنت و مالك لأبيك.

عوالي اللآلي 3: 665- 156، مستدرك الوسائل 13: 196، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 62، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 284

عاقلا.

و اخرى: بين من كان مستقلّا بإذنه، و بين من كان آلة للإنشاء، بحيث لا يكون له حكم من أحكام المعاملة حتّى خيار المجلس، فإنّه في هذه الصورة لا يبعد نفوذ أمره.

الفرع الثاني: حول كفاية إجازة الوليّ بعد تصرّف الصبي مستقلّا
اشارة

فيما لو تصرّف الصبيّ مستقلّا في أمواله، فهل يكفي إجازة الوليّ بعد المعاملات من غير مراعاة المصلحة، أم لا يكفي، أو يفصّل؟

و الظاهر أنّ حكم هذه المسألة كما سبق،

ضرورة أنّه مع كونه مستقلّا يكون مشمولا لقوله: «لا يجوز أمره» [1] و مع توقف الصحّة على مراعاة الوليّ المصالح، فهو إمّا يخرج عن موضوع المسألة، لأنّه لا يعدّ حينئذ مستقلّا، أو تكون الأدلّة منصرفة عنه في هذه المواقف.

و يمكن دعوى نفوذ هذه المعاملات، لأنّها بالإجازة تستند إلى

______________________________

[1] حمران، عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوجّت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و أقيمت عليها الحدود التامّة و أخذت لها و بها، قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك.

الكافي 7: 197- 1، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 285

الأولياء، كما في الفضوليّ.

و لكنّها فاسدة بالضرورة، و لذلك لا معنى لوكالته عنهم في تصرّفاته في أمواله، لعدم مساعدة الاعتبار كما لا يخفى، فما ترى في كلماتهم من التوكيل «1»، فهو محمول على الفروع الآتية.

و ممّا يشهد على فسادها: أنّ المقصود من الولاية المجعولة حفظ أموال الصغار، و هو لا يمكن إلّا بدخالة الوليّ في الصلاح و الفساد.

و لكنّه على ما عرفت منّا، مخصوص باليتامى، و لا معنى له في هذه الصورة، خصوصا إذا أعطاه الوليّ من ماله إليه تمليكا، ثمّ أمره بالبيع و الشراء، ناظرا إلى المصالح الأخر غير مصلحة البيع و الشراء، فلا تخلط.

و توهّم دلالة الآية الشريفة على صحّة هذه المعاملة، لأنّ الابتلاء متوقّف عليها «2»،

فاسد، بداهة أنّ التوقّف عليها أعمّ من الصحيح و الفاسد.

حكم معاملات الصبي فيما إذا أنس منه الرشد بالاختبار

نعم، إذا أنس منه الرشد فيما أتى به اختبارا، فهل هو صحيح لازم، لاجتماع الشرائط، أم لا؟

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 116- السطر 6.

(2) لاحظ مجمع الفائدة و البرهان 8: 151- 152، منية الطالب 1: 170- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 286

قضيّة الصناعة هو الأوّل، إلّا أنّ الإشكال في جواز الاختبار بماله.

و إذا كان بمال غيره فهو متوقّف على إجازته.

و لو خالف الوليّ و عصى، و أعطاه ماله للاختبار، فتبيّن رشده بها، بحيث علم أنّه كان رشيدا قبل ذلك، فهل تبطل أم تصحّ؟.

فيه وجهان، لا يبعد الثاني، لعدم الوجه للسراية.

حول تصحيح معاملة الصبي بالوكالة

إن قلت: الوكالة لا تعتبر في تصرّفات الصبيّ في أمواله، مع أنّه لو صحّت الوكالة يصحّ غيرها، فلا حاجة إلى إثبات استناد أفعاله إلى وليّه. و لو لم تصحّ وكالته- لأنّه من الأمر غير الجائز- لا تصحّ غيرها، لاستناده إليه قهرا.

اللهمّ إلّا أن يقال: بصحّة الوكالة فقط، دون مثل البيع و الشراء، و لكنّ النيابة معتبرة، فيكون نائبا عنه في هذه الأمور، و لا تستند حينئذ أفعاله إلّا إلى المنوب عنه.

قلت أوّلا: نفوذ هذه النيابة ممنوع.

و ثانيا: جريان هذه الماهيّة الاعتباريّة هنا- كالوكالة- ممنوع.

و ثالثا: الوليّ نائب عن المولّى عليه، و لو عكس الأمر يلزم القول:

بأنّ النيابة شرعيّة و غير شرعيّة، فالوليّ نائب شرعا، و الصغير نائب بحكم الوليّ، فلو كانت نيابة الصغير مستلزمة لانتساب أفعاله إلى المنوب عنه، يلزم ذلك في عكسه، و التفريق بين لوازم الماهيّات

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 287

الاعتباريّة يحتاج إلى دليل، فتكون معاملة الوليّ غير نافذة، و معاملة الصبيّ نافذة. بل يلزم عدم نفوذها في الفرضين، كما لا يخفى.

نفي الإجماع على بطلان معاملة الصبي

فبالجملة: دعوى الاتفاق على عدم صحّة عقد الصبيّ مع الإذن و الإجازة «1»، غير مسموعة، لذهاب مثل الأردبيلي رحمه اللّه إليها، بل ظاهر «المسالك» دعواه على بطلان عقد غير الرشيد «2»، و هذا هو المقطوع به دليلا و عرفا.

بل ربّما يستظهر من العبارة المحكيّة عن الأردبيليّ قدّس سرّه رفع المنع عن صحّته مستقلّا، لما قال: «و بالجملة إذا جوّز عتقه و صدقته و وصيّته المعروف و غيره من القربات- كما هو ظاهر الروايات الكثيرة- لا يبعد جواز بيعه و شرائه و سائر معاملاته، إذا كان بصيرا مميّزا رشيدا، يعرف نفعه و ضرّه في المال، و طريق الحفظ

و التصرّف، كما نجده في كثير من الصبيان، فإنّه قد يوجد فيهم من هو أعظم في هذه الأمور من آبائهم، فلا مانع من إيقاع العقد، خصوصا مع إذن الوليّ و حضوره بعد تعيينه الثمن» «3» انتهى.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 260- 261.

(2) مسالك الأفهام 1: 134- السطر 11.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 8: 152.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 288

و توهّم المنافاة بين نفوذ عقده، و ولاية الأب و الجدّ عليه «1»، مندفع بأنّ ذلك لا ينافيها، إذا أمكن لهم فسخ العقد فيما يجدون خلاف مصلحته في العقد، فلا يشترط الصحّة بالإذن في هذه الصورة، و لا تكون ولايتهم منقطعة قبل البلوغ.

و من عجيب ما توهّم: أنّ سقوط التكاليف الإلزاميّة- من وجوب الوفاء و التسليم و أداء الأرش- ينافي صحّته «2»!! و أنت خبير: بأنّ العقد مع البالغ الباني على عدم الوفاء باطل، و مع الرشيد غير البالغ الباني على ترتيب الآثار صحيح، فلا تغفل.

و لو تخلّف فللآخر إعمال الخيار، سواء كان رشيدا بالغا، أو غير بالغ، بل نسب إلى الشيخ جواز بيع من بلغ عشرا «3». و التدبّر في المسألة يعطي أنّ ذلك ليس لأجل اختيار البلوغ كذلك، بل الظاهر من عبارته «4» و عبارة العلّامة في «التحرير» «5» و الصيمريّ اختصاص الحكم بالبيع «6»، فتدبّر.

فدعوى: أنّ المسألة إجماعيّة «7»، ممنوعة، بل صريح «جامع

______________________________

(1) منية الطالب 1: 171- السطر 2.

(2) لاحظ هداية الطالب: 247- السطر 26.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 170- السطر 14، جواهر الكلام 22: 260.

(4) لاحظ المبسوط 2: 163.

(5) تحرير الأحكام 1: 164- السطر 10- 11.

(6) لاحظ مقابس الأنوار: 109- السطر 27.

(7) جواهر الكلام 22: 260- 261.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 289

المقاصد» نفي البعد عن كون بناء المسألة على أنّ أفعال الصبيّ و أقواله شرعيّة، أم لا «1»، بل الأردبيليّ رحمه اللّه قد منع في طيّ كلامه الإجماع أيضا «2». مع أنّها ذات رواية و آية، فلا تذهل.

و ما قيل: «من أنّ البطلان متّفق عليه بين المسلمين» «3» مردود، هذا أبو حنيفة فإنّ من تقاسيمه يظهر صحّة العقد الذي فيه النفع البيّن، كقبول الهديّة، و الدخول في الإسلام «4».

نعم، سائر الطوائف قالوا بالصحّة مع الإذن و الإجازة إلّا الشافعيّ «5»، فإنّه جعله مسلوب العبارة، كما هو المعروف بيننا.

ذنابة: في المآثير التي قد يستدلّ بها على سلب عبارة الصبيّ
قد يستدلّ على أنّه مسلوب العبارة بطوائف من المآثير و الأخبار:
الطائفة الأولى: ما تدلّ على أنّه مرفوع عنه القلم،
اشارة

ففي «الخصال» بإسناده عن ابن ظبيان الوضّاع الجعّال الكذّاب [6] قال: اتي عمر بامرأة

______________________________

[6] قال ابن الغضائري في حقّه: غال، وضّاع للحديث، روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام، لا يلتفت إلى حديثه.

______________________________

(1) جامع المقاصد 5: 185- السطر 16.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 8: 153.

(3) لم نعثر عليه، لاحظ جواهر الكلام 22: 260- 261.

(4) الفقه على المذاهب الأربعة 2: 363.

(5) الفقه على المذاهب الأربعة 2: 365.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 290

مجنونة قد زنت، فأمر برجمها.

فقال عليه السلام: «أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم، و عن المجنون حتّى يفيق، و عن النائم حتّى يستيقظ؟!» «1».

و في حدود «الوسائل» عن «إرشاد» المفيد قال: روت العامّة و الخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل، و قامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها الحدّ.

فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين عليه السلام فقال: «ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟».

فقيل له: إنّ رجلا فجر بها فهرب، و قامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها.

فقال لهم: «ردّوها اليه، و قولوا له: أما علمت أنّ هذه

مجنونة آل فلان، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق.؟!» «2».

______________________________

و قال النجاشي: ضعيف جدا، لا يلتفت إلى ما رواه.

و روى الكشي عن الفضل أنّه قال: الكذّابون المشهورون، أبو الخطّاب و يونس بن ظبيان و.

لاحظ اختيار معرفة الرجال: 546- 1033، رجال النجاشي: 448- 1210، مجمع الرجال 6: 284.

______________________________

(1) الخصال: 93- 94- 40، وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة 28: 23، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها العامّة، الباب 8، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 291

و قال الشيخ في سرقة «المبسوط»: روى عليّ عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «رفع القلم عن ثلاثة.» إلى آخره «1».

و لا يبعد اشتهار الحديث بين أرباب التصانيف من القدماء، مستدلّين به في مواقف كثيرة، و بعد اتّحاد واقعة عمر يعلم: أنّ ما في ذيل «الخصال» يكون في ذيل «الإرشاد» «2» و بعد شهادة المفيد يشكل صرف النظر عنه، فدعوى الوثوق بصدوره غير بعيدة.

و قد ورد في ذيل رواية أبي البختريّ في قصاص «الوسائل» بعد ذكر المجنون و الصبيّ: «و قد رفع عنهما القلم» «3».

و غاية ما يقال أو يمكن قوله: أنّ هذه المآثير تدلّ على أنّ الإرادة الاستعماليّة في القوانين التأسيسيّة و الإمضائيّة الشاملة لكلّ أحد- و منه الصبيّ- غير مطابقة للإرادة الجدّية، و تكون الثلاثة خارجة منها. و الاختصاص بالعقوبات الأخرويّة، ينافيه موردها من رفع العقوبة الدنيويّة بها من الحدود و غيرها. و إثبات بعضها لدليل لا يضادّ إطلاقه، لعدم إباء لسانه عن التقييد، كما ثبتت العقوبة

الأخرويّة لأطفال الكفّار حسب النصّ و الفتوى.

و وحدة السياق تدرج الأوّل في الثاني و الثالث في مسلوبيّة

______________________________

(1) المبسوط 8: 21.

(2) الإرشاد، الشيخ المفيد: 203.

(3) قرب الإسناد: 155- 569، وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 292

العبارة، كما لا يخفى. و إسناد الرفع إلى القلم حقيقيّ، و إخبار عن ترفّعه عن الكتابة لهم، فلا مكتوب في حقّهم أصلا. و لا معنى لاختصاصه بموارد المنّة، لأنّه ليس علّة، بل الظاهر قصور المقتضيات فيه كما في أخويه.

وجه منع دلالة الطائفة السابقة

أقول: الالتزام بالإطلاق، ثمّ التقييد في كثير من المواقف- بعد اقتضاء المناسبة بين الحكم و الموضوع عدمه، لفهم العرف ذلك منه- مشكل، بل ممنوع، فإنّ الظاهر أنّ القلم مرفوع عنهم، لصباه، و لجنونه، و لنومه، و جامعه عدم الشعور، و من عليه القلم هو الكبير العاقل المنتبه، لما فيه الشعور و الإدراك، فكلّ تكليف ثابت للكبير بما هو مدرك عاقل، مرفوع عن الصغير، و ما يثبت له بما هو إنسان، فهو لا يرفع عنهم، فالأحكام الوضعيّة و الضمانات و صحّة العقود و الإيقاعات و أمثالها، ليست مورد الرفع، و ما ترى في موردها فهو لأجل أنّها زنت لا عن عصيان لا ترجم، لعدم السبب المورث لاستحقاقها الرجم، فعلى هذا تنحصر العقوبات بالارتفاع، دنيويّة كانت، أو أخرويّة، لارتفاع السبب الوحيد و هو التكليف و ثقل الكلفة.

إن قلت: لو سلّمنا دلالته على مسلوبيّة العبارة، فلا يدلّ على نفي الصحّة التأهّلية، فإنّها ليست مجعولة حتّى ترفع به، فلو أذن الوليّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 293

و أجاز صحّت عقوده.

قلت: ليست الصحّة مطلقا مجعولة، و ما هو

المجعول أمر آخر، و هو ممكن، كما في الفضوليّ.

لا يقال: الدية ثابتة، و هي العقوبة الدنيويّة.

لأنّا نقول أوّلا: إنّ المتبادر هي العقوبة النفسانيّة، لا الماليّة.

و ثانيا: لا تعدّ الدية من المؤاخذة و العقوبة، ضرورة بشاعة قوله: «من أتلف مال الغير فهو يعاقب و يؤاخذ في ماله».

و ثالثا: نلتزم بالتخصيص من غير لزوم إشكال.

إن قيل: لا معنى لرفع غير الثابت، و المجنون و النائم و أكثر الصبيان، خارجون عن الأدلّة الإلزاميّة، لقبح الخطاب بالنسبة إليهم، بل و امتناعه، فما هو الثابت و يساعد عليه الاعتبار هي الوضعيّات، و في رفعها امتنان عليهم، لبراءتهم من تدارك الخسارات بعد الكبر و العقل و الانتباه، و هذه منّة قطعا، و إرفاق في حقّهم.

قلنا: الأوصاف المأخوذة في الدليل شرائط التنجيز، لا توجيه الخطاب، فالرفع إخبار- كما أشير إليه- عن حدود الإرادة الجدّية بعد شمول الأدلّة لهم.

و توهّم: أنّ الخطاب غير معقول، في غير محلّه، لأنّ ما هو الممنوع عقلا هو الخطاب الشخصيّ الخاصّ، بهم دون الخطابات الكلّية

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 294

القانونيّة، و بيان الفرق بينهما في محلّ آخر «1».

ثمّ إنّ هنا وجها آخر لعدم دلالة الحديث على بطلان عبارة الصبيّ:

و هو أنّ الشريعة الإسلاميّة مركّبة من القوانين التأسيسيّة و الإمضائيّة فعليه يختصّ المرفوع بالأولى، و تكون الرواية مقابل ما ورد في المآثير: من أنّه «إذا بلغ كتبت عليه السيّئات، و جرى عليه القلم» «2».

الطائفة الثانية: الروايات المشتملة على التسوية بين عمد الصبيّ و خطئه،

و هي كثيرة:

فمنها: معتبرة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «عمد الصبيّ و خطأه واحد» «3».

و قد يشكل الاتكال على إطلاقها، لما ورد في روايات هذه العبارة بألفاظها مذيّلة بقولهم: «تحمله العاقلة» أو «يحمل على العاقلة» المخصوص ذلك

بالجناية في الجملة، فعليه يصحّ للمتكلّم الاتكال على القرينة المعروفة عنه في سائر عباراته، مع وجود القرائن الأخر.

و الالتزام بإطلاق الذيل يورث الفقه الجديد، أو خروج الكثير جدّا.

هذا مع أنّه فرق بين أن يقال: «عمد الصبي خطأ» و بين أن يقال: «هو

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأصول 3: 437 و ما بعدها.

(2) وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 12، و 19: 363، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 8.

(3) تهذيب الأحكام 10: 223- 920، وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 295

و خطأه واحد» فإنّه في الأوّل يثبت جميع أحكام الخطأ لعمده، سواء كانت ثبوتيّة، كما في الجنايات، أو سلبيّة، كما في غيرها، و في الثانية لا يثبت أحكام خطأ الناس لعمده، لأنّ ما هو المنزّل عليه هو خطؤه، فما يثبت لخطئه بالخصوص يسري إلى المنزّل، و هو عهده.

و بالجملة: فلا معنى للإطلاق في المنزّل عليه، حتّى يصحّ الاستناد إليه في المقام.

و لعمري، إنّ الغفلة عن هذه النكتة ألجأتهم إلى إطالة البحث حول ثبوت الإطلاق و عدمه بما لا يرجع إلى محصّل، فتأمّل.

إن قلت: قضيّة ضعيفة وهب بن وهب أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «أنّه كان يقول في المجنون، و المعتوه الذي لا يفيق، و الصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» «1» هو انسلاب عبارته، و أنّ قصده كلا قصد، و ذلك لظهور الجملة الأخيرة في كونها علّة للتسوية بين العمد و الخطأ، فعليه يعلم دلالة حديث الرفع «2» على المقصود. و لو كان رفع القلم

معلوم التسوية، فهو أيضا دليل على المطلوب.

قلت: مقتضى ما عرفت أنّ المنزّل عليه مطلق الخطأ، فيترتّب على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.

(2) الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 296

العمد آثاره الثبوتيّة، و هي حمل العاقلة، و آثاره السلبيّة، و هي رفع القلم، فتكون الجملة الثانية معطوفة. و لو فرضنا ظهورها في الحاليّة- كما لا يبعد لكلمة «قد»- فهو دليل تحمّل العاقلة، أي لا يجب عليه التحمّل، للرفع، و لا يكون دليلا على التنزيل كما قيل «1».

فبالجملة: أثر التنزيل رفع القصاص، و إثبات تحمّل العاقلة بعد لزوم حفظ الدماء بحديث الرفع، فافهم و لا تغفل.

الطائفة الثالثة: بعض الأخبار المرويّة في الكتب المختلفة،

مثل رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة، و دخل في الأربع عشرة، وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، و كتب عليه السيّئات، و كتبت له الحسنات، و جاز له كلّ شي ء، إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها» «2».

و ظاهرها لأجل قوله: «كتبت له الحسنات» عدم كتابة شي ء له قبل البلوغ، حتّى الحسنة، فلا يقبل عباداته و لا غيرها، و لأجل قوله: «جاز له كلّ شي ء» عدم جواز كلّ شي ء قبله حتّى العبادة، و الآليّة في إيجاد العقد بالصيغة أو الفعل، و غيره من كلّ شي ء. و لو لا ضعف السند، و إعراض المشهور عن الصدر، لكان العمل بذيلها متعيّنا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 27- 28.

(2) الفقيه 4: 164- 571، وسائل الشيعة 19: 364،

كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 297

اللهمّ إلّا أن يدّعى: أنّ المفهوم لا يدلّ إلّا على المهملة، و «الحسنات» لا تطلق على العقود و الإيقاعات إلّا بعض منها، فلا يتمّ الاستدلال كما لا يخفى.

فما في معتبرة عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة.» «1» إلى آخره، و يفيد المفهوم السلب الكلّي، لوقوع النكرة في سياق النفي، لا يفيد شيئا، فليتدبّر.

و منها: ما في رواية العيّاشي، عن عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام قال:

«إذا بلغ ثلاث عشر سنة جاز أمره، إلّا أن يكون.» [2].

فإنّ المفهوم يورث عدم جواز أمره سواء كان وكالة أو غيرها، فكونه آلة لأمر الغير لا يخرج من انطباق عنوان عليه، و لذلك يصحّ له أخذ الأجر حذاءه.

بل المستفاد من بعض الروايات معهوديّة عدم نفوذ أمره، ففي

______________________________

[2] عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام متى يدفع إلى الغلام ماله؟ قال: إذا بلغ و أونس منه رشد و لم يكن سفيها و لا ضعيفا، قال: قلت: فإنّ منهم من يبلغ خمس عشرة سنة و ست عشرة سنة و لم يبلغ، قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا، قال: قلت: و ما السفيه و الضعيف؟ قال: السفيه الشارب الخمر و الضعيف الذي يأخذ واحدا باثنين.

تفسير العيّاشي 1: 155- 521، وسائل الشيعة 19: 370، كتاب الوصايا، الباب 46، الحديث 2.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 184- 741، وسائل الشيعة 19: 365، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 298

رواية ابن سنان، عنه

عليه السلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم، متى يجوز أمره.

قال: «حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.» [1].

و قضيّة الإطلاق عدم الفرق بين صور المسألة. و لو قلنا باختصاص الثانية باليتيم، و تكون منصرفة إلى تصرّفاته في أمواله، لما كان وجه للإشكال في الأولى.

وجه الخدشة في المآثير المتقدمة

أقول: الروايات المعتبرة في هذه المسألة- لذاتها، أو لانجبار ضعفها- ما هو المشتمل على نفوذ أمر الصبيّ في البيع و الشراء، و نفوذه في غيرهما بإلغاء الخصوصيّة، أو الإجماع، و أمّا فيمن كان آلة، أو كان الوليّ مشرفا على أفعاله و أقواله فلا وجه لهما، و لا إطلاق في معاقد الإجماعات حتّى يستلزم انجبار تلك المطلقات، على إشكال فيه.

______________________________

[1] عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سأله أبي- و أنا حاضر- عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: حتى يبلغ أشدّه، قال: و ما أشدّه؟ قال: احتلامه. قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقلّ أو أكثر و لم يحتلم، قال: إذا بلغ و كتب عليه الشي ء جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

الخصال: 495- 3، وسائل الشيعة 18: 412، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 299

إن قلت: عن «الغنية» دعوى الإجماع «1»، و عن «كنز العرفان» نسبة عدم صحّة عقد الصبيّ إلى أصحابنا «2»، و عن «التذكرة»: «أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ و الإجماع، سواء كان مميّزا، أو لا، في جميع التصرّفات إلّا ما استثني، كعباداته، و إسلامه، و إحرامه، و تدبيره، و وصيّته، و إيصال الهديّة، و إذنه في الدخول، على خلاف في ذلك» «3» انتهى.

و استظهر الشيخ من استثناء

الأخيرين إطلاق معقده «4».

و لو قيل: بأنّهما من التصرّف، و أيّ تصرّف أعظم من إذنه في الدخول مع عدم وجود صاحب الدار فيها؟! قلنا: قضيّة إطلاق المستثنى إطلاق المستثنى منه، فإيصال الهديّة- سواء كان فيما يستلزم اعتبار قوله و صحّة إقباضه، أو كان كالحيوان آلة- يكون مستثنيا، فلا تغفل.

قلت: لو صحّت دعوى الإجماع، لكان على الشيخ في «الخلاف» دعواه، مع أنّه تشبّث بالآية و الرواية «5».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 170- السطر 13، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 523- السطر 34، و: 532- السطر 5.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 9، كنز العرفان 2: 102.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 9، تذكرة الفقهاء 2: 73- السطر 25.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 11.

(5) الخلاف 3: 287- 289، المسألة 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 300

و أمّا إجماعات «الغنية» فهي- على ما أفاده في أوّل كتابه «1»- ليست من الإجماع المصطلح عليه عند الآخرين. مع أنّ في عبارته إشكالا آخر، فراجع.

و أمّا استكشاف الإجماع من «التذكرة» فهو ممنوع، لعدم اتكائه عليه في أصل المسألة، و قد أعرض عنه و استدلّ بغيره، فراجع و تدبّر.

إن قيل: رواية ابن سنان معتبرة، لأنّ «الخصال» رواها بسند صحيح عن البزنطيّ، و هو عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ، عن عبد اللّه بن سنان، و أبو الحسين هذا هو عندي- على ما تحرّر في محلّه «2»- آدم بن المتوكّل الثقة، و لو كان غيره ففي رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، عن البزنطيّ، عنه، شهادة على وثاقته و اعتباره.

و مقتضاها عدم جواز أمره سواء كان بيعا، أو وكالة، و على الثاني سواء كانت وكالة في أموال الغير، أو عن وليّه في

إجراء العقد، فإنّه أيضا وكالة قهرا، كما لا يخفى.

قلنا: نعم، إلّا أنّ دعوى انصرافها عن هذه الصورة قريبة جدّا. مع أنّ أمر اليتيم في ماله غير أمر الصبيّ، كما مضى سبيله «3».

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 477- السطر 35.

(2) لعلّه في فوائده الرجالية و هي مفقودة.

(3) تقدّم في الصفحة 276.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 301

بحث و تفصيل: في نفوذ أمر الصبيّ مطلقا إلّا ما خرج بدليل

قضيّة ما مرّ قصور الأدلّة عن إبطال قول الصبيّ إلّا في الجملة، و لو كان الأمر كما أفاده القوم، فهو لأجل قصور المقتضي، كما في المجنون و النائم، لا للمانع، و عليه لا وجه للتخصيص مع ورود المآثير الكثيرة في صحّة طلاقه [1] و وصيّته [2]، بل و تدبيره [3]

______________________________

[1] جميل بن درّاج عن أحدهما عليهما السّلام قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيته و إن لم يحتلم.

تهذيب الأحكام 9: 182- 733، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 2.

[2] عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته.

الكافي 7: 28- 3، وسائل الشيعة 19: 362، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 3.

عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا بلغ الصبيّ خمسة أشبار أكلت ذبيحته و إذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته.

تهذيب الأحكام 9: 181- 726، وسائل الشيعة 19: 362، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 5.

[3] لم نعثر على خبر في صحة تدبيره، لكن الشيخ رحمه اللّه قال بصحّة تدبير الصبيّ إذا كان مميزا عاقلا مراهقا و قال قيّده أصحابنا بما إذا بلغ عشر سنين فصاعدا إذا كان عاقلا، و قال:

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم على أنّ الصبيّ إذا بلغ عشر سنين صحّت وصيّته و تدبيره و وصيّته.

الخلاف 2: 672، المسألة 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 302

و عتقه [1] و وقفه [2] و صدقته [3] و إعارته «4»، بل و شهادته [5]، و قد عقد في «الوسائل» بابا لذلك. و الإشكال في بعض منها- مع ذهاب جمع إلى صحّتها منه- لا يورث انتفاء الوهن.

فعلى هذا، يمكن دعوى صحّة جميع عقوده و إيقاعاته، إلّا ما خرج بالنصّ، و هو البيع و الشراء و ما شابههما، ممّا يرتبط بالمال، على إشكال فيه.

نعم، اليتيم مخصوص بالحكم، لاقتضاء الاعتبار، و اختصاصه بالذكر في النصوص و الأخبار.

______________________________

[1] زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له من ماله ما أعتق و تصدّق على وجه المعروف فهو جائز.

وسائل الشيعة 23: 91، كتاب العتق، الباب 56، الحديث 1.

[2] زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف و حقّ فهو جائز.

الكافي 7: 28- 1، وسائل الشيعة 19: 211، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 1.

[3] محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن صدقة الغلام ما لم يحتلم، قال:

نعم إذا وضعها في موضع الصدقة.

تهذيب الأحكام 9: 182- 734، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 3.

[5] ابن أبي عمير، عن جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تجوز شهادة الصبيان؟ قال:

نعم، في القتل يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني منه.

تهذيب الأحكام 6: 251- 645،

وسائل الشيعة 27: 343، كتاب الشهادات، الباب 22، الحديث 1.

______________________________

(4) لم نعثر عليه، لاحظ جواهر الكلام 27: 161.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 303

المآثير الدالّة على النفوذ مطلقا

و في المآثير ما يدلّ على نفوذ أمر الصبيّ، ففي «الوسائل»:

النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن كسب الإماء، فإنّها إن لم تجد زنت، إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنّه إن لم يجد سرق» «1».

تقريب الاستدلال: أنّ المراد من «كسب الغلام» إمّا الكسب مع الغلام، و إمّا اكتساب الغلام نفسه مع غيره من المكلّفين، أو مكسوب الغلام، أي الحاصل في يده من الكسب، أو مكسوبه، أي الحاصل في يده بالمعنى الأعمّ و لو كان بطريق الالتقاط و الحيازة، أو الاكتساب الأعمّ من الصحيح و الفاسد شرعا، و إن كان كسبا بالمعنى العرفيّ الأعم.

و النهي إمّا تحريم، أو تنزيه، أو إرشاد إلى الفساد.

و كلمة «الفاء» إمّا تفيد العلّة، أو الحكمة.

و على جميع التقادير: لمّا كان القيد المذكور مفيدا للمفهوم عرفا في المقام، يعلم منه: أنّ عمل الصبيّ في الجملة نافذ، و قضيّة التقييد بحسن الصنعة، أنّ المورد المتيقّن من الرواية، ما كان الصبيّ مستقلّا في أمره واقعا، أو بإعطاء وليّه. و كون المراد من «الكسب» المكسوب بعيد، و خلاف الظاهر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 367- 1057، وسائل الشيعة 17: 163، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 33، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 304

بل الظاهر كما فهمه «الوسائل» أنّ المقصود الكسب مع الصبيان و مع من لا يجتنب المحارم «1»، فإنّ

ذلك ربّما يستلزم خسارتهما، فيقعان فيما أشير إليه فيها.

و الظاهر أنّ الجملة الأخيرة حكمة الجعل، لا علّة المجعول، فتكون الرواية ظاهرة في التنزيه، و تصير النتيجة صحّة اكتساب الغلام مطلقا و كراهة الاكتساب معه في صورة خاصّة.

و ضعف السند بالنوفليّ و السكونيّ، مردود بما تقرّر في محلّه «2»:

من وثاقة الثاني، و اعتبار الأوّل على الأقوى.

و دعوى إعراض المشهور عنها، مسموعة، إلّا أنّ مطلق الإعراض لا يورث الوهن، لأنّها ربّما كانت مغفولا عنها، أو كانت عندهم قاصرة الدلالة.

و ممّا يؤيّد نفوذ أمر الصبيّ رواية الحسن بن راشد، عن العسكريّ عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك» «3» فتأمّل.

و هذا هو المستظهر من موثّقة الحلبي و محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: سئل عن صدقة الغلام ما لم يحتلم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 163، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 33، و هو باب كراهة كسب الصبيان الذين لا يحسنون صناعة و من لا يجتنب المحارم.

(2) الظاهر أنّه محرّر في الفوائد الرجالية و هي مفقودة.

(3) تهذيب الأحكام 9: 183- 736، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 305

قال «نعم، إذا وضعها في موضع الصدقة» «1».

فإنّه ظاهر في أنّ المناط المحافظة على الواقع، فلو كان بيعه و شراؤه تحت نظارة وليّه واقعا في محلّه، فهو مثل صدقته.

و ربّما يدلّ على خصوص نفوذ وكالته في إجراء العقد، قصّة أمّ سلمة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فإنّها ذكرت تزويجها منه صلّى اللّه

عليه و آله و سلم موانع ثلاثة:

ثالثها: أنّه ليس لها وليّ يزوّجها منه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

فأجاب صلّى اللّه عليه و آله و سلم- على ما قيل- بجعل ولده وليّا، و أمره بتزويجها منه «2».

إلّا أنّ كون ولده صغيرا غير معلوم، فافهم.

التمسّك بسيرة المتشرّعة لإثبات نفوذ أمر الصبيّ في الأمور اليسيرة

و مقتضى السيرة العمليّة بين أبناء الشريعة التي كانت من أوّل يوم على ما هو الآن، نفوذ عقود الصبيّ فيما يختصّ بهم من الأمور اليسيرة، كما لا يعهد تدخّلهم في التجارات الكلّية، و لو كانت هي غير مرضيّة، لكانت مردوعة بردوع واضحة معلومة صريحة بالغة إلى جميع الناس، كسائر المحرّمات، بل هذا هو أعظم، و الاكتفاء بالإطلاق و العموم في خصوص رواية، يكشف عن أنّ ما عليه بناؤهم مرضيّ لهم عليهم السلام.

و العجب أنّ الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- لا ينهون عن هذا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 182- 734، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 3.

(2) بحار الأنوار 22: 203، سنن النسائي 3: 286، اسد الغابة 7: 342.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 306

المنكر المتعارف، و لم يعهد في عصر الأئمّة عليهم السلام النهي عنه، مع الابتلاء به في كلّ يوم مرّات!! فكون الصبيّ مسلوب القول و الفعل من الأباطيل القطعيّة، و صحّة أموره و نفوذ إيقاعاته و عقوده في الجملة- خصوصا في الأمور الحقيرة و الصغيرة- من الواضح كالنار على المنار، و ما هو المقطوع به نصّا و فتوى ممنوعيّة دخوله في مشاغل الرجال بالاستقلال في البيع و الشراء، فافهم و تدبّر.

الفرع الثالث: في تصدّي أمر الصبي لمعاملات البالغين

هل يجوز تصدّيه لأمور الآخرين في أموالهم، فيكون وكيلا عنهم في البيع و الشراء، أو نائبا في العبادات، أو أجيرا من قبلهم، فإنّ الإجارة فيما استؤجر له كالوكالة و النيابة، أو يتصدّى لردّ العبد في الجعالة، فيستحقّ الجعل، أم لا، أو يفصّل؟ و التفصيل في المسألة موكول إلى محالّها، و يطلب رأينا في سائر الكتب [1].

تنبيه: في إبطال اشتراط قصد مدلول اللفظ

قيل: «من جملة شرائط المتعاقدين، قصدهما لمدلول اللفظ الذي يتلفّظان به. و اشتراطه بهذا المعنى في صحّة العقد، بل في تحقّقه، ممّا لا خلاف فيه» «2» انتهى.

______________________________

[1] لم نعثر على تفصيل المسألة فيما بأيدينا من كتب المؤلّف قدّس سرّه.

______________________________

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 117- السطر 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 307

أقول: ماهيّة العقد عبارة عن الإيجاب و القبول في اللفظ، و التعاطي في الفعل، على ما هو المعروف بينهم، و ما هو من شرائطها هي العربيّة و الماضويّة، و ماهيّة المتعاقدين عبارة عن المتكفّلين لطرفي العقد، و ما هو من شرائطهما هو البلوغ و نحوه ممّا لا يدخل في العقد وجودا و ماهيّة، و أمّا القصد فهو من علل وجود العقد، لا ماهيّته، و لا من شرائط المتعاقدين.

و الذي هو الدخيل في وجوده ليس مطلق العقد، كالقصد إلى الألفاظ حذاء النائم فافهم، و كالقصد إلى المعنى الموضوع له على نعت التصوّر، و كالقصد إلى المعنى المجازيّ و لو كان بنحو التصديق، بل هو إرادة إيجاد موضوع الاعتبار للنقل و الانتقال، المستلزم لهما قهرا بحكم العرف على كيفيّة أوجدها، من التنجيز، أو التعليق.

و ما قيل: «إنّ القصد من مقوّمات العقد» «1» فاسد بالضرورة، لأنّ الوجود ليس داخلا في الماهيّة حقيقيّة كانت، أو اعتباريّة.

نعم، هو من مقوّماته بالعرض و

المجاز، لأنّ وجود العقد معلول القصد لا نفسه، و ليس القصد نحو وجوده، بل هو في حكم علّة وجوده، فلا تغفل، و لا تخلط.

و دعوى: أنّه من شرائط المتعاقدين «2»، واضحة المنع، لأنّ الشرط ليس دخيلا في إمكان وقوع الشي ء، كما لا يخفى.

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 176- 177، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 37.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 117- السطر 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 309

الشرط الثاني: تعيين المتعاقدين

حكم تعيين المتعاقدين في العقود الشخصية

ففي العقود الشخصيّة يكون الشرط حاصلا قهرا، و لا وجه لتوهّم اشتراط التلفّظ بهما في العقد، أو إخطارهما بالبال فيه «1»، بل يكفي التعيّن الواقعيّ، و إن كان العاقد الوكيل من قبلهما مشتبها في أمره، بأن أضاف الثمن إلى البائع، و المبيع إلى المشتري، و هكذا لو اشتبه و جعل البائع مشتريا و بالعكس، من غير فرق بينما إذا أنشأ المبادلة بين الشخصين على نحو التقييد، أو الخطأ في التطبيق، و ذلك لأنّ حقيقة المبادلة ليست إلّا الناقل بين المالين في السلطنة أو الملكيّة.

و إن شئت قلت: كلّ كلمة في الجمل الإنشائيّة كانت لازما ذكرها، و اشتبه على العاقد، فأتى بغيرها، فهو يضرّ بصحّة العقد، و كلّ كلمة لا يلزم ذكرها في العقد فالإتيان بما يضادّها لا يضرّ بها.

و من ذلك ذكر وكيل المتعاقدين في عقد البيع مثلا، فإنّه لا يجب

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 115- 116.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 310

ذلك قطعا، فلو أضاف بالإضافة الغلط فرس زيد إلى عمرو، و فلوس عمرو إلى زيد، فإنّها لا توجب إشكالا في المقصود و العقد بالضرورة.

و من ذاك ذكرهما في عقد النكاح، فإنّه لو أخطأ حتّى في التطبيق، لا يصحّ عقد النكاح قطعا، و

باطل حسب الشرع المقدّس، و أمّا حسب القواعد العرفيّة فهو ممنوع، لجواز إيجاد علقة النكاح بين المبهمين مع التعيين اللاحق بحكم الوليّ، أو القرعة، فله عقد ابنتي زيد لأبنية، كما له عقد أحدا هما للآخر، لأنّ الزوج و الزوجة معلومين عنوانا، و يصيران معلومين بعد التعيين معنونين أيضا، و سيجي ء تفصيله من ذي قبل إن شاء اللّه تعالى.

إن قلت: لا يعتبر تعيين المالكين، فلو علم إجمالا: بأنّ هذه العين الشخصيّة لزيد، أو عمرو، فأوقع العقد بعنوان كلّي منطبق عليها على البدل، صحّ العقد، لحصول التبادل بين الشخصين، و يتعيّن بعد ذلك بالقرعة، أو بانحلال العلم و كشف الخلاف «1».

و هذا ليس من العقد الواقع بين المالكين الواقعيّين المشار إليهما بالإشارة الإجماليّة، بل هو مبادلة بين المالين، و يكون المالكان كلّيين. و هذا صحيح حسب القواعد العرفيّة و العمومات الشرعيّة.

و من هذا القبيل إذا باع الفضوليّ العين الشخصيّة فضولا من قبل عنوان كلّي لا ينطبق إلّا على واحد من الجماعة المعتبرين على البدل،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 116- السطر 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 311

و فيهم مالكها، مريدا بذلك وقوع البيع بعد إجازة المالك له، و لو لم يجزه، و اشترى الآخر منه تلك العين، يكون البيع له إذا أجاز، فطرف الإضافة الملكيّة عنوان كلّي.

قلت: المراد من «اشتراط تعيين المالك» إن كان معناه كونه واحدا بالشخص في قبال الكلّي، فهو باطل عندنا حتّى في الكلّي، كما سيجي ء.

و إن كان معناه أنّ الرضا بالمعاملة تارة: يكون مطلقا حسب الإضافة إلى المالك المعيّن.

و اخرى: يكون مقيّدا بالنسبة إليها، فعليه فلا يقع التبادل بين المالين المضافين إلى صاحبهما، مع دخالتها في الرضا به بإيقاع المعاملة

بين المالين على الإطلاق، و هذا يورث لزوم تعيين المالك أو تعيّنه.

نعم، لو غلط وكيلهما في الإنشاء حسب الاستعمال، و كان الواقع مطابقا لرضا المتعاملين، فقال: «بعت فرس زيد بحمار عمرو» مع أنّ زيدا لا فرس له، و المالك كان وكّله في اشتراء فرس بكر، فالظاهر صحّة هذه المعاملة، لأنّ الإضافة المذكورة لا تضرّ بالمبادلة الواقعة بينهما بعد ترشّح الإرادة الجدّية منه، لغفلته و جهله.

و من هنا ينقدح حكم ما إذا كان المخاطب في البيع، غير المشتري واقعا، فإنّه إن كان المقصود نفس التبادل بين المملوكين الشخصيّين فهو حاصل، و إن كانت الإضافة دخيلة، فالإنشاء لا يؤثّر في شي ء، لأنّه خارج عن حدّ وكالته.

نعم، إلحاق الإجازة به- بناء على صحّة الفضوليّ- ممّا لا بأس به.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 312

و إن كانت الإضافة غلطا، فحكمه ما عرفت آنفا، و قد مضى شطر من الكلام في مسائل لزوم التطابق بين الإيجاب و القبول «1». هذا كلّه في العقود الشخصيّة.

حكم تعيين المتعاقدين في العقود الكلّية

و أمّا في العقود الكلّية، فالمعروف بينهم لزوم التعيين، لأنّ الكلّي بدون الإضافة إلى ذمّة شخصيّة، ليس متموّلا و لا مملوكا، فالتعيين المعتبر معناه ذلك، لا أنّه يعتبر في حدّ نفسه، كما يظهر من بعض الأفاضل «2».

كما أنّه ليس معتبرا كذلك في العقود الشخصيّة، بل الوجه هناك أيضا هو استلزام ماهيّة المعاوضة دخول كلّ من العوض و المعوّض في مخرج الآخر، و قد عرفت منّا سابقا عدم صحّة هذا، و أنّ المعاوضة هي المبادلة بين المالين في الملكيّة مثلا، و أمّا كون طرف الإضافة المالك الأوّل فهو ممنوع، و التكافؤ بين المتضايفين لا يستلزم ذلك، بل قضيّة هذه المعاوضة التبادل بينهما فيها، و سقوط

الإضافة من المالكين، و حدوث الإضافة الجديدة بين المملوكين و مالكهما المقصودين في الإنشاء، فإنّ «الناس مسلّطون على أموالهم» «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 173- 176.

(2) لاحظ منية الطالب 1: 178- السطر 23.

(3) بحار الأنوار 2: 272- 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 313

و توهّم: أنّه يستلزم ملكيّة الأجنبيّ للعين بلا سبب معروف، فاسد، لعدم التزامنا بذلك في أبواب المعاملات، و المسائل الاعتباريّة أوسع من التحديدات العقليّة، بل هي دائرة مدار الأغراض و النتائج العقلائيّة.

فإذا قال: «اشتريت لزيد» فتارة: يكون «اللام» للاختصاص، و اخرى:

يكون للملك، و في الثاني تمليك زيد ذلك.

و إن شئت قلت: هذا هو المسبّب من البيع، لأنّ اختلاف الآثار في العلل الاعتباريّة على حسب كيفيّة الاعتبار و الإنشاء.

و ممّا يدل على ذلك: أنّ الوكيل المطلق العنان على أموال زيد الذي هو البائع واقعا، و له خيار المجلس، يقع المعاملة له، و لا يقع الأثر في كيسه، فلا منع ممّا ظنه المشهور، من لزوم كون الأثر ملك المؤثّر.

و توهّم لزوم كون المملّك غير مالك، في محلّه، إلّا أنّه لا يضرّ، لعدم اشتراطه به، كما التزم به الأصحاب في بيع الكلّي. بل هو هنا غير لازم، ضرورة أنّ المملّك للأجنبيّ عن العقد هو المالك، و يملّك المبيع مثلا البائع له، و يملّك الثمن المشتري إلى الأجنبيّ الآخر، و لا يدخل العوضان أوّلا في ملك الطرفين، فإنّه خلف كما لا يخفى.

فبالجملة: بحكم العرف و العقل، يجوز أن يشترط المالكان بدوا بأن يملّك أحدهما ماله من الأجنبيّ حذاء تمليك الآخر بالآخر، و لا يكون ذلك من مقابلة التمليكين، بل هو عند العرف مبادلة المملوكين و قولنا:

«حذاء التمليك» توسّع جائز.

ثمّ إنّ الكلام في شرطيّة قبول الأجنبيّ،

يطلب من مقام آخر.

أقول: ما أفاده القوم في وجه شرطيّة التعيين في العقود الكلّية،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 314

ربّما يضرّ، فإنّ الكلّي المضاف إلى الذمّة، غير قابل للتسليم و التطبيق، فإنّه كلّي عقليّ، فلا يكون متموّلا و لا مملوكا بتلك الإضافة، فهذه الإضافة من قبيل إضافة المظروف إلى ظرفه، كما في القضايا الحينيّة، فلا يكون الكلّي مقيّدا، فلا يكون مالا، لأنّه ما دام الإطلاق لا يتموّل و لا يملك.

مع أنّ القضايا الحينيّة في المسائل الاعتباريّة، ترجع عرفا إلى القضايا التقييديّة، لأنّ الظرف دخيل في المظروف، و عندئذ قد يقال:

بأنّ الطبيعيّ القابل لأن يكون في الخارج، و يقع عليه المعاملة و المبادلة، يأتي جوابه عند قوله قدّس سرّه: «فعلى هذا لا يلزم.» إذا كان الطرف قادرا على التسليم و التحويل في الظرف المقرّر، و لا يشترط في المعاملة أزيد منه، و عليه البناءات العرفيّة و أسواق المسلمين.

و ما اشتهر من تعريف البيع ب- «التمليك» قد مرّ ما فيه «1»، بل هو مبادلة مال بمال، و ما يبذل الناس حذاءه الثمن يعدّ مالا، و هو الكلّي الذي يتمكّن البائع من تسليمه، لا الكلّي المضاف إلى الذمّة، و لا الذي لا يتمكّن بائعه من تسليمه، كما في الشخصيّ أيضا.

و إن شئت قلت: لا يعتبر المملوكيّة و لا الماليّة حال الإيجاب، و لا متقدّمة زمانا على القبول، بل الشرط كون المبيع و الثمن موصوفين بالوصفين حال الانتقال، و هو هنا كذلك، فإنّه بالضرورة لا ينتقل شي ء بالإيجاب وحده، بل لا بدّ من القبول و الإجازة، فإذا لحقه ذلك يقع الأمور الثلاثة: النقل، و الاتصاف بالوصفين في عرض واحد، فيملك المشتري

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 315

مثلا الحنطة على عهدة البائع، و يكون المبيع مملوكا.

فعلى هذا، لا يلزم تعيين المالك عقلا، و لا عرفا، بل و لا شرعا، لأنّ ما يدلّ على التعيين عقلا- من لزوم كون المملوك بلا مالك- مدفوع بأنّ الإيجاب لا يؤثّر في شي ء، و ما يدلّ عليه عرفا- من لزوم كون المملّك مالكا- ممنوع بما عرفت، و ما يدلّ على التعيين شرعا- من الانصراف- غير مقبول، لأنّ المتعارف لا يورث القصور في الأدلّة، و إلّا يلزم الفقه الجديد.

فله أن يبيع من أحدهما بالواحد منهما، بعد كونهما معتبرين في السوق، و يكون طرف الإضافة عنوان «الأحد» أو «الواحد» و هذا العنوان معتبر كمعتبريّة الكلّيات في المبيع، و ليس أمرا موهوما و متردّدا، فإنّه ليس موجودا، بخلافهما فإنّهما موجودان كلّيان، على حسب سائر الكلّيات الموجودة في الذهن المعرّاة من الوجود تغافلا، فتدبّر.

و إن شئت تقول: حكم المبيع الكلّي غير حكم البائع الكلّي، ضرورة أنّ البيع هو تبادل المالين في الملكيّة المستتبع لتبادل المالكين، بحدوث الإضافة الجديدة، و انعدام الإضافة الأوّلية، و هذا في الكلّي الذمّي الذي هو المبيع معلوم، و لكنّه في المالك الكلّي- و هو عنوان «أحدهما»- غير متصوّر، لأنّه لا يكون صاحب الإضافة و طرفها، بل هو أمر مخترع اخترعه الوكيل عنهما، أو الفضوليّ من قبلهما.

فأنا أقول: أمّا فيما كان الإهمال منحصرا في طرف القابل، فالصحّة واضحة جدّا، لأنّه بالقبول يتعيّن، و لا أثر لنفس الإيجاب، فإذا قال: «بعت هذا» أو «كلّيا من أحدكما» و قال واحد منهما: «قبلت» يقع البيع له، و في هذه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 316

الرتبة يتمّ شرائط الصحّة.

و فيما كان الإهمال في

الطرفين، و قال الوكيل عنهما أو الفضوليّ:

«قبلت البيع لواحد منهما» أيضا يصحّ البيع، إلّا أنّه لا أثر له فعلا، بل الأثر يتحقّق بالإجازة في الفضوليّ، و بالتعيين في الإهمال، و ما هو الممنوع عند القوم هي الإضافة الواقعيّة بين المهمل و العوضين، لا الإنشائيّة المحضة التي يترتّب عليها الإضافة الواقعيّة بالتعيين و الإجازة، فلاحظ و لا تخلط.

فإذا كان الوكيل منصوبا من قبلهما في الإضافتين: الإنشائيّة، و الواقعيّة، فعليه التعيين بعد إحداث الإضافة الأولى.

مسألة: في حكم تعيين غير المالك

حكم العالم المعيّن لغير المالك

إذا لم يكن التعيين معتبرا، بمعنى لزوم كون المالك واحدا شخصيّا، فهل تعيين غير المالك يضرّ بالصحّة، أم لا، أو يفصّل بين صورتي العلم و الجهل؟

مثلا: لو قال «بعت فرس زيد» أو «هذا الفرس عن زيد» و كان الفرس له، فهل يبطل، أو يصحّ بيعا و هبة، أو يكون مراعى بالإجازة اللاحقة؟

لا يقال: يمكن اختيار البطلان هنا و إن قلنا بعدم اعتبار التعيين، كما يمكن اختيار الصحّة و إن قلنا بعدم اعتباره، و ذلك لأنّ الإنشاء المتعلّق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 317

بإخراج المال عن ملك زيد لا يؤثّر، لعدم الموضوع له، سواء قلنا باعتبار تعيين المالك، أم لم نقل «1».

لأنّا نقول: نعم، إلّا أنّه للقائل بعدم اعتبار التعيين، إرجاع الإنشاء المذكور إلى الكلّي المنطبق على المالك، فيقول: معنى «بعت فرس زيد» أنّه باع الفرس عن مالكه الأعمّ من كونه مالكه الفعليّ، أو الذي يتملّك بعد ذلك، و هو زيد مثلا، و ليس هذا نافعا لمن لا يقول به، و إن كان التزام القائل بعدم اعتبار التعيين بالبطلان من وجه آخر، لا يضرّ بالبحث.

فبالجملة: تصحيح هذه المعاملة على أن تكون مؤثّرة في النقل فعلا، ينحصر بدعوى: أنّه في عرض

واحد هبة و بيع، من غير اشتراط صحّة الهبة و تأثيرها بالقبول و القبض «2».

أو يقال: بأنّه ليس من الهبة الشرعيّة، بل هو من قبيل تمليك الموصى في الوصيّة التمليكيّة، بناء على عدم اعتبار القبول فيها، و هذا ممّا لا يتحاشى منه العقل و العرف، فإنّ تمليك الأثاث للمسجد و للبيت أمر عقلائيّ، من غير اشتراطه بقبول المتولّي أو الناس، بل تصرّفهم فيها بعد ذلك ملزم لهذا التمليك، و ليس من القبول له كما لا يخفى.

و ما قد يقال: من أنّ إنشاء البيع جدّا من العالم بالواقعة غير ممكن، لتوقّف ذلك على الهبة المتقدّمة رتبة عليه، و المتأخّرة في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 44- 45.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 109- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 318

الإنشاء «1»، لا يفيد شيئا، لأنّه إذا كان يعلم بتحقّقها بذلك الإنشاء، يترشّح منه الجدّ إليه، كما في الإيجاب و القبول.

و إن شئت قلت: هذا دور معيّ، لأنّ توقّف البيع على الهبة و هي عليه، معلول إرادته، و لا يشترط التقدّم الزمانيّ في النقل البيعيّ، بل هو في آن واحد يتملّك بالهبة، و يخرج الموهوب من ملكه.

و لك دعوى التفصيل بين ما لو قال: «هذا الفرس الذي لزيد بعته» و ما لو قال: «بعت فرسه» ففي الأوّل يحصل التمليك بالجملة الاولى، و يخرج المملوك بالجملة الثانية، فلا يلزم الإشكال.

أو التفصيل بين ما لو قال: «بعت هذا الفرس الذي لزيد» و لو قال:

«بعت هذا الفرس عن زيد» فإنّ في الأوّل يصحّ، و للمشتري خيار تخلّف الوصف، كما في نظائره، دون الثاني، لأنّه بلا موضوع و من قبيل بيع الكلّي المقيّد.

أقول: لو سلّمنا جميع

ذلك، لا تكون المعاملة فعليّة إلّا بتوكيل زيد مالك الفرس في بيعه عنه بعد هبته إيّاه، و أمّا صحّتها مراعاة إلى التعيين و الإجازة، فهي مشكلة، لأنّ الانحلال المذكور ليس عرفيّا، و ميزان الانحلال و عدمه يطلب من مقام آخر.

ثمّ إنّه حتّى و لو فرغنا عن الاستحالة العقليّة، لكنّه غير كاف، لاشتراط مساعدة العرف في الأسباب المتوسّل بها إلى النقل و الانتقال، و قد مرّ في محلّه: أنّ مطلق السبب و لو كان مخترعا شخصيّا غير كاف، بل

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 46.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 319

لا بدّ من كونه نوعيّا فعلا أو تقديرا، و المراد من «التقدير» ليس مطلقه، فلا تغفل و تدبّر.

هذا كلّه فيما كان عالما بالواقعة، و قلنا بعدم إمكان ترشّح الجدّ منه إلى الإنشاء.

حكم الجاهل المعيّن لغير المالك

و فيما كان جاهلا فيمكن القول بوقوعه فضولا، فيصير من قبيل من باع ثمّ ملك «1»، و لو صحّ الفضوليّ فللقول بصحّته هنا وجه أيضا، كما هو الظاهر.

و لك دعوى صحّته فضولا مع العلم بالواقعة، لإمكان ترشّح الجدّ منه إذا كان بانيا على هبته إيّاه، و كان يعلم بقبوله لها.

و أيضا يمكن تصوير صحّته الفعليّة فيما إذا كان الفرس عنده و إن لم يكن له، و قد أظهر قبل البيع رضاه بقبول هبته، فإنّه إذا قال: «بعته عنه» يقع الهبة بشرائطها و البيع كذلك.

تتميم: حول تعيين المتعاقدين

قد مضى عدم اعتبار التعيين حذاء الإبهام المعتبر في العناوين الكلّية، دون ما يرجع إلى فقدان الوجود «2».

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 50- 51.

(2) تقدّم في الصفحة 315.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 320

و هكذا لا يعتبر أن لا تكون المعاملة مجهولة من قبل مجهوليّة المتعاقدين، و ما يقتضيه الأدلّة مخصوص بالعوضين، فإنّ النهي عن الغرر [1] فيما يؤدّي إليها، و هذا بلا فرق بين أنحاء التجارات.

نعم، إذا كانت التجارة قائمة بحسب العوضين بالمتعاقدين- كالمنافع في باب الإجارة و أمثالها- فاعتبار المعروفيّة لأجل هذه الجهة.

و لو قلنا: بأنّ اعتبار الزواج خصوصا المنقطع منه، داخل في الإجارة، فتلك المعروفيّة لازمة، و إلّا فلا. و أمّا اعتبار التعيين بالمعنى الأوّلي في النكاح و أمثاله، فهو لدليل شرعيّ، أو اغتراس ذهنيّ، و إلّا فلا يقتضيه الصناعة بعد إمكان التعيين للمولى بإرادته أو بالقرعة، و قد مضى بعض البحث حوله «2».

مسألة: في صحّة البيع و إن لم يعلم حال المتعاقد و أنّه المالك أم لا؟

لو كان كلّ واحد من المتعاملين غير عارف بحال الآخر، من كونه وكيلا، أو وليّا، أو أصيلا، أو فضوليّا، فهل يجوز البيع مع الإهمال في

______________________________

[1] عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن عليّ عليه السلام: «. و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع المضطر و عن بيع الغرر».

عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 45- 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

______________________________

(2) تقدّم في الصفحة 310.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 321

الخطاب، أو لا يجوز، أو تجوز المخاطبة، لعدم تقوّم الصحّة بها، فلا يضرّ بطلانها بصحّة المعاملة، أو لا تجوز؟

وجوه:

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 321

الظاهر هو الأوّل في الفرعين، و ذلك إمّا لأنّ اليد ظاهرة في الملكيّة، و لا يتقوّم نفوذ المعاملة بالخطاب بعد ذلك، فله إنشاء المعاملة بلا خطاب و معه.

و إمّا لأنّ الملكيّة ليست شرطا إلّا في الجملة، فكون المتصدّي لأمر التجارة مالكا غير لازم، بل اليد كاشفة عن نفوذ تصرّفاته و صحّة تصدّيه، فهو المتعامل حقيقة و إن كان الأثر في كيس الآخر، كما في الوكيل الذي هو مطلق العنان، فإنّ خيار المجلس يثبت له، لأنّه البيّع و إن كانت فائدة البيع للموكّل.

مسألة: في صحّة مخاطبة الوليّ و الوكيل عند إنشاء البيع

إذا علم أنّ المشتري ليس ربّ السلعة، فإن كان وليّا أو وكيلا مطلقا، فيجوز إنشاء البيع له، لجواز التفكيك بين من له البيع، و من ترجع إليه فائدة البيع، فإنّ الثاني أجنبيّ عن حدود العقد و الإنشاء، و جميع أحكامه و الملتزمات العرفيّة ثابتة لهما، دون المولّى عليه و الموكّل.

و إن كان وكيلا في إجراء العقد فقط، فالظاهر جواز المخاطبة أيضا، للقاعدة التي أشرنا إليها: و هي أنّ كلّ كلمة تذكر في العقد، فإن كان في تركها إضرار بالمقصود، فلا بدّ من الإتيان بها على الوجه الصحيح، و إلّا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 322

فلا، و لا شبهة في تماميّة العقد بدون الخطاب إلى الموكّل أو الوكيل، فكما يصحّ في الوكيل مطلق العنان إنشاء البيع بعنوان الموكّل، لعدم الاحتياج إليه، كذلك هنا، لعدم الإضرار به.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 323

الشرط الثالث: الاختيار

البحث عمّا شرط في المتعاقدين

من الشرائط عند المشهور الاختيار، و قد يقال بشرطيّة الرضا و الطيب «1».

و قد يعبّر ب- «مانعيّة الكراهة، أو إكراه الغير، أو شرطيّة عدم إكراه المكره» «2».

و قد يقال بشرطيّة اختياريّة الاختيار «3».

و في الكلّ نظر، ضرورة أنّ معنى كون هذه الأمور شرطا في الجملة، أنّ العقد المستجمع لجميع الشرائط إذا كان فاقدا لذلك يقع باطلا، و نحن بعد الفحص عن جميع جوانب المسألة، نجد أنّ المكره القاصد إلى حقيقة البيع بالإرادة و الاختيار و القدرة، يكون البيع الصادر منه

______________________________

(1) البيع (تقريرات المحقّق الكوهكمري): 233.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 57.

(3) منية الطالب 1: 184- السطر الأوّل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 324

كالبيع الصادر من غيره، ضرورة أنّ الإنسان في أفعاله الصادرة منه، يلاحظ الجهات

المختلفة من المصالح، و دفع المضارّ و المفاسد، و لا معنى لكون البيع مورد الطيب، ضرورة أنّه كثيرا ما يقدم الإنسان على المكروهات و يصبر عليها، لدفع الآلام الأخر، و جلب المصالح العالية، و ليست الطيبة المترشّحة من الطيب لذي المقدّمة طيبا عرفا، و إلّا فالمكره أيضا ذو طيب بالنسبة إلى تلك المعاملة التي بها ينجو من شرّ السيف الشاهر.

فبالجملة: لا تعدّد في معنى الاختيار، و لو كان غير مختار فهو فاقد للقدرة التي هي الشرط في تحقّق قصد حقيقة البيع، فيكون البيع فاسدا، لأجل الإخلال بهذا الشرط أو المقوّم الذي مرّ ذكره.

و لو أريد من «الاختيار» معناه العرفيّ مقابل المكره، فهو قبال المضطرّ أيضا، فإنّه أيضا يشتهي أن يصل إلى مرامه من غير التوصّل إلى بيع داره.

و لو قيل: إنّه يتأثّر من عدم تحقّق البيع.

قلنا: المكره أيضا يتأثّر، لأنّه يستلزم وقوعه في المهالك الكثيرة المتوعّد عليها لو أخلّ بالشرط.

نعم، بطلانه التعبّدي لا يستلزم ذلك، لخروجه من اختياره.

و بذلك يندفع كون اختياريّة الاختيار شرطا، لأنّ ذاك الاختيار غير حاصل للمضطرّ، مع صحّة بيعه بالضرورة.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 325

و أمّا جعل إكراه الغير مانعا «1»، فقد فرغنا في الأصول عن عدم إمكان اعتباره في المسائل الاعتباريّة، فيرجع إلى شرطيّة عدمه «2»، و عندئذ لنا أن نسأل الوالد المحقّق- مدّ ظلّه-: بأنّ هذا الشرط يرجع إلى المشروط، فما هو المشروط؟ أي هل إرادة المبيع مشروطة، أو الطيب و الرضا مشروط، أو اللفظ الذي ينشأ به مشروط؟

و بعبارة أخرى: أيّ شي ء مشروط هذا الشرط؟

و لا جواب إلّا بأن يقال: بأنّه يستلزم الإخلال بشرط من شروطها الموجودة في أفق النفس و صقع الذهن.

و بعبارة أخرى:

يشترط في صحّة البيع أن لا يكون تحقّقه عن إكراه، فيرجع ذلك إلى أنّ العلّة- و هي الإرادة المتعقّبة بتحرّك العضلات- غير حاصلة من إيعاد المكره، و هذا يرجع إلى اشتراط كون الإرادة معلولة النفس و المبادئ الخاصّة، دون مطلق المبادئ التي منها إيعاد المكره، و دون الداعي من الفرار عنه.

و معنى هذا بطلان عقد المضطرّ، لأنّه أيضا معلول الإرادة المشتملة على المبادئ الخاصّة، و منها الداعي إلى الفرار من الضرر الذي يخاف عليه.

و من هنا يعلم: أنّ الكراهة ليست مانعة، و لا عدمها شرطا، لوجودها في بيع المضطرّ أيضا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 57.

(2) تحريرات في الأصول 8: 56 و 82 و 91.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 326

صحّة بيع المكره

و الذي هو التحقيق: صحّة بيع المكره، إلّا إذا كانت إرادته معلولة إرادة المكره، فتكون إرادته بإلقاء نفس الآخر عليه، و لا تكون حاصلة في أفق ذهنه بالمبادئ الموجودة عنده، فعند ذلك يبطل البيع، لاستناد البيع إلى المكره بالمجاز، و إلى المكره بالحقيقة، و يرجع وجه البطلان إلى فقد مالكيّة العوضين، كما لا يخفى.

إن قلت: بناء عليه يلزم صحّة بيع المكره إلّا في الصورة الواحدة الشاذّة.

قلت: كلّا، فإنّه كثيرا ما و إن لم تكن إرادة المباشر معلولة إرادة المكره حقيقة، و لكنّها معلولتها عند العرف، و لا يجد العرف المباشر مستقلّا في إرادته، بخلاف المضطرّ، فإنّه لا تستند إرادته إلى غيره.

و إن شئت قلت: تارة، تكون الإرادة معلولة الدواعي النفسانيّة و المصالح و المفاسد المعلومة للمريد.

و اخرى: تكون معلولة الأجنبيّ عرفا، و يستند البيع إليه أحيانا.

و ثالثة: يكون المكره مع إكراه الأجنبيّ، غير خارج من الاستقلال العرفيّ، و غير فانية إرادته

في إرادة المكره.

ففي الصورتين الاولى و الأخيرة تصحّ المعاملة، دون الصورة الوسطى.

هذا كلّه حسب القواعد العقلائيّة، فإنّ العقلاء يحكمون ببطلان بيع

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 327

المكره، و لكنّ القدر المتيقّن من بنائهم ما ذكرناه.

و أمّا قضيّة الأدلّة الشرعيّة، فالآية الشريفة إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1».

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إلّا بطيبة نفس منه» «2».

و قوله- عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف-: «إلّا بإذنه» «3».

كلّه أجنبيّ عن مسألتنا، لأنّ الرضا بمعنى الطيب ليس شرطا، و بمعنى الجدّ إلى المعاملة حاصل في مطلق البيع، و بمعنى أنّ في تركه التأذّي موجود في بيع المكره أيضا، لأنّه يؤدّي إلى الفساد الأهمّ في نظره. و المستثنى في الروايتين غير دخيل في المعاملة، بل الظاهر منه هو الإذن و الطيب بالنسبة إلى التصرّفات الإباحيّة، فلا تغفل.

فبالجملة: إكراه المكره تارة، يوجب وجود الداعي المؤدّي إلى تحقّق الإرادة.

و اخرى: يوجب تحقّقها من غير الداعي إلى المراد.

ففي الأولى تصحّ المعاملة، دون الثانية، لأنّ الإرادة الفانية في إرادة الغير، سبب لاستناد المراد إلى الإرادة الأولى الأصيلة، دون الإرادة المباشرة.

______________________________

(1) النساء (4): 29.

(2) الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1 و 3.

(3) كمال الدين: 520- 49، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 328

التمسّك بحديث الرفع لبطلان عقد المكره مطلقا و جوابه

إن قلت: قضيّة حديث الرفع «1» بطلان جميع الصور، لصدق «الإكراه» عرفا، و إذا كان أثر المعاملة- و هي الصحّة- مرفوعا، فسائر الآثار الطوليّة- من اللزوم و غيره- مرفوع أيضا قهرا.

قلت: الذي أكره عليه إن كان إرادته، فارتفاعها يؤدّي

إلى ارتفاع المراد، و هو المعتبر الخارجيّ.

و إن كان الإنشاء اللفظيّ دون الإرادة، كما في كثير من موارد الإكراه، فلا معنى لنفي جميع الآثار، فإنّ النقل و الانتقال- و هو البيع المسبّبي- من الآثار القهريّة المترتبة على البيع السببيّ، كالنجاسة المترتبة قهرا على شرب المسكر عن إكراه، فكما لا ترتفع النجاسة هناك، لا يرتفع البيع المسبّبي هنا.

نعم، ما هو أثر نفس التلفّظ بذاته- من الأمر الوضعيّ فرضا، أو التكليفيّ- مرفوع بالحديث الشريف.

و بعبارة أخرى: البيع السببيّ و المسبّبي متقوّمان بالإرادة، و إذا كانت هي مرفوعة فلا يعقل بقاء الأثر، للزوم التهافت بين الرفع و الوضع، و لكنّ البيع المسببيّ غير متقوّم باللفظ، و هو البيع السببيّ، بل هو اعتبار عقيب الاعتبار، على ما تقرّر في محلّه.

______________________________

(1) الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 329

و إن شئت قلت: مورد الإكراه فيما كانت إرادة البائع هو السبب بما هو سبب، و فيما كان التلفّظ بالبيع إنشاء، هو ذات السبب، سواء أثّر في معلوله، أو لم يؤثّر.

و على هذا لا بدّ من صدق فناء إرادة المكره في إرادة المكره، حتّى لا يرى الوسط بينهما من الدواعي الأخر، و إلّا فلا دليل على بطلانه.

بل قضيّة الاستثناء في آية التجارة «1» صحّة بيع المكره، لأنّ الرضا بمعنى الطيب العقليّ موجود، و بمعنى الطيب النفسانيّ غير موجود في بيع المضطرّ، و بمعنى العقد و الإرادة موجود في جميع الفروض.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ظاهر كلمة الاستثناء إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ هو كون الإرادة مستندة إلى ربّ التجارة، و أمّا

إذا كانت معلولة الإرادة الأخرى من المكره و غيره، فلا تكون التجارة صحيحة و حقّة، بل هي باطل، فلفظة مِنْكُمْ ربّما تفيد هذا المعنى الذي أسّسناه في المقام. و قد خرجنا من الاختصار، فنرجو قبول الاعتذار.

عودة إلى حكم العقل و العقلاء ببطلان عقد المكره

ثمّ إنّ في المقام (إن قلت قلتات) حول حديث الرفع، و لكنّها ممّا لا حاجة إليها، لأنّ ما هو الدليل الوحيد حكم العقل و العقلاء بعدم نفوذ هذه التجارة، كما أنّ عدم رفع بعض الآثار الوضعيّة أيضا لحكمهم، ضرورة

______________________________

(1) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 330

أنّ النجاسة الآتية من قبل الفعل المكره عليه، ليست من الآثار المربوطة بالشرائع حتّى ترفعها الشريعة الإسلاميّة، و لا من الآثار المعتبرة عند العقلاء، حتّى يحكموا بعدم اعتبارها عند الإكراه، و الخباثة الحدثيّة عندهم كالنجاسة، و لتفصيل المسألة مقام آخر، فتدبّر.

إن قلت: استناد فعل المكره إلى المكره في الأفعال التسبيبيّة- كالبيع و الشراء- غير واضح، بل الظاهر خلافه، فلا بدّ من أن يقال باشتراط كون الإرادة غير مسبوقة بإكراه المكره، بمعنى أنّه لا يكون من مبادئ وجودها، الإكراه و الإجبار و قهر القاهر و الجائر.

قلت: الأمر بحسب حكم العقل كما مرّ «1» و أشير إليه، لأنّ الإرادة معلولة نفس المكره، إلّا أنّ العرف هنا يرى إرادة السبب كإرادة الموكّل، في كونها أقوى في صدور الفعل من إرادة المباشر، فالوكيل و إن هو المبدأ الواقعيّ لصدور الفعل و البيع، و لكنّ إرادته معلولة الإرادة الأخرى.

و يشهد لعرفيّة هذا، ذهاب المحقّقين في إرادة المقدّمة إلى ترشّحها من إرادة ذي المقدّمة، غافلين عن امتناع هذا الترشّح، إلّا أنّ الأمر عرفيّ، لأنّ المبادئ المتخلّلة- لكثرة سرعة النفس، و شدّة قدرتها على إحضارها- مغفول

عنها.

هذا مع أنّ قضيّة اشتراط عدم كون الإكراه من مبادئ الإرادة، بطلان بيع من اكره على تسليم شي ء لا يتمكّن منه إلّا ببيع داره، مع أنّه لا يمكن الالتزام به، و لا يلتزم قائله بذلك.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326- 327.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 331

بيان المناط في بطلان عقد المكره

ثمّ إنّ قضيّة ما شرحناه، عدم توقّف بطلان بيع المكره بالإيعاد على الضرر الماليّ، أو العرضيّ، أو غيرهما، بل المناط في بطلانه ترشّح إرادة البائع من إرادة القاهر، فلو أمره الجائر بالبيع فباع من غير التوجّه إلى إمكان التخلّف عن أمره يقع باطلا. بل لا يلزم الإكراه بالمعنى الظاهر منه، فلو كان لأحد إمكان تسخير إرادة البائع، فباع يقع باطلا.

فالمناط خروج البائع من الاستقلال في إرادته عقلا، كما في المثال الأخير، أو عرفا، كما في سائر المواقف، و لذلك لو أكرهه على الضرر اليسير حذاء بيع ما يملكه، فإنّه يصحّ بيعه عندنا، لعدم مقهوريّة الإرادة، و عدم خروجه عرفا من الاستقلال، و عدم مساعدة العرف على ذلك، بل يتّهمه بأنّه كان يشتهي بيعه.

فما يتوجّه إلى مقالة الأصحاب المتأخّرين رضوان اللّه تعالى عليهم غير خفيّ، حتّى نحتاج إلى التفصيل، فجميع القيود المأخوذة في كلمات القوم- من الكراهة بالنسبة إلى الفعل، و الإيعاد، و ظنّ الترتّب، و غير ذلك- غير تامّة، و قد عرفت: أنّه قد يتّفق عدم توجّه المكره- في قبال إرادة القاهر- إلى الجهات الأخر، و يصنع البيع كالمستبيع، فلا يتمكّن من رجوعه إلى نفسه من لحاظ الظنّ بالترتّب أو

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 332

الاحتمال، مع أنّه كاف فيما كان المحتمل قويّا، و الاحتمال موجودا «1»، فلا تغفل.

بل لو أكرهه القاهر على بيع

لو تركه يفسد في الأرض، و يريق دماء المسلمين، أو يكتب الرسالة في ردّ الإسلام و القرآن و أمثال ذلك، فإنّه يجب البيع و إن كان باطلا، لأنّ الوجوب عقليّ لا شرعيّ، كبيع المحتكر.

إن قلت: مادّة «الإكراه» دليل على أنّ الفعل مكروه للفاعل، و إلّا فليس إكراها، بل هو الإجبار و القهر.

و دعوى لزوم بطلان بيع المضطرّ، ممنوعة، لأنّ المقدّمة المتوقّف عليها المحبوب و المشتاق إليه، مورد الحبّ و الاشتياق قهرا و حتما، فإذا رأى أنّ الفرار من الموت متوقّف على قطع اليد، يرضى به، و يشتاق إليه، لذلك التوقّف.

قلت: أوّلا: لا نبالي بصدق «الإكراه» في هذه المسألة، لأنّ دليله حكم العقلاء، و وجه البطلان لا ينحصر بالعموم و الخصوص الوارد في مسألة الطلاق.

و ثانيا: ليس معنى «الإكراه» كون الفعل مكروها، لأنّ من معانيه القهر.

و ثالثا: لا ينبغي الخلط بين الطيب، و الرضا العقليّ و النفسيّ كما مضى «2»، ضرورة أنّ التوقّف لا يورث الحبّ، كما إذا توقّف أداء الدين

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 324.

(2) تقدّم في الصفحة 329.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 333

على بيع ما يملكه، فإنّه مع نهاية اشمئزازه و تنفّره من بيع داره و بستانه، يقدم عليه، و يكون صحيحا، مع أنّه لا يطيب به بالطيب العقليّ، لعدم التزامه بالشريعة حتّى يعتقد بأنّ ذلك يؤدّي إلى الإتيان بالواجب الذي في تركه العقاب، فلو تمّ الطيب العقليّ المتوهّم في كلمات القوم، ففي المثال المذكور لا طيب عقلا، و لا عرفا، مع صحّة المعاملة.

قطعا، فتأمّل.

لا يقال: بناء عليه يلزم بطلان البيع المشتمل على الشرائط، و منها الطيب و الرضا، مع أنّ إطلاق المستثنى في آية التجارة دليل صحّته.

لأنّه يقال أوّلا: قد

عرفت معنى «الرضا» في الآية «1».

و ثانيا: إطلاق حديث الرفع يعارضه بالعموم من وجه، و قضيّة الصناعة بعد المعارضة هو البطلان.

و لو فرضنا أنّ معنى «ما اكرهوا عليه» أو «ما استكرهوا عليه» هو الإجبار على المكروه النفسانيّ، أو قلنا: بأنّ حديث الرفع لا يجوز التمسّك به في المقام، لأنّ من شرائط الصحّة عدم الكراهة و الإكراه، و هو الرضا المستفاد من الآية، و قد تقرّر في محلّه انحصار مجراه بمواضع تكون الأدلّة فيها مطلقة من حيث العناوين المرفوعة في الحديث الشريف، و لكنّه يكفي في البطلان حكم العقلاء و بناء الأصحاب، و هذا ليس من الأحكام المردوعة، بل يستكشف به تنفيذ الشرع إيّاه.

فالمستثنى إمّا مجمل، أو أريد منه أنّ المعتبر في صحّة المعاملة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 329.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 334

و نفوذها، كونها تجارة، و كونها عن تراض، و كون الرضا أو التجارة المتقيّدة بالرضا ناشئا منكم، لا من غيركم و هو المكره، و في صورة الاضطرار يكون الرضا أيضا ناشئا منه، لا من غيره، و عندئذ يمكن الجمع بين الأدلّة، و بين دعوى لزوم اشتراط الطيب النفسانيّ بمعناه العرفيّ، كما لا يخفى، فافهم و تأمّل جيّدا.

بحث: حول اعتبار المندوحة في بيع المكره

لا شبهة في أنّه مع إمكان التوصّل عادة إلى منع المكره عن الإكراه، لا يصدق «بيع المكره» و لا يصدّقه العقلاء في دعواه أنّه أوجد البيع عن إكراه، فعليه تصحّ المعاملة في هذه الصورة.

و لا شبهة في صدقه مع عدم الإمكان، و هكذا مع الشكّ في القدرة إذا كان الجابر يعمل بإيعاده بمجرّد الاطلاع على تخلّفه، أو احتمل ذلك بالاحتمال العقلائيّ، فيما كان المورد ممّا لا يهتمّ به العرف، أو الاحتمال غير العقلائيّ

فيما كان المورد ممّا يهتمّ به العرف و العقل، كالأعراض.

و قضيّة الأصول العمليّة في صورة الشكّ في مورد أنّه من أيّ الفروض المذكورة؟ هو البطلان، لأنّ الشكّ في الصحّة هنا يرجع إلى الشكّ في الشرط العرفيّ، و هو صدق الاستقلال في الإرادة.

بل التمسّك بالأدلّة الاجتهاديّة محلّ إشكال، لاحتمال عدم صدق «البيع» حال عدم الاستقلال عرفا، و مجرّد الإطلاق غير كاف، كما لا يخفى.

و توهّم: أنّ النزاع في هذه المسألة فرع الصدق، غير صحيح، بل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 335

المقصود استجماع جميع الشرائط غير شرط واحد، و هو حصول الإرادة بالوجه المختار عندنا.

هذا، و لو أمكن التفصّي عن المكره بالتخلّف عن إرادته، بإيجاد الأمر الآخر في وعاء الاعتبار، أو أمكن ذلك بإرادة اللفظ فقط، أو أمكن بالتورية، بأن يريد الإخبار في صيغ الإنشاء، فإنّه- بناء على ما عرفت من التحقيق في المسألة في وجه بطلان بيع المكره «1»- تصحّ المعاملة في هذه الصور، لعدم فناء إرادته في إرادة المكره، ضرورة أنّ ذلك مع التوجّه إلى الاقتدار على التخلّص، غير قابل للجمع.

نعم، قد يخطر بباله ذلك، إلّا أنّ الإرادة القاهرة سخّرت إرادة المباشر عرفا، و تكون إرادته ناشئة منها عند العقلاء، لا العقل كما هو الظاهر.

و عليه لا فرق بين الوضع و التكليف، في كونه معذورا في الارتكاب، و أنّ التكليف مرفوع بالحديث الشريف.

و قد يقال: إنّ قضيّة ما ورد في أخبار الطلاق [2]، و قصّة

______________________________

[2] زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن طلاق المكره و عتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق، و لا عتقه بعتق، فقلت: إنّي رجل تاجر، أمرّ بالعشّار، و معي مال، فقال:

غيّبه ما استطعت، و ضعه مواضعه،

فقلت: فإن حلّفني بالطلاق و العتاق، فقال:

احلف له، ثمّ أخذ تمرة، فحفر بها من زبد كان قدّامه، فقال: ما أبالي حلفت لهم بالطلاق و العتاق، أو أكلتها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 173- 174.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 336

عمّار [1]، و روايات اليمين عند العشّار [2]، و أمثال ذلك، لحوق ما ليس بإكراه

______________________________

عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: لو أنّ رجلا مسلما مرّ بقوم ليسوا بسلطان، فقهروه حتّى يتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلق، ففعل، لم يكن عليه شي ء.

وسائل الشيعة 22: 86، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 37، الحديث 1 و 2.

[1] مسعدة بن صدقة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ الناس يروون أنّ عليا عليه السلام قال على منبر الكوفة: أيّها الناس إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تتبرّؤوا منّي، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السلام، ثمّ قال: إنّما قال: إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي و إنّي لعلى دين محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لم يقل: و لا تبرّؤوا منّي، فقال له السائل: أ رأيت أن اختار القتل دون البراءة، فقال: و اللّه ما ذلك عليه، و ما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ (أ) فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عندها: يا عمّار إن عادوا فعد، فقد أنزل اللّه عذرك، و أمرك أن تعود

إن عادوا.

أ- النحل (16): 106.

وسائل الشيعة 16: 225، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أبواب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 2.

[2] إسماعيل الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أمرّ بالعشّار و معي المال، فيستحلفوني، فإن حلفت تركوني، و إن لم أحلف فتّشوني و ظلموني، فقال: احلف لهم، قلت: إن حلّفوني بالطلاق؟ قال: فاحلف لهم، قلت: فإنّ المال لا يكون لي، قال:

تتّقي مال أخيك.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 337

بالإكراه حكما، أو هي تشهد على الصدق العرفيّ مع القدرة على التورية «1».

و فيه: أمّا الصدق اللغويّ، فهو ممنوع في بعض الموارد بالضرورة، و أمّا اللحوق الحكميّ فهو باطل بالمذهب، لأنّ التجاوز من تلك المواقف إلى المسائل الوضعيّة- أي كون الإكراه موجبا لرفع الحكم التكليفيّ العظيم هناك، دليل على بطلان البيع هنا- غير جائز.

نعم، قد عرفت انحصار دليل المسألة بحكم العقلاء «2»، و هم ربّما يرون التفاوت في مراتب الصدق.

إلّا أن يقال: بأنّ المستثنى في آية التجارة، دليل على أنّ وجه البطلان عدم حصول الطيب في المكره من المبادئ الموجودة في نفسه، لأنّه حاصل من المبادئ الموجودة في نفس المكره، فلا يشترط صدق «بيع المكره» في البطلان، بل المناط ذلك، و لا شبهة في أنّ هذا يورث بطلان البيع، و لا يورث أنّ جواز الارتكاب متوقّف على صدق «الإكراه و الاضطرار» فما يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه «3» كغيره، ممّا لا يمكن المساعدة عليه.

______________________________

سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اكره و اضطرّ إليه، و قال: ليس شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه.

وسائل الشيعة 23: 227، كتاب

الأيمان، الباب 12، الحديث 17 و 18.

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 119- السطر 20.

(2) تقدّم في الصفحة 326 و 330.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 119- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 338

و أمّا تقريب الاستدلال بالإطلاق السكوتيّ، و هو ترك الاستفصال مع لزوم التذكّر إلى التورية، خصوصا في قصّة عمّار «1»، فهو غير تامّ، لما يمكن دعوى: أنّ التذكّر المذكور ربّما يوقع الناس في المفاسد العظيمة، و لأجل سدّها من جميع الجهات جوّزت الشريعة المقدّسة ذلك. و ربّما يكون ممنوعا مع الشكّ في القدرة على التخلّص بها.

فبالجملة: مع القدرة على الفرار من البيع بالحيل الشرعيّة أو العرفيّة قدرة فعليّة، أو مع إمكان كسب القدرة عليه، لو أوقع البيع فهو داخل في المسائل الآتية: و هي ما لو أكرهه على أحد الأمرين، لأنّه يرجع إلى أنّه أكرهه إمّا على التلفّظ الخالي من الأثر، أو على البيع، فسيأتي تفصيلها من ذي قبل- إن شاء اللّه تعالى- «2».

الاستدلال على المختار بمثال عرفيّ

ثمّ إنّ من الممكن دعوى: أنّ لحاظ المكره العوارض المتأخّرة عن البيع الحاصل عن الإكراه- كابتلائه في بيعه داره بالثمن، و هو مغصوب بحكم الشرع إذا كان البيع فاسدا، و لا يتمكّن بعد ذلك من إرضاء صاحبه غير المطّلع على الإكراه- يقتضي أنّه إذا أراد البيع يصحّ، و لكنّه على مبنى القوم غير صحيح، لأنّه أوقع البيع عن إكراه.

و على الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- و السيّد الفقيه اليزديّ رحمه اللّه

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 119- السطر 33- 34.

(2) يأتي في الصفحة 345.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 339

- القائلين: بأنّ عدم الإكراه قيد مستقلّ آخر تعبّدي وراء الرضا و الطيب، بدليل حديث الرفع و أمثاله «1»-

الالتزام بفساده، مع أنّ الضرورة قاضية بصحّته، و لو أمكن تصحيحه على مبنى القوم، لا يمكن على مبناهم، فيعلم أنّ المدار على ما أسّسناه في المقام، و تأمّل فيه التأمّل التامّ- لأنّه من مزالّ الأقدام- بعون الملك العلّام.

بحث و تفصيل في الإشارة الإجمالية لفروع المسألة

عدم الحاجة إلى تفصيل الفروع بعد انحصار دليل المسألة ببناء العقلاء

جرت عادة المتأخّرين على ذكر الفروع الكثيرة هنا، و قبل الخوض فيها لا بدّ من الإشارة إلى أمر: و هو أنّ قضيّة ما ذكرناه أنّ دليل بطلان بيع المكره، بناء العقلاء و حكمهم في جميع الأمم و الأقوام «2»، و لسنا- بناء عليه- ذاهبين إلى مفهوم «الإكراه» و قيوده، و إن ذكرنا إجمالا بعض المباحث المتعلّقة به.

مع أنّك أحطت خبرا: بأنّ جريان الحديث في المقام ممنوع، لأنّ المستثنى في آية التجارة «3» دليل على شرطيّة الرضا، و هو يمنع عن

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 56- 57، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

120- السطر 18.

(2) تقدّم في الصفحة 326 و 330.

(3) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 340

ذلك، لما تقرّر في محلّه من أنّ مصبّه الأدلّة المطلقة، لا المقيّدة بعدم الإكراه، و لا المقيّدة بالإكراه، و لا المصرّحة بثبوت الحكم حال الإكراه، و لذلك بنوا على حكومة الحديث على الأدلّة، و لو كان فيما نحن فيه جاريا، يلزم كونه دليلا مؤيّدا لسائر الأدلّة.

و توهّم دلالة المآثير في روايات الطلاق على حكم في هذه المسألة «1»، غير تامّ، بل الظاهر اختصاصها به، و إلّا كان الأولى ذكر البيع في جملة ما يذكر في تلك الروايات، لابتلاء الناس به، فيعلم أنّ في تلك المسألة نكتة لا بدّ من الغور فيها حتّى يعلم ذكر تلك الأمور بخصوصها.

و لعلّ المقصود في تلك المآثير من «الإكراه» عدم

الإرادة و القصد، فتكون أجنبيّة عمّا نحن فيه و يشهد لذلك بعض النصوص في المسألة [2]، فليراجع.

هذا مع أنّ ذكر «الاضطرار» يغني عن ذكر «الإكراه» في الحديث الشريف، لأنّ الاضطرار أعمّ من الاضطرار الحاصل من الإكراه، فالنسبة بين العنوانين عموم مطلق، فيكون المدار على ذكر الاضطرار. و لا داعي إلى دعوى جريان رفع الإكراه قبل جريان رفع الاضطرار لتقدّمه الرتبيّ،

______________________________

[2] عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: لا يجوز طلاق في استكراه، و لا تجوز يمين في قطيعة رحم- إلى أن قال-: و إنّما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه، و لا إضرار.

الكافي 6: 127- 4، وسائل الشيعة 22: 87، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 37، الحديث 4 و الباب 38، الحديث 1.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 118- السطر 34- 35.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 341

لأنّه لا يفيد في حلّ الشبهة و هي ذكر «الإكراه» قبال «الاضطرار».

نعم، فيما كانت النسبة عموما من وجه، فالتمسّك المذكور لتقديم رفع الإكراه على رفع الاضطرار، له وجه، و لكنّه غير وجيه. و هكذا لو فرضنا أنّ الإكراه الذي هو العلّة، مقدّم زمانا عند العرف، فلا تغفل و تدبّر.

فبالجملة: التمسّك بالروايات لا يخلو من غرابة، و هكذا التمسّك بما ورد في خصوص البيع: «من اشترى طعام قوم و هم له كارهون، قصّ لهم من لحمه يوم القيامة» «1».

و مثله التمسّك ب- «لا بيع إلّا في ملك» «2» بناء على كون المراد من «الملك» القدرة و ملك التصرّف، و المكره لا يكون مالكا، لعدم إمكان التخلّف عرفا في بعض الصور عن البيع.

إذا عرفت ذلك فيظهر: أنّ المناط في البطلان و الصحّة حكم العقلاء،

سواء صدق العناوين الأخر، أو لم تصدق، فما جعله الأصحاب في الفروع الآتية مورد النظر، أو ما أفاده السيّد المحقّق المؤسّس الوالد- مدّ ظلّه- من جعل أمر المكره مصبّ التقاسيم المذكورة في باب الأوامر من اختلاف المتعلّقات و القيود الواردة عليه «3»، كلّها تطويل بلا حاجة.

______________________________

(1) الكافي 5: 229- 1، وسائل الشيعة 17: 338، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شرائطه، الباب 1، الحديث 11.

(2) الرواية هكذا: لا بيع إلّا فيما تملك.

عوالي اللآلي 2: 247- 16، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 3.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 69- 70.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 342

و بذلك فقد فرغنا عن ذكر الفروع بتفصيلها إلّا أنّ الإشارة الإجماليّة إليها ممّا لا بأس بها:

حكم ما إذا أكرهه على البيع فباع من الكافر

فإذا ألزمه على البيع، فتارة: يلزمه على بيع جميع متملّكاته، فعندئذ لا يصحّ كلّ بيع يصدر منه. و إذا أجبره على بيعها من الكافر فلا يصحّ أيضا.

و إذا أجبره على البيع فباع من الكافر، مع ممنوعيّة بيع المصحف منه، و حرمة تسليطه عليه، فإنّه يقع باطلا، و لا يبعد استناد بطلانه إلى الإلزام، لا إلى خصوص الأدلّة في بيع المصحف، و يعاقب لعدم إلزامه على الخصوصيّة.

و لو قيل: كيف يعقل ترشّح الإرادة بنحو الجبر العرفيّ بالنسبة إلى أصل البيع، و اختياريّتها بالنسبة إلى الخصوصية؟! قلنا: هذا ممّا يصدّقه الوجدان أوّلا، و لا ينافيه البرهان، لأنّ إرادة القاهر سبب لوجود الإرادة في المقهور، و تعليق تلك الإرادة إلى المراد الخاصّ الذي تشخّص الإرادة به باختيار، و هذا يكفي لعدم ارتفاع العقاب، كما إذا لاحظ المحبوبيّة و مطلوب المولى في ذلك يصحّ ثوابه، و

يستحقّ أجره، فتدبّر.

و هذا يتمّ من غير التوقّف على القول: بأنّ في العمومات الإفراديّة الخصوصيّات الفرديّة مورد النظر، أو ليست مورد اللحاظ و الجعل،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 343

ضرورة أنّ قياس المقام بالأوامر الواردة الشرعيّة مع الفارق، فإنّ هناك لا قاهريّة و لا مقهوريّة، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ إرادة المكره بالنسبة إلى إرادة المكره فانية، و تكون موجودة بوجودها، و تحت ذلك سرّ البطلان و الصحّة.

فالتقاسيم المذكورة في الواجبات الشرعيّة و إن جرت في الواجبات العرفيّة و كلّ الأوامر، إلّا أنّ ذلك ممّا لا حاجة إليه، و لا يتوقّف المسائل عليه، كما هو الواضح.

و من هنا يعلم: أنّه إذا أجبره على بيع الدار، و لم يعيّن الدار، و كان مقصوده بيع جميع دوره، فإنّه لا يصحّ.

حكم الإجبار على بيع شي ء بنحو صرف الوجود

و إذا أجبر على بيع شي ء بنحو صرف الوجود، فقد يقال: بأنّ أوّل المصداق مكره عليه، فيكون باطلا «1».

و فيه: أنّه إذا كان من قصده قبل الإكراه بيع داره، و أكرهه المكره على البيع، على وجه يصدق على ما يوقعه، يلزم على ذلك بطلانه، مع أنّه ممنوع قطعا، فيعلم من ذلك لزوم كون إرادته من مترشّحات إرادة الغير و الجابر، و مع اقتضاء الدواعي التي في وجودها لتحقّق تلك الإرادة، لا يستند البيع إلى إرادة القاهر.

فالالتزام بصحّة جميع بيوعه كما لعلّه مذهب الأكثر، بدعوى أنّ ذلك

______________________________

(1) انظر مقابس الأنوار: 117- 26، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 344

لا يؤدّي إلى الإكراه على الخصوصيّات المرجّحة للإرادة، غير صحيح، فما يكون من بيوعه إرادة الجابر محرّكة إليه، يقع باطلا.

نعم، لا بأس بالالتزام المذكور على الوجه الذي يأتي تفصيله.

و العجب

من الوالد- مدّ ظلّه- حيث اختار في مجلس بحثه بطلان أوّل المصداق، قضاء لحقّ الصناعة، مع اختياره في «تحرير الوسيلة» أمرا آخر، فنفى الاستبعاد عن بطلان المصداق الذي يأتيه امتثالا لأمر المكره!! فليراجع «1»، إنّه خروج من مفروض المسألة كما لا يخفى.

حكم ما إذا أوجد بيوعا متعددة دفعة

ثمّ إنّه إذا أوجد البيوع المتعدّدة بأوّل المصداق، فهل يكون المجموع صحيحا.

أو باطلا.

أو يفصّل بين الواحد غير المعيّن و غيره، فيقال بالقرعة.

أو أنّها تختصّ بالمواقف التي لها الواقعيّة، فيكون أحد البيوع صحيحا ثبوتا، و لا يمكن استكشافه من بينها إثباتا؟

وجوه:

و الذي هو التحقيق: أنّ مجرّد إلزام الملزم و إكراهه لا يكفي للبطلان، كما إذا أكرهه و ألزمه على بيع داره، و هو موافق لحكم عقله أيضا، و لكنه يماطل في البيع لأجل طلبه الراحة، و ربّما يدعو له دعاء الخير، فكما

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 467، القول في شرائط المتعاقدين، المسألة 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 345

أنّ ذلك الإكراه يرجع إلى الإكراه على المقدّمات، كذلك الأمر فيما أوقع البيوع المتعدّدة دفعة، لأنّه لا لون لما اكره عليه، فيكون الإكراه على المقدّمات، فعلى هذا يصحّ بيعه بلا شبهة، لعدم الامتنان في رفعه، و لعدم حكم العقلاء ببطلانه، مع أنّه لو لا الإلزام المذكور لما تصدّى للبيع.

فالمدار على عدم وجود الدواعي المقتضية للإرادة، و إن لم تكن بالغة إلى حدّ البعث و التحريك، فإنّه عندئذ يبطل البيع و يفسد، و في المثال المذكور أيضا كذلك، فإنّه مع إلزام المكره متوجّه إلى خصوصيّات صنعه من البيوع المختلفة التي يريد إيقاعها بإنشاء واحد، فما كان منها بتلك الإرادة القاهرة- أي إذا جعل واحدا من أمتعته في ضمن الأمتعة الكثيرة لإرادة القاهر- فالبيع بالنسبة إليه

باطل، و لكن لمّا كان إرادة القاهر غير متعلّقة بالمتاع الخاصّ و الجزئيّ الخارجيّ في مفروض المسألة، فقهرا يصحّ جميع البيوع، لتوافق الدواعي مع إرادة القاهر. و هذا هو الوجه الذي وعدنا بيانه لتصحيح ما اختاره الأكثر «1»، فتدبّر.

إن قيل: هذا أمر عجيب، فإنّ الإكراه واقع بلا شبهة، و المكره واصل إلى مقصوده بلا ريب، فكيف يكون البيع صحيحا؟! قلنا: نعم، الأمر كما توهّمت، إلّا أنّه لا منع من الفرار عن إكراهه المورث للبطلان، فلو كان هو غير شائق إلى البيع، فكان عليه أن يقتصر على ما يرتفع به الغائلة، فيعلم من ذلك حصول الدواعي على وفق إرادة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 338.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 346

المكره.

و هذا ليس معناه أنّ البطلان لبيع المكره، مستند إلى عدم تماميّة القرينة على إرادة البائع و قصده، كما عن النراقيّ رحمه اللّه في «المستند» «1» فإنّه واضح المنع، ضرورة أنّ مجرّد القصد و الإرادة غير كاف في الصحّة، و قد مضت دلالة الآية عليه حسبما ما يؤدّي إليه النظر.

فتحصّل أنّ لتحقّق الإرادة عللا مختلفة حسب المعدّات الداخليّة و الخارجيّة، و ليست تلك عللا تامّة، إلّا أنّ مع اجتماع المعدّات تحصل الإرادة، فتارة تسبق علّة على اخرى، فيكون المعلول- و هي الإرادة هنا- مستندا إليه، إلّا أنّ العلل الأخرى أيضا إذا كانت لو لا السبق المزبور كافية في التأثير، يصحّ أن لا يكون المراد- و هو البيع- باطلا، لأنّه و إن كانت الإرادة مقهورة بوجودها الفعليّ، و لكنّها لمّا كانت المبادئ الأخرى في النفس موجودة، لا يعدّ البيع عند العقلاء من بيع المكره الذي هو الباطل عندهم.

نعم، إذا استلزم إلزام المكره انقلاب الدواعي، فلا يصحّ.

و

بالجملة: فالإكراه على الطبيعة المطلقة، و الإتيان بمصاديقها العرضيّة دفعة واحدة، كالإكراه على الطبيعة المخيّرة و الجمع بين طرفي التخيير، في كون المجموع صحيحا، ضرورة أنّه إذا أتى بمصداق منها، يكون هو المكره عليه قهرا، و إذا أتى بمصداقين فلا لون لما اكره عليه، و حيث يكون الدواعي النفسانيّة على البيع موجودة يقع الكلّ

______________________________

(1) مستند الشيعة 2: 364- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 347

صحيحا، لامتناع تعيين ما لا داعي له في بيعه، فمثل هذا الإلزام من قبيل إلزام المماطل عن القيام بمصالحه، فيكون الإكراه غير متحقّق قهرا و إن يصل المكره إلى مرامه و مقصده.

و ممّا يشهد على ما اخترناه، امتناع كون أحدهما المعيّن باطلا، أو أحدهما غير المعيّن، أو المجموع، لقيام الضرورة على خلافه.

مختار الوالد المحقق فيما إذا أوجد المكره بيوعا متعدّدة دفعة و نقده

و ما أفاده المحقّق الوالد- مدّ ظلّه-: «من أنّ الصحيح هو الكلّي في المعيّن، و الباطل هو كذلك، كما في بيع الصبرة إذا كان بالنسبة إلى بعض منها باطلا، فإنّه كما هناك تحتاج الصحّة الفعليّة إلى الإجازة مثلا، كذلك هنا تقع المعاملة بالنسبة إلى الكلّ صحيحة بالقوّة، مثل صحّة باب الفضوليّ، و صحّة بيع الصرف، فيكون القرعة هنا متمّم السبب الناقل، جمعا بين دليل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و دليل القرعة [2].

و بالجملة: فعنوان أحدهما صحيح، و عنوان أحدهما باطل، و هذان

______________________________

[2] الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إذا وقع الحرّ و العبد و المشترك على امرأة في طهر واحد و ادّعوا الولد، أقرع بينهم، و كان الولد للّذي يقرع.

عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في رجل قال: أوّل مملوك أملكه فهو حرّ، فورث سبعة جميعا، قال يقرع

بينهم، و يعتق الذي خرج سهمه.

وسائل الشيعة 27: 257 و 261، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة و أحكام الدعوى، الباب 13، الحديث 1 و 15.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 348

العنوانان كلّيان قابلان للصدق على كلّ واحد منهما.

و لو لم تكن تلك المعاملة صحيحة شأنيّة، لما كان يفيد الإجازة اللاحقة بالنسبة إلى الكلّ، مع أنّ الأمر ليس كذلك بالضرورة، فعليه يعلم صحّتها الشأنيّة، و يترتّب النقل بعد القرعة، و هي ليست لما هو المتعيّن في الواقع، بل حصرها بهذه الصورة أولى من العكس» «1».

لو تمّ في نفسه، لا يكون محتاجا إليه في المسألة، لعدم بطلان الواحد لا بعينه، كما عرفت.

مع أنّ البيع المتعلّق بعشرة أشياء في المسألة الاولى، و باثنين في المسألة الثانية، لا يتعلّق إلّا بما هو العنوان الذاتي لها، لا العنوان الاختراعيّ الآخر، ضرورة أنّ البائع مثلا قال: «بعت هذا و هذا و ذاك بكذا» و قال المشتري: «قبلت الكلّ» أو قال البائع المكره مع وكلائه في زمن واحد: «بعت» بالنسبة إلى الأشياء الكثيرة، فإنّه لا معنى لأن يكون عنوان «أحدها» باطلا، و عنوان «العشرة إلّا الواحد» صحيحا، لأنّهما ليسا مورد البيع، فهما عنوانان مشيران، و لا يعقل الإشارة إلى ما لا تعيّن له في الخارج.

نعم، إذا جمع المكره في التعبير و قال: «بعت العشرة» و كان مكرها على نفس الطبيعة، كان لما أفاده وجها لحلّ المعضلة وجه، فليتدبّر.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 72 و 76- 78.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 349

حكم الإكراه على بيع شخصيّ مع ضمّ المكره إليه أمرا آخر

ثمّ لو أكرهه على الواحد الشخصيّ، فضمّ إليه الآخر فباع، فإن كان من قبيل ما يفيد الضمّ رقاء القيمة، أو كان من

قبيل أحد الفعلين و واحد من البابين، فلا يبعد البطلان، لبناء العرف و العقلاء و دليل الاضطرار، لو لم نقل بكفاية دليل الإكراه، أو قلنا بعدم جريان حديث رفع الإكراه في بيع المكره، كما عرفت تحقيقه «1». مع أنّك عرفت أيضا وجها لممنوعيّة جريان الحديث مطلقا إكراها و اضطرارا.

و إن لم يكن الأمر كذلك فيصحّ البيع بالنسبة إلى المنضمّ، إلّا إذا استلزم الخلل في الجهات الآخر المورثة لبطلان التجارة، كما لا يخفى.

حكم الإكراه على بيع متوقف على مقدمات وجودية أو علميّة

و لو أكرهه على شي ء كان متوقّفا على المقدّمات الوجوديّة، كما إذا أكرهه على أداء الدين غير الواجب أداؤه فعلا، أو أكرهه على الضيافة المتوقّفة على بيع داره و أثاثه و هكذا، فالبيع باطل، لأنّ الإرادة المتعلّقة به ناشئة من إرادة الغير القاهر، و لإطلاق دليل رفع الاضطرار، بناء على شموله لمثل هذه الاضطرارات المعلولة من الإكراه، و قد مضى وجه منعه «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 340- 341.

(2) نفس المصدر.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 350

و إذا كان متوقّفا على المقدّمات العلميّة، كما في موارد العلم الإجماليّ، فالأمر بالنسبة إلى الأطراف مثل ما مرّ.

حكم ما إذا أكرهه على أداء الدين الواجب فباع داره

و إذا أكرهه على أداء الدين الواجب شرعا، فباع داره، ففيه وجهان:

من أنّ الإكراه المذكور غير مشمول لحديث الرفع، لأنّه ليس فيه امتنان فتأمّل، و لأنّ الدليل الخاصّ يقضي بجواز إكراهه عليه.

و من أنّه لا يستلزم صحّة البيع، بعد ظهور كلمات القوم في أنّ المناط هو الامتنان الشخصيّ، لا النوعيّ، فيشمله الدليل.

و الأقوى هو الأوّل، خصوصا إذا كان متمكنا من أدائه بغير البيع و الكسب، فإنّه و إن صدق «الإكراه» إذا كان إقدامه على اختيار البيع للأغراض العقلائيّة، إلّا أنّ الحديث ربّما كان منصرفا عنه.

و يمكن دعوى: أنّ صحّة البيع هنا كصحّته في بيع المحتكر، فإنّه مع الإخلال ببعض الشرائط يصحّ، و الأمر هنا مثله، فلو فرضنا أنّ إرادته لبيع داره مقهورة لإرادة القاهر بعد رعاية الأغراض العقلائيّة، فإنّه عندئذ تبطل تجارته، و لكنّ ذلك صحيح عند الشرع. اللهمّ إلّا أن يقال: بوجوب الأداء بطريق صحيح، فلو تخلّف عنه يكون البيع باطلا.

و بالجملة: فإذا كان الطريق منحصرا به فهو صحيح، و إلّا فالصحّة محلّ إشكال بل منع.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 351

حكم إكراه المحتكر على بيع الحنطة أو داره

و لو اكره المحتكر على بيع الحنطة أو بيع داره، فإن باع الحنطة فهو صحيح قطعا، و إذا أقدم على الثاني فالظاهر هو البطلان.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ إبطال بيعه يجرّئه على المحرّم، و هو الاحتكار، فالمنّة تقضي بالصحّة، فليتدبّر.

حكم إكراه جماعة على أمر واحد

لو أكره جماعة على أمر واحد، نظير الواجب الكفائيّ، فإن سبق الكلّ فباعوا دورهم يبطل، إلّا إذا كان السبق لدواعيهم.

و إذا تمكن أحدهم من إكراه واحد منهم على ما أكرهه عليه المكره، فهل يجوز ذلك، أم لا، و إذا لم يجز ذلك، فهل يصحّ بيعه أم لا؟

فيه وجهان:

من إمكان التفصّي بطريق عقلائيّ.

و من لزوم كونه شرعيّا.

حكم الإكراه على فعل موسّع مع بدار المكره

و لو اكره على بيع داره من الزوال إلى الغروب، أو شرب الخمر، فهل يجوز البدار مطلقا، أو لا مطلقا، أو يفصّل بين الوضع و التكليف؟

فيه وجوه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 352

اختار الوالد المحقّق الأوّل، بدعوى أنّ إمكان التفصّي ممنوع بالضرورة، فيصدق «الإكراه» عرفا «1».

و الذي يقتضيه التحقيق الحقيق بالتصديق: أنّ عناوين حديث الرفع «2» ليست من قبيل التخصيص، بل الظاهر أنّها عناوين على الملاكات الأوّلية اللازم حفظها بدوا، و الجائز الاقتحام فيها عند الصدق شرعا، إلّا أنّ حكم العقل محفوظ حينئذ، و على هذا فلا يجوز البدار بالنسبة إلى التكليف، لأنّ تأخير مبغوض المولى نوع ترك له بالضرورة.

بل لو قلنا بمراتب الامتثال و الاعتذار، فالعذر في آخر الوقت أقوى، لانطباق عنوانين: «الإكراه» و «الاضطرار».

هذا مع أنّ المكره قاطع بعدم رفع الإلزام في الأثناء، و مع قطعه- كما هو مفروض المسألة- لا يمكن حدوث احتمال الخلاف.

و لكن لي عدم تجويز البدار، لأنّ المفتي يحتمل ذلك، و إذا أمكن التخلّص من مبغوض المولى و لو احتمالا، يجب عقلا.

و من هنا يعلم الوجه في التكليفات، و الإكراه عليها بالأنحاء المتصوّرة في الواجبات و أقسامها، كما أشير إليه، ضرورة أنّ الأمر هنا يدور مدار الإطلاق بضميمة حكم العقل. و أمّا صحّة تجارته في الأثناء و بطلانها، فهي دائرة

مدار الأمر الآخر الذي عرفته منّا، و سمعته مرارا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 75.

(2) الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 353

حكم بيع الوكيل مع إكراه المالك في أصل الوكالة

و لو أكرهه على التوكيل فأنشأ الوكالة، فهي باطلة، فهل العقد الصادر من الوكيل أو الإيقاع الصادر منه، يقعان فضوليّين؟ الظاهر ذلك، بناء على جريانه فيهما.

فإذا رضي بالوكالة، فهل يكفي عن الإجازة لهما، أم لا، أو يختلف ذلك باختلاف المباني في الإجازة؟ الظاهر هو الأخير.

و ما هو الظاهر في تلك المسألة: أنّ المالك بالخيار في أصل الإجازة و حدودها، فله إجازة العقد على النقل، أي من الحين، و له إجازته من الأثناء، و له الإجازة من أوّل الأمر، فيكون باعتبار الآثار المقصودة، و له التفكيك في الآثار، فإن أجاز الوكالة باعتبار ترتيب جميع الآثار فلا يحتاج عقد الوكيل إلى إيقاعه إليها، و إن أجازها بالنظر إلى الأثر الخاصّ فيترتّب هو، دون غيره، و له إجازة الوكالة من الحين، فيكون العقد و إيقاع الوكيل فضوليّين محتاجين إلى الإجازة الأخرى.

حكم إكراه المالك على قبول الوكالة في إجراء عقد أو إيقاع

و لو أكرهه المالك على قبول الوكالة في إجراء العقد أو الإيقاع، فهل يقعان صحيحين، أم لا، أو يقع الأوّل دون الثاني؟

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 354

قيل بالأوّل «1»، و قيل بالثالث [2].

و المسألة مبنيّة على أنّ إنشاء الوكالة ينحلّ إلى الإنشاءين، أم لا، فإن انحلّ عرفا إلى إنشاءين- إنشاء عنوان الخاصّ، و إنشاء الإذن بإجراء العقد و الإيقاع- فلا حاجة إلى الإجازة، و إلّا فتحتاج الصحّة إليها.

و لكنّ الظاهر أنّ انحلال الوكالة إلى الإنشاءين، غير كاف، ضرورة أنّ الإذن بإجراء العقد، موضوع لاعتبار الوكالة أيضا، لأنّ فعل من يأذن لا يخرج من أحد العناوين المتعارفة العرفيّة، و لذلك تعدّ هذه العقود- بتسامح- من العقود الإذنيّة.

و بالجملة: فهو وكيل عن إكراه، فتكون الوكالة باطلة.

نعم، دعوى كفاية المظهر و لو كان بالغلط و الباطل للرضا

و الإرادة، غير بعيدة، فعليه لا فرق بين العقد و الإيقاع، لأنّهما واقعان بجميع شرائطهما.

و لنا دعوى: أنّ العقد الصادر من المكره يستند إلى المكره فيصحّ من غير حاجة إلى الإجازة، و ذلك لما عرفت منّا في وجه بطلان بيع المكره. و عن الشهيد الثاني احتمال الثاني، للزوم وقوع ألفاظ العقد و الإيقاع باطلة، قضاء لحقّ حديث رفع الإكراه، فلا يكفي الإجازة اللاحقة «3»، فتدبّر.

______________________________

[2] لم نعثر على قائله في هذه العجالة.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 120- السطر 34، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 74.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 120- السطر 35، مسالك الأفهام 2: 3- السطر 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 355

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الإكراه على إجراء الصيغة و بيع الدار و الطلاق، إكراه على الوكالة بالحمل الشائع، و يظهر أنّ العقود الإذنيّة من الأكاذيب، ضرورة أنّ الإذن يعتبر عند العقلاء من العنوان البسيط الاعتباريّ، كالوكالة، و العارية، و ليس المنشأ هو الإذن، فلا معنى لانحلال الوكالة إلى الإذن الجنسيّ و المعنى الفصليّ، حتّى يكون الباطل هو الثاني، دون أصل الطبيعة.

مع أنّه عقلا ممتنع، لا عرفا، و لذلك يصحّ الالتزام بالتفكيك في الإنشاء في حديث رفع القلم بالنسبة إلى الإلزامات، دون أصل الإنشاءات، و لذلك اشتهر بين المتأخّرين صحّة عبادات الصبيّ، لكونه مأمورا بها بالأوامر الكلّية الإلهيّة، إلّا أنّ الإلزام مرفوع عنه «1»، فلا تخلط.

و لو اكره الوكيل غير المالك على البيع، و كان وكيلا فيه، فالظاهر تماميّة النسبة، و صحّة العقد، و لا وجه للسراية كما هو الظاهر.

بحث و فحص حول ما إذا أكره على الطلاق فطلّق ناويا أو على البيع فباع ناويا

عن «تحرير» العلّامة رحمه اللّه: «لو اكره على الطلاق فطلّق ناويا، فالأقرب وقوع الطلاق» «2».

و قد ذكر المتأخّرون حول ذلك ما

لا ينبغي منهم، ضرورة أنّ

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 21 و 25.

(2) تحرير الأحكام 2: 51- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 356

الْحَقّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ «1» سواء قال به أحد، أم لم يقل.

و بالجملة: فما أفاده غير وجيه، إلّا إذا كان المقصود ما أشرنا إليه في صحّة بيع المكره، الذي يريد بعد الإكراه الفراد من الغصب، و هو المأخوذ بالعقد الفاسد، فإذا نوى الطلاق لئلّا تقع الزوجة في الحرام، أو لغرض آخر في طول الداعي، فإنّه لا منّة في رفعه، و عليه حكم العقلاء.

ثمّ إنّ الأصحاب تخيّلوا صورا في المسألة، ضرورة أنّ الإرادة المتعلّقة بالعقد أو الإيقاع، كما يمكن أن تكون معلولة الدواعي النفسانيّة، يمكن أن تستند إلى الإرادة القاهرة، و يمكن أن تكون معلولة الداعي و تلك الإرادة، و يمكن أن تكون إحداهما علّة تامّة لو لا لحوق الأخرى، دون الأخرى، فبنوا على التفصيل و ذكر أحكامه.

استشكال الوالد المحقّق على الصور التي ذكرها الأصحاب و جوابه

و استشكل المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- عليهم: «بأنّ هذه الصور كلّها فيما نحن فيه ممتنعة، بداهة أنّ الإكراه على المعنى المشهور بين هؤلاء هو الإلزام على ما يكرهه المكره، و لا يعقل اجتماع طيب النفس المعتبر عندهم في الصحّة مع الكراهة إذا كانا متعلّقين بأمر واحد عنوانا، لا عنوانين منطبقين على واحد في الخارج، فإنّه جائز كما تقرّر في

______________________________

(1) يونس (10): 35.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 357

الأصول «1»، فالبيع و الطلاق إمّا مكروه، أو مورد الطيب و الرضا النفسانيّ، فعليه يسقط جميع الفروض، لامتناع كونهما جزءين، و لا مستقلّين، و لا داعيين طوليّين، لأنّ المعتبر في العلل الطوليّة بقاؤها معا، و هنا ينعدم الداعي الأوّل بحصول

الداعي الثاني.

و أمّا الإكراه بالمعنى المختار، فهو أيضا لا يجتمع، لأنّ الإرادة التكوينيّة المتعلّقة بالبيع، إمّا معلولة إرادة القاهر، أو معلولة الدواعي، و إذا كانت الدواعي غير محرّكة فهي معلولة تلك الإرادة، و لا معنى للجمع، و إذا كانت معلولة الدواعي فلا أثر لتلك الإرادة القاهرة.

و توهّم اجتماعهما في التأثير، فاسد، فإنّها معلولة النفس، و أمّا الدواعي و تلك الإرادة فهي معدّات لخلّاقيتها، لا علل حقيقة.

و بالجملة: فإنّا إذا راجعنا وجداننا، نجد أنّ إرادة البيع إمّا حصلت من إرادة قاهرة عرفا، أو حصلت من الدواعي، و لا شركة بعد الدقّة» «2».

أقول: المسألة الفقهيّة التي يمكن عنوانها ليست هذه الأمور، و لا تلك الصور، بل الجهة المبحوث عنها هنا: هو أنّ مع وجود الميول النفسانيّة إلى البيع و الأغراض العقلائيّة إلى الإيقاع، هل يصدق «الإكراه» الموضوع لرفع الأثر، و هل يحكم العقلاء ببطلان تلك العقود و الإيقاعات؟

______________________________

(1) انظر تهذيب الأصول 1: 391- 398، تحريرات في الأصول 4: 201 و ما بعدها.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 80- 81.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 358

قضيّة ما شرحناه سابقا و أسّسناه حول المسألة «1»، عدم مساعدة الأدلّة على بطلانها، ضرورة أنّ مجرّد الإلزام المؤثّر في الإرادة لو كان موضوعا، يلزم فساد البيع في المثال المذكور، مع شهادة الوجدان بصحّته، و عدم شمول دليل الرفع لها و لا منّة في ذلك.

مع أنّ الأمر هناك من قبيل الداعي إلى الداعي، بمعنى أنّ إلزامه أورث إرادته، و لكنّه بعد ملاحظة وقوعه في المشكلات المترتّبة على فساد البيع، يرجو صحّته، و يريد إيقاعه، إلّا أنّ الإرادة معلولة الدواعي التي هي معلولة الإلزام، و هما مجتمعان في الوجود، و لا

يكون المتأخّر مفنيا للمتقدّم، للزوم كون المعلول معدما لعلّته، و هو مستحيل بالقطع و اليقين، فالبحث عن الطيب غير صحيح، لما عرفت من فساد المبنى.

و أمّا بعد كون الوجه في بطلان بيع المكره، كون الإرادة مقهورة لإرادة اخرى، بحيث يمكن استناد الفعل إلى القاهر، دون المقهور، كما يستند فيما كان نسبة المباشر إلى السبب أضعف بمراتب كالوكيل، فيأتي الكلام حول أنّ نفس تلك الدواعي غير المحرّكة القابلة للتحريك، و لكنّها لا تكون محرّكة أصلا، تضرّ بصدق «الإكراه» أو تمنع عن فساد البيع و أنّ صدق الإكراه بمعنى الإلزام، أم لا، و قد مضى أيضا: أنّ الفساد لا يدور مدار صدق «الإكراه» لأجنبيّة حديث الرفع عن المسألة «2»، فلا تغفل.

و بمقتضى ما تقرّر سابقا من المثال بالمماطل، يظهر لك إمكان كون

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326.

(2) تقدّم في الصفحة 329 و 339- 340.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 359

الداعي النفسانيّ و الداعي إلى الفرار من وعيد الملزم، مجتمعا علّة الإرادة، فلا تكون الإرادة- كما عرفت- معلولة الإرادة حتّى لا يعقل توارد الإلزام و الدواعي، بل إرادة القاهر تورث داعيا، و سائر الدواعي الأخر أيضا موجودة، فتقدّم على البيع، فإنّه عندئذ يشكل الأمر صحّة و فسادا، لقصور الأدلّة من الجانبين، و كأنّه جمع بين مقتضي الصحّة و مانعها، كما لا يخفى.

إن قيل: قضيّة ما مرّ هو استناد الإرادة إلى القاهر عرفا، فعليه لا يمكن الالتزام بإمكان التصوير المذكور.

قلنا: نعم، إلّا أنّ مع عدم وجود الدواعي يكون الأمر كذلك، بخلاف ما إذا كانت الدواعي الأخر معلومة و موجودة، فإنّه عندئذ لا يستند عرفا إلى تلك الإرادة، بل العرف حينئذ ينتقل إلى أنّ تلك الإرادة و سائر

الدواعي اتفقت في خلّاقية النفس للجزء الأخير، فتدبّر جيّدا.

و إن شئت قلت: ما هو محرّك المكره إلى الفعل ليست إرادة القاهر، بل هي موضوع الإطاعة و مصبّ الفرار من الوعيد الذي هو العلّة التامّة أو الناقصة، و عليه فيجتمع الدواعي الكثيرة في الإتيان بالفعل الواحد.

و هذا و إن كان مطابقا للتحقيق، إلّا أنّه فيما اقترنت الدواعي به، و أمّا إذا توحّدت فعند العقلاء تكون الإرادة مستندة إلى تلك الإرادة، و يكفي في عرفيّة المسألة خفاؤها على مثله المحقّق في العلوم العقليّة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 360

و النقليّة، فما أفاده- مدّ ظلّه- حول المسألة «1» و هكذا سائر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم «2»- ممّا لا يمكن الركون إليه.

منع جريان حديث الرفع لإثبات بطلان عقد المكره عند الشكّ

ثمّ إنّ قضيّة ما ذكرناه في هذا المضمار بطوله- من انحصار الدليل في المسألة ببناء العقلاء، و عدم جريان حديث رفع الإكراه «3»- هو البطلان في مواقف الشكّ، كما لا يخفى.

إن قلت: لا منع من التمسّك بالحديث، فيكون في عرض المخصّصات اللفظيّة بالنسبة إلى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «4» و لا نصّ على كونه في طول الأدلّة الواقعيّة الأوّلية، بل السرّ هو اقتضاء الرفع ذلك، و هو حاصل فيما فرضناه، و بهذا المعنى تكون المخصّصات بلفظ هنا طبق العمومات.

قلت: حتّى لو سلّمنا ذلك، و لكن شمول العمومات الشرعيّة و القوانين الكلّية لبيع المكره، ممنوع حسب الأفهام العرفيّة، و لا أظنّ إمكان الالتزام بذلك، و هذا إمّا يرجع في الحقيقة إلى اشتراط العقد في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 80- 81.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 23، منية الطالب 1: 196- السطر 11.

(3) تقدّم في الصفحة 329.

(4) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 361

التحقّق إلى عدم وجود الإرادة القاهرة، أو في التأثير، و الأوّل هو الأقوى، على إشكال يأتي، فيكون بيع المكره خارجا تخصّصا، لتلك الجهة، فلا تخلط.

و يمكن دعوى: أنّ جلّ عناوين حديث الرفع من الأعذار العقليّة و العقلائيّة، فالتكاليف الإلهيّة و الوظائف الشرعيّة مختلفة:

فمنها: ما لا يرفعها الحديث، و لا يقبل فيها تلك الأعذار، كالمهمّات منها.

و منها: ما يقبل فيها العذر، و يشملها الحديث، فلا حاجة إليه.

و منها: ما لا تعدّ عذرا، إلّا أنّ إطلاق الدليل يرفعها.

فدعوى انصراف الحديث الشريف عمّا يعتذر به العقلاء، غير بعيدة.

اللهمّ إلّا أن يقال: باختلاف الآثار من جهات أخر في الشمول و عدمه، فتدبّر جيّدا.

بقي الكلام في أمور:

الأمر الأوّل: حول عدم قابلية عقد المكره للتصحيح بالإجازة
اشارة

في أنّ بيع المكره هل هو باطل غير قابل للتصحيح بالإجازة اللاحقة أو الرضا اللاحق، أم هو قابل، أو يصحّ بالإجازة، و لا يكفي الرضا، و ليس هو مثل الفضوليّ؟

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 362

وجوه، بل أقوال:

المشهور بين المتعرّضين هو الثاني «1»، لما يستظهر منهم الاكتفاء بالرضا، و تكون الإجازة أولى بها، معتقدين أنّ ما هو الدخيل في ماهيّة العقد قد حصل، و ما هو الشرط في نفوذه يحصل بها، فيصير العقد صحيحا.

شبهات تصحيح عقد المكره بالإجازة
اشارة

و قد يشكل ذلك تارة: بأنّ ما هو الحاصل بماهيّته هو عنوان «البيع» لأنّ المفروض تقوّمه وجودا بالإرادة، و هي في المكره حاصلة، و بالتمليك و المبادلة ماهيّة، و هي مورد تلك الإرادة المقهورة الناشئة من إلزام المكره، و لكن ذلك غير كاف، لاشتراط كونه عقدا حتّى يكون مشمول أدلّة التنفيذ، و هو غير صادق عليها بالضرورة، لأنّ المعاقدة و العقدة لا تحصل إلّا مع المالك المريد بالإرادة الاستقلالية، لا المقهورة التبعيّة، و هذا ممّا يشهد به الوجدان، و يساعد عليه البرهان.

و اخرى: بأنّ هذه المسألة من متفرّعات ما هو القادح في صحّة بيع المكره، فإن قلنا: بأنّ وجه البطلان اختلال الشرط، و هو الرضا و الطيب، كما يظهر من الشيخ رحمه اللّه «2» و كثير من أتباعه «3»، فهو يحصل بعد

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 14، قواعد الأحكام 1: 124- السطر 3، الدروس الشرعيّة 3:

192، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 34، و: 122.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 122- السطر 21- 22.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 119- السطر 31، و 121- السطر 13، منية الطالب 1: 197- السطر 24، و: 198.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 363

الإجازة.

و

إن قلنا: بأنّ الوجه هو ضعف الاستناد، و يكون من قبيل عقد غير المالك، فهو كالفضوليّ كما مرّ منّا تقريبه «1»، فهو أيضا ممكن تحصيله بالإجازة.

و أمّا بناء على كون الإكراه مانعا، فهو قد حصل و لا يمكن رفعه، و ما يمكن رفعه هو الحاصل من الإكراه و هو كراهة المكره، إلّا أنّ الكراهة ليست مانعة، و لا الطيب شرطا، على ما تقرّر، فيكون نفس إلزام القاهر مانعا غير قابل للارتفاع.

و هكذا لو قلنا: بأنّ ما هو الشرط عدم كون الإلزام من مبادئ تحقّق الإرادة في المكره، و أمّا اعتبار المانع فهو محلّ الكلام في مثل المقام، فعليه لا يمكن- بناء على ما يظهر ممّا مرّ- تصحيح بيع المكره بالرضا و الإجازة مطلقا.

و ثالثة: بأنّ ظاهر المستثنى في آية التجارة كون التراضي الناشئ من المتعاملين، دخيلا في خروجها من الباطل في المستثنى منه، و ذلك لقوله إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «2» فإنّ كلمة مِنْكُمْ كما مرّ تفيد كون التراضي من المتعاملين، لا من القاهر «3»، فما كانت من التجارة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326.

(2) النساء (4): 29.

(3) تقدّم في الصفحة 328- 329.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 364

فاقدة لتلك الجهة باطلة.

و لا دليل على خروجها من المستثنى منه، و دخولها في المستثنى، بل لا يعقل ذلك، لأنّه بالإجازة و الرضا لا تخرج التجارة المزبورة من العنوان المنطبق عليها، كما عرفت في الإشكال الثاني.

ثمّ إنّ من المحتمل في الإتيان بكلمة «التراضي» هو إفادة كون المتعاملين متراضيين من المبادئ و الدواعي الموجودة في أنفسهم، لا من إرادة القاهر، و أمّا إذا كان أحدهما قاهرا و متعاملا، فهو أيضا ليس من التراضي الحاصل

منهما، بل هو من التراضي الحاصل من أحدهما، فافهم و اغتنم جدّا.

و توهّم دلالة الآية الكريمة على أنّ التجارة لا بدّ من كونها عن التراضي، و ناشئة عن الرضا المقارن، فتدلّ على بطلان بيع المكره «1»، في غير محلّه، لأنّها لا تتمّ إلّا بالنسبة إلى منع التأثير قبل اللحوق، و أمّا إذا لحقته الإجازة فيحصل الشرط، فتكون مؤثّرة.

فبالجملة: يتوقّف إبطال بيع المكره بنحو كلّي- بحيث لا تفيد الإجازة اللّاحقة- على اعتبار ما لا يمكن تحصيله، و إلّا فالأدلّة اللفظيّة لا تدلّ على أنّ بيع المكره غير قابل للتصحيح، كما هو الواضح الظاهر في الفضوليّ و نحوه.

و رابعة: بأنّ بناء العقلاء على بطلان بيع المكره، و هذا يرجع إلى اعتبارهم القيد و الشرط فيه للصحّة و الأثر، و لا يكون عندهم نحوان من

______________________________

(1) لاحظ مجمع الفائدة و البرهان 8: 156.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 365

الشروط: شروط الصحّة، و شروط التأثير. و ما اشتهر من شرط الصحّة و الاسم و شرط التأثير، فهو لأجل اختلاط الشروط الشرعيّة بالعرفيّة و امتزاجها، فما عندهم إلّا ما هو الدخيل في عنوان المعاملة.

و إن شئت قلت: كون العقد صحيحا تأهّليّا و قابلا، و في قوّة الصحّة الفعليّة، ممّا لا معنى له في الأمور الاعتباريّة، بل الأمر فيها حول القيود و الشرائط الدخيلة في كونها موضوعا للأثر، و محلّا لاعتبار الغرض و المقصود العقلائيّ، أو عدمها، و لا ينبغي الخلط بين الشرعيّات و الاعتباريّات، و بين الطبيعيّات و التكوينيّات، فالإجازة اللّاحقة من شروط عقديّة العقد و بيعيّة البيع عند العرف، و ما ترى من إطلاق «البيع» على بيع المكره، فهو من التسامح، و إلّا فهو عندهم لا يعدّ

بيعا.

و توهّم صدق تعريف البيع عليه، فهو لأجل تخيّل أنّ المقصود من «التمليك بالعوض» أعمّ ممّا يصدر من المالك و غيره، و من المكره و غيره، مع أنّه ظاهر في أنّه تمليك صادر من المالك، لأنّ غير المالك لا يكون مملّكا، و تمليك صادر عن إرادة مستقلّة منه، لا من القاهر. و هكذا في قولهم: «هو مبادلة مال بمال».

فالعقد الفضوليّ و بيع المكره، مشتركان في هذه الجهة فسادا، خصوصا إذا قلنا: بأنّ منشأ فساد الثاني رجوعه إلى الأوّل، كما عرفت منّا تقريبه «1»، فافهم و تدبّر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 366

و خامسة: لو فرضنا خروج عقد المكره من عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» للأدلّة الشرعيّة، و هكذا من سائر الأدلّة التنفيذيّة، لما بقي وجه للتمسّك بها بعد ذلك، إلّا على الوجه غير الصحيح عند المحقّقين، و هو كون الزمان مفرّدا.

الوجه الحقّ لعدم قابليّة عقد المكره للتصحيح بالإجازة

و سادسة: بأنّ الظاهر من حديث الرفع، تنزيل الموجود منزلة المعدوم على نعت الادعاء، و إطلاقه يقتضي عدم إمكان لحوق الإجازة به، للزوم التهافت بينه و بين دعواه.

و إن شئت قلت: الموضوعات في الأدلّة الأوّلية على أنحاء ثلاثة:

ما لا تندرج في عناوين حديث الرفع.

و ما تندرج فيها، و تكون بتمام ذاتها تكليفا.

و ما تندرج و تكون الكلفة في لزومها، كما نحن فيه، فإنّ عقد المكره مرفوع، و لا كلفة في بقاء الصحّة التأهّلية، لاقتضاء الامتنان المبنيّ عليه الحديث الشريف ذلك.

فما كان من القسم الأوّل و الثاني، فعدم الشمول و الشمول واضح فيهما.

و أمّا في القسم الثالث، فقد وقعت كلمات القوم في اضطراب شديد، و كلّها مخدوشة، لعدم تناولها ما هو الحقّ في معنى الحديث، و كيفيّة

______________________________

(1) المائدة (5):

1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 367

الادعاء المشاهد فيه، و إذا تأمّلت في أنّ دعوى ارتفاع الموضوعات، لا تصحّ إلّا بالمصحّحات العقلائيّة، و هي هنا متوقّفة على كون تلك الموضوعات مدّعاة على المكلّفين، دون الأحكام، لأنّ ما ادّعى رفعه هو المدّعى وضعه، فكما في جانب ادعاء الوضع، تكون الآثار غير التكليفيّة في جنب الأوزار التكليفيّة، غير مرعيّة، و لا منظورا إليها، فكذلك الأمر هنا، فيلزم عندئذ صحّة ادّعاء لا شيئيّة المكره عليه و المضطرّ إليه و هكذا، فعليه لا معنى لترتيب أثر الصحّة التأهّلية، لأنّها فرع الوجود، و هو معدوم في نظر الشرع و الادعاء.

إن قلت: فما الحيلة للفرار عمّا عليه العقلاء في الفضوليّ و المكره، من بنائهم و حكمهم بكفاية الإجازة، و لا يمكن- على ما تقرّر- ردع البناءات الاغتراسيّة العقلائيّة بإطلاق دليل، خصوصا إذا كان محتاجا إلى التقريب و الإثبات؟

قلت: منكر صحّة الفضوليّ يتشبّث بأنّ الإجازة هي القبول، و ليست إلّا من قبيل القبض في الصرف و السلم.

و بالجملة: ليس عقد المكره عقدا عرفا، و لا بيعا حقيقة، و يصير بالإجازة عقدا و بيعا بحكم العرف، فما صنعه المكره هو القابل لانطباق العناوين العقلائيّة عليه بعد الإجازة، و إلى هذا يرجع قول من يقول: بأنّها ناقلة، فتأمّل جيّدا.

فتبيّن الفرق بين كون عمل الفضوليّ و المكره، مصداقا للعقد

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 368

و البيع حقيقة، كما هو خيرة المشهور توهّما «1»، و بين عدم إمكان انطباق تلك العناوين عليه، كما هو الظاهر من «جامع المقاصد» «2» و «صاحب الذخيرة» «3» و «مجمع الفائدة» «4» و بين ما أسّسناه، و هو الحدّ الوسط، فيكون قابلا لصيرورته معنونا بتلك العناوين.

و الانطباق السابق على الإجازة، من الإطلاقات الوهميّة في الاستعمالات الموسّعة غير المبتنية على الدقّة و النظر، فتدبّر.

وفاء الاعتراض السابق بمقالة المشهور

ثمّ إنّه لا يبعد عدم تماميّة بعض الشبهات المشار إليها بناء أو مبنى، إلّا أنّ الحقّ في بينها ما ذكرناه أخيرا.

فلو فرضنا أنّه عقد، و قلنا كما هو الحقّ: بأنّ عنوان «العقد» ممّا لا حاجة إليه في المعاملات، بل المدار على العناوين الأصليّة، لأجنبيّة الآية الكريمة عمّا نحن فيه، كما تقرّر في محلّه «5».

و فرضنا كما هو الحقّ، أنّ وجه بطلان بيع المكره، كون الإرادة

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 18: 373، رياض المسائل 1: 511- السطر 30- 31، و: 512- السطر 9، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 33- 34.

(2) جامع المقاصد 4: 62.

(3) كفاية الأحكام: 89- السطر 3.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 8: 156.

(5) تقدّم في الصفحة 327.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 369

المتعلّقة به مقهورة للإرادة الأخرى، فيكون الفعل مستندا إلى تلك الإرادة، لأقوائيّة السبب من المباشر.

و سلّمنا أنّ المستثنى في الآية الكريمة لا يفيد إلّا البطلان الفعليّ، و هو لا ينافي الصحّة التأهليّة.

و فرغنا عن أنّ العقلاء كما تكون عندهم شروط للصحّة، تكون عندهم شروط للتأثير، و يكفي لاعتبار الصحّة التأهليّة ترتّب الغرض عليها، و هو الصحّة الفعليّة بالإجازة.

و قلنا: بأنّ التخصيصات في القوانين الكليّة، ليست تخصيصات فرديّة بإخراج الأفراد بعناوينها الشخصيّة، حتّى لا يندرج في العمومات ما خرج منها، بل هي التخصيصات الراجعة إلى التقييدات الأحواليّة، و إن كانت في القانون بصورة العموم و الخصوص، فعليه ما كان خارجا من عموم أَوْفُوا «1» و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2» عنوان كلّي، و لو كان ما يصدق عليه عنوان المخصّص في زمن غير صادق

عليه في الآخر، فلا ريب في شمول العمومات قطعا.

و هذا ليس معناه كون الزمان، و الأحوال الشخصيّة مفرّدات، بل التفريد في العامّ تابع العنوان الخارج منه، فإذا كان الخارج عنوان «بيع المكره» فما هو الداخل بيع غير المكره، فإذا زالت الكراهة تشمله العمومات قهرا.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 370

و ذكرنا: أنّ حديث الرفع أجنبيّ عن هذه المواقف «1»، أو فرضنا عدم دلالته على نفي القابليّة، لأنّ ما هو المدّعى وضعه ليس عنوان الموضوعات الخاصّة، بل المدّعى أنّ ما هو الموضوع عليهم وزرا بالقوانين الكلّية، مرفوع عنهم منّة، و لا شبهة أنّ الصحّة التأهّلية ليست موضوعة وزرا، فملاحظة قانون الرفع بعد التطبيق على عناوين سائر القوانين غير صحيحة، للزوم انتفاء الموضوع المذكور عرفا و تعبّدا، فلا تغفل.

يلزم من مجموع ذلك صحّة ما أفاده القوم في المقام.

فتحصّل: أنّ تلك الشبهات لا تخلو من المناقشات، إلّا أنّ الذي عرفت هو الأمر الثالث غير ما هو المشهور، و لا ما هو المنسوب إلى بعض الفحول، كما مرّ «2»، بل بالإجازة يصير ما أوجده المكره معنونا بعناوين المعاملات، و سيتّضح زيادة عليه في الفضوليّ إن شاء اللّه تعالى.

الشبهة السابعة: ثمّ إنّ ها هنا شبهة اخرى غير ما مرّ: و هي أنّ الكراهة الباطنيّة المعلومة للمكره الباقية بعد العقد، في حكم ردّ البيع، فلا تفيد الإجازة اللّاحقة، لأنّها التحقت بعد الردّ.

و تندفع بما يأتي: من أنّ الردّ الظاهريّ لا يمنع، فضلا عنه، و الإجماع المدّعى مخصوص بصورة أخرى، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 329- 330.

(2) تقدّم في الصفحة 367- 368.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 371

فذلكة الكلام في وجه بطلان بيع المكره

هو أنّ وجه

بطلان بيع المكره، إمّا فقدانه الشرط الوجوديّ، أو العدميّ، أو وجدانه المانع، فإن كان فاقدا للشرط الوجوديّ، فيلزم الانتقاض ببيع المضطرّ، و يمكن تصحيحه بلحوق الرضا و الإجازة، لتماميّة السبب بذلك قهرا.

و إن كان فاقدا للشرط العدميّ المشار إليه سابقا، أو واجدا للمانع كما عرفت «1»، فهما يورثان عدم الانتقاض، و لكن يلزم عدم إمكان إفادة الإجازة و الرضا اللاحق صحّته، كما لا يخفى.

و الذي هو الأقرب من أفق التحقيق: أنّ الوجه فقدانه الشرط الوجوديّ، إلّا أنّه ليس مطلق الرضا و التراضي، بل الشرط هو التراضي المعلول للدواعي الموجودة في نفس البائع، دون ما إذا حصلت من إلزام المكره، و بذلك يجمع بين ما هو طريقة العقلاء من كفاية الإجازة أو الرضا، و من قولهم بصحّة بيع المضطرّ دون المكره، و بين ما هو المستفاد من المستثنى في آية التجارة، و هو التراضي الناشئ من المتعاملين و من دواعيهم النفسانيّة، فافهم و اغتنم.

نعم، قضيّة ذلك صدق «التجارة» على الفاقد للقيد، و مقتضى ما مرّ منّا عدم صدق العناوين إلّا بعد لحوق الرضا الصادر من الدواعي النفسانيّة، و لكن التأمّل حقّه يعطي عدم ظهور المستثنى في ذلك، و لا يعدّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 325.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 372

بيع المكره من التجارة العقلائيّة قطعا.

الأمر الثاني: في النقل و الكشف

هل الإجازة اللّاحقة به تكون ناقلة، أم كاشفة حقيقة، أو حكما؟

وجوه و أقوال تفصيلها في الفضوليّ «1».

و يحتمل النقل على نعت آخر، بأن يكون الناقل متأخّرا زمانا، و المنقول متقدّما زمانا، و متأخّرا رتبة، و هذا غير الكشف الحقيقيّ، كما لا يخفى.

و الذي هو التحقيق: أنّ ما يتراءى من كلمات القوم- من أنّ الأمر غير اختياريّ، و تكون

الإجازة إمّا ناقلة، أو كاشفة- فاسد جدّا، بل قضيّة حكم العقل و العرف، أنّ الأمر بيد المالك، فإن شاء أجاز من أوّل الأمر، و إن شاء أجاز من الوسط، أو من الحين، و له اشتراط انسلاب المنافع، و له اشتراط لحوقها بالعين، لعدم الدليل على أنّ الأمر قهريّ، و لا شاهد على أنّ أمر العقد خارج عن اختياره، بعد احتياجه على جميع التقادير إلى الإجازة حتّى على الكشف الحقيقيّ، فإنّه تابع مقدار الكاشف و حدود الكشف.

فهذا هو قضيّة الأصل العقلائيّ، إلّا إذا نهض من الشرع ما يقتضي خلافه، كما في النكاح، فراجع.

______________________________

(1) يأتي في الجزء الثاني: 122 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 373

و أمّا مقتضى الأصول العمليّة فعدم تماميّة السبب بلحوقها، و لو فرضنا ذلك فالقدر المتيقّن منه هو النقل من الحين.

إن قلت: بناء على ما هو المختار من عدم صدق العناوين إلّا بعد الإجازة و إظهار الموافقة، فلا معنى لهذا النزاع، لتقوّمه بصدق العناوين، و احتياجه في الأثر إلى الإجازة، كما هو ظاهر الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم.

قلت: لا نسلّم ذلك، فإنّه إذا أمكن اتّصافه بعدها بها، فلا منع من كونه مدار كيفيّة لحوق الإجازة، كما هو الواضح.

و بعبارة أخرى: فرق بين ما هو من تتمّة الأجزاء، كالقبول و القبض المعتبرين في جثمان العقد، و بين ما هو من الشرائط القلبيّة، كالرضا و رفع الكراهة:

فما كان من قبيل الأوّل، فلا يأتي فيه النزاع المزبور، كما لا معنى للنزاع المذكور في القبول اللاحق بالإيجاب إذا كان متأخّرا زمانا، و قلنا بعدم شرطيّة الموالاة كما عرفت «1».

و ما كان من قبيل الثاني فيأتي فيه البحث، لأنّه به يصير معنونا و مؤثّرا،

فيكون تابعا لزمن تعنونه بالعناوين اللازمة، و هو في اختيار المالك.

اللهمّ إلّا أن يقال: كلّ الأمور الدخيلة في التأثير و الاسم على نسق واحد عرفا، و تمام البحث في الفضوليّ، فتأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 165.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 374

الأمر الثالث: حول كفاية الرضا اللاحق و عدمه

هل يكفي الرضا اللاحق، أم لا بدّ من إنشاء الإجازة، أم المسألة من قبيل بيع الفضوليّ، فإن كان هناك كافيا فالأمر هنا مثله؟

و قد يقال بالفرق بين المقامين: «و هو أنّ المنقصة في بيع المكره هي ضعف الاستناد إليه، لأجل كونه فاقدا للرضا و الطيب، و هما أمران قلبيّان يتمّ العقد بحصولهما في القلب، و لا يفتقران إلى الإنشاء، بخلاف بيع الفضوليّ، فإنّ المنقصة فيه عدم الاستناد إلى المالك، فيحتاج إلى الإنشاء» «1» انتهى، و فيه ما لا يخفى.

و الذي هو التحقيق: أنّ الرضا و ما هو الشرط القلبيّ الذي هو من الصفات الموجودة في النفس حين الإنشاء، ليس قابلا للإنشاء، لعدم كونه من الاعتباريّات، فهو بوجوده الواقعيّ دخيل في الاسم أو في التأثير، فكما يصحّ أن ينشئ المالك بيع داره مخبرا بعدم رضاه بذلك حين الإنشاء، و لكنّه يخبر به بعد مدّة، كذلك له الإخبار بحصول الرضا به، فلو اطّلع على هذا الأمر القلبيّ من غير إخباره، فهو أيضا كاف، ففرق بين ما لو كانت صحّة أمر موقوفة على الإنشاء، كما في طلاق زوجته، فإنّه ما دام لم ينشئ لا يقع الطلاق، لتقوّم صحّة طلاق الغير بإنشاء الوكالة له، أو ما يحذو حذوه، و لكنّه إذا طلّق فضولا ثمّ رضي به، فلا يبعد الكفاية، لتماميّة

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 122- السطر 3، منية الطالب 1: 198- السطر 4.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 375

العلّة التامّة، فإنّه لو كان يطلّق بنفسه فلا يكون إلّا إنشاء الطلاق مع الرضا و الإرادة، و هما حاصلان.

و لكنّ المسألة بعد تحتاج إلى التعمّق، و التفصيل في الفضوليّ إن شاء اللّه تعالى.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.